المعجم التاريخي للغة العربية احتفالية معرض الشارقة الدولي للكتاب... "النهار" في "العرس البهيج"
المعجم التاريخي للغة العربية احتفاليةُ معرض الشارقة الدولي للكتاب... "النهار" في "العرس البهيج"
الحدث الأهم في المعرض الأهم، معرض الشارقة الدولي للكتاب. مُنجز ضخم، يمكن القول هو احتفالية الدورة الـ39 و"زبدتها". "المعجم التاريخي للغة العربية"، هو المشروع المعرفي الأكبر للأمة، الذي يؤرّخُ للمرة الأولى تاريخ مفردات لغة الضاد وتحوّلات استخدامها عبر 17 قرناً، أطلق عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، المجلدات الأولى منه، خلال حفل أقامه في مدينة خورفكان، بحضور عدد من رؤساء مجامع اللغة العربية، وكبار علماء اللغة العربية والفقهاء العرب
وتُؤرّخ الأجزاء الثمانية الأولى التي تمّ الكشف عنها لتاريخ المفردات التي تبدأ بحرفي الهمزة والباء. ثمانية مجلدات تعرض تطوّر معاني المفردات ودلالات استخدامها وتحوّلها عبر العصور؛ بدءاً من عصر ما قبل الإسلام، والعصر الإسلامي من 1-132 هجري، مروراً بالعصر العباسي من 133 656 هـ، والدول والإمارات من 657 1213هـ، وصولاً إلى العصر الحديث من 1214 هـ حتى اليوم
تشارك في انجاز المعجم، الذي يشرف عليه اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية في الشارقة إدارة لجنته التنفيذية. يستند المعجم في إنجازه على قاعدة بيانات تم جمعها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية باللغة العربية، منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام
يرحّب الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة الدكتور امحمد صافي المستغانمي بـ"النهار" في "هذه الديار العتيقة التي تحمل الثقافة بين يديها". يسمّي الحدث: "العرس الثقافي البهيج"، ويصف الدورة بـ"المتميّزة" القادرة على العطاء في زمن جمود كلّ شيء. "كادت الجائحة أن تأكل الأخضر واليابس. ومع ذلك، بالعزم والاصرار والتفاني والتخطيط الدقيق، وبالتوكّل على الله، استطاع القائمون على المعرض إقامته، مع فرض القيود والإجراءات الاحترازية"
حدّثنا قليلاً عن إصدار المعجم دكتور، فيردّ بفخر: "نحمد الله على هذا الإنجاز الذي يؤرّخ للغة العربية بجميع ألفاظها وجذورها، ابتداء من العصر الجاهلي، مروراً بالعصر الإسلامي فالأموي والعباسي، حتى العصر الحديث. هذا الإنجاز يؤرّخ للكلمة في مجالاتها شتّى، في الشعر والأدب والقصة والخطابة، والقرآن والسنّة والفلسفة، إلى أن نصل إلى لغة العصر في الصحافة والإعلام"
بِمَ يختلف عن المعاجم الأخرى كـ"لسان العرب" و"القاموس المحيط" وغيرهما، فيجيب: "بالتأريخ للكلام. في القاموس المحيط مثلاً، تجد استعمالات الكلمة، وشرحاً لها. نحن نعطي في هذا المعجم، عبر 300 باحث وأكاديمي من 10 مجامع لغوية، أصل الكلمة وأين استُعملت للمرة الأولى؟ أين وردت، وفي أي سياق؟ مَن الشاعر الأول الذي استعملها؟ هل وردت في القرآن والحديث النبوي؟ وفي أي معنى؟ إلى أن نصل إلى العصر الحديث. هذا تأريخ للغة، إضافة إلى الشرح"
يختم بشعور من الاكتفاء والسعادة: "هو معجم يرصد تاريخ الكلمات وتطوّر الألفاظ والمصطلحات، سيكون مرجعاً علمياً لغوياً لجميع المثقفين والمتخصّصين"
نلتقي أيضاً الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي، الأمين العام السابق لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، للحديث عن الحدث. لا يُخفي أنّه "عندما نتحدّث عن المعجم التاريخي للغة العربية، أو المعجم التاريخي لأي لغة، فإننا نتصوّر حجم التعب والمشقّة والتوثيق، جرّاء متابعة الآباء والأجداد وما قيل عنهم وأوصافهم وسيرتهم". يتابع فيما حركة المعرض بدت تزداد لتشوّق الناس إلى القراءة: "عندما نتحدّث عن معجم تاريخي لأي شعب، فإنّ الأمر صعب، فكيف إن كنا نتحدّث عن معجم تاريخي للغة العربية التي تمتدّ لأكثر من 1500 سنة، دُوّنت فيها نصوص مقدّسة وأشعار وملاحم، وشهدت حركة لغوية ضخمة مرّت بأجيال وعصور ودول وحضارات متنوّعة، ونطق بها أبناؤها وغير أبنائها"
بالنسبة إليه، وجميع العاملين على المشروع، فإنّ "المعجم التاريخي ذاكرة الأمّة". إنّه إيمان حاكم الشارقة أيضاً ورؤيته. "لقد تحقّق موقتاً جزء من حلم مهم راود اللغويين والمؤسسات والجامعات والكلّيات، والمعنيين بتعلّم اللغة العربية، عندما صدرت هذه الأجزاء الثمانية التي تمثّل إنجازاً نوعياً، وتشويقاً لما يأتي بعدها وما نحن موعودون به من أجزاء، التي يُتوقّع أن تزيد على خمسين جزءاً، وقد صدرت الثمانية الأولى التي تحقّق حرفي الهمزة والباء. هذا حلم أول لدى اتّحاد مجامع لغوية عربية، وحلم حاكم الشارقة الذي رعى وأيّد ودعم"
شارك الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي في مناقشة خطّة المعجم الأولى، من دون أن ينتمي إلى فريق التنفيذ المحض. نسأله عن زمن الرقمي اليوم، والقراءة أونلاين، فأين المعجم من تطوّرات عصر التكنولوجيا. يجيب بأنّ سيكون متاحاً للجميع عبر المنصّة الالكترونية. وقد قدّم اقتراحاً لقي قبولاً حسناً، هو أن يصاحب هذا المعجم، معجمٌ للطالب أو الجيل الشاب الذي يريد صيغة أسهل، مع رسومات والجانب التفاعلي الذي يناسب العصر
إذاً، يشكل المعجم، إلى جانب أنّه يوثّق لمفردات اللغة العربية، مكتبة إلكترونية ضخمة مكوّنة من أمّهات كتب اللغة والأدب والشعر والفلسفة والمعارف العلمية المتنوعة تمكّن الباحثين والقرّاء بعد الانتهاء من مراحل إعداده كاملة، الوصول إلى آلاف الكتب والمصادر والوثائق يُعرض بعضها إلكترونياً للمرة الأولى في تاريخ المحتوى المعرفي العربي
ويختصّ بتوضيح عدد من المعلومات الرئيسة هي تاريخ الألفاظ العربية؛ حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقّة منها وتقلّباتها الصوتيّة، ويقوم يتتبّع تاريخ الكلمة الواحدة ورصد المستعمل الأوّل لها، مركّزاً على الاستعمال الحيّ للغة، متميّزاً عن سائر المعاجم السابقة أنّه يستشهد بالنصوص الحيّة قرآناً وحديثاً وشعراً وخطباً ورسائل، وغيرها، كاشفاً تطوّر المصطلحات عبر العصور، وراصداً تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة في اللغة المستعملة، والكلمات التي اندثرت وزالت من قاموس الاستعمال مع ذكر الأسباب المؤثّرة في ذلك؛ حيث يبحث عن تطور الكلمة عبر الزمان وعلى ألسن العرب وغيرهم من المتكلّمين باللسان العربي منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم
إلى جانب ذلك، يعرض المعجم تاريخ نشأة العلوم والفنون؛ إذ يبحث في علوم اللسان العربي عن جميع العلوم التي نشأت تحت ظل البحوث اللغوية قديماً وحديثاً من نحوٍ وصرفٍ وفقه لغة ولسانيات وصوتيات وعلوم البلاغة والعروض وغيرها، ويتوقّف عند المصطلحات التي ولدت ونشأت في رحاب هذه العلوم. كما يقدّم مقارنات بين الألفاظ في اللغة العربية وبين ما انحدر منها في اللغة العبرية والأكّادية والسّريانية والحبشية وغيرها. وفي هذا المجال، تمّ تكليف لجنة متخصّصة برصد أوجه الشّبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها في تلك اللغات، وذكر الشواهد الحية التي تدلّ على ذلك مع توثيقٍ للمصادر والكتب التي أُخِذت منها
إشارة إلى أنّ المنصّة الرقمية التي تمّ إعدادها لإنجاز المعجم تتميّز بسهولة البحث، وسرعة الحصول على المعلومة واسترجاع النصوص وإظهار النتائج في سياقاتها التاريخية، إضافة إلى أنّها تشتمل على قارئ آلي للنصوص المصورة، معتمدة على قاعدة بيانات تساعد الباحثين على التعرّف على مداخل كل جذر، ومن ثَمَّ الوصول إلى مبتغاهم في السياقات التاريخية المتنوعة
وكان حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي أكّد في كلمته خلال حفل إطلاقه أنّ "المعجمُ التاريخي للغة العربيّة سيكون المرجع الأكبر والمورد الأعظم الذي يعود إليه المثقفون والمتخصّصون في جميع المجالات، ويعود إليه طلاب الجامعات والأكاديميّون، والشعراء والأدباء، وكل مَن يَهْوى هذه اللغة العظيمة"
وتابع: "إنّي مُؤمن بأنّ هذا المعجم لا يشرحُ الألفاظ ولا يُعرّف بدلالات الكلمات ويُعطي تواريخ استعمالها فقط، وإنّما يحفظ تاريخَ الأمّة من الاندثار، ويصون حضارتها من الزّوال، ويُخلّد مآثر العرب وأيامهم، ويحافظ على الذاكرة العربيّة من أقصى الجزيرة العربيّة شرقا إلى المحيط الأطلسيّ غرباً، ويؤرّخُ للنّصوص والأشعار، ويُثبت الأخبار والأقوال التي نطقَ بها المسلمون وهم في بلادهم وراء النهرين وأقاصي آسيا، ويحفظ تاريخ إفريقيّة المسلمة التي عُنِيَ أصحابُها بالفقه المالكي وعلوم اللغة ومتونها"
المصدر: نبض