تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السمنة: طريق إلى الوفاة أم إلى النجاة؟

هل يمكن أن تكون بدينًا وتتمتع بلياقة بدنية في الوقت نفسه؟ كل شيء نظن أننا نعرفه عن السمنة قد يكون خاطئًا؛ ففي بعض الأحيان يمكن أن تكون مفيدةً فعلًا بالنسبة لك.

بدأ طبيب القلب كارل لافي في عام ٢٠٠٢ ملاحظة اتجاه الأمور في مسار محيِّر؛ إذ وجد أن الأشخاص الذين كان يعالجهم من السكتة القلبية يعيشون لفترةٍ أطول إذا كانوا يعانون من السمنة أو لديهم زيادة في الوزن مما إذا كانوا نحفاء. كيف يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟ فالسمنة ارتبطت بسمعة سيئة باعتبارها تضرُّ بقلبك وبكل جزء آخَر من جسمك.

ما يفشي به الوزن من أسرار حول صحة الشخص أقل بكثير مما قد تظن.

ما يفشي به الوزن من أسرار حول صحة الشخص أقل بكثير مما قد تظن.

في الولايات المتحدة، تأتي السمنة بعد التدخين كأحد أبرز أسباب الوفاة التي يمكن تجنُّبها، وقد تمَّ ربطها على المستوى العالمي بالأمراض المزمنة، مثل: ارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية، وأمراض القلب، ومرض البول السكري من النوع الثاني. وحتى مع ذلك، تواصِلُ السمنة غزوها للعالم، وهو الاتجاه الذي ربما يعني أننا سوف نعاني جميعًا من السمنة بحلول منتصف القرن الحالي؛ ما يجعل الأشخاص الذين يعيشون في الغرب أكثر قربًا من أول انخفاض في متوسط العمر منذ عام ١٨٠٠.

ولكن ما مدى صحة هذا؟ لم يكن لافي الوحيد الذي لاحَظَ بعض التناقضات المربكة في هذه القصة البسيطة في ظاهرها. فمن خلال الدراسات الحديثة، بدأت المعرفة التقليدية حول وباء السمنة في الانهيار؛ مما حدا ببعض مقدِّمي الخدمات الصحية إلى الدعوة لإجراء تغييرات في كل شيء من السياسة العامة حتى التدريب على الرعاية الصحية.

لا عجب في أننا أصبحنا مهووسين بوزننا. فبين عامَيْ ١٩٨٠ و٢٠٠٨، ارتفع مؤشِّر كتلة الجسم في جميع أنحاء العالم؛ وهو مقياس للسمنة يقسم الوزن على مربع الطول. تضاعفت معدلات السمنة تقريبًا وارتفعت على نحو لافت للنظر في الولايات المتحدة بمعدل يفوق أية دولة سواها، ولم يكن من الصعب إدراك ما ستئُول إليه الأمور. وفي عنوان بحث كثيرًا ما يُستشهَد به حول تفاقم وباء السمنة في الولايات المتحدة وتكلفة علاجه، تساءَلَ القائمون على البحث بقولهم: «هل سيصبح جميع الأمريكيين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة؟» كانت الإجابة التي خلصوا إليها هي: «نعم، بحلول عام ٢٠٥٠ تقريبًا.»

لذلك كان الأمر بمثابة مفاجأة عندما بدأت متخصِّصة الأوبئة كاثرين فليجال في التوصُّل إلى أدلة تشير إلى أن معدلات السمنة توقَّفت عن الارتفاع في أوائل القرن الحادي والعشرين. ففي دراسة بعد أخرى، اكتشفت فليجال — التي تعمل في مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (التابعة لوزارة الصحة الأمريكية) في هايتسفيل بميريلاند — أنه بدلًا من استمرار السمنة في الارتفاع بشدة، استقرت معدلاتها.

لم يسلِّم الجميع بهذه النتيجة، لكنها لم تكن مجرد نتيجة عابرة تفتقر إلى دراسة كافية؛ إذ واصلت فليجال وفريقها تكرار أبحاثهم، وأعلنوا في دراسة نُشِرت في عام ٢٠١٢ أن معدل انتشار السمنة في الولايات المتحدة لم يزدد بأية طريقة ملحوظة على الأقل منذ عام ٢٠٠٨ (جورنال أوف أمريكان ميديكال أسوسياشن، المجلد ٣٠٧، صفحة ٤٩١). فيبدو أنها استقرت عند نقطة تقترب من ٣٤ بالمائة لدى كلٍّ من البالغين والمراهقين (انظر الشكل التالي: «استقرار معدلات السمنة»). ولا يقتصر «استقرار معدلات السمنة» على الولايات المتحدة فحسب؛ فقد لُوحِظت اتجاهات مماثلة، بل ولوحظت أيضًا انخفاضات، في دول متقدمة أخرى على مدار العشر إلى الخمس عشرة سنة الماضية.

استقرار معدلات السمنة: بدلًا من أن ترتفع معدلات السمنة بجموح، يبدو أنها تظل ثابتة إلى حدٍّ ما.

استقرار معدلات السمنة: بدلًا من أن ترتفع معدلات السمنة بجموح، يبدو أنها تظل ثابتة إلى حدٍّ ما.

لأن البحث لا يزال في مراحله الأولى، لم يتأكَّد أي شخص من السبب وراء استقرار معدلات السمنة، ولكن تخرج إلى النور حاليًّا بعض النظريات المنافسة؛ إذ أشار باحثون في جامعة يِنا في ألمانيا إلى دراسات محدودة تبيِّن نجاح برامج تحسين النظام الغذائي وممارسة الرياضة. وأيًّا كان السبب، فإن الفكرة القائلة بأن معدلات السمنة سترتفع بجموحٍ يبدو أنها تحتاج إلى مراجعة.

لكن ما موقف نسبة اﻟ ٣٤ بالمائة من الأشخاص الذين ما زالوا يُعتبَرون سمانًا؟ في عام ٢٠٠٤، حذَّرت مراكز مكافحة الأمراض واتقائها من أن السمنة يمكن أن تحلَّ قريبًا في المرتبة الثانية بعد التدخين كسببٍ من أسباب الوفاة التي يمكن تجنُّبها. بطبيعة الحال، لن تكون الأرطال الزائدة هي ما يقتلك، إنما ما يفترض أن يقصِّر حياتك هو الرابط بين السمنة والإصابة بمجموعة كبيرة من الأمراض، بما في ذلك مرض البول السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والسرطان، والتهاب المفاصل الروماتويدي.

ومع ذلك، على مدى السنوات العشر الماضية، نالت بعض هذه الروابط نصيبًا من التشكيك أيضًا، وأكثر هذه الروابط إثارةً للدهشة هي الرابطة التي بَدَتْ دائمًا الأكثر بديهيةً، والتي تتمثَّل في العلاقة بين السمنة وأمراض القلب. يقول لافي، الذي يعمل طبيبًا للقلب في مركز أوكسنر الطبي في نيو أورليانز بولاية لويزيانا: «على مدار عقد من الزمن، كنتُ أعتقد أن مريضي الذي لديه زيادة في الوزن والذي عانى لتوِّه من نوبة قلبية، أسوأُ حالًا من مريضي النحيف الذي عانى لتوِّه من نوبة قلبية. لكن الأمر على العكس من ذلك تمامًا.» فالمرضى الذين يعانون أمراض القلب والمصنَّفون على أنهم نحفاء يموتون بمعدلٍ يقترب من ضِعف معدل وفيات المرضى المصنَّفين على أن لديهم زيادة في الوزن أو حتى سمنة.

دُهش لافي من النتائج التي توصَّلَ إليها من خلال ملاحظته لتلك الحالات الفردية التي تعامَلَ معها؛ لذلك بدأ يبحث الأمر في ضوء الدراسات السابقة؛ فوجد العديدَ من الدراسات الواسعة النطاق التي تدعم ملاحظاته: كانت نتائج بعض المرضى الزائدي الوزن الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية أفضل من نتائج نظرائهم النحفاء. فاكتشفت واحدة من أكبر الدراسات التي أُجرِيت في عام ٢٠١٢، وشملت ٦٤ ألف شخص سويدي يعانون من أمراض القلب، أن خطر الوفاة لدى المشاركين السمان أو زائدي الوزن أقلُّ مقارَنةً بالمرضى ذوي الوزن الطبيعي (دورية يوروبيان هارت جورنال، المجلد ٣٤، صفحة ٣٤٥). وفي الوقت نفسه، ارتفع خطر وفاة المرضى الذين يعانون من نقص الوزن بمعدل ثلاثة أضعاف، بل بلغ الأمر بالقائمين على الدراسة إلى أن يشيروا إلى أنَّ نُصْح المريض بإنقاص وزنه بعد تشخيص حالته بأنه مصاب بمرض القلب، ربما يكون فكرة سيئة.

لم تكن أمراض القلب هي وحدها التي يبدو أن زيادة الوزن تفيد معها؛ فقد كانت العلاقة بين السمنة ومصير الأشخاص المصابين بمرض البول السكري من النوع الثاني مدهشةً كذلك. فمن بين دراسات أخرى، توصَّلَتْ دراسة أجرتها جامعة نورث ويسترن على ٢٦٢٥ شخصًا شُخِّصَتْ إصابتهم حديثًا بمرض البول السكري من النوع الثاني، إلى أن احتمال وفاة أصحاب الوزن الطبيعي خلال فترة الدراسة كان تقريبًا ضعف احتمال وفاة نظرائهم من أصحاب الزيادة في الوزن وحتى السمنة. أتى بعد ذلك التهاب المفاصل الروماتويدي وأمراض الكلى؛ فقد برز النمط نفسه مرارًا وتكرارًا: فالأشخاص المصابون بالعديد من الأمراض المهلكة طبيًّا أفضل حالًا على المدى الطويل إذا كانت لديهم زيادة في الوزن، أو حتى كانت لديهم سمنة طفيفة مقارَنةً بحالهم إذا كانت أوزانهم طبيعية. يقول لافي: «أجل، بل إن هذا يظل صحيحًا حتى عندما استبعد الباحثون نقصان الوزن الراجع إلى أمراض أخرى موجودة سابقًا مثل السرطان. بوضوح أقول إن زيادة الوزن ليست هدفًا لتحقيق اللياقة البدنية؛ فنمط الحياة الذي تُكثِر فيه من الجلوس، ويسوء فيه نظامك الغذائي، ويبلغ فيه مؤشر كتلة الجسم ٤٠؛ لن يقودك إلى الصحة. ومع ذلك، عندما يزداد وزنك، فإن تمتعك بصحة جيدة على ما يبدو ليس معناه أن تتخلص من الوزن الزائد، فالأشخاص الأكثر بدانةً لديهم فرصة أكبر للنجاة من الكثير من الأمراض. وقد رُصِدت هذه الظاهرة كثيرًا لدرجة أنها اكتسبت اسم «مفارَقة السمنة».

ولكن كيف يمكن أن يكون الوزن الزائد مفيدًا بالنسبة لك بأية حال من الأحوال؟ تشير إحدى النظريات السائدة وغير الأكيدة إلى أن دهون الجسم تحتوي على مركبات مضادة للالتهابات وطاقة إضافية يمكن أن تعزِّزَا وسائلَ الجسم الدفاعية التي تَقِيه من الآثار المدمرة للمرض. وأشارت التجارب الأكثر دقةً إلى هرمون اللبتين، الذي يُخزَّن في الدهون، ما يدل على أن بعض الدهون الزائدة ربما يكون لها آثار وقائية للأشخاص الذين يعانون من السكتة القلبية (دورية سيركيوليشن هارت فيليور، المجلد ٢، صفحة ٦٧٦). والأشخاص الذين يمتلكون المزيد من الدهون لديهم قدرة على الوصول إلى هذه «الاحتياطات الإضافية» المخزنة داخلهم. على أية حال، أدَّتْ هذه الدراسات المتضاربة إلى تراجُع مراكز مكافحة الأمراض واتقائها في عام ٢٠٠٥ عن زعمها السابق بأن السمنة يمكن أن تكون السبب الرئيسي للوفاة بعد التدخين.

ولكن في العام الماضي، ازداد الجدل سخونةً؛ فثمة سؤال طرح نفسه وهو: هل يمكن أن تكون زيادة الوزن مفيدة لنا جميعًا من الناحية الصحية بدلًا من أن تقتصر فائدتها على المرضى فحسب؟ في التحليل البَعْدِي الذي درس العلاقة بين مؤشر كتلة الجسم والصحة لدى ٢٫٨٨ مليون شخص، أوضح فريق مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بقيادة فليجال — التي طرحت فكرة «استقرار معدلات السمنة» — أن العلاقة بين الصحة والوزن كانت على شكل حرف U وليست علاقة خطية (انظر الشكل التالي: «بدين ولائق بدنيًّا»)؛ أي إن زيادة الوزن أو حتى السمنة الطفيفة كانت أكثر ارتباطًا بانخفاض خطر الوفاة — نتيجة لأي سبب — مقارَنةً بنقصان الوزن أو السمنة المفرطة للغاية.

بدين ولائق بدنيًّا: استُخدِم مؤشر كتلة الجسم على مدى عقود كدليل على الصحة العامة. وكان من المفترض أن تكون العلاقة بين مؤشر كتلة الجسم والصحة خطية في الأساس، ولكن الأبحاث التي أُجرِيت مؤخرًا كشفت أن هذه العلاقة تتخذ منحنًى على شكل حرف U؛ مما يدل على أن احتمالات تعرُّض الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن للوفاة المبكرة — نتيجة لأي سبب — ليست أعلى من احتمالات تعرُّض الأشخاص العاديين لها.

بدين ولائق بدنيًّا: استُخدِم مؤشر كتلة الجسم على مدى عقود كدليل على الصحة العامة. وكان من المفترض أن تكون العلاقة بين مؤشر كتلة الجسم والصحة خطية في الأساس، ولكن الأبحاث التي أُجرِيت مؤخرًا كشفت أن هذه العلاقة تتخذ منحنًى على شكل حرف U؛ مما يدل على أن احتمالات تعرُّض الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن للوفاة المبكرة — نتيجة لأي سبب — ليست أعلى من احتمالات تعرُّض الأشخاص العاديين لها.

أثار بحث فليجال عاصفة من الجدل؛ ففي دراسة أُجرِيت على مرضى البول السكري نُشِرت في يناير الماضي، لم تتوصَّل ديردراي توبايس من جامعة هارفرد إلى مزايا مماثلة كتلك التي توصَّلت إليها فليجال. فعندما أعادت توبايس إجراء تحليلاتها مع التركيز — كما فعلت فليجال — على الوفاة لأي سبب آخَر غير مرض البول السكري، توصَّلَتْ إلى منحنًى على شكل حرف U كالذي وجدته فليجال. ومع ذلك، أشارت توبايس إلى أن استبعاد المدخنين غيَّر شكل المنحنى إلى شكل حرفJ. وأضافت قائلة: «لا توجد ميزة في زيادة الوزن أو السمنة.» غير أن منحناها الجديد لم يُثبت بوضوحٍ العلاقةَ الخطيةَ بين الوزن والصحة التي ينطوي عليها مؤشر كتلة الجسم. يعتقد فريق توبايس أنه يمكن عزو ظهور مفارقة السمنة بالكامل إلى سوء طرق البحث، ولكن هل يمكن أن يكون كل هذا الكم من الدراسات على خطأ؟ أم أن استقرار معدلات السمنة ومفارقة السمنة بمثابة دليلين على أنه قد حان الوقت للتخلِّي عن مقياسٍ أصبحت عدم دقته على المحك؟

استُخدِمَ نظام مؤشر كتلة الجسم على نحو غير صحيح منذ البداية (انظر الجزء بعنوان «لماذا مؤشر كتلة الجسم؟») فأخطاؤه التي يُستشهَد بها كثيرة بحيث لا تكاد تُحصَى.

أولًا، مؤشر كتلة الجسم لا يمكن الاعتماد عليه باستمرار لمعرفة مقدار الدهون الفعلي، سواء طُبِّق على أفراد أو مجموعات؛ فهو يخفق في تحديد مكان تراكم الدهون في الجسم؛ فوفقًا لعدة تحليلات، دهون البطن — وليست دهون الجسم بأكملها — هي التي تتنبأ في واقع الأمر بما إذا كان الشخص سيصاب بأمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان. كما أنه من المعلوم أن هذا المؤشر يخفق في التمييز بين الدهون والعضلات.

وكثيرًا ما يُرفَض النقد الشائع الذي مفاده أن مؤشر كتلة الجسم لا يمكنه التفريق بين آرنولد شوارزنيجر بطل كمال الأجسام الشهير وشخص بدين. فعلى أية حال، ليس الكثير من الناس الذين لديهم مؤشر كتلة جسم دال على السمنة يبدون كآرنولد شوارزنيجر، ولكن هذا الرفض يغطي نقطة أكثر دقةً؛ ففي كثير من الحالات يكون الشخص المصنف حسب مؤشر كتلة الجسم بأنه زائد الوزن أو سمين «من الدرجة الأولى» (التي تلي زيادة الوزن مباشَرةً)، ربما يكون أفضل صحةً من ناحية عملية الأيض عن نظيره ذي الوزن الطبيعي، ويرجع ذلك ببساطة إلى لياقة بدنية أفضل. مع ذلك، وفقًا للفئات القياسية لمؤشر كتلة الجسم، لا يمكن تمييز هذا الشخص عن شخص يعاني سمنة مفرطة لديه الحد الأدنى من اللياقة البدنية.

الأسوأ من ذلك أنه عندما يكتسب شخص يعاني من زيادة الوزن عضلاتٍ، فإنه يُغيِّر صحته للأفضل، ولكن في كثيرٍ من الأحيان يغيِّر مؤشر كتلة جسمه للأسوأ، وأحيانًا يدفعه هذا حتى نحو فئة «السمنة». وهذه الفئة أكثر شمولًا على نحو كبير؛ فهي تشمل أي مؤشر كتلة جسم يزيد عن ٣٠، وهو ما يجمع مجموعة من الأوزان تمتد من الناحية النظرية إلى ما لا نهاية. من جانبها، تعتقد فليجال أن هذا هو عامل الإرباك في كثير من الدراسات، وتقول إنه في النتائج التي توصَّلَتْ إليها في عام ٢٠١٣، لاحظت فروقًا صحية كبيرة بين أشخاص مصنَّفين على أنهم سمان من «الدرجة الأولى»، وبين أشخاص كانت مؤشرات كُتل أجسامهم أقرب إلى ٤٠. وأضافت قائلة: «السمنة من الدرجة الثانية والثالثة كانت مرتبطة على نحو ملحوظ بزيادة نسبة الوفيات، ولكن السمنة من الدرجة الأولى لم تكن كذلك.» ومع ذلك، نادرًا ما تميِّز معظم الدراسات التي تعتمد على مؤشر كتلة الجسم بين هذه الأمور. ويميل مقدِّمو الرعاية الصحية إلى تجاهُل ذلك أيضًا.

هذا هو السبب وراء إخفاق مؤشِّر كتلة الجسم دومًا في التمييز بين السمان الأصحاء والنحفاء غير الأصحاء، وهما مجموعتان تظهران باستمرار في الأبحاث الجديدة. على سبيل المثال، في دراسة أُجرِيت عام ٢٠١٣ على ٤٣ ألف شخص، وكانت تدرس العلاقة بين السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية، وُجِد أن ٤٦ بالمائة من عينة الدراسة الذين يعانون من السمنة أصحاء على مستوى عملية الأيض، ولا يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع الكوليسترول في الدم أو مقاومة الأنسولين، وهي أمور ترتبط عادةً بالسمنة؛ فكانت احتمالات تعرُّض مجموعة «السمان الأصحاء» للوفاة جرَّاء أمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان مساويةً لنظرائهم ذوي الوزن الطبيعي الذين كانوا أيضًا أصحاء على مستوى عملية الأيض (دورية يوروبيان هارت جورنال، المجلد ٣٤، صفحة ٣٨٩). واستنادًا إلى حجم دراستهم التي استمرت لمدة ٢٥ عامًا، تكهَّنَ فريق الدراسة بأن هذه الحالة من التمتُّع بصحة جيدة على مستوى عملية الأيض مع السمنة شائعةٌ في عموم العينة. وبموازاة الكم المتزايد باطراد من الدراسات التي تتناول «مفارقة السمنة»، تكشف هذه الدراسة أن مؤشر كتلة الجسم لا يجدي نفعًا بالضرورة حتى كمؤشر للصحة العامة لدى الأشخاص.

تقول ليندا بيكون، وهي خبيرة تغذية في جامعة كاليفورنيا بديفيس: «من الخطأ أن ينصبَّ اهتمامك على وزنك.» ويتفق لافي معها على ذلك إذ يقول: «ليس هناك الكثير من الأدلة على أنك تستفيد كثيرًا من إنقاص وزنك.» لذلك يشير إلى أنه بالنسبة لأي شخص يتراوح مؤشر كتلة جسمه بين ١٨٫٥ و٣٥، يكون الأساس هو لياقته البدنية، وليس نقصان وزنه. ويضيف قائلًا: «إذا جلست مع مريض لديه سمنة طفيفة عانَى لتوِّه من نوبة قلبية، فإن فرص شفائه تكون بالفعل جيدة أو حتى أفضل من شخص نحيف، إذا استطعنا أن نرفع من مستوى لياقته البدنية.» ليس بيكون ولافي الوحيدَيْن اللذين توصَّلَا إلى هذا الاستنتاج.

لا يوجد حجم واحد يناسب الجميع

يمثِّل هذا نقلةً نوعيةً لأطباء القلب الذين غالبًا ما ينصحون مرضاهم الذين تزيد مؤشرات كُتل أجسامهم عن المعدل الطبيعي بإنقاص أوزانهم، وهو موقف مثير للجدل؛ فرغم كل شيء، ثمة واحدة من المخاوف تُطرَح كثيرًا فيما يتعلَّق بعمل فليجال، وهو أنه يمكن أن يقوِّض سياسات الحد من معدلات السمنة. فإذا بدأ الجميع في التفكير في أن زيادة الوزن أمر طبيعي، فربما لا يدرك الآباء أن أطفالهم الذين يعانون من زيادة الوزن لديهم مشكلة في هذا الوزن، وذلك ما أوضحه كبير المسئولين الطبيين في إنجلترا مؤخرًا لمجلة نيو ساينتيست.

ومع ذلك، بدأت الأبحاث تُظهِر أن التركيز على مؤشر كتلة الجسم قد لا يفيد؛ ففي دراسة نُشِرت في فبراير، وجد باحثون من كلية طب جونز هوبكنز في بلتيمور بميريلاند أن المرضى الذين شعروا بأن طبيبهم يرى أن أوزانهم تمثِّل مشكلةً لهم كانت احتمالات محاولتهم إنقاص أوزانهم أكبر، ولكن احتمالات نجاحهم كانت أقل.

في الواقع، ربما يسبِّب التركيز على مؤشر كتلة الجسم ضررًا فعليًّا؛ إذ يُثني الأشخاص زائدي الوزن والسمان عن الذهاب لأطبائهم في المقام الأول. حدَّد فريق من الباحثين من جامعة كولومبيا في نيويورك عوائق تتصل بالوزن، مثل الخوف والخجل وعدم وجود أجهزة فحصٍ تناسِبُ حجم المريض، والتي كانت جميعها تُثني النساء اللاتي يعانين من السمنة عن الذهاب لإجراء تصوير الثدي بالأشعة ومسحة عنق الرحم اللذين من الممكن أن ينقذا حياتهن (دورية أوبيسيتي، المجلد ٢٠، صفحة ١٦١١).

ربما يكون السؤال الأكثر عمقًا هو: لماذا لا يزال يُستخدَم مؤشر كتلة الجسم؟ فقد قُدِّم على الأقل خمسة بدائل له، بدءًا من صيغة رياضية أدق إلى نظام نسبة محيط الخصر إلى الطول الذي يعكس على نحو أفضل المخاطرَ الفعلية للإصابة بالأمراض. ومع ذلك، في هذه المرحلة، ليس لدى وكالات الصحة العامة أية خطط للتحوُّل إلى مقياسٍ آخَر. يتمثَّل جزء من المشكلة في أن مؤشر كتلة الجسم هو الوحيد الذي يقدِّم أرقامًا رسمية محدَّدة تفيد جدًّا في إجراء تقييمات سهلة.

للحد من الضرر على المدى القصير، يوصي العديد من الأطباء باستخدام مؤشر كتلة الجسم بمزيد من الحرص، فبالنسبة للشباب — على سبيل المثال — تبدو المقاييس الكلاسيكية لمؤشر كتلة الجسم مناسبة، ولكن بالنسبة لكبار السن على وجه الخصوص، يعتقد لافي أن المبادئ التوجيهية لمؤشر كتلة الجسم مضلِّلة؛ إذ تتزايد الأبحاث التي توضِّح أن السمنة في هذه الفئة ترتبط بانخفاض مخاطر التعرض للوفاة لا بارتفاعها. وبالمثل، لا ينطبق مؤشر كتلة الجسم على جميع الأعراق على نحو متكافئ، وينبغي أن يختلف باختلاف النوع الجنسي، كما فطنَتْ إلى ذلك معاهدُ الصحة الوطنية الأمريكية في الإصدار الأصلي من مبادئها التوجيهية (انظر الجزء بعنوان «لماذا مؤشر كتلة الجسم؟») وفي ظل ظروف معينة، فإن الأشخاص المصابين بأمراض معينة مثل السرطان وفيروس نقص المناعة البشرية يمكن أيضًا أن يضعوا في اعتبارهم اكتساب المزيد من الوزن، بخلاف توصيات مؤشر كتلة الجسم.

يتساءل آخَرون إن كانت المخاوف الصحية تمثِّل بالفعل السبب الرئيسي وراء الذعر من السمنة. تقول عالمة الاجتماع في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس أبيجيل ساجي: «نحن نعيش في مجتمع يسمح باحتقار البُدُن. فلا يزال يوجد نوع من القبول الاجتماعي لهذا النوع من الحكم عليهم، نوع من عدم التعاطف.» تشير ساجي إلى أنها لم تشهد أية أدلة على أن أيًّا من التمييز والمعايرة بالنقص والاحتقار يمثِّل حافزًا لإنقاص الوزن. فتضيف: «ليس لأيٍّ من ذلك آثار إيجابية.» وترى أن وباء الصحة العامة الحقيقي هو التمييز ضد زيادة الوزن والسمنة: «الحد من القبول الاجتماعي للتمييز والاحتقار القائمَيْن على أساس الوزن يمكن أن ينقذ أرواحًا.»

لماذا مؤشر كتلة الجسم؟

إذن من أين جاءتنا فكرة أن الصحة العامة ومؤشر كتلة الجسم يرتبطان ارتباطًا وثيقًا؟ طوَّر هذا النظامَ إحصائيٌّ بلجيكيٌّ في عام ١٨٣٢، وكان فضوله الأكاديمي حول معنى أن يكون الشخص «طبيعيًّا» دافعًا أكبر له من اهتمامه بالسمنة.

في أربعينيات القرن العشرين، استخدمت شركات التأمين على الحياة هذا النظام بعد تعديله ليصبح بمثابة وسيلة سهلة لتحديد مخاطر وثائق التأمين، وقد اعتمدته معاهد الصحة الوطنية الأمريكية في ١٩٨٥، ثم منظمة الصحة العالمية في عام ١٩٩٥ كطريقة لتقدير السمنة في المجموعات الكبيرة من الناس.

وحتى هذه المبادئ التوجيهية ليست ثابتة؛ ففي عام ١٩٩٨، نقلت معاهد الصحة الوطنية تعريف السمنة إلى ٣٠ بدلًا من ٢٧، وأضافت فئةً جديدةً (زيادة الوزن)؛ ما تسبب على الفور في تصنيف ملايين الأمريكيين على أنهم بُدُن، وقد كانوا في السابق «لائقين بدنيًّا»، كما وحَّدت أيضًا المبادئ التوجيهية للرجال والنساء التي كانت مختلفة سابقًا.

ولم يقترح أحد قطُّ أنه ينبغي أن يكون مؤشرًا لصحة الفرد؛ وحذَّر مخترعه صراحة من ذلك.

ولكن تلك هي الطريقة التي نستخدمه بها بالضبط اليوم، حيث يُنصَح أي شخص تكون نتائجه خارج نطاق مؤشر كتلة الجسم العادي بإنقاص وزنه. وانتشرت على الإنترنت تطبيقات حساب مؤشر كتلة الجسم التي لا تضع في اعتبارها السياق الذي تُجرَى فيه هذه الحسابات. وتوجد أسباب وجيهة لإعادة النظر في هذا النهج.

10 ديسمبر, 2015 09:18:15 مساء
0