تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
نوال عباسي ما كتبته في الصحافة

تُعدّ نوال عباسي من الكاتبات الأوائل في الأردن، فقد أثرت الساحة الثقافية بمقالات وقصص وقصائد وخواطر وحوارات وغيرها من فنون الكتابة، وهذا التنوع إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على غزارة انتاجها الأدبي والصحفي، ومَنْ يُطالع مؤلفاتها يتبيّن ثقافة واسعة تتمتع بها، ولغة جميلة يخطّها قلمها، وحسّاً مرهفاً تكابد فيه معاناة الحياة، وانتماءً عروبياً وإنسانياً لا تزاودُ فيه على أحد، بل جُبلتْ على حُبّ الأوطان، والدفاع عن قضايا الأمة، وقضايا الإنسانية عامة.


يضمُّ كتاب نوال عباسي المعنون بـ «ما كتبته نوال عباسي في الصحافة» الصادر عن دار الخليج للنشر والتوزيع في عمان للعام 2021 بمجلدين، مقالات وحوارات وقصصاً وخواطر، نشرتها في الصحف الأردنية والعربية منذ سنوات خلت، وتكشفُ فيها عن خبايا النفس، وعن ألمٍ استوطن الفؤاد، وبرغم ما أصاب النفس والفؤاد من عوارض الدنيا وهمومها، نجد نوال عباسي في كلّ مرّة أقوى مما أصابها، فهي في حضور دائم، وإيجابية لم تسلبها عوائد الدهر ما آمنت به وتؤمن به، فصدقُ المشاعر والأحاسيس وحريةُ الكلمة، والتمردُ على ما هو سائد سبيلٌ لا فكاك منه.


أسواء اتفقنا أم اختلفنا مع نوال فيما ذهبت إليه في بعض مقالاتها، يبقى المشترك بيننا هو التواصل الإنساني والوجداني، والدفاع عن القضايا المصيرية لأمتنا العربية، فهي قضايا تنزع نزوع الثورة على الظلم والاستبداد والقمع والاحتلال، ولا يقفُ دفاعها موقف العاجز، بل موقف المتمرد على الواقع، وصاحب الحقّ في الحياة والعيش، ويتعدّى دفاعها إلى قضايا إنسانية تتجاوز الحدود والأوطان.


تقدّمُ للقارئ جمعاً من فنون الأدب، فلا تقتصرُ على شكل واحد، وإنما نوّعتْ في الشكل كما نوّعتْ في المضامين، فالشكلُ قد يكون مقالة أو خاطرة أو ومضة أو قصة أو قصيدة أو حوار، والمضامينُ نقاط تحول من أنا الذات إلى الأخر، ومن الوطني إلى القومي، ومن القومي إلى الإنساني.


تمتلكُ نوال عباسي حضوراً لافتاً على الساحة الثقافية، وهي تتمتعُ بهدوء يسبق العاصفة، فلا تهادنُ فيما تؤمن به من أفكار، ولا تسكتُ على الضيم، ولا تستكينُ عن مسيرة أو مظاهرة تطالبُ بحقّ أوطان واسترداد ما أُغتصب، ولا تكلُّ عن الكتابة، فمداد قلمها نهر متدفق، ولسانها لسان حال المظلومين والفقراء والجوعى، تسعى أينما كان السعي لأمر يخصُّ قضايا الأمة، ويخصُّ قضية فلسطين وقضية العراق بجانبٍشَغَلَها في الكتابة، كما هي قضايا أوطان العروبة التي تنأى تحت ظلم ذوي القربى والغرباء.

 


لا تتوانى عن الكتابة في موضوع قد يُثيرُ عليها سهامُ النقد، أو قد يُحْجَبُ عن النشر، أو يعملُ به مقصُّ الرقيب عمله المسكون بالخوف، فلا تَقبلُ أن يحذفَ مما كتبتْ كلمة أو سطر، فتسعى لنشره في أي صحيفة مقروءة لا تخضع للرقابة، وإن خضعت للمساءلة تدافع عن مقالتها دفاع المؤمن بحرية الكلمة والرأي، تقنعكَ فيما ذهبتْ إليه، وإن لم تجدْ في إقناعك سبيلاً تتحمّلُ وزر كتابتها.


وبعد، يبقى القارئ هو الحَكَمُ فيما ذهبتُ إليه، والرهان على وعيه فيما يراه، وما أظنُّ إلا أن كتاباتها تشغلكَ، وأنتَ ذاهبٌ إلى سبر أغوار عوالمها، فلا تكادُ أنْ تستكينَ إلى رأي رأيتَهُ إلا وتستفزكَ في سكونِكَ، وتقضّ مضجعَكَ، فتعملُ رأيكَ برأيها، وتخرجُ برضى عمّا ذهبتْ إليه، وتوقنُ أنّ نوال الكاتبة لا تختلفُ عن نوال الإنسانة، فهي تجمع بين القول والفعل.

 

 

المصدر: الدستور

14 سبتمبر, 2021 11:30:35 صباحا
0