تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كيف احفظ ولا انسى

لا يزال الحفظ سيد العمليات العقلية ،  مع ما تظهره بعض النظريات من أهمية وفائدة العمليات الأخرى ،  كالتحليل والتخيل والربط والاستقراء والاستنباط وغيرها ،  من العمليات العقلية ،  إلا أن الحفظ هي العملية العقلية الوحيدة التي تستغرق عمر الإنسان أغلبه،  إن لم يكن كله . لذلك حرص الكثيرون على تنمية هه الملكة ،  وأكثر من برع في هذه الملكة بجدارة وحق هم العرب خصوصا،  والمسلمون عموما ،  ولعل قصة أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور مع الأصمعي في قصة قصيدته الشهيرة ( صوت صفير البلبل) خير شاهد على مثل تلك المهارة الفائقة ’ إذ كان أبو جعفر رحمه الله تعالى يحفظ القصيدة من أول سماع ،  وجاريته من السماع الثاني ،  وخادمه من السماع الثالث ،  هذا مثال لما سمع وفهم فما بالك بمن يسمع كلام الأعاجم ،  ولا يفهم منه شيئا ،  لكنه يحفظه عن ظهر قلب ؟ لا يتملكنك العجب فجعبة العرب لا تزال ملئى واسمع إن شئت عن خبر أبي العلاء المعري في الحفظ ،  هذا الرجل الذي يندرج تحت فئة ينتقصها البعض من الناس فيسميهم " ذوي الحاجات الخاصة " لأنه كان كفيفا ،  لكنه كان داهية في الحفظ ،  يحفظ ما فهم ،  وما فدم ،  ولا أبعد النجعة إن قلت إنه كان معجما لغويا يمشي على الأرض ،  أو حافظة قوية للمعلومات ،  يسمع الكتاب لأول وهلة فيحفظه ،  حتى استغنى عن الشيوخ والمعلمين في زمن مبكر ،  ولعل هذا اصل خلافه في بعض مسائل الدين والاعتقاد ،  لأننا نعتبر أن الكتب على عظمتها وفخامتها لا تنشئ العلماء ،  لأنه قيل قديما " من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه" .

وها نحن على أعتاب الألفية الثالثة وقد جدت دعوات في مجال التنمية البشرية والبرمجة العصبية لتقوي ذاكرة الإنسان ،  ولم لا ؟ وقد أصبح النسيان داء مستفحلا ،  ولو أنه طبع جبل عليه الإنسان كما قال القائل :

فما سمي الإنسان غلا لنسيه ....... ولا القلب إلا أنه يتقلب

لكنه استشرى ،  وانتشر،  ووصل إلى أن ينسى البعض اسماء بعض معارفه ،  ولعل تلك العلة كانت معروفة قديما ،  و لكن أسبابها كانت معروفة ونادرة ،  كمن كبر سنه واختلط عليه حفظه ،  وكمن حرق بيته وكتبه واختلط عليه بعضها ،  وهكذا ،  ولكن كيف لي أن أنعم بالحفظ القوي ؟؟؟

لا بد قبل الإجابة عن هذا السؤال أن نعلم أمورا هامة تعد من خصائص عملية الحفظ وهي :

v    أن الحفظ ملكة تزيد بالمران ،  وتضعف بالترك والإهمال .

v    أن هذه الملكة هي جهد عقلي ،  فيحتاج إلى راحة كافية تغذية مناسبة .

v    أن هذه الملكة نعمة من الله تبارك وتعالى ،  فتحتاج إلى شكر ،  ومن شكرها أن تستخدم في طاعة الله .

v    أن هذه الملكة رزق من الله عز وجل ،  وقد يحرم الرجل الرزق بالذنب يصيبه كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .

لذلك ينبغي على من أراد حفظا لا يخالطه النسيان تتبع ما يلي :

v    المران على الحفظ ،  وبالمناسبة فإن الحفظ يزيد بأمور منها :

  • التكرار : أي تكرار التعرض لما تريد حفظه ،  إن كان مقروءا تلوته كالقرآن ،  أو مسموعا عزوته لصوته،  كمعرفة أصوات قراء القرآن والمنشدين والمذيعين ،  أو مرئيا كمعرفة الصور والاشكال والمناطق والخرائط وغيرها ،  أو ملموسا كمعرفة الأشياء عن طريق اللمس مثل تعلم لغة "بريل" للمكفوفين وغيرها .
  • التركيز ،  لقوله تعالى " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " (الأحزاب /4) 0
  • المذاكرة ،  وهي صورة من صور التكرار ،  فإعادة الآية على الأسماع ،  أو المسألة،  أو المعلومة ،  ترسخها في عقل القائل أولا ،  لذلك تجد أن مدرسا يدرس منهاجا معينا مدة طويلة يكون أحفظ لمادة هذا المنهاج من غيره ،  لكثرة تعرضه لمعلومات هذا المنهج وهو مبدأ التكرار .

v    تقوى الله عز وجل والبعد عن المعاصي ،  لأن الحفظ رزق يضيع بالمعصية ،  كما ورد عن الشافعي أنه كان يحفظ ما يقرأ لأول وهلة ،  فشكا يوما إلى شيخه وكيع بن الجراح سوء حفظه فنصحه بلزوم طاعة الله والبعد عن المعصية ،  فما سوء الحفظ إلا بشؤم المعصية ،  لذلك ينسب إل الشافعي أنه قال :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي ..... فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يهداه عاصِ

v    لزوم شكر الله تعالى على نعمة الحفظ ،  وذلك بحفظ ما ينفع النفس والناس ،  ثم بث بين الناس بفهم وعقل وحكمة ،  وأولى الناس بالإفادة مما تحفظ أهلك وزوجك وبنوك فإنهم رعيتك ومسئولون منك ،  وعليك أن تزيل عنهم سحابة الجهل ما استطعت إلى ذلك سبيلا .

v    أخيرا الاهتمام بالراحة والتغذية ،  خاصة الأغذية التي تزيد من قوة الذاكرة ،  كما عرف عن العسل والزبيب والجزر والأناناس والأفوكادو والينسون والطماطم وغيرها .

ختاما أسأل الله العظيم أن ييسر لنا خدمة دينه ،  وحفظ كتابه علما وعملا وبلاغا ودعوة ،  وأن يدخلنا الفردوس الأعلى من الجنة .

 

08 سبتمبر, 2021 03:43:10 مساء
0