تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
(النقد السياسي في القصص الحيواني بين ابن المقفع وجورج أورويل) - غزلان عتقاوي

الحديث عن النقد السياسي، كان محط اهتمام العديد من النقاد الذين مارسوا الأدب، على اعتبار أن العملية النقدية، تشكل مرحلة أساسا في مجال الأدب، لما لها من ميكانيزمات إبداعية في بناء نقدي سياسي محكم، لكن هو السؤال لماذا تم اختيار القصص الحيواني كلسان نقدي في الأدب السياسي؟

لعل قارئ التجربة القصصية «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل أو «كليلة ودمنة» لابن المقفع سيدرك جيدا حبكة هذه الأعمال الأدبية التي تنطوي على سرد حكائي بلسان حيوانات تمثل شخصيات رمزية لها أبعاد سياسية داخل مجتمعين مختلفين، لكن لكل منهما خصوصيته

تجربة ابن المقفع

مارس ابن المقفع عملية نقدية رصينة بامتياز، تتراوح أبعادها السياسية في النقد المجتمعي، لذلك فابن المقفع اختار شخصية «دمنة «التي يغلب عليها الغدر والحقد، منعدمة الضمير، التي يمكن وصفها بالشخصية الخطيرة على المجتمع. ففي تجربة ابن المقفع كان الخطاب يحمل بين ثناياه نصائح للسلطان في التعامل مع رعيته، ومن بينها أن يكون حكيما عادلا، خاصة في قصه لقصة «الأسد والثور» هدف من خلالها إلى حث الراعي على استقلال القضاء ونزاهته وفصله عن السلطة التنفيذية، وعدم التسرع في الحكم وتقصي الحقائق لتحقيق العدالة. صاغ ابن المقفع «بقصة الأسد والثور» حبكة سردية» اتخذت فيها هذه الشخصيات الحيوانية دلالات رمزية للواقع الذي يعيش فيه، اتسم بنظام ديكتاتوري لا يتعرف بفصل السلط. كما أن متدبر العملية النقدية لدى ابن المقفع، سيدرك جليا دعوته إلى بناء دولة مدنية، من خلال عقد سياسي مثقف عليه من طرف الراعي والرعية، فهذا ما كان يدعو إليه أفلاطون في بناء «المدينة الفاضلة» إذن فباستحضار هذه الأفكار السياسية، قدم ابن المقفع نقدا لاذعا لكل حاكم ظالم لا يؤمن بحرية الرأي

تجربة جورج أورويل

هذه التجربة النقدية، حاولت أن تنتقد السياسية التي جاءت بعد الثورة الروسية، وفي خضم هذا القصص الحيواني، نجد أورويل يقدم رواية رمزية ينتقد فيها النظام الشيوعي الذي كان يمثل النظام الطوباوي أو المثالي آن ذاك، إلا أنه من خلال هذه الشخصيات الحيوانية، سيتضح أنه مجرد وهم آمنت به هذه الحيوانات لكي تتحرر من البشر، لتسقط في ظلم واستبداد آخر من طرف الخنزير الذي سيقود هذه الثورة. وكأن جورج أورويل ينبه إلى أن كل الأنظمة السياسية تتساوى عندما ينعدم الضمير في حضور النوازع الشيطانية البشرية النابعة من الجشع والقسوة المحركة للسلطة السياسية. وبذلك فتشبيه البشر بالخنازير ما هو إلا دلالة رمزية على تشابه النظام الشيوعي بالنظام الإقطاعي والنظام الرأسمالي.. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن السلطة هي حلبة صراع سياسي بين جميع الأنظمة بمختلف تسمياتها

كما أن ممارسة النقد السياسي في القصص الحيواني، جعل لهذين الكاتبين قدرة على سرد وجرد التفاصيل، والوقوف على أسس القوة والضعف لكل من التجربتين، فالحديث بلسان الحيوانات أعطى مساحة تصويرية وحرية أكبر وخيالا أكثر، ميز هذين العملين الإبداعين، وساهم في انتشارهما وقبولهما لدى المتلقي، وسافر بأفكارهما النقدية السياسية عبر الزمان والمكان

كاتبة من المغرب

 

 

 

 

المصدر: 

13 ديسمبر, 2021 10:10:19 صباحا
0