تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
غدير حدادين «منكَ ابتدأتُ وفي عينيّ تنتهي» مجموعة شعرية ذات تكامل بين النص الشعري والنص الفني

يمكن تحديد التفاعل الجمالي في مجموعة غدير حدادين وفق المؤشرات النصية التي تتفاعل وتتواشج بنائيا ولا نجد من خلال هذا التفاعل أي مجانية في المجموعة وهذا ما سنتبينه بعد تتبع تلك المؤشرات النصية التالية:

أولا: العنوان

بالنظر إلى العنوان بوصفه العتبة الأولى لقراءة النص بتعبير جيرار جينيت فإنّ الشاعرة غدير حدادين تفتتح مجموعتها بالعنوان الرئيس (منك ابتدأت وفي عينيّ تنتهي) الذي يتحرك وفق سياقين: الإحالة الخارجية، التي ابتدأت من الآخر في ضمير (منك) فهو لا يشير إلى مَنْ يحيل هل هو الحبيب أم الشعر أم الفن أم الوطن فالخيارات مفتوحة وهذا الافتتاح الدلالي هيأ العنوان ليكون قابلا للانطباق على كل قارىء بحسب تجربته وأفق التوقع لديه، ثم تنغلق دائرة العنوان بالإحالة الداخلية الراجعة لذات الشاعرة ومحيطها البصري (وفي عيني تنتهي ). بعد ذلك تتوزع عناوين المجموعة على قسمين يحملان ارتدادا خارجيا يتطابق مع عنوان المجموعة الرئيس: عنوان القسم الأول: بدايات وفيها يطغى روح الآخر الذي تخاطبه الشاعرة مثل:

أمام عينيك، والتماعة عينيه، وكيف سنبدو، وكفاك، وغيرها من العناوين.

في حين حمل القسم الثاني عنوان (نهايات) طابعا مختلفا فقد صبغت العناوين بشيء من المراوحة بين الأنا والآخر وما يدور بينهما مثل: اسمي الحقيقي، صديقة للحزن أنا، أأبحر دونك، وغيرها من العناوين.

على الرغم من طغيان ثنائية الأنا والآخر لدى الشاعرة، فلا تكاد قصيدة تخلو من هذه الثنائية التي توهم البعض بدلالة الحضور المادي للرجل والمرأة، لكن الشاعرة أرادت ما هو أبعد من ذلك بكثير فالآخر لديها هو الفضاء الموازي الذي ترجوه لفضائها الأنثوي المليء بالمشاعر.

تقول غدير في قصيدتها:

كن عادلا لمرة وقاسمني غيابك

خذ مني ظمأ الوحدة

وهبني أرضك والسماء

لا تكن ندّا

بل نهرا جارفا كالحنين

ولا تبقني دون شمس أو قمر

مما لاشك فيه أن الشاعرة هنا لا تخاطب الآخر المتمثل في صورته النمطية المعهودة في أذهاننا جميعا، بل على العكس فالشاعرة هنا تخاطب ما هو أبعد من ذلك، إنها تصوغ مفهوما جديدا للحضور بعيدا عن ظمأ الوحدة، إنها تبحث عن الدفء والضوء والارتواء، وكلها مفردات ذات دلالات وجدانية تبحث من خلالها الشاعرة عن المعنى الحقيقي للحضور، فصورة الآخر المتمثلة بالرجل لم تعد صورة مركزية وإنما هي هامش صغير لمعان أكبر بكثير مما قد يتوقعه البعض.

ثانيا: الشكل البنائي للقصيدة:

نلحظ ميل الشاعرة إلى ما يسمى بقصائد الومضة، تلك القصائد التي تميل للتكثيف والإيجاز، فهي تختزل الكثير من المعاني في دفقة شعورية تمنح المعنى وهجا مختلفا وروحا مشعّة تثير في نفس القارئ الدهشة.

تقول غدير في قصيدة (بصيرة):

أحبّني كفيفٌ رأى ضياء عينيّ

أحببتُ كفيفا أراني الدنيا في بصيرته

هذا الاختزال الذي يجعل للقصيدة سطوتها حين تسير كلماتها معك هو الذي منحها جمالها وخفتها،

ففي قصيدة (أبحثُ عنّي) تقول الشاعرة:

أبحث عنك في أفياء قلبي

وشموس لقائنا المؤجل

أبحث عني في نظرتك وعطرك

علّي ألقى شيئا منك

علّي أجدني

فكرة البحث العالقة بين الآخر والأنا التي تقوم عليها القصيدة قد اتسعت مع المفارقة التي حملها السطر الأخير في جملة علّي أجدني، فغاية البحث هنا ما هي إلا وسيلة لإيجاد الذات الضائعة.

ثالثا: التشكيل البصري:

المجموعة ارتكزت بصريا على نصين: النص الشعري للشاعرة غدير، ونص مواز قام على لوحات تشكيلية للفنان وليد التميمي تتمرأى مع النصوص، ومن يمعن النظر في هذه اللوحات سيعرف أن هذا التمازج يعبر عن وعي جمالي إذ لم يأت بشكل اعتباطي وإنما كان مدروسا جيدا، فهذا المزج المحترف بين اللون والكلمة يعبر عن نسق التشاكل البصري في المجموعة.

الخاتمة:

يمكن إجمال أهم معطيات التذوق الجمالي في المجموعة:

ــ عدم المجانية الفنية على مستوى العنوانات التي انطلقت من الآخر على اختلاف معطياته وانتهت بحاسة البصر بوصفها حاملة بريد العالم فوتوغرافيا

ــ التكامل الجمالي بين النص الشعري والنص الفني فكل واحد منهما يفسر الآخر فاللوحة تفسر النص والعكس صحيح.

 

 

المصدر: الدستور

05 سبتمبر, 2021 11:34:54 صباحا
0