تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عناصر مراوغة: مشكلة الجدول الدوري

أوزان مختلة، عناصر تغيرت مواقعها، اضطرابات في النسبية؛ يبدو أن جدول علم الكيمياء الشهير أبعد ما يكون عن الاستقرار، ولا أحد يعرف إلى أين سينتهي به الحال.

 إذا كان التقليد هو أصدق أشكال الإطراء، فإن للجدول الدوري الكثير من المعجبين المخلصين؛ فخطوط الطباعة وأنواع اللحوم بل وحتى مجموعة العرائس المتحركة الشهيرة «ذا مابتس» رُتِّبتْ على صورته. وبالنسبة للكيميائيين، فإن معرفة موقع العنصر في الجدول الدوري — والعناصر القريبة منه — لا تزال أهم مؤشر يُعتمَد عليه لتحديد خصائص هذا العنصر، بجانب كونه مرشدًا قيِّمًا في إطار البحث عن مواد جديدة. يقول بيتر إدواردز — من جامعة أكسفورد: «إنه ينافس كتاب داروين «أصل الأنواع» من حيث استخلاصه نظامًا من وسط الفوضى.»

ترجع أصول الجدول الدوري إلى القرن التاسع عشر، عندما لاحظ الكيميائيون بدء ظهور أنماط بين العناصر الكيميائية المعروفة عند ترتيبها تصاعديًّا وفقًا للوزن الذري. وفي ستينيات القرن التاسع عشر بدأ ديميتري مندليف وآخرون في تجميع العناصر في صفوف وأعمدة تعكس تلك الأنماط، وأتاح لهم ما أدركوه من فجوات في الشبكات الناتجةِ التنبُّؤَ بوجود عناصر كانت غير معروفة آنذاك.

لكننا لم نبدأ في فهم ما يكمُن وراء تلك الأنماط إلا بعد ظهور النظرية الكَمِّية في القرن العشرين. ترتبط صفوف ومجموعات الجدول الدوري تقريبًا بطريقة ترتيب إلكترونات الذرة في مجموعة من «الأغلفة» التي تحيط بالنواة الغنية بالبروتونات. تملأ الإلكترونات الأغلفة وتفرعاتها بدءًا من الغلاف الأقرب إلى النواة الذي يتمتع بأقل طاقة. إن عدد الإلكترونات في الغلاف الأبعد، والمسافة التي تفصله عن النواة والأغلفة الأخرى هي العوامل الرئيسية التي تحدد السلوك الكيميائي للعنصر. يقول إريك سيري — فيلسوف الكيمياء في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس: «إن الدورية الكيميائية خاصية طبيعية.»

لكن ذلك قد يؤدي إلى بعض الاستنتاجات المتسرعة حول الجدول، وهو ما يعلق عليه سيري قائلًا: «يفترض الناس بثقةٍ أن الجدول الدوري مفهوم تمامًا، لكنه لم يستقر بعدُ؛ فالكثير جدًّا من الجوانب ما زالت تنتظر من يكتشفها.» إذ لا تنسجم توزيعات الإلكترونات دومًا بدقة مع الخواص الكيميائية. والخواص والأنماط التي ندرسها كما تظهر على سطح الأرض تختلف للغاية إن غامرنا بولوج بيئة الفضاء القاسية. وبالفعل فإن ما يحدث قرب نهاية الجدول الدوري — وبالتأكيد حيث موضع هذه النهاية — هي أسئلة تظل دون جواب. وكما تشير الأمثلة التالية، ما زال الجدول الدوري إلى حدٍّ كبير في مرحلة التطور (انظر الشكل التوضيحي).

أسئلة حول الجدول: يرتب الجدول الدوري العناصر تصاعديًّا وفقًا للوزن الذري، لكن ذلك لا يعني أنه وصل لمرحلة استقرار عام.

أسئلة حول الجدول: يرتب الجدول الدوري العناصر تصاعديًّا وفقًا للوزن الذري، لكن ذلك لا يعني أنه وصل لمرحلة استقرار عام.

مسألة الوزن

رتَّبتِ الجداول الدورية القديمة العناصرَ تصاعديًّا وفقًا للوزن الذري؛ أي في الأساس وفقًا لعدد البروتونات والنيترونات في نواة الذرة، لكن معظم الذرات تتخذ شكل نظائر متنوعة تحتوي على أعداد مختلفة من النيترونات؛ ومِن ثَمَّ يُرتب الجدول الدوري الحالي العناصر وفقًا للعدد الذري؛ أي عدد البروتونات الذي لا لبس فيه.

ما زالت الأوزان الذرية موجودة، لكن السؤال هو: أيُّها الوزن «الصحيح»؟ كان من المعتاد عرض الأوزان على شكل رقم واحد لكل عنصر بناءً على متوسط أوزان نظائره الطبيعية وفقًا لوفرتها النسبية، لكن هذا يساعد على استمرار الاعتقاد الخطأ بأن هذا الرقم هو ثابت أساسي من نوع ما، كما جاء على لسان تايلر كوبلن — من مختبر ريستون للنظائر المستقرة، بولاية فيرجينيا — لكن في الواقع يختلف الوزن الذري لعنصر مثل الكربون — على سبيل المثال — اختلافًا بسيطًا من عينة لأخرى اعتمادًا على الكميات الموجودة من كل نظير بالضبط.

في عام ٢٠٠٩، قرر رعاة الجدول — الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية — التحرك من خلال حذف الأوزان الذرية الموجودة لعشرة عناصر من بينها الهيدروجين، والليثيوم، والبورون، والكربون، والنيتروجين، والكبريت، واستبدلوا بها نسبًا تتضمن الانتشار النظائري في جميع العينات الأرضية المعروفة. وفي مايو ٢٠١٣، انضم البروم والمغنيسيوم إلى هذه المجموعة، ومن المرجح أن ينضم النيكل والسيلينيوم والزنك في المرحلة القادمة.

رغم ذلك، ليست جميع العناصر متقلِّبة إلى هذا الحدِّ؛ فالفلورين والألومنيوم والصوديوم والذهب و١٧ عنصرًا آخر تتمتع بنظير ثابت واحد فقط، مما يعني أن وزنها الذري من ثوابت الطبيعة بالفعل؛ ومِن ثَمَّ بقيتْ أوزانها.

عناصر دخيلة؟

إن ترتيب الجدول الدوري وفقًا للرقم الذري يجعل من موقع العناصر حقيقة لا تقبل الجدل، باستثناء بضع حالات. فلنتناول — على سبيل المثال — حالة صفَّيْن من العناصر يبدوان إلى حدٍّ ما كإضافة إلى الجدول أسفل جسم الجدول الرئيسي؛ وهما: اللانثانيدات‏ والأكتينيدات.

تعيِّن فجوتان في الجدول الرئيسي — تحت عنصرَيِ السكانديوم والإيتريوم في المجموعة الثالثة — مكان اندماج هاتين المجموعتين، لكنَّ السؤال ها هنا هو: كيف يحدث الاندماج؟ تنقسم الإجابة بين مدرستين فكريتين؛ إحداهما تتبع توزيعات الإلكترونات، فلدَى كلٍّ من السكانديوم والإيتريوم ثلاثة إلكترونات خارجية — مثل اللانثانوم والأكتينيوم، وهما عنصران يقعان في آخر المجموعتين من جهة اليسار — ومِن ثَمَّ يحق لهما احتلال المكان، لكنَّ المدرسة الأخرى تشير إلى أن الخواص الكيميائية، مثل نصف القطر الذري ونقطة الغليان، تجعل من الأنسب وضع اللوتيتيوم واللورنسيوم في نهاية الصفين جهة اليمين. وفي عام ٢٠٠٨، احتدمت التوترات المضطربة بين الجانبين على صفحات دورية جورنال أوف كميكال إديوكايشن.

يقول سيري إن حلَّ هذا النزاع قضية مهمة، ولا تقتصر أهميتها على الوضوح التعليمي فحسب. فمن الممكن استخدام الإيتريوم لإعداد موصلات فائقة التوصيل، وهي مركبات توصل الكهرباء دون مقاومة، وتعمل تحت درجات حرارة عالية نسبيًّا. وقد بدأ السعي وراء مواد ذات إمكانيات مماثلة، ويَعتقِد سيري أن مركبات اللوتيتيوم واللورنسيوم ربما لم ينتبه أحد إليها لأنها تعتبر منتمية لمجموعة منفصلة تمامًا.

إن اتخاذ أي قرار سيستغرق سنوات. وقد سمح الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية لسيري بإنشاء لجنة، لكن وظيفتها ستقتصر فحسب على الدفاع عن سبب الحاجة إلى قرار.

نصف ممتلئ أم نصف فارغ؟

في بداية الكون، كان عنصرا الهيدروجين والهليوم — الأبسط بين العناصر — هما الموجودين فحسب تقريبًا، لكن ظهور المزيد من المواد المعقدة جعل من الصعب تحديدَ المكان المناسب لهما. يعلق سيري على ذلك قائلًا: «الأمر يشبه إلى حدٍّ ما السؤال عن كيفية تصنيف الديناصورات بجانب غيرها من الحيوانات.»

يملك الهيدروجين بروتونًا واحدًا يحيط به إلكترون واحد يدور في غلاف قد يسع إلكترونَيْن. فهل ذلك الغلاف نصف فارغ أم نصف ممتلئ؟ عادةً إما تكتسب معظم العناصر إلكترونات أثناء التفاعلات الكيميائية أو تفقدها، لكن الهيدروجين يتأرجح بين السبيلين؛ ففي بعض الأحيان يكتسب إلكترونًا لملء غلافه ويكوِّن مركبات مثل هيدريد الصوديوم NaH، وفي أحيان أخرى يفقد إلكترونه الوحيد ليكوِّن مركبات مثل فلوريد الهيدروجين HF.

تضع معظم الجداول الدورية — بما فيها جدول الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية — الهيدروجين في المجموعة ١ مع العناصر الفلزية فاقدة الإلكترونات مثل الليثيوم والصوديوم، لكن الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية أيضًا يسمح بأن يحتل الهيدروجين مكانًا مجاورًا بالمثل للهالوجينات ملتهمة الإلكترونات، مثل الفلورين في المجموعة ١٧. لا يبالي معظم الكيميائيين بهذا الالتباس؛ فيقول بيكا بيكه — من جامعة هيلسنكي في فنلندا: «لا يزعجني ضم الهيدروجين في كل من المجموعة ١ والمجموعة ١٧.»

في الوقت نفسه تكمُن مشكلة الهليوم في أنه نادرًا ما يتفاعل على الإطلاق، بفضل غلافه الخارجي مكتمل الإلكترونات. يقع الهليوم في الجدول الدوري القياسي فوق النيون مع الغازات النبيلة التي تتشارك في هذه الخاصية بالمجموعة رقم ١٨، لكن حقيقة احتواء غلافه الخارجي على إلكترونين فقط يدفع البعض للاعتقاد بأنه من الأفضل وضعه مع عناصر مثل البيريليوم في المجموعة ٢.

وازداد ذاك الاعتقاد مع الحسابات التي تشير إلى أن كلًّا من الهليوم والنيون قد يتفاعلان مع عناصر أخرى تحت ظروف معينة، وهو احتمال يزداد في حالة الهليوم. يتناقض ذلك مع الميل لزيادة التفاعلية كلما اتجهنا لأسفل في تلك المجموعة، وهي مشكلة صغيرة يمكن تسويتها — كما يقترح البعض — من خلال إبعاد الهليوم إلى المجموعة ٢.

متى يصبح الفلز لافلزًّا؟

كان مستكشفو الجدول الدوري واثقين من أنهم في سبيلهم للتوصل إلى شيء ما عندما لاحظوا الاتجاه التالي: إذا تحركتَ على نحو مائل عبرَ الجدول الدوري من أسفل اليسار إلى قمة اليمين؛ فستجد أن العناصر تصبح أقلَّ فلزية تدريجيًّا. عادةً تصور الحدود بين الاثنين في هيئة خط سميك ينحدر لأسفل في الجانب الأيمن من الجدول.

للأسف ليس الأمر بهذه البساطة. يقول إدواردز: «إن الحالة فلزًّا/لافلزًّا ليست حالة ثابتة لا تتغير.» فلنتناول الهيدروجين، على سبيل المثال، نحن — سكان الأرض — نراه بوضوح غازًا شفافًا لافلزيًّا، لكنْ في مراكز الكواكب الغنية بالهيدروجين مثل المُشتَرِي وزُحَل، من المعتقد أن الضغط ودرجات الحرارة المرتفعة يجعلان الهيدروجين سائلًا فلزيًّا لامعًا. ويشير موقعه المعتاد في الجدول الدوري فوق الليثيوم الفلزي إلى هذا. لكن العناصر المعترَف بكونها لافلزية مثل الهليوم والأكسجين من المتوقع كذلك أن تنحلَّ تحت الضغط؛ ومِن ثَمَّ فإن إلكتروناتها الخارجية تتجول بحرية وتتصرف كما تراه مناسبًا. وهو ما يعلق عليه فريدريش هينزل — من جامعة ماربورج في ألمانيا — قائلًا: «إن الجدول الدوري الذي تعلمتُه ليس سوى الجدول الدوري في الظروف المحيطة.»

بل إن الهيدروجين قد يتحول تحت الضغط إلى فلزٍّ صلب، وهي مادة لها تطبيقات يمكن أن تكون مثيرة للاهتمام كوقود أو كموصل فائق في درجة حرارة الغرفة، على الرغم من أن المزاعم الحديثة بتخليقها في المختبر ما زالتْ مثارَ جدل.

يمكن عكس هذه الظاهرة كذلك؛ ففي عام ٢٠٠٩ استخدم فريق بقيادة أرتوم أوجانوف — الذي يعمل الآن في جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك — الضغط العالي لتحويل الصوديوم الفلزي اللامع المنتمي للمجموعة ١ إلى لافلز شبه شفاف ذي لون برتقالي مُحمَرٍّ. في هذه الحالة، يبدو أن الضغط يُقرِّب الإلكترونات بشدة من بعضها لدرجة تجبرها على احتلال المواقع التي تقلل التنافر اللاحق، بدلًا من التجول بحرية.

تُسلِّط تلك السلوكياتُ الجدليةُ الضوءَ على قلة الثوابت في عالم الكيمياء، لكن ذلك لا ينبغي أن يُفزِعنا، على حدِّ قول أوجانوف، الذي يضيف: «لا أعتقد أننا نحتاج إلى مراجعة الجدول الدوري، فما نفعله الآن يضيف له تعليقات وتصحيحات في غاية الأهمية.»

تأثير أينشتاين

إن نسبية أينشتاين تُخضِع المكان والزمان والعقول والجدول الدوري كذلك؛ فعندما تصل إلى عنصر الذهب — صاحب الرقم الذري ٧٩ — تصل جاذبية النواة العالية الشحن إلى درجة تجعل الإلكترونات الداخلية تدور سريعًا جدًّا بمعدل نشط يبلغ ٨٠٪ من سرعة الضوء. يؤدي هذا إلى زيادة كتلتها، مما يجعلها تدور على نحو أقرب من النواة وتقي الإلكترونات الأبعد من جاذبيتها. بعد ذلك تتمدد الأغلفة الخارجية، ويبدأ الرابط المحكم بين كيفية ملء الإلكترونات للأغلفة والخواص الكيميائية للعنصر في الانهيار.

إن التأثيرات غير المباشرة على أطوال موجات الضوء التي يمتصها الذهب هي السبب الذي يجعله يبدو في غاية الاختلاف عن الفلز الثمين الذي يقع فوقه مباشرة في الجدول الدوري. يقول بيكه: «نحتاج إلى النسبية لجعل الذهب مختلفًا عن الفضة بالفعل.» الأمر لا يقتصر على ذلك؛ ففي العام الماضي فحسب تمكَّن أخيرًا بيتر شفيرتفيجر — من جامعة ماسي في أوكلاند، نيوزيلاندا — من إثبات أمرٍ كان مشكوكًا فيه طوال عقود، ألَا وهو كون نقطة انصهار الزئبق المنخفضة على نحو غريب — والتي تتسبب في تحويله إلى سائل في درجة حرارة الغرفة مما يجعله فريدًا من نوعه بين الفلزات — ترجع كذلك إلى تأثيرات نسبويَّة.

كما هو الحال دومًا تُضاف عناصر ثقيلة إلى الجدول الدوري، فما تأثير ذلك؟ لسنا متأكدين تمامًا. عند اكتشاف أن خواص عنصرَيِ الرذرفورديوم (الرقم الذري ١٠٤) والدوبنيوم (١٠٥) لا تتوافق مع عنصرَيِ الهافنيوم والتنتالوم اللذين يقعان فوقهما مباشرة، طُرحتِ الأسئلة. لكن عنصر سيبورجيوم (١٠٦) يبدو عنصرًا تقليديًّا على نحو بالغ، بينما أُطلق على العنصر ١٠٧ اسم «البوريوم الممل» نظرًا لتذيُّله خط المجموعة. وقد أسفرت التجارب التي أُجريتْ حتى الآن على اثنين من الإضافات الحديثة للجدول — كوبرنيسيوم (١١٢) وفليروفيوم (١١٤) — عن نتائج مختلطة.

إذن هل حرَم أينشتاين الجدولَ الدوري من قدرته التنبئية؟ لا يقلق بيكه حيال هذا الاضطراب، فيقول: «ليس لدينا نظرية رياضية بسيطة تشكل أساس الجدول الدوري، بل لدينا عدد من الحقائق الجوهرية، إحداها هي النسبية. عند وضع تلك الحقائق معًا فإنها تفسر آليات عمل الجدول الدوري.» لكن مثاياس شاديل — الذي يدرس العناصر الفائقة الثقل في مركز هيلمهولتس جي إس آي لأبحاث الأيونات الثقيلة في دارمشتات بألمانيا — أقل تفاؤلًا؛ إذ يقول: «إن الجدول الدوري ما زال كما هو، لكن لم يعد في وسعك التنبؤ بخواص تفصيلية بعد الآن.»

أين سينتهي كل هذا؟

تشير النماذج الذرية الأولية إلى أن بعد العدد الذري ١٠٣ تصبح قوة التنافر بين البروتونات المشحونة إيجابيًّا ضخمةً جدًّا، لدرجة أن الذرات ستبدأ في التفكك ببساطة. وعادةً تستسلم الطبيعة عند العدد ٩٢ مع عنصر اليورانيوم.

لكن بفضل التجارب التي تصنع العناصر الأعلى من اليورانيوم في المختبر، أصبح معروفًا الآن على المستوى الرسمي أن أثقل ذرة هي ذرة الليفرموريوم (١١٦). وقد صُنع بالفعل العنصران رقم ١١٧ و١١٨ لكنهما لم يحصلا بعد على التصديق الرسمي. من الواضح أن موضع نهاية الجدول ليس بهذه البساطة، وهو ما يعلق عليه شاديل قائلًا: «توجد نهاية بالتأكيد، لكننا لا نعرف مكانها.»

حاليًّا يفسر العلماء وجود عناصر فائقة الثقل ذات أعداد ذرية أعلى من ١٠٣ بنظريات تزعم أنه مثلما تنتظم الإلكترونات الدائرة في أغلفة، فإن ذلك يحدث أيضًا مع البروتونات والنيترونات داخل النواة. تتمتع الذرات بمزيد من الاستقرار عند — وبالقرب من — أعداد «سحرية» معينة تقترب من اكتمال الأغلفة. لكن مع ذلك لا بد من ظهور نقطة حيث تصبح المجالات داخل الذرات الثقيلة العالية الشحنة غير خاضعة للسيطرة. قدَّم المنظِّر بول أنديليكاتو — من جامعة بيير وماري كوري في باريس، فرنسا — وزملاؤه عام ٢٠١١ اقتراحًا بأن التقلبات الكمية داخل تلك المجالات ستقضي في النهاية على العناصر التي يزيد عددها الذري عن العدد ١٧٢.

على أية حال فإن الثبات ليس سوى عامل نسبيٍّ فحسب بالنسبة للعناصر الفائقة الثقل؛ فتلك العناصر التي صُنعتْ حتى الآن هي عناصر مشعَّة ولا تستطيع البقاء إلَّا لأجزاء من الثانية قبل تحللها، مما يجعل دراستها مهمة صعبة. وعلاوة على ذلك، لا يمكن تصنيع معظمها إلا عبر تصنيع ذرة واحدة في كل مرة، مما يعني أن الخواص الكيميائية — مثل التطاير، أو الموصلية، أو ما إن كانت المادة صلبة أو سائلة أو غازية — لن تكون مفهومة؛ ومِن ثَمَّ هل يمكن حقًّا اعتبارها عناصر كيميائية على الإطلاق؟ يعلق شانديل قائلًا: «بوصفك كيميائيًّا فسوف ترغب في رؤية تفاعلات كيميائية.»

ابتكر العديد من فرق البحث طرقًا بارعة لدراسة خواص الذرات المفردة؛ إذ درستْ إحدى التجارب التطاير في عنصرَيِ الكوبرنيسيوم والفليروفيوم من خلال مقارنة درجة الحرارة التي تلتصق عندها ذرة واحدة بسطح ذهبي مع نقطة التصاق الذرات المعروفةِ نسبةُ تطايُرها. تشير النظرية كذلك إلى أن زيادة درجة حرارة الالتصاق قد تكون دليلًا على خاصية فلزية. يقول شانديل: «لقد عرف الكيميائيون والفيزيائيون الفلز على مر الأجيال، لكنهم لم يضطروا قط للتفكير فيما يحدث على مستوى ذرة واحدة. إنها طريقة جديدة كلية لتعريف الفلز.»

على الرغم من ذلك، وبدون آفاق واقعية لاستغلال تلك الذرات الفائقة الثقل، ألَا يبدو ذلك مسعًى عقيمًا؟ لا يعتقد شانديل ذلك، ويرى تلك التجارب ضمن تراث يمتد لمائة وخمسين عامًا جعل من الجدول الدوري جدول العناصر الأيقوني الحالي؛ فيقول: «إنها تستكشف أرضًا مجهولة، وتذهب إلى مناطق لم يلمحها أحدٌ بعدُ.»

14 ديسمبر, 2015 10:16:03 صباحا
0