تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

صانع الأحلام: تطبيق يتحكم في أحلامك أثناء الليل

تخيَّلْ أنك قادر على زرع الأفكار في حشد من العقول النائمة. هذا بالضبط ما يفعله التطبيق الذي طوَّرتُه.

في فيلم «البداية»، لعب ليوناردو دي كابريو دَوْرَ مهندس الأحلام الذي يدخل عقول النائمين الباطنة ويتلاعب بأحلامهم، وسرعان ما خلبت فكرة التحكُّم في الأحلام لبَّ العامة، وحقَّق الفيلم نجاحًا ساحقًا.

نوم ممتع: هل يمكن لصوتٍ عذبٍ أن يأخذك إلى مكان جميل؟

نوم ممتع: هل يمكن لصوتٍ عذبٍ أن يأخذك إلى مكان جميل؟

لكن ما عرضه الفيلم كان خيالًا؛ فهل من الممكن حقًّا توجيه المغامرات الليليَّة التي يَخُوضها المرءُ في عالم الأحلام؟ من أجل الإجابة على هذا السؤال، انطلقتُ في رحلة مع مشروع «دريم: أون» الذي يستخدم الهواتف الذكية من أجل التلاعُب الخفي بأحلام أصحابها أثناء النوم. اشترك نصفُ مليون شخص في التطبيق؛ مما أتاح لنا تتبُّع أنماط أحلامهم بتفاصيل غير مسبوقة، والتوصُّل إلى نتائج مفادها: أن القوى التي تشكِّل حياتنا الليلية أكثر غموضًا بكثير مما تخيَّلْتُ. لفكرة التلاعب بالأحلام تاريخ طويل؛ فمنذ نحو ١٥٠ عامًا، اكتشف ماركيز ديرفي دو سان-دوني — أحد أوائل الباحثين في مجال الأحلام — أن بوسعه توجيه عقله النائم. على سبيل المثال أثناء إحدى رحلاته إلى جنوب فرنسا، كان يضع نفس العطر كل يوم، قبل أن يُحكِم غلق زجاجة العطر عند عودته من رحلته، وبعد شهور طلب من خادمه رشَّ العطر على وسادته في ليالٍ عشوائية، وكما توقَّع فإنه في تلك الليالي كان يرى في أحلامه الأماكن التي زارها أثناء سفره (مجلة «نيو ساينتيست»، ٢١ ديسمبر ٢٠١٣، صفحة ٤٨).

ورغم الدور الرائد الذي لعبته أبحاث هذا النبيل الباريسي، فإنها تكوَّنَتْ في الأغلب من تجارب شخصية. لكن عام ١٨٩٩، اتَّبع عالم النفس جيمس ليونارد كورننج أسلوبًا أكثر منهجيةً، مستخدمًا «آلة الأحلام» التي اخترعها. يُدعى المتطوع إلى الاستلقاء على أريكةٍ وارتداء خوذة جلدية على رأسه تشبه الخوذة المستخدمة الآن من قِبَل الملاكمين الهواة، وهي مصمَّمة لتثبيت صحنين معدنين فوق أذني المتطوع. استخدم كورننج شبكة أنابيب مطاطية تصل الصحنين بجهاز فونوجراف من نوع إديسون، وأثناء الليل يَبثُّ مقطوعات متنوعة من الموسيقى الكلاسيكية في آذان المتطوعين.

زعم كورننج أن هذا الجهاز الاستثنائي يمكن أن يساعد الأفراد الذين يعانون من الكوابيس، ووصف كيف تحوَّلَتْ «حلقات الرعب» التي كان يعيشها أحد الأفراد إلى «رؤًى جميلة» عقب بضع جلسات فحسب. وفي حالة أخرى، ساعدت هذه العملية في تحسين حالة الاكتئاب لدى إحدى النساء، رغم أنها أبدَتْ كذلك «زيادةً ملحوظةً في الشهية»؛ مما تمخَّض في النهاية عن «زيادة صغيرة لكن واضحة في الوزن».

صحيح أن كورننج كان سابقًا لعصره بسنوات، لكن لم يكن بإمكانه معرفة الوقت الذي تراود الأحلامُ فيه المتطوعين، ومن ثَمَّ كانت محاولة بث الموسيقى في الوقت المناسب مهمة صعبة. وبسبب هذا التحدي الذي يبدو تعجيزيًّا، فقَدَ كورننج في النهاية اهتمامه بالموضوع، إلى أن اكتشف يوجين أسرينسكي — طالب الدراسات العليا بجامعة شيكاجو وقتها — في خمسينيات القرن العشرين نوم «حركة العين السريعة». وهي مرحلة تتحرك فيها العينان حركات سريعة فجائية داخل المحجرين، بينما يكاد يظل باقي الجسد مشلولًا تمامًا. أشارت تسجيلات الأقطاب الكهربية المثبتة على فروة الرأس أيضًا أن هذه المرحلة تشهد نشاطًا عصبيًّا مكثَّفًا، والأهم من ذلك أنه كلما أيقظ أسرينسكي أحدًا أثناء مرحلة حركة العين السريعة، وجد هذا الشخص في الغالب في مرحلة الأحلام.

أحدثت اكتشافات أسرينسكي ثورةً في علم النوم؛ لأنها أتاحت للباحثين تحديد وقت إيقاظ الأفراد الخاضعين للتجربة كي يستخلصوا منهم تقارير عن أحلامهم، وأدَّتْ كذلك إلى تجديد الاهتمام بفكرة التحكُّم في الأحلام؛ ففي أوائل الستينيات من القرن العشرين على سبيل المثال، دعا عالم النوم وليام ديمينت — من جامعة ستانفورد — مجموعةً من المتطوعين إلى معمله، وانتظر حتى بلغوا مرحلة نوم حركة العين السريعة، وعندئذٍ عزف لحنًا بجوار آذانهم أو سلَّط ضوءًا ساطعًا على وجوههم أو رشَّهم بالماء. انتظر بعد ذلك عشر دقائق قبل إيقاظهم بجرس مدوي الصوت وطلب منهم وَصْف أحلامهم. دمَج نحو نِصْف المتطوعين المثيرَ الخارجي الذي تعرَّضوا له في أحلامهم، فعلى سبيل المثال تسبَّبَت المياه في أحلام عن أمطار مفاجئة، وأثارَ اللحنُ مشاهِدَ انفجارات، بينما أثار الضوء الساطع حكايات عن اندلاع حريق.

رغم تلك النتائج الإيجابية، لم يستطع الباحثون استخدام تلك التقنيات خارج المعمل، ومن ثَمَّ تراجع الاهتمام بالتحكُّم في الأحلام من جديد. لكن منذ بضع سنوات، أدركتُ أن الهواتف الذكية الواسعة الانتشار تتيح فرصةً لاختبار هذه الفكرة على نطاقٍ لا مثيل له. اتصلتُ بإحدى شركات تطوير تطبيقات الهواتف، واقترحتُ إجراء تجربة واسعة النطاق حول التحكُّم في الأحلام، وهكذا تشكَّل تطبيق «دريم: أون».

فكرة التطبيق بسيطة: قبل النوم، يضبط الشخص منبِّه هاتفه الذكي ويختار مقطوعة صوتية معَدَّة لغرض محدد، مثل نزهة في الريف حيث صوت حفيف النسيم بين الأشجار، أو زيارة إلى الساحل حيث صوت الأمواج وهي ترتطم برفق بالشاطئ (في وسع المستخدمين أيضًا تحميل مقطوعات إضافية بتكلفة زهيدة)، وبعد ذلك يضع الشخص الهاتف على الفراش وينام.

يعمل التطبيق عبر استهداف الفترة الأخيرة من مرحلة نوم حركة العين السريعة في دورة النوم؛ فقَبْل ٣٠ دقيقة تقريبًا من موعد المُنبِّه، يَنشَط مقياس تسارُع الهاتف ويقيس اهتزازات الفراش أثناء تقلُّب الشخص في نومه، وعندما يستشعر الهاتف أنه توقف عن الحركة — وهو ما يشير إلى حدوث شلل الجسد الذي يصاحب حركة العين السريعة — يشغِّل التطبيق المقطوعة الصوتية المختارة، وفور استيقاظ الشخص، يُطلَب منه تقديم تقرير يصف حلمه.

حدِّدْ وجهتك

طُرِح تطبيق «دريم: أون» في المملكة المتحدة ضمن فعاليات مهرجان إدنبره الدولي للعلوم عام ٢٠١٢، وبواسطة ٥٠٠ ألف شخص حمَّلوا التطبيق حتى الآن، جمعنا عشرات الآلاف من تقارير الأحلام، وكوَّنَّا منها دليلًا ضخمًا ساعدنا في دراسة الدورة الطبيعية للأحلام (راجع الجزء المعنون «الجانب المظلم من القمر»). وبالتوازي مع الأبحاث السابقة، اكتشفنا كذلك وجود علاقة متبادلة بين المقاطع الصوتية التي اختارها المستخدمون وبين أحلامهم التالية؛ فإذا اختار أحدهم مقطوعةَ الريف، فسيميل إلى أن يرى في أحلامه مشاهد الخضرة والزهور والحقول. أما إذا اختار مقطوعة الشاطئ، فستنتقل أحلامه على الأرجح إلى الساحل، وسيشعر فجأة بلفح الشمس على بشرته.

لكن هل يكفي هذا الدليل لإثبات أن المحفزات الخارجية تؤثِّر في أحلامنا؟ وأحد التفسيرات البديلة أن المستخدمين عندما يقرِّرون ما يرغبون أن يحلموا به فإنهم يُهيِّئون عقولهم لذلك. ولاختبار هذه الفرضية، لم يشغِّل التطبيقُ في بعض الأحيان المقطعَ الصوتي رغم اختيار الأفراد له، لكن حتى في تلك الحالة، رأى الكثيرون في أحلامهم مشاهد تتعلَّق بالمقطع الصوتي الذي اختاروه؛ مما يشير على ما يبدو إلى أن الإيحاء عامل مهم في تحديد أحلامنا. لكن ربما لا يهم ذلك كثيرًا؛ مهما كانت الآلية، فقد ساعدنا الناس على تشكيل أحلامهم.

المثير للاهتمام أن هذا البحث يشير إلى إمكانية استخدام هذا التأثير حاليًّا لمساعدة الناس أثناء يقظتهم؛ فنحو ٨٠٪ من الأحلام تتضمن قدرًا من الشعور بالقلق. ويعتقد معظم علماء النوم أن الهدف من تلك السيناريوهات السلبية ليس بث الرعب في نفسك، بل مساعدتك على التأقلم مع المخاوف والهموم اليومية. وقد طُرحت صيغ متنوعة من نظرية «الأحلام كمعالج ليلي»؛ إذ يعتقد بعض الباحثين أن الأحداث السلبية تفقد تأثيرها العاطفي عندما يعيشها المرء مرارًا وتكرارًا، ويتوقَّعون أن الحلم بتلك الأحداث قد يخفِّف الصدمة. ويقترح آخرون أن الأحلام تساعد على التأقلم مع إحدى مشكلات الحاضر عبر إعادة استعراض أحداث الماضي التي أثارت مشاعر مماثلة.

وبغض النظر عن ماهية الآلية تحديدًا، تتوقَّع جميع النظريات أن تميل أحلامك الأولى في أية ليلة إلى التركيز على مخاوفك. ومع انقضاء الليل تدريجيًّا، يقل التأثير العاطفي، ليُسفِر ذلك عن أحلام أكثر هدوءًا تجعلك تستيقظ في حالة مزاجية أفضل؛ وهذا نمط أكَّدته الباحثة روزاليند كارترايت، من المركز الطبي التابع لجامعة راش في شيكاجو (دورية سيكايتري ريسيرتش، المجلد ٨١، صفحة ١).

قد تتيح تلك النظرية أيضًا معلومات مثيرة للاهتمام عن الاكتئاب؛ فقد أدرك علماء النوم منذ فترة أن أحلام مَن شُخِّصوا بأنهم يعانون اكتئابًا تكون طويلة ومتكررة وسلبية؛ ونتيجة لذلك غالبًا ما يستيقظون وهم يشعرون بالحزن والضيق. تقترح نظرية المعالج الليلي أن هذا النمط الغريب من الحلم قد يَنْتُج عن تسارُع مُفْرط يُصيب عقولهم النائمة في محاولةٍ لتبديد دواعي القلق والهموم. وفي محاولة لتتبُّع هذه الفكرة، راقبَتْ كارترايت أحلام بعض الأفراد الذين شُخِّصوا على أنهم يعانون اكتئابًا بعد التعرُّض لطلاق عسير، واكتشفَتْ أن مَن كانوا يحلمون بأحلام إيجابية على نحوٍ متزايد طوال الليل زادت احتمالية تعافيهم من الاكتئاب بعد سنة لاحقة. أما مَن كانت أحلامهم تتزايد قلقًا، فزادت احتمالية ظهور أعراض الاكتئاب عليهم (دورية سيكايتري ريسيرتش، المجلد ٥١، صفحة ٢٤٥).

إذا كان من الممكن تغيير محتوى أحلام الناس ونمطها العاطفي، فهل يمكن توجيهها لمساعدة أحد الأشخاص في التعامل مع دواعي القلق؟ إنها فكرة جريئة ومثيرة للاهتمام؛ فمنذ أكثر من مائة عام، توقَّعَ كورننج أن آلة الأحلام التي اخترعها قد تُغيِّر حياة الناس، وقد حان الوقت لمعرفة إن كان على حق أم لا.

الجانب المظلم من القمر

لطالما ربط الناسُ القمرَ الكامل بأشكال شتى من السلوكيات الغريبة، والواقع أن لفظة lunatic الإنجليزية (وتعني «مجنونًا») مشتقَّة من الكلمة اللاتينية التي تعني القمر. لكن رغم قلة الأدلة التي تشير إلى تأثير القمر في تصرفاتنا أثناء اليقظة، فإنه قد يؤثِّر في نومنا.

في عام ٢٠١٣، قرَّرَ عالم الأعصاب كريستيان كاجوشن — من جامعة بازل في سويسرا — دراسة هذه الفكرة الغريبة من منظور علمي، عن طريق إعادة تحليل البيانات المجمَّعة من عدة تجارب أُجرِيت في أحد مختبرات النوم. أثناء تلك الدراسات، راقَبَ جهاز رسم المخ نومَ المتطوعين المُتَّصلين به طوال الليل. فحص كاجوشن البيانات الخاصة بكل جلسة، وحدَّد توقيتها وفقًا لدورة القمر، ثم ربط ذلك بأنماط النوم لدى المتطوعين، فوجد أنه عندما كان القمر مكتملًا أو شبه مكتمل، قلَّتْ فترة نوم الأفراد نحو ٢٠ دقيقة، واستغرقوا نحو ٥ دقائق أكثر للدخول في النوم، وقلَّتْ فترة النوم العميق لديهم أثناء الليل بنسبة ٣٠٪ (دورية كَرَنْت بيولوجي، المجلد ٢٣، صفحة ١٤٨٥).

ما زالت كيفية استشعار النائمين لدورة القمر أمرًا غير واضح؛ إذ لم يكن بوسعهم رؤية القمر من أَسِرَّتِهم، وعليه يُخمِّن كاجوشن أن تعرُّضَهم لمستويات أعلى من الضوء في طريقهم إلى المختبر ربما غيَّرَ إيقاع ساعتهم البيولوجية تغييرًا طفيفًا، لكن ذلك لا يعني أن دورة القمر ليست ذات غرض تطوُّري؛ فربما يكون النوم غير العميق في فترات اكتمال القمر قد ساعد أجدادنا على حماية أنفسهم من الحيوانات المفترسة التي ترى أفضل في ضوء القمر، على حدِّ زعم كاجوشن.

أثارَتْ تلك النتائج اهتمامي، ومن ثَمَّ بحثتُ هل كانت دورة القمر تؤثِّر على الأحلام أيضًا أم لا؟ (انظر الرسم التوضيحي.) اخترتُ عشوائيًّا بضع مئات من الأحلام من قاعدة بيانات التطبيق «دريم: أون»، ثم قيَّمتُها بناءً على غرابتها على مقياسٍ من ١ (مثال: رجل يدلف إلى حانة ويتناول مشروبًا في هدوء) إلى ٧ (مثال: حصان يدلف إلى حانة ثم يتحوَّل فجأةً إلى منطاد). وعندما ربطت بين تلك التقييمات وبين دورة القمر فُوجِئت باكتشاف أن الناس يحلمون بالفعل أحلامًا أغرب وقت الاقتراب من طور القمر الكامل.

بحَثَ كريستيان كاجوشن — من جامعة بازل في سويسرا — احتمالَ تأثير دورة القمر على الأحلام. اخترتُ عشوائيًّا بضع مئات من الأحلام من قاعدة بيانات التطبيق « دريم: أون »، ثم قيَّمتها بناءً على غرابتها على مقياسٍ من ١ (مثال: رجل يدلف إلى حانة ويتناول مشروبًا في هدوء) إلى ٧ (حصان يدلف إلى حانة ثم يتحوَّل فجأةً إلى منطاد). وعندما ربطت بين تلك التقييمات وبين دورة القمر، فُوجِئت باكتشاف أن الناس يحلمون بالفعل أحلامًا أغرب بالقرب من طور القمر الكامل.

بحَثَ كريستيان كاجوشن — من جامعة بازل في سويسرا — احتمالَ تأثير دورة القمر على الأحلام. اخترتُ عشوائيًّا بضع مئات من الأحلام من قاعدة بيانات التطبيق « دريم: أون »، ثم قيَّمتها بناءً على غرابتها على مقياسٍ من ١ (مثال: رجل يدلف إلى حانة ويتناول مشروبًا في هدوء) إلى ٧ (حصان يدلف إلى حانة ثم يتحوَّل فجأةً إلى منطاد). وعندما ربطت بين تلك التقييمات وبين دورة القمر، فُوجِئت باكتشاف أن الناس يحلمون بالفعل أحلامًا أغرب بالقرب من طور القمر الكامل.

إنها نتيجة أولية، وأبحاثنا تركِّز حاليًّا على إيجاد تفسيرٍ لهذا التأثير: هل يشعر الناس بمزيدٍ من القلق عندما يرون القمر كاملًا، أم هل تؤثِّر أنماط نومهم الأقل عمقًا على أحلامهم بصورة أو بأخرى؟

29 نوفمبر, 2015 04:33:58 مساء
0