تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إعادة النظر في الفصام: ترويض المرض دون عقاقير

قد يفوق ضرر العقاقير المضادة للذُّهان نفعها. يتحول الاتجاه حاليًّا نحو أساليب أكثر اعتدالًا، بدايةً من العلاج بجلسات الحوار وحتى تدريب الدماغ.

يقول بيتر بوليمور: «كنت أرتجف طوال الوقت؛ فلم يكن بمقدوري الحلاقة ولا الاستحمام، وأصبح جسدي غير نظيف. لقد أصبحت نموذجًا نمطيًّا لمريض الفصام. كان الناس يكتبون على نافذتي: «اخرج أيها المفصوم!» وقد شجَّ أحد الناس وجهي.»

والآن ولَّت هذه الفترة من حياة بوليمور وتخطاها منذ وقت طويل. فهو يدير مركزًا استشاريًّا تدريبيًّا للصحة العقلية في شيفيلد بالمملكة المتحدة، ويسافر حول العالم لإلقاء محاضرات بشأن هذا الموضوع.

قد تظن أن ما حدث لبوليمور من تحوُّل كان بفضل عقَّار معجز تمكَّن من السيطرة على ما لديه من فصام. على العكس، فقد كانت الآثار الجانبية لما يتناوله من عقاقير هي السبب في تدهور حالته. وبدلًا من ذلك، اختار بوليمور القيام بأمر يبدو متطرفًا؛ إذ بدأ في الاستغناء ببطء عما يتناوله من عقاقير، وبدأ نوعًا جديدًا من العلاج.

ربما تكون تجربة بوليمور حالة استثنائية، لكننا كنا نعلم منذ وقت طويل أن العقاقير المستخدمة في علاج الفصام بعيدة كلَّ البعد عن الكمال؛ حيث كانت الآثار السلبية دومًا ثمنًا يستلزم سداده للتخلص من الأعراض المدمرة لهذه الحالة، لكن هذه الفكرة الآن أصبحت مثارَ شكٍّ. فالأعراض الجانبية لهذه العقاقير ليست أسوأَ مما كنا نعتقده فحسب، ولكن فوائدها أيضًا أقل بكثير مما كنا نعتقده. ورغم أن إيقاف المرضى لتلك العقاقير يجب أن يتم ببطء وحذر حتى لا يتعرضوا لانتكاسة، فإن النتائج تبدو أفضل على المدى الطويل في حال الاستمرار في تناول أقل قدر من العقاقير.

وحاليًّا ثمة اهتمام متزايد بالطرق الأقل ضررًا من أجل مساعدة من يعانون من هذه الحالة، بما في ذلك العلاج بجلسات الحوار وصولًا إلى أشكال من تدريب الدماغ. يقول ماكس بيرتشوود — العالم النفسي بجامعة واريك بالمملكة المتحدة: «لقد بدأ أسلوب التعامل مع الفصام يختلف؛ فالمواقف تتغير بالتأكيد.»

ظل الفصام — منذ أن وصفه لأول مرة الأطباء النفسيون الأوروبيون في أواخر القرن التاسع عشر — أكثرَ مرضٍ عقلي مخيف على الإطلاق. فيبدأ من يُصاب به في التصرف على نحو غريب في فترة المراهقة أو في العشرينيات من أعمارهم؛ فيسمعون أصواتًا أو يرون أشياء لا وجود لها، ويكون هذا مصحوبًا عادةً بأوهام ارتياب، مثل اعتقادهم أن أفراد عائلتهم يودون قتلهم. ربما تظهر هذه الفترات من الذهان وتختفي على نحو غير متوقع على مر السنين، وقد تدمر حياة الفرد؛ إذ ينتحر شخص واحد من بين كل ١٠ أشخاص مصابين بالفصام.

كان بوليمور في التاسعة والعشرين من عمره عندما ظهرت عليه الأعراض لأول مرة. ظاهريًّا كانت حياته تسير على ما يرام؛ فقد كان يدير أعمالًا في مجال صناعي، وكان متزوجًا ولديه ثلاثة أطفال. ولكن الأمور بدأت تسوء للغاية أثناء فترة من الضغط والإفراط في العمل؛ فقد صار مقتنعًا أن ثمة سيارات تلاحقه، وسمع أصواتًا تنعته بالمنحرف. وقد كان يرى الشخصية الخيالية «فريدي كروجر» التي ظهرت في أفلام الرعب تنظر إليه من المرآة. ويقول عن هذا: «لقد كانت فترة مخيفة للغاية.»

عقب تعرض بوليمور لنوبة مرعبة من الهلوسة في إحدى الليالي، قام في اليوم التالي بضرب رأس شريكه في العمل بالهاتف، ثم ذهب إلى المنزل وجلس منكمشًا على أحد المقاعد. يقول: «بقيت هكذا لمدة ثلاثة أسابيع، لقد كانت الأصوات سيئة للغاية.»

من المحبط أن نقول إن أسباب الفصام لا تزال غامضة. وتقول النظرية الموجودة منذ وقت طويل إن الأعراض الغريبة تنشأ من عدم قدرة الإنسان على التمييز بين عمليات تفكيره الخاص والمدخلات التي تأتيه من العالم الخارجي. على سبيل المثال؛ عادةً ما تقول الأصوات المتخيلة أشياء يفكر فيها المريض نفسه ويجدها مقنعة، إلا أن هذا لا يفسر بدقةٍ الهلاوسَ والأوهام ولا الصعوبات في التذكر والتركيز التي عادةً ما تصاحب مرض الفصام.

اكتُشفت الكثير من الجينات التي تزيد من خطر الإصابة بمرض الفصام، ويبدو أن معظمها يؤثر على نمو المخ أو عمله؛ الأمر الذي يشير إلى أن هذه الحالة تحدث عند حدوث خلل ما بشبكة الخلايا العصبية في المخ في أثناء نموه ونضجه خلال فترة المراهقة. تقول النظرية السائدة إن المشكلات تحدث في الشبكات العصبية التي تستخدم مادة الدوبامين الكيميائية في المخ، وسبب ذلك جزئيًّا هو أن عقاقير مثل عقار إل إس دي (ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك) والأمفيتامينات، التي يمكنها أن تسبب أعراض الذهان، معروفة بزيادتها لمستويات الدوبامين.

حتى خمسينيات القرن العشرين لم يكن في وسع الأطباء القيام بالكثير لمساعدة أشخاص مثل بوليمور عدا حجزهم داخل مصحة نفسية وتهدئتهم باستخدام مهدئات قوية تعرف باسم الباربيتورات. إلا أنه في ذلك الوقت ظهرت فئة جديدة من العقاقير أثبتت جدارتها في علاج من يعانون من ذهان حادٍّ. أمكن استخدام مضادات الذهان هذه — كما كان يطلق عليها — لتهدئة المرضى البائسين أو الذين يصرخون، دون إفقادهم الوعي مثلما كانت تفعل المهدئات. وُوجد أن هذه العقاقير تثبط الإشارات التي يرسلها الدوبامين؛ مما يدعم نظرية أن فرط النشاط في هذه المسارات هو ما يسبب الفصام.

بما أن انتشار استخدام مضادات الذهان أتاح للمصابين بالفصام أن يحيوا داخل المجتمع بدلًا من مستشفيات الأمراض النفسية، فقد نسب الفضل إليها في كثير من الأحيان بأنها قد وضعت حدًّا للمصحات النفسية التي كانت غير آدمية في الغالب. إلا أنه من البداية كان معروفًا أن هذه العقاقير لها آثار جانبية غير محمودة.

ضباب عقلي

كانت أبرز الآثار بدنية، وتمثَّلت في بطء الحركة وتيبسها. وعقب تناول تلك العقاقير لبضعة أسابيع تبدأ تقلصات وتشنجات غريبة في الظهور على عضلات الوجه. إلا أن الشكوى الكبرى كانت من تأثير العقاقير على أفكار الإنسان. يبدو أن مضادات الذهان تؤدي إلى بُطء التفكير، وتَزيد من سوء المشكلات في الذاكرة والتركيز التي يسببها المرض نفسه. يسترجع بوليمور قائلًا: «لقد كانت أفكاري مشوشة ولم أستطع التفكير.» وأكدت إحدى الدراسات الحديثة الشكوك بأن الاستخدام طويل المدى لهذه العقاقير يؤدي بالفعل إلى تقلُّص حجم المخ.

يقول الطبيب النفسي ديفيد هيلي — رئيس قسم الطب النفسي بشمال ويلز في بانجور بالمملكة المتحدة — إن هذه العقاقير يمكنها أن تتسبَّب في شعور الناس بالتعاسة والانفعال الشديد، وهو مزيج ربما يكون مميتًا. أظهرت دراسته للسجلات التاريخية من أحد المستشفيات العقلية في ويلز أنه منذ ١٠٠ عام لم يكن احتمال انتحار المصابين بالفصام يزيد عن الاحتمال الموجود لدى عامة الناس. ويقول إن هذا يشير إلى أن العقاقير الحديثة هي التي تسبب مستويات الانتحار المرتفعة لدى المصابين بالفصام. ويضيف: «بإمكانها أن تتسبَّبَ في مجموعة من أكثر التجارب المزعجة للإنسان على الإطلاق.»

رغم هذا كانت الآثار الجانبية المحتملة هي التكلفة الضرورية للتحكم في هذا المرض الخطير. أظهرت نتائج التجارب أنه عقب السيطرة على أول انهيار ذهاني للإنسان، إذا توقف عن تناول علاجه؛ فإنه يصبح أكثر عُرضةً للانتكاس.

إلا أن هذه الدراسات كانت قصيرة، تمتدُّ عادةً من بضعة أشهر إلى سنة، واستغرقت أطولها عامين. حاليًّا حدثت لأول مرة متابعة طويلة الأمد لتجربة عشوائية تقارن مَن توقفوا عن تناول مضادات الذهان بمَن استمروا في تناولها. وقد سببت الاكتشافات صدمة هزت أوساط عالم الطب النفسي.

في هذه الدراسة الهولندية، بينما كان معدل الانتكاس لدى من دخلوا ضمن نطاق مجموعة إيقاف العلاج أعلى في البداية، عقب مرور عامين إلى ثلاثة أعوام لحق بهم من واظبوا على تناول العقاقير وتساووا معهم، وعقب سبع سنوات أصبحت الفروق بين المجموعتين ضئيلة من الناحية الإحصائية (انظر الرسم البياني).

ما السبيل إلى الشفاء؟

عادةً ما يُجبر المصابون بالفصام على تناول عقاقير مضادة للذهان طوال حياتهم. أشارت الدراسات قصيرة الأمد إلى أن العقاقير تقلل من خطر الانتكاس، ولكن ثمة بحث حديث يشير إلى أن الصورة تختلف على المدى الطويل.

الحياة دون تناول عقاقير

الأكثر من ذلك أن من أقلعوا عن تناول العقاقير لديهم فرصة أكبر في «الشفاء الوظيفي»؛ وهو القدرة على الاحتفاظ بوظيفة والاعتناء بأنفسهم، حتى في حالة حدوث الأعراض من وقت لآخر.

الأهم من ذلك أن من كانوا ضمن مجموعة إيقاف العلاج كانت لديهم أكثر من ضعف الفرصة لتحقيق ما يطلِق عليه الأطباء النفسيون «الشفاء الوظيفي»؛ كانت النسبة ٤٠ في المائة مقابل ١٨ في المائة (جاما سايكايتري، مجلد ٧٠، ص٩١٣). بعبارة أخرى؛ حتى رغم احتمال إصابتهم بأعراض من آن لآخر، فإن باستطاعتهم الاحتفاظ بوظائفهم والاعتناء بأنفسهم. يقول ليكس فُندِرينك — الطبيب النفسي في هيئة خدمات الصحة العقلية بفريزلند في ليوواردن، بهولندا — الذي قاد هذه الدراسة: «هذا هو المهم بالنسبة للمريض.» يشير فُندِرينك إلى أن هذه القدرة على العمل باستقلالية يُعِيقها تأثيرات مضادات الذهان المثبطة للدوبامين.

ومع ازدياد المعارضة ضد العقاقير بدأ البعض يتشككون فيما إذا كانت نظرية الدوبامين نفسها صحيحة. فعلى أية حال لم يكن ثمة دليل قوي قط على أن المصابين بالفصام لديهم نشاط زائد في إشارات الدوبامين، هذا على حد قول جوانا مونكريف؛ الطبيبة النفسية التي كتبت مؤخرًا هجومًا ضد مضادات الذُّهان بعنوان «أبشع الحبوب». فتعتقد مونكريف — مع الكثيرين غيرها — أن مضادات الذهان ربما تكون ببساطة نسخة أخرى من المهدئات التي جرى استخدامها في خمسينيات القرن العشرين. فتقول: «عندما يكون شخص ما منشغلًا بأعراض الذهان لديه، إن استطعت تثبيط تفكيره، فإنه يفقد الاهتمام بما لديه من أوهام.»

حاليًّا ثمة نظريات متنافسة بشأن أسباب الذهان. ربما تحدث بعض الحالات نتيجة رد فعل مناعي ذاتي لبروتينات معينة موجودة على سطح خلايا المخ، في حين تتهم أبحاث أخرى مواد كيميائية مختلفة في المخ، منها الجلوتامات والسيروتونين. العديد من المركبات التي تعزز قدرة الجلوتامات على نقل الإشارات في المخ وصلت إلى مرحلة التجارب الإكلينيكية المبكرة، لكن الوقت لا يزال مبكرًا للغاية حتى نقرر ما إذا كانت ستجتاز التجارب الأوسع نطاقًا واللازمة لإثبات جدارتها.

في هذه الأثناء، أدت المشكلات المتعلقة بمضادات الذهان إلى تزايد الاهتمام بعددٍ مِن بدائل العقاقير. وأكثر هذه البدائل الواعدة هو العلاج بجلسات الحوار؛ الذي يشبه العلاج السلوكي المعرفي، ويهدف إلى تدريب الأفراد على أساليب جديدة للتفكير. يُستخدم العلاج السلوكي المعرفي عادةً في علاج حالات الاكتئاب والقلق لمكافحة أنماط التفكير السلبي، لكن الأطباء النفسيين كانوا يشككون في فائدته في علاج الفصام. يقول بيرتشوود الذي ساعد في بدء تطبيق العلاج السلوكي المعرفي: «يقول الناس إن العلاج السلوكي المعرفي لا سبيل إلى نجاحه هنا؛ فالفصام مرض عقلي متأصل، إذ كيف يمكن للعلاج بالحوار أن يغير من أي شيء له علاقة بالدماغ؟» إلا أن كثيرًا من الدراسات أظهرت فائدته.

ثمة تفسيران على الأقل لهذا؛ أولًا: يزيد احتمال وقوع الناس فريسة للذهان إذا كانوا يعانون من الضغط العصبي والشعور بالتعاسة، كما حدث لبوليمور. يقول بيرتشوود: «إنه مرض حساس للضغط النفسي للغاية.» تساعد الكثير من أساليب العلاج بالحوار الناس في التكيف على نحو أفضل مع مشاكل الحياة اليومية، مثل الجدالات العائلية، فتقلل من الضغط الذي قد يؤدي إلى الانهيار.

أحد الفوائد الأخرى للعلاج بالحوار، هو أنه رغم عدم قدرته على التخلص من الأصوات والهلاوس، فإنه يساعد بالفعل في تقليل انزعاج المرضى منها. فأحد أهداف العلاج السلوكي المعرفي مساعدة المرضى على إدراك أن هذه الأصوات ليس لها أية سلطة عليهم. يقول بيرتشوود: «مما يمكنهم من التحرر من هذه الأصوات.»

بدلًا من العلاج السلوكي المعرفي، تلقَّى بيتر بوليمور المساعدة من علاج جماعي غير رسمي عمل على استكشاف الأصول النفسية لمشكلاته. كان بوليمور قد تعرَّض إلى اعتداء جنسي منذ أن كان في الخامسة من عمره. يقول: «لقد كانت الأصوات تُعِيد عليَّ ما قاله لي المعتدي. لقد أهملت هذه المنطقة في حياتي دون أن أتعامل معها.»

ربما يمكن تعزيز قوة العلاج بالحوار من خلال تقنية تستخدم الكمبيوتر صُممت خصوصًا لمقاومة الأصوات العدوانية. وقد بدا هذا واعدًا في دراسة استرشادية صغيرة. جرت مساعدة المرضى على صنع أفاتار على الكمبيوتر يجسِّد الصوت الموجود داخل أدمغتهم. يعمل المعالج وهو جالس في غرفة أخرى على تعديل كلام المرضى رقميًّا بحيث يصبح هو صاحب صوت ذلك الأفاتار ويتحدث إليهم عبر شاشة الكمبيوتر. يقول جوليان ليف — الطبيب النفسي بمعهد الطب النفسي في لندن — الذي صمم هذا الأسلوب: «نحن نرافق المريض إلى داخل جحيمه الشخصي.»

على مدار العديد من الجلسات يتم تشجيع المريض على مواجهة ذلك الأفاتار، بينما يجعل المعالج الأفاتار أقل عدوانية في ردوده. ساعدت هذه الطريقة ١٥ مريضًا من أصل ١٦ في الدراسة؛ حيث وجدوا أن هذه الطريقة قد قلَّلَتْ من تكرار الأصوات وشدتها. حتى إن ثلاثة أشخاص قالوا إنهم قد توقفوا عن سماع الأصوات تمامًا (دورية بريتِش جورنال أوف سايكايتري، المجلد ٢٠٢، صفحة ٤٢٨). يقول ليف: «إن ما يتعلمون القيام به مع الأفاتار يستطيعون القيام به خارج الجلسات.»

أحد الأساليب الأخرى يتمثل في استهداف مشاكل الذاكرة والتركيز التي يُبتلى بها المصابون بالفصام. حاليًّا أصبحت ثمة برامج كمبيوتر لتدريب الدماغ تستخدم في التجارب، بدلًا من القلم والورقة كما كان يحدث سابقًا، يتم تسويقها خصوصًا لهذه الحالة المرضية. تضم هذه البرامج عادةً عددًا من المهام مصممة لتحسين المهارات العقلية لدى الأفراد بطرق مختلفة، خاصة الذاكرة والانتباه والتفكير المنطقي.

من المفترض أن يعمل هذا على الأقل على مساعدة المرضى على الاحتفاظ بوظائفهم أو استمرارهم في التعليم، لكن الفوائد قد تكون أكبر من هذا. يظن البعض أن المشكلات الإدراكية تكمن وراء الإصابة بالذهان، ربما لأنها تدفع الناس إلى الخلط بين الأحاسيس الخارجية وأفكارهم الخاصة.

تقول الطبيبة صوفيا فينوجرادوف التي تعمل في مركز سان فرانسيسكو الطبي إن برامج تدريب الدماغ الموجهة بعناية تستطيع إبطال الأعراض الأساسية للذهان إن اكتُشف المرض مبكرًا بما يكفي. فهي تقول إن ثمة دراسة صغيرة لم تُنشر أجراها فريقها أظهرت أن تدريب الدماغ لدى المصابين بالفصام في مراحله المبكرة قد قلل من الأعراض الذهانية.

تحول الوضع

من المبكر للغاية أن نقرر ما إذا كان تدريب الدماغ يمكنه بالفعل إبطال الذهان، لكن العلاج بالحوار أظهر بالتأكيد أنه يقلل من حالات الانتكاس. يوصي المعهد الوطني للتميز الصحي والطبي — وهو الهيئة التي تُصدر الإرشادات الإكلينيكية للخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة — بتقديم خدمة العلاج بجلسات الحوار لجميع المصابين بالفصام، بالإضافة إلى العقاقير المضادة للذهان. للأسف تعاطي الأقراص أرخص وأسهل. يقول بيرتشوود: «إن معظم الأمانات العامة للصحة لم تستثمر بما يكفي في التدريب على تقديم هذه الخدمات.» كما أن كثيرًا من الأطباء يرون أن الأدلة تدعم استمرار استخدام مضادات الذهان. يقول ديفيد تايلور رئيس قسم الصيدلة بمستشفى مودزلي في لندن، وهو أكبر مستشفًى تعليمي للطب النفسي في المملكة المتحدة: «لن يقول أحد إن مضادات الذهان عقاقير مثالية، لكنها فعالة في منع الانتكاس.» بينما تشير الدراسة الهولندية التي استغرقت سبع سنوات إلى أن المرضى يتحسنون على المدى الطويل دون تناول العقاقير، فإنه لا بد من تكرار هذه التجربة قبل تغيير أسلوب العلاج المعتاد. يقول تايلور: «إنه أمر يحتاج إلى مزيد من التحقق.» يرى تايلور بخبرته أن الناس يستطيعون تجنب بعض من أسوأ الأعراض الجانبية عن طريق تغيير العلاج؛ فيقول: «بإمكانهم دومًا العثور على عقار يمكن تحمله على نحو معقول.»

عندما يتعلق الأمر بمن يعانون من انهيار ذهاني حاد، فإن تايلور يقول إن مضادات الذهان هي الخيار الوحيد. فيقول: «إن الذهان الحاد ليس حالة سهلة، فهو مرض مخيف وموهن للغاية. وكلما أسرعنا في التخلص من هذه الأعراض، كان ذلك أفضل.»

إن معظم من يفضلون العلاجات البديلة اتفقوا بالفعل على أن العقاقير لا يمكن الاستغناء عنها في مثل هذه الأوقات. إلا أن إجبار الناس على تناول مضادات الذهان طوال حياتهم يبدو أنه في طور الانتهاء؛ فالوضع آخذ في التغير بالفعل في بعض أجزاء من العالم؛ فتعمل فنلندا على تخفيض استخدام العقاقير إلى أدنى حد، وتختبر نيويورك تطبيق مثل هذه السياسة. يحظى نجاح المشروع الفنلندي باهتمام عالمي، ويبدو من المحتمل أن دولًا أخرى ستسير على خطاها.

ثمة جهود أيضًا لتقديم نوع من الدعم العملي لمن يستمعون إلى الأصوات لمساعدتهم على مواصلة حياتهم، مثل توفير المساكن المزودة بوسائل مساعِدة أو الوظائف ذات الدعم. يقول بيرتشوود: «من الممكن أن يتعرض الأفراد لأعراض مستمرة ومع ذلك يحتفظون بوظيفتهم.»

إنه تحوُّل قد يرحب به بوليمور. حاليًّا ما زال يسمع أصواتًا، لكنها أصبحت أكثر هدوءًا وودًّا، أو على الأقل حيادية. على سبيل المثال، أحيانًا يسمع صوت والدته المتوفاة تعطيه إحدى النصائح، وقد ساعده صوت آخر في تأليف كتاب. يقول: «كان هذا جانبي الإبداعي، لقد تغيرت علاقتي مع ما أسمعه من أصوات؛ فقد فتحت عيني على عالم جديد.»

15 ديسمبر, 2015 03:04:47 مساء
0