تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
قصة الورق في الإسلام

يدين الغرب للإسلام بالعديد من الإنجازات في العلوم والرياضيات والطب والفلك والفن والعمارة، وفي تنظيم الجامعات والمكتبات، وفي تجليد وتذهيب الكتب، ويعتبر القرآن الكريم المكتوب باللغة العربية أهم الكتب على الإطلاق من إندونيسيا إلى إسبانيا، ومن إفريقيا إلى آسيا الوسطى. وعلى الرغم من أن الورق تم اختراعه في الصين، كان له مكانه البارز في الحضارة الإسلامية.


وكانت صناعة الكتاب مهمة في العالم الإسلامي؛ نظراً للقيمة الرمزية والمقدسة للكتاب، والتي ربطت بين التوسع الإسلامي وانتشار الورق والكتاب في امبراطوريته الواسعة، وهو القرآن الكريم، أقدس الكتب الذي يضم كلمة الله والذي كان يُنسخ باليد مما زاد من أهمية فن الخط والمنمنمات. والقرآن، كما هو معروف، كلمة تعني «القراءة» أو «التلاوة»، وكُتب باللغة العربية. وكان وما يزال النسخ اليدوي للقرآن الكريم يتمتع بقيمة روحية وفنية. وكان الخط يعتبر بدوره عنصراً زخرفياً مهماً، ويشكل جزءاً من فنون أخرى: من العمارة وحتى فن صناعة الحلى ومن صك العملة إلى المنسوجات والرسم.

وكان القلم والمداد والورق من المواد التي تشارك في تكوين القرآن الكريم. وكان يتم بدقة اختيار الحبر المستخدم في كتابة الحروف والعناوين وعلامات السجدات. وأضفى حفظ القرآن الكريم على الصفحة المكتوبة قيمة كبيرة في المساعدة على التذكر وتقديم العون أثناء التلاوة. وتم تدوين القرآن بأكمله كتابة وبإشراف الخلفاء.

وكانت تتم صناعة الكتاب، بما فيها النسخ بخط اليد والتزيين بالمنمنمات، من خلال عمل جماعي يقوم به خبراء مختلفون يجتمعون لتنفيذ مشروع واحد. ومنذ العصور الأولى للإسلام، كان للخطاط دور ومكانة بارزة، لدرجة أنه كان أشهر الفنانين بين القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين. ويأتي الخطاط المعلم في المقدمة، وكان يشغل منصب مدير المكتبة أحياناً، ثم الناسخ، والمساعد، وخطاط الفرمانات، أو الأوامر التي يصدرها الحكام، وفي بعض الأحيان كان الخطاط يقوم بدور الرسام. وكان الخطاطون والكتبة يمثلون جزءاً مهماً في المجتمع الإسلامي، ويستحوذون على احتكار نسخ ونشر النصوص.

ولعب الكتاب دوراً بالغاً في الإسلام منذ ميلاد الإسلام في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع وانتشاره من بلاد فارس إلى إسبانيا، وكان انتشاره خارقاً للعادة من الناحية الكمية. وكان هناك مئات الآلاف من الكتب بالمكتبات الموجودة في المدارس والمساجد أو في دور الخلفاء، ومنها مكتبة الخليفة المأمون أو «دار الحكمة» في بغداد منذ عام 815 م. وكانت ببغداد 36 مكتبة عامة توفر لقرائها ما يلزم للكتابة من ورق وحبر وأقلام. وكانت للمكتبة مكانة مهمة داخل قصور الحكام. وكانت الأماكن الخاصة لبيع الكتب الملتقى المعتاد لعشاق القراءة. وشغلت الكتب مكانة مهمة في حياة المسلمين رجالاً ونساءً. وأطلقوا على الكتب المكتوبة على الورق «السفر» أو «الكتاب».

وتم استخدام الورق بشكل واسع، وتم إنتاجه بتنوع كبير. وشهد القرن العاشر تفوق الورق بشكل نهائي وسريع على البردي والرق؛ نظراً لسهولة الحصول على خاماته الأولية التي تنمو بوفرة في العالم الإسلامي مثل القطن والكتان والقنب، فضلاً عن سهولة إنشاء مصانع الورق في كل مكان دون نفقات كبيرة.

وتم استخدام المسطرة في مختلف العالم الإسلامي، وكانت أداة الغرض منها هو تسطير الأوراق. وكانت المسطرة تتكون من إطار من الخشب (أبنوس، أو بلوط، أو صفصاف، أو البقس) أو الكرتون أو المعدن، وكانت تشد عليه الخيوط التي تمثل شكلاً محدداً، شديد التعقيد في بعض الأحيان لخطوط التسطير، سواء المستقيمة أو المائلة المطلوب رسمها.

وانتشر الورق في العالم الإسلامي الواسع اعتباراً من القرن الثامن الميلادي من آسيا الوسطى إلى إيران والعراق والشام واليمن ومصر وشمال إفريقيا والأندلس. وبعد سمرقند، التي انتشر منها الورق العربي، أُنتج الورق بكميات كبيرة في مصانع بغداد. وتمتعت الشام بشهرة خاصة في صناعة الورق، وفي القرن الثاني عشر صار أكبر صناعة في البلاد لدرجة أنه كانت تُصدر منه كميات كبيرة إلى مصر. وفي مصر، وصلت أول نماذج من الورق قادمة من الشام. أما الورق المصري الخالص، فقد تم إنتاجه اعتباراً من القرن العاشر، وسرعان ما بدأ في الانتشار في شمال إفريقيا بأكمله. وشجع مناخ مصر الجاف على حفظ الكثير من القصاصات الورقية المؤرخة بين القرنين التاسع والرابع عشر التي تم اكتشافها في معبد بن عذرا اليهودي بالفسطاط بالقاهرة داخل غرفة استخدمت كمخزن والمسماة بالعبرية «الجننيزة». وأظهرت وثائق «الجننيزة» مدى انتشار الورق للاستخدامات الخاصة الأكثر شيوعاً مثل المعاملات التجارية كأذونات الدفع والإيصالات. كما أظهرت كيف كان الورق هو المادة التي عبر من خلالها العالم الإسلامي من الأندلس إلى الهند عن وحدته.

وعلى الرغم من أن الورق كان اختراعاً صينياً، فقد عدله المسلمون ثم نشروه في كل أراضيهم. وكان من أهم الملامح المهمة التي قاموا بها استخدام القالب المرن في صناعة الورق، واستخدام الخرق أو الأسمال كمصدر رئيس للحصول على خامة العجينة، وتعطين أو تخمير الخامة بإضافة الرماد، وتنقية العجينة بالمدقات التي تعمل بالجهد المائي، والتغرية باستخدام نشا الحب. وساهمت هذه التعديلات في تطور تكنولوجيا صناعة الورق وفي الانتشار المتغلغل للمنتج الجديد في الأراضي الإسلامية لأكثر من خمسة قرون.

30 يونيو, 2018 11:04:16 صباحا
0