تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
"البيت الذهبي": أميركا اليوم كما يراها سلمان رشدي

تدور رواية سلمان رشدي "البيت الذهبي" The Golden House (384 صفحة، منشورات جوناثان كايب، 14 جميهًا استرلينيًا) حول نيرو غولدن الذين ينساب وجوده الصامت كنهر تتفرع عنه قصص أبنائه الثلاثة.

تظهر عائلة غولدن بصورة مفاجئة للسكن في منزل يبقى بلا هوية، رافضين الافصاح عن اصولهم. يقرر رينيه الطامح إلى أن يكون سينمائيًا أن العائلة موضوع مناسب لفيلم وثائقي "ساخر"، على حد وصفه، حيث يستطيع أن يتخيل ما يجري بينهم حين لا يكون حاضرًا. وهذه خدعة ذكية تمنح رشدي فسحة أكبر ككاتب مما لو قيد نفسه والقارئ بوجهة نظر رينيه. كما تعكس طريقتنا جميعًا في النظر إلى جيراننا، من دون أن نعرف الكثير عن حياتهم. وما لا نعرفه نسلي أنفسنا بتخيله.

فقاعتان

يبدأ الكتاب بانتخاب باراك أوباما، وينتهي بعد ثمانية أعوام عشية انتخابات يشير أكبر المتنافسين فيها إلى نفسه على أنه "الجوكر". وتلاحظ الكاتبة الاسكتلندية ـ الأفريقية أميناتا فورنا أن شخصية نيرو تحمل اصداء من شخصية دزمالد ترمب أيضًا.

فهو رجل ذو ثراء فاحش وزوجة روسية جميلة، ويُعتقد أنه حقق جزءًا من ثروته بصفقات عقارية. ومن شخصيات الرواية الأخرى منوُّم مغناطيسي استرالي ودبلوماسي من ميانمار ومغنية في ملهى ليلي وفنان صومالي ومساعدا نيرو. ومع اقتراب موعد الانتخابات، تكون أميركا منقمسة بعمق. يصف رينيه ذلك العام بأنه عام فقاعتين في أحداهما يصرخ الجوكر فيضحك الجمهور حين تصدر اليه الاشارة بالضحك. وفي هذه الفقاعة كانت المعرفة جهلًا والأعلى سافلًا والشخص الذي يعرف الشفرة النووية أخرق. في نهاية الكتاب، تكون فقاعة نيويورك هي الفقاعة التي يصمد فيها الواقع.

خيار لا معطى

تصل عائلة غولدن بعد الهروب من مدينة مجهولة يتضح لاحقًا أنها مومباي الهندية، ومن تهديد مجهول، لكنها لا تبدو قادرة على الهروب من قدرها. في مركز المأزق الذي تجد كل شخصية نفسها فيه تكمن مسألة الهوية. وهنا يضع رشدي اصبعه على أزمة عصرنا الوجودية ويضغط بقوة. فعائلة غولدن عائلة مهاجرين ولاجئين تركوا علاقاتهم بوطنهم واختاروا اسماء جديدة تتحول إلى أشكال جديدة في الأشهر التالية على وصولهم.

في نيويورك يحاولون أن يعيدوا اختراع أنفسهم. لكن مع وصول زوجة الأب الجديدة يترك الأبناء بيت العائلة الواحد تلو الآخر ليضيعوا في نيويورك.

دي، الأصغر بينهم، لا يعرف إن كان رجلًا أو امرأة أو امرأة بأعضاء تناسلية ذكرية. تعمل صديقته ريا في "متحف الهوية" المتخيل، فتقنعه باكتساب هوية جنسية حديثة قائلة: "تستطيع أن تختار مَنْ تريد أن تكون. فالهوية الجنسية ليست معطى بل خيار".

أزمة هوية

آبو، الإبن الأوسط، فنان ناجح وسيم يعاني وطأة الإغتراب ويحن إلى الوطن، لكن عودته تسفر عن نتائج مدمرة. الابن البكر بيتيا يجد السلام والأمن وراء باب غرفته المغلق وفي العالم المفبرك لألعاب الكومبيوتر. في هذه العائلة المحكوم عليها بالهلاك، بيتيا وحده الذي يبدو قادرًا على إيجاد الخلاص عندما يتحرر من العزلة التي فرضها على نفسه. والشاهد على ذلك كله رينيه الذي يتسلل إلى العائلة ويصبح بالتدريج جزءًا من دراما حياتها.

"البيت الذهبي" رواية عن نيويورك منظورًا اليها من الداخل والخارج بطريقة لا يجيدها إلا كاتب مثل رشدي، الهندي والبريطاني والآن النيويوركي. وهي رواية عن فقاعات اميركا العديدة كتبها شخص لم يكن لديه قط ترف العيش في أي فقاعة منها، بحسب تعبير فورنا في مراجعتها الرواية. فمفهوم الهوية بوصفه مفهومًا متداخلًا ومتعدد المستويات أمر تتصارع معه قطاعات واسعة من أميركا البيضاء في أزمة هوية تعم الولايات المتحدة؛ إذ كان هؤلاء يظنون انهم يعرفون من يكونون ثم اكتشفوا أن وعيهم بالذات كان يعتمد بصورة متزايدة على أن يقولوا للآخرين ما هو ليس هويتهم.

الطبيعة الغالبة

يبدو رشدي كأنه يقول إن لا مفر من القدر، لأن الشخصية تصنع القدر، ذلك أن نيرو ذكي وصاحب مبادرة، وشخصية ساحرة، طريفة وسريعة الخاطر. وهو أيضًا فاسد وجشع وقاس، غير قادر وغير مستعد للجم هذه النوازع. هكذا، يكون مهندس سقوطه ذاته.

بعد قراءة كتاب زاخر بالإحالات إلى الأساطير اليونانية، تتبادر إلى الذهن حكاية إيسوب عن العقرب والضفدع. فإن عقربًا تقنع ضفدعًا بحملها على ظهره والعبور بها إلى الضفة الأخرى من النهر.

يسأل الضفدع كيف يتأكد من أنها لن تلسعه. فتجيب العقرب "لأن كلانا سنهلك حينذاك" لكنها تلسعه مع ذلك. وحين بدأ الاثنان يغرقان يسأل الضفدع مصعوقًا لماذا لسعته تجيب العقرب "لأن هذه هي طبيعتي".

هذا التقرير عن "غارديان".

14 نوفمبر, 2018 08:27:56 صباحا
0