تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حرارة الشمس تبرد عند سطحها ثم تلتهب مجددا

الأرجح أنّها إحدى الظواهر الكونيّة التي ما زالت مستعصية على التفسير علمياً لحد الآن، على رغم أنها تحدث في الشمس التي يراها البشر يومياً منذ فجر وجودهم على الأرض. ويصح القول دوماً بأن الكون مملوء بالظواهر غير المفسّرة علمياً، وذلك أحد الأسباب التي تحفز عقول البشر على التعمّق في دراسة الكون.


من المستطاع وصف تلك الظاهرة الشمسيّة بكلمات قليلة. هناك حرارة هائلة في الشمس تتأتّى من تفاعلات نوويّة في قلب فرنها المستعر بحرارة لاهبة تقارب 16 مليون درجة مئويّة. عندما تصل موجات الحرارة إلى سطحها الخارجي، تبرد قليلاً لتصل إلى قرابة نصف مليون درجة مئوية، وهو أمر متوقّع بموجب قوانين انتقال الحرارة. لكن، وعلى نحو يخالف قوانين الحرارة والحركة التي يعرفها البشر، تعود حرارة الشمس إلى الارتفاع مجدّداً عندما تخرج من سطحها إلى المنطقة المحيطة به (تُعرف باسم «هالة الشمس») لتصل إلى ما يفوق مليون درجة مئوية. وتحدث عملية إعادة التسخين بطريقة غامضة، لأنه لا يوجد مصدر معروف لتلك الحرارة المستجدة!

إذاً، من أين تأتي الطاقة التي تعيد تسخين الموجات الخارجة من سطح الشمس إلى هالتها التي تفوق الحرارة فيها ما تكونه على سطحها بقرابة 200 ضعف؟

ثمة توافق بين العلماء على أن عملية إعادة التسخين تتطلب طاقة كبيرة جداً، ولا مصدر لها «هناك» إلا قلب الفرن الشمسي الذي يبعد كثيراً عن سطح الشمس! وكذلك يتفقون على القول أن الحقل المغناطيسي للشمس هو المسؤول عن نقل حرارتها من قلب فرنها إلى سطحها ثم هالتها.

وعند تلك النقطة، ينتهي التوافق بين الآراء العلمية عن تلك الظاهرة المحيرة. ويثور نقاش علمي متشابك حول كيفيّة انتقال الحرارة من طريق الحقل المغناطيسي، وكذلك الحال بالنسبة لعودة الحرارة إلى الارتفاع بشدة عند هالة الشمس. ولا تزال تلك الأمور غامضة حتى الآن.

بحثاً عن موجات ملتوية

لعل الطريقة الأكثر شيوعاً لتفسير تلك الظاهرة هي تلك التي تستند إلى القول أن التسخين يحدث من طريق الموجات المغناطيسية. وحاضراً، تطرح مجموعة من العلماء تفسيراً لتلك الظاهرة استناداً إلى نوع من الموجات الشمسية تعرف باسم «ألففين». وتمثل تموّجاً التوائياً عبر خطوط الحقل المغناطيسي للشمس. ودُرسَتْ تلك الظاهرة في مختبرات الفيزيائيّين وعلماء الذرة، لكنهم لم يكتشفوا وجودها في خطوط الحقل المغناطيسي للشمس إلا في الآونة الأخيرة. وفي المقابل، ما زال الغموض محيطاً بمدى قدرتها على نقل الطاقة من فرن الشمس إلى هالتها، وبكمية تكفي لإعادة تسخينها بعد «برودتها» النسبيّة عند سطح الشمس!

وتقدم ثُلّة أخرى من العلماء تفسيراً بديلاً عن موجات «ألففين»، عبر الإشارة إلى التوهّجات الدقيقة التي تُنتَج عندما تعود خطوط حقل الجاذبية إلى التقاطع مع بعضها بعضاً عند الهالة الخارجية للشمس. وفي خضم تلك العملية، تتشابك تلك الخطوط بشكل كثيف، وتبقى جذورها ممتدة إلى قلب الشمس، ما يعطيها القدرة على تخزين كميات هائلة من الحرارة، ومعاودة نقلها إلى هالة الشمس.

وأحرز مختصّون في دراسات الشمس تقدّماً طفيفاً في الآونة الأخيرة، بصدد ظاهرة ارتفاع حرارة هالة الشمس، بفضل المعلومات التي سجّلتها المركبة الفضائية اليابانية «هاينود» و «مرصد ديناميكية الشمس» التابع لـ «وكالة الفضاء والطيران الأميركيّة» («ناسا»).

في المقابل، تتمتع الموجات التي يُعتقد أنها تمدّ الهالة بالطاقة، بسرعة هائلة، ما يُصعّب رصدها وتحديد كميّتها عن طريق المعدات المستخدمة حالياً.

وأخفقت مركبات الفضاء التي أُطلقت لدراسة الشمس، في حلّ لُغز السخونة اللاهبة لهالة الشمس. ولا يلوح في الأفق أمل بإمكان التوصل إلى حلّ ذلك اللغز في وقت قريب. وفي المقابل، يتطلع الباحثون إلى إمكان صنع مراصد شمسية جديدة ومتطوّرة، إضافة إلى تلك التي أطلقتها وكالات فضاء دولية مختلفة في العقد الثاني من القرن 21.

في ذلك الإطار، يستمر العمل في صنع «التلسكوب الشمسي المتطوّر تكنولوجياً» في مدينة «هاليكالا» في هاواي، الذي تفوق عدساته بضعفين أضخم التلسكوبات الشمسيّة الموضوعة في الخدمة حاضراً.

وفي خطوة نوعية، أطلقت «وكالة الفضاء الأوروبية» مركبة فضاء صوب الشمس، تحمل اسم «سولار أوربيتر» Solar Orbiter، في عام 2017. ويتوقع أن يتمكن «سولار أوربيتر» من الحصول على صور أفضل لقطبي الشمس، ما يعطي معلومات ربما تساعد في حل لغز السخونة غير الغامضة في هالة الشمس.

01 يوليو, 2018 11:26:12 صباحا
0