تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

فيروس الإنفلونزا الفتاك

تخيَّل مرضًا مُمِيتًا مثل فيروس إيبولا ومُعديًا مثل نزلة البرد؛ تخيَّل أنه يقتل عن طريق صنع ثقوب في رئتيك وحرمانِك من الأكسجين حتى يتحول لون وجهك إلى الأرجواني الداكن وقدميك إلى الأسود. والآن تخيل أنه لا يوجد له علاج مؤكَّد النجاح.

تخيل كلَّ ذلك، وستكون لديك فكرة عن القدْرة التدميرية التي يمكن أن يكتسبها فيروس الإنفلونزا. ففي ثلاث مرات في التاريخ الحديث، تحوَّر الفيروس — أحد أبسط أشكال الحياة على هذا الكوكب — تحوُّرًا كاملًا على نحوٍ غامض من مجرد مسبِّب للألم والعَطْس إلى بكتيريا مقاوِمة للمضادات الحيوية خلَّفتْ إثْر الإصابة بها مُدُنًا تسكنها الأشباح والمقابر الجماعية. وفي أسوأ تلك الأوبئة المتفشية، اجتاحتِ الإنفلونزا الإسبانية العالَم في عام ١٩١٨، وأسفر ذلك عن مقتل ما يقرب من ٤٠ مليون نسمة في عام واحد فقط حتى اختفتْ فجأة كما ظهرتْ فجأة، دون ترْك أي أدلة على ما جعلها بهذه الشراسة.

لكن هذا حتى الآن!

في السنوات القليلة الماضية، أعادتْ شراكة غريبة، بين خبير في أمراض الدلافين وأخصائي متقاعِد في علم الأمراض، الإنفلونزا الإسبانية مرة أخرى من قبرها. وما اكتشفاه أثار قُشَعْريرة خبراء الإنفلونزا الذين يحاولون حماية كوكب الأرض من الوباء المقبل الخطير؛ فلم تكن النظريات الموجودة في الكتب حول ما يجعل فيروس الإنفلونزا يتحول إلى فيروس خطير خاطئة على الأرجح فحسب، ولكن أيضًا تبدو التنبؤات المتعلقة بمتى ستضرب السلالة المميتة المقبِلة العالَم أكثر قسوةً مما يتخيل أي شخص. والشأن الخطير أنه في محاولة جريئة للتغلب على الفيروس، يفكر المتخصصون في الإنفلونزا فيما لا يمكن التفكير فيه؛ إذ يفكرون في إعادة تخليق السلالة القاتلة من الفيروس في المختبر لمعرفة إذا ما كانوا يستطيعون إيجاد نقطة ضعفها.

وفي الوقت الراهن، يوجد شيء واحد فقط مؤكَّد؛ وهو أن الإنفلونزا المميتة سوف تضرب العالَم مرة أخرى. ويقول جِرام لافِر — وهو عالِم فيروسات في المختبر القومي الأسترالي في كانبيرا ومخترع علاج ريلينزا المضاد للإنفلونزا: «الأمرُ أشبهُ بزلزال سان فرانسيسكو؛ فنحن نعلم أنه سوف يقع.»

إن نجاح فيروس الإنفلونزا يعود إلى قدْرته على التطافر (انظر الشكل)؛ إذ تحدث طفرات لكل سلالة من الفيروس بسرعة مذهلة. ومن وقت لآخر، تنتقل سلالة من الإنفلونزا — جديدة وكاملة — إلى البشر من الطيور، أو من الخنازير التي تنتقل إليها من الطيور. ويمكن لهذه السلالات الجديدة أن تسبِّب أوبئة للبشر، ولكن بما أن الطيور هي المستودَع الطبيعي لفيروس الإنفلونزا، فإنها عادةً لا تمرَض. ومع ذلك، يقتل فيروس الإنفلونزا في بعض الأحيان الطيور من خلال الاستفادة من وجود خلل في الجينات التي تُحدِّد الشفرة الوراثية لنوعين من البروتينات، هما: النورامينيداز والهيماجلوتينين.

كيف تنتقل فيروسات الإنفلونزا الحيوانية إلى البشر وتسبب وباءً؟

كيف تنتقل فيروسات الإنفلونزا الحيوانية إلى البشر وتسبب وباءً؟

يشكِّل هذان البروتينان نتوءات كبيرة على سطح الفيروس، وفي داخل الرئة تدمر إنزيمات الخلية تلك النتوءات، مما يمكِّن الفيروس من الهرب إلى الخلية التالية. وعندما يحتوي بروتينا النورامينيداز والهيماجلوتينين على مَوَاطِن خَلَل قاتلة، يمكن أيضًا لإنزيمات الكبد والطحال والقلب وغيرها من الأعضاء تفتيت هذه النتوءات. وهذا يعني أن الفيروس بإمكانه مهاجمةُ كلِّ عضو تقريبًا في جسم الطائر، مما يُسبِّب نزيفًا داخليًّا حادًّا ويُسبِّب الوفاة. وافترض معظم خبراء الإنفلونزا أن الإنفلونزا الإسبانية لا بد وأنها تحمل الطفرات المميتة نفسَها.

على مدى السنوات القليلة الماضية، ركزتْ محاولات تأكيد هذه الفرضية على استخراج جثث ضحايا الإنفلونزا منذ عام ١٩١٨، واستخراج المخطط الوراثي للفيروس من أنسجتهم. وهذا العمل محفوف بالصعوبات؛ فمن الصعب الحصول على أنسجة سليمة من جثث مدفونة منذ ٨٠ عامًا. وعلى الرغم من أن معظم المخلوقات تحمل جيناتها في صورة طاق مزدوج قويٍّ من الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين «دي إن إيه»، فإن فيروس الإنفلونزا يحمل جيناته على طيقان أحادية هشَّة ثمانية القواعد من الحمض النووي الريبي والتي تتفكَّك بسهولة بالغة.

ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بكشف أسرار الإنفلونزا الإسبانية، فإن جيفري تاوْبِنبرجر — الباحث بمعهد القوات المسلحة للباثولوجيا في واشنطن العاصمة — يتمتع بميزة واضحة؛ فهو خبير عالمي في المهارة الغامضة المتعلقة باسترداد المعلومات الجينية من الأنسجة المحفوظة أو المتعفنة. تعلَّم تاوْبِنبرجر مهاراته خلال تعقب الفيروس المسئول عن انتفاخ وتعفن جثث الدلافين التي تُلقِي بها الأمواجُ على سواحل أمريكا الشمالية منذ عام ١٩٨٧.

بدأ تاوْبِنبرجر مع آن ريد — مساعدته الفنية — بحثهما حول الإنفلونزا القاتلة في عام ١٩٩٥ في مستودَع الأنسجة القومي في الولايات المتحدة في معهد القوات المسلحة للباثولوجيا. وبينما بُني المستودَع أصلًا كمخبأ للحماية من القنابل، فإنه يحتوي على صفوف متراصَّة من الأرفف المعدنية، التي تتكدَّس عليها عاليًا صناديق صغيرة بُنِّية اللون من الورق المقوَّى. ويوجد داخلَ كل صندوق قِطَعٌ صغيرة من الأنسجة البشرية المحفوظة في مادة الفورمالدهايد والمغلفة بكُتَل من الشمع الشفاف. وتوجد عشرات الملايين من العينات، وكلها مأخوذة من عمليات تشريح جثث الجنود التي تعود إلى الحرب الأهلية الأمريكية في ستينيات القرن التاسع عشر. وبذلك يُعدُّ هذا المستودَع أكبرَ مكتبة في العالَم للمرض والموت.

ولقد تبيَّن أن عينة من أنسجة رئة الجندي روسكو فون — الذي كان في الحادية والعشرين من عمره عندما مات جراء الإنفلونزا الإسبانية — مصابة بالمرض؛ فكان نسيج رئته اليمنى تحت المجهر مشوَّهًا بالندب حيث انتشر فيها الفيروس منذ ما يقرب من ٨٠ عامًا. ويقول تاوْبِنبرجر: «لم يستَعِدْ أحدٌ الحمضَ النووي الريبي من عينة قديمةٍ للغاية كهذه؛ لقد كنَّا محظوظين.»

مقبرة جماعية

كان ما رآه تاوْبِنبرجر وريد، عندما ألقيا لأول مرة نظرة خاطفة على تسلسل الحمض النووي الريبي لفيروس الإنفلونزا الإسبانية، لافتًا للنَّظَر بدرجة كبيرة، حتى إنهما هرعا إلى تقديم تقرير اعتمادًا على هذا المريض فحسب (مجلة ساينس، المجلد ٢٧٥، صفحة ١٧٩٣). كانت جيناتُ البروتينَيْنِ النورامينيداز والهيماجلوتينين الموجودَيْن على سطح الفيروس في جثة الجندي طبيعيةً تمامًا. كما أن تاوْبِنبرجر لم يجد أي أثر للفيروس في أي جزء من جسم الجندي سوى الرئتين. وانتشرتْ بسرعة فكرة أن الطفرات في جينات النورامينيداز والهيماجلوتينين كانت هي الشيء الذي تتحدد به الإصابة بالإنفلونزا الإسبانية. ومع ذلك، كان الأمر يتطلب دراسةَ أكثرَ من ضحيةٍ واحدة لإقناع كِبَار العلماء بالتخلِّي عن فرضيتهم المفضَّلة.

كان الحظُّ حليفًا لتاوْبِنبرجر؛ إذ سمع طبيبٌ متقاعدٌ متخصصٌ في علم الأمراض — يُدعى يوهان هولتين — عن هذا البحث، وكان قبل ستة وأربعين عامًا قد ذهب إلى بريفيج — وهو مركز تبشيري في ألاسكا — لجمع الأنسجة من ضحايا الإنفلونزا عام ١٩١٨ المدفونين في التربة الصقيعية. وقد تُوفِّي اثنان وسبعون شخصًا من المبشرين الثمانين جراء الإنفلونزا، ودفنهم الثمانية الباقون في مقبرة جماعية. وعلى غرار أي شخص آخر، أراد هولتين معرفة نوع الفيروس الذي كان قادرًا على إحداث مثل هذا الدمار، إلا أنه لم ينجح حينها. ولكن عاد هولتين إلى بريفيج في عام ١٩٩٧.

من بين العديد من الهياكل العظمية، اكتشف هولتين جثةً لامرأة محفوظة على نحو جيد. كانتْ لوسي — كما أسماها — بدينة، وكما قال: «كانت الدهون هي التي حفظتْ أعضاءها في حالة شبه مثالية.» فاستخرج كلتا رئتَيْها، وكذلك أنسجة من الكبد والطحال والكُليتين، وأرسلها بالبريد لتاوْبِنبرجر في صندوق بُنِّي عادي.

وفي المختبر، حصل تاوْبِنبرجر وريد على حمض نووي ريبي وافر من لوسي، ومن حالتين أخريين كانا قد عثرا عليهما في المستودَع. ولم تكن هناك أي طفرات في جينات أيٍّ من النورامينيداز والهيماجلوتينين. ويقول تاوْبِنبرجر: «إن الضراوة الشديدة لفيروس عام ١٩١٨ لا يمكن تفسيرها من خلال اختلاف جيني بسيط في البروتينات الموجودة على سطح الفيروس.»

بعد ذلك، صرح رود دانيالس — من المعهد القومي للأبحاث الطبية في لندن — لمجلة نيو ساينتيست الشهر الماضي، أنه أيضًا لم يتمكن من إيجاد أي طفرات في جينات النورامينيداز والهيماجلوتينين. وكان دانيالس اختصاصيَّ فيروسات في فريق سافَر إلى النرويج في عام ١٩٩٨ لاستخراج أنسجة من جثث مجمدة لضحايا الإنفلونزا (مجلة نيو ساينتيست، ٨ يونيو ١٩٩٦، صفحة ١١). وكما يقول جون أكسفورد — من مستشفى سانت بارثولوميو في لندن — الذي يعمل مع دانيالس: «اعتقدنا جميعًا أننا نعرف التفسير، لكننا لم نكن نعلمه، وكان ذلك أكبر مفاجأة للجميع.»

كانت تلك أيضًا أنباءً سيئة بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أتلانتا؛ إذ تنسق المنظمة وهذه المراكز جهود المراقبة العالمية لفيروسات الإنفلونزا البشرية، باحثة عن أي شيء جديد وخطير. والمشكلة هي أنها تبحث فحسب عن التغيرات الجينية في بروتينات النورامينيداز والهيماجلوتينين الموجودة على سطح الفيروس. فمن ناحية، يبدو هذا معقولًا تمامًا، حيث إن النورامينيداز والهيماجلوتينين هما أجزاء الفيروس التي يمكن للجهاز المناعي أن يرصدها بسهولة؛ ولهذا السبب فإنه تطرأ عليها الطفرات باستمرار لمساعدة الفيروس على البقاء متقدمًا خطوة على الجهاز المناعي. ومعرفة تلك التغيرات تسمح لصانعي اللقاحات بإعادة تصميم اللقاحات في كل موسم للتعرف على سلالة الإنفلونزا المنتشرة في كل موسم. ولكن نتائج تاوْبِنبرجر تشير إلى أن هذا النوع من المراقبة لن يساعد في رصد الإنفلونزا الإسبانية القادمة.

ويعتقد تاوْبِنبرجر أن المتهم في حدوث وباء عام ١٩١٨ على الأرجح هو طفرة في جين البوليميراز الموجود في جوهر الفيروس؛ فعندما يدخل فيروس إنفلونزا جديد عالَم البشر، يجب أن يتكيف بسرعة مع المضيف الجديد وإلا سيموت. ولكي يتكيف، فإنه يحتاج إلى التكاثر والتطافر؛ فتصنع جينات البوليميراز البروتينات التي تنسخ المادة الوراثية للفيروس، وبالتالي يستطيع الفيروس التكاثر. ويمكن أن تؤدِّي أي طفرة في جين البوليميراز إلى الكثير من الأخطاء الجينية؛ وبعضها سيكون بلا شكٍّ قاتلًا للفيروس، ولكن البعض الآخر يمكن أن يساعد الفيروس في التكيف مع البيئة الجديدة، وأن يُصبِح شديد الضراوة.

سلالة سريعة تصل إلى الأعماق

يشير تاوْبِنبرجر إلى أن مثل هذا التغيير في جين البوليميراز قد يفسر السبب في أن سلالة عام ١٩١٨ تضاعفتْ، فيما يبدو، أسرع بكثير من المعتاد، ويستطرد قائلًا: «كان هذا الفيروس قويًّا للغاية؛ فقد وصل إلى أعماق الرئتين حيث لا تصل الإنفلونزا العادية أبدًا.»

ربما تتمثل إحدى الطرق لمعرفة إذا ما كان تاوْبِنبرجر محقًّا في مقارنة جينات البوليميراز لسلالة عام ١٩١٨ مع جينات البوليميراز لدى سلالات الإنفلونزا التي تسببتْ في وبائي عامَيْ ١٩٥٧ و١٩٦٨. وهو بالضبط ما ينوي تاوْبِنبرجر وريد القيامَ به عندما ينتهيان من تحديد تسلسل الجين في فترة لاحقة من العام القادم.

في الوقت ذاته، هما يستفيدان استفادة كاملة من الجينوم الموجود لديهما، والذي تبلغ نسبته ٥٠ بالمائة. فمن خلال التدقيق في تكوين بروتينات سطح هذا الفيروس، ومقارنتها مع مئات من فيروسات الإنفلونزا منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى الآن، اكتشف الباحثان الأصل المحتمل للإنفلونزا الإسبانية.

على عكس سلالتَيْ عامَيْ ١٩٥٧ و١٩٦٨ — اللتين ترتبطان بفيروسات الطيور — فإن فيروس الإنفلونزا الإسبانية يرتبط بفيروسات الخنازير والطيور، مما يشير إلى أنه ربما يكون قد دخل عالَمَ البشر عن طريق الخنازير. مع ذلك، تشير ريد إلى أنه لم يُستبعَد احتمالُ أن يكون البشر قد أصابوا الخنازير خلال وباء عام ١٩١٨ (مجلة نيو ساينتيست، ٢٧ فبراير ١٩٩٩، صفحة ٢٧). ويقول تاوْبِنبرجر: «علينا أن نعرف المصدر الحيواني لوباء عام ١٩١٨، ونحن بحاجة إلى مزيد من المعلومات حول كيفية انتقال فيروسات الإنفلونزا بين الأنواع المختلفة، ونحتاج أيضًا إلى زيادة مراقبة الطيور المائية البرية والطيور الداجنة والخنازير والخيول.»

يتفق معظم خبراء الإنفلونزا على أن السبيل الوحيد لوأْدِ الوباء في مهده هو معرفة أنه قادم. وفي أوروبا والولايات المتحدة — المهد المحتمل لوباء عام ١٩١٨ — تعتمد المراقبة على المزارعين أو الأطباء البيطريين من أجل اكتشاف أيِّ تفشٍّ لإنفلونزا الخنازير أو الدجاج، وإبلاغ مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية بهذه الحالات.

وفي الصين — حيث نشأ آخِر وبائين — تُعدُّ المراقبة أكثرَ تقدُّمًا؛ فبعدَ تفشِّي إنفلونزا عام ١٩٩٧ في هونج كونج، زادت منظمةُ الصحة العالمية التمويلَ للصين بحيث يمكن للسلطات أن تُحلِّل بانتظام روث حيوانات المزارع السليمة بحثًا عن سلالات الإنفلونزا المختلفة. واستُخدمت تلك المعلومات لرسم خرائط لاتجاهات تفشِّي الإنفلونزا من أجل تسهيل رصد السلالة التي لديها القدرة على التسبب في انتشار وباء. ولكن يرى لافر أنه ينبغي فحص المزيد من المزارع، فضلًا عن الأنواع الأخرى، بما في ذلك البطُّ البري والطيور، ويضيف قائلًا: «الصين منطقة اضطرابات، لكنها أيضًا الصندوق الأسود المحتوي على السر. إننا لا نعرف حتى أين نبدأ البحث عن السلالات القاتلة، ناهيك عن العثور عليها.»

يرى عالِم الفيروسات جورج براونلي — من جامعة أكسفورد — طريقة أخرى لاستخدام الشفرة الوراثية لسلالة عام ١٩١٨ لمعرفة ما جعل الفيروسَ قاتلًا بهذه الصورة، فيشير إلى أنه بمجرد تحديد تسلسل كلٍّ من القِطَع الجينية الثماني، سيكون من الممكن إعادة تخليق الجنس الفيروسي في المختبر، مع إدراج قطعة بعد قطعة في سلالة الإنفلونزا البشرية العادية. وعن طريق فحص الفيروسات الهجينة، أو اختبارها على الحيوانات، ربما تُعرف القطعة التي تَجعل الفيروسَ شديدَ الشراسة. وتقول نانسي كوكس، رئيس فرع الإنفلونزا في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها: «هذه التجارب ضرورية قبل أن تغيِّر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها من طريقة مراقبتها للإنفلونزا.»

إعادة تخليق الفيروس القاتل

يقدم روبرت ويبستر — وهو عالِم فيروسات يدرس نشأة الإنفلونزا في مستشفى سانت جودي البحثي للأطفال في ممفيس — اقتراحًا أكثر ترويعًا؛ إذ يقترح إعادة تخليق فيروس ١٩١٨ بالكامل في المختبر. وسوف تُناقَش هذه الفكرةُ في اجتماع في معاهد الصحة القومية — بالقرب من واشنطن العاصمة — في خريف هذا العام، ويقول أكسفورد مُتوقِّعًا: «في نهاية المطاف، سوف يأخذ شخصٌ ما على عاتقه إعادة تخليق الفيروس.»

حتى في ظل الضبط الملائم، ستوجد مخاطرة ضئيلة — أو كما يقول البعض تافهة — بهروب الفيروس وإحداث حالات الوفاة والدمار نفسِها التي صُممتِ التجربة لتفاديها. لكن يصرُّ ويبستر وبراونلي على أن إعادة تخليق الفيروس واختباره على الحيوانات قد يكون السبيلَ الوحيد لحلِّ اللغز المحيط بالإنفلونزا الإسبانية، ويشير براونلي إلى أن فهمنا لكيفية تسبب الفيروس في الوفاة غير موجود عمليًّا. فهل يؤدِّي إلى حُمَّى شديدةٍ لدرجة توقف الأعضاء الحيوية عن العمل؟ أم إنه يُضعف فقط الرئتين بحيث يستطيع الالتهابُ الرئوي الجرثومي توجيهَ الضربة القاضية؟ لا أحد يعرف.

بطبيعة الحال، ربما توجد طريقة أخرى لدراسة فيروسات الإنفلونزا الوبائية؛ وهي انتظار الفيروس التالي. يقول أكسفورد: «لمعرفة المزيد حول سبب حدوث وباء الإنفلونزا، بما في ذلك وباء عام ١٩١٨، فإننا نحتاج إلى حدوث وباء آخر. وحتى ذلك الحين، سننتظر جميعًا بفارغ الصبر.»

10 ديسمبر, 2015 02:37:01 مساء
0