تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
"الوشم فنٌ تحت الجلد" استعادة فنية لتاريخ تحفظه الأجساد

لكلٍّ منّا ما يقوله عن الوشم، أو بتعبيرٍ آخر، عن الكتابة على الجسد، بدءاً من تشارلز داروين الذي قال في "أصل الإنسان" إنه "لا يمكننا أن نذكر بلداً عظيماً واحداً في المناطق القطبية، في الشمال، وفي نيوزيلندا، أو في الجنوب، دون أن يكون سكّانه الأصليون قد وشموا على أجسادهم أو كتبوا عليها"؛ مروراً بآلة الوشم التي تحدّث عنها فرانس كافكا، وانتهاءً بقصّة رولد دال عن الوشم المنوِّم. فحقيقة الحال تقول إن الاهتمام بهذا الفن الذي مارسه الأسلاف، شرقاً وغرباً، لم يتضاءل من نشأته حتى اليوم، حيث أصبح رمزاً للموضة والإثارة بعد أن كان فنّاً يعيش حالة من الإقصاء.

انطلاقاً من قيمته الفنيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والتاريخيّة، تنظّم مؤسسة CaixaFourm، في مدريد، معرض "الوشم: فنٌ تحت الجلد"، حيث يستكشف لأول مرة في إسبانيا الجذور التاريخية لهذا الرمز القديم الذي سحر الشعوب ماضياً وحاضراً، لدرجة أنّ نسبة 12% من المواطنين الأوروبيين اليوم يحملون وشماً على أجسادهم.

ويغوص المعرض الذي افتتح في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الجاري ويستمر لغاية إبريل/ نيسان من العام القادم، من وجهة نظر أنثروبولوجيّة وجغرافية وفنية، في أصول هذه الظاهرة التي أصبحت عالمية، مستكشفاً بذلك الاستخدامات والوظائف المختلفة للوشم في أوقات وثقافات مختلفة، حيث صار له اليوم دورٌ اجتماعي متعدّد، ناهيك عن ارتباطه بممارسة الأجداد وموضوع الهوية، إضافة إلى كونه عنصر غواية وموضوعاً فنياً معاصراً، حيث تغيّرت أبعاده ومعانيه وفقاً للبيئة والمجتمع.

أعمالٌ تعرض لخمسة آلاف عام من الرسم على الأجساد البشرية

يجمع المعرض أكثر من 240 قطعة من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك اللوحات والرسومات والكتب، والسيليكون بالحبر وأدوات الوشم والأقنعة والصور والطوابع والإسقاطات السمعية والبصرية، في رحلة فريدة تسبر مجمل تاريخ الوشم ــ أي 5000 عام ــ حتى اليوم، شاملةً جميع أنواع التقاليد والعصور.

ويغطّي المعرض تقاليد الكتابة على الجسد في نيوزيلندا وساموا وبولينيزيا وإندونيسيا وشرق ماليزيا والفيليبين وتايلاند، علاوة على الاستخدامات والمعاني الجديدة التي اكتسبتها هذه النقوش على الجلد البشري مع مرور الزمن نتيجةَ تطوّر المجتمعات، بدءاً من كونها عنصراً للهُويّة الجماعية، إلى استخدامات حديثة في الجيوش الاستعمارية للقرن التاسع عشر، ناهيك عن أغراض فنية، لا سيما في العروض البهلوانية والسيرك. كذلك يتناول المعرض ارتباط الوشم ببيئات ومجتمعات وأشخاص محدّدين، إذ بدأ تنفيذ هذه التقنية في بيئات السجون مِن قِبَل المحكومين والمهمّشين، بإبرة واحدة، وبألوان تتراوح بين الأسود والرمادي الفاتح.

ومع مرور الزمن، لا سيّما في ثمانينيات القرن الماضي، صار الوشم فنّاً متجوّلاً، اجتماعياً ومتعدّدَ الثقافات، لا سيما بعد المراسلات الكبيرة بين فناني الوشوم الأميركيين واليابانيين لتبادل أسرار التقنيات وإمكانيات تطويرها لتواكب معايير الجمال العصرية. هكذا تطوّر مسار الوشم، ودخل عالم الفنّ، وصار له مساران رئيسيّان، الأوّل جسّده فنانون قالوا بضرورة العودة لتفسير الأنواع والأشكال التاريخية للوشم، وآخرون أصرّوا على ضرورة استكشاف تراكيب جديدة تُحرّر الوشم من القوالب السابقة التي كان يتّخذها: السحر والقداسة، العلاج والعقاب، الهوية والانتساب.

 

 

 

المصدر: العربي الجديد

16 ديسمبر, 2021 05:01:05 مساء
0