تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الموجات فوق الصوتية تقضي على العمليات الجراحية

من المخ حتى البروستاتا، يمكن لموجات صوتية مُركَّزة أن تصل إلى أماكن لا يمكن أن يصل إليها مبضعُ الجرَّاح؛ وهذا يجعلنا على شفا ثورة في مجال الجراحة.

تخضع فيليس لعملية جراحية في المخ، ولكنها مستيقظة على نحوٍ تامٍّ. لا توجد مشارط ولا دماء ولا قطْعٌ ظاهر في البشرة أو العظام. بدلًا من ذلك، يضع الجراح قبعةً بأعلى رأس فيليس بعناية ويضغط زرًّا. وفي داخل مخها تُسخَّن منطقة صغيرة من الأنسجة وتبدأ في الاحتراق، بينما تبقى خلايا المخ المحيطة سليمة. وفي وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم تصبح فيليس قادرةً على العودة إلى المنزل وقد شُفِيَتْ من اضطراب عصبي كان يجعل يدها اليمنى طوال الثلاثين عامًا الماضية ترتعش بعنف كلما حاولت استخدامها.

يعود الفضل في شفائها الرائع إلى شكل من أشكال الموجات فوق الصوتية. وتمامًا كما يمكن تركيز أشعة الشمس بواسطة عدسة مكبرة من أجل حرق قطعة من الورق، فإنه يمكن تركيز الموجات فوق الصوتية عالية الشدة من أجل حرق الأنسجة البشرية. إن الموجات لا تأثير لها حتى تتجمع في نقطة التركيز؛ ولذلك يمكن أن يعمل الجرَّاح على مسافة عميقة داخل الجسم دون الإضرار بالأنسجة المحيطة.

لا تتطلب هذه الموجات فوق الصوتية المركَّزة عالية الشدة القيام بأي قَطْع في الجسد، ولا يحتاج العديد من العمليات التي تُستخدَم فيها حتى إلى مُخدِّر، وبالتالي فإنه يمكن للمريض دخول المستشفى والخروج منه في نفس اليوم. تقول جيل تير هار التي تدرس الموجات فوق الصوتية في معهد أبحاث السرطان في لندن: «عندما تتعامل مع الكثير من المرضى شديدي المرض، فإن هذا يُمثِّل ميزة كبيرة.»

بعد تجارب واعدة لعلاج سرطان البروستاتا، يبدو الآن أن الموجات فوق الصوتية المركَّزة عالية الشدة يمكن أن تصبح أداةً طبيةً تُناسِب جميعَ أنواع الإجراءات العلاجية. وحتى في أجزاء الجسم التي لا يمكن للموجات المركزة أن تقضي على الأنسجة مباشرة، فلا يزال بإمكانها زيادة امتصاص أعضاء معينة للأدوية. بل حتى إن هذه الطريقة استُخدِمَتْ للوقاية من الأمراض الشديدة لدى الأجنَّة في الأرحام.

إن قصة نجاح فيليس هي آخر خطوة من رحلة بدأت قبل ٧٠ عامًا. كان جون لين وزملاؤه في جامعة كولومبيا في نيويورك أول من حاول توجيه الموجات فوق الصوتية من أجل تدمير أنسجة حيوية، وكان ذلك في أربعينيات القرن العشرين. وعلى الرغم مِنْ تمكُّنِهم من عمل جروح في مخاخ قطط مع أقل قَدْر من الضرر في المناطق غير المستهدفة، فإن الحاجة إلى فتح الجمجمة — وهو إجراء يتم فيه إزالة سديلة عظمية من الجمجمة — إضافة إلى عدم وجود تقنيات تصوير متطورة، كانت تعني وجود اهتمام محدود بهذه التقنية في الجراحة العامة. والآن، مع توافُر المزيد من أجهزة الإرسال المتطورة التي يمكن أن تركِّز الأشعة وراء الأنسجة الصلبة مثل العظام، وتوافُر تكنولوجيا التصوير مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، يمكن للأطباء العمل على نحوٍ أكثرَ دقَّة واستهداف مناطق من الأنسجة يَصِل عرضها في بعض الأحيان إلى أجزاء من المليمتر فحسب.

يبدو أن هذه الدقَّة عازمة على إحداث ثورة في علاج سرطان البروستاتا. على النحو التقليدي، عندما نحتاج للقضاء على أورام بالبروستاتا، فإننا نزيل البروستاتا بأكملها، وهو ما يمكن أن يُتلِف الأعصاب والعضلات التي تتحكَّم في القدرة على التبوُّل عند الحاجة. والنتيجة هي أن ٧٠ بالمائة من المرضى يفقدون القدرة على الانتصاب، ويُصاب حوالي ١٥ بالمائة بعدم القدرة على التحكُّم في التبول. وثمة خيار أقلُّ في التدخل الجراحي وهو المعالجة بالإشعاع، لكن تظل إمكانية تسبُّبِه في بعض الأضرار بالأعصاب المحيطة موجودة. والأكثر من ذلك أنه من غير المرجَّح أن تتكرر المعالجة بالإشعاع إذا عاد السرطان؛ وذلك لأنه يزداد خطر تسبُّب الحمض النووي التالف بسبب الإشعاع في تكوين أورام ثانوية.

ومع ذلك، يمكن للجرَّاحين القضاء على الأورام شيئًا فشيئًا باستخدام الموجات فوق الصوتية المركَّزة التي تستهدف مناطق بحجم حبة الأرز (انظر الجزء بعنوان «بلا دماء ولا عرق ولا دموع»). كانت نتائج التجارب مدهشة حتى الآن: في دراسة أُجْرِيَتْ عام ٢٠١٢ ضمَّت حوالي ٤٠ رجلًا يتلقَّون علاجًا بالموجات فوق الصوتية المركَّزة عالية الشدة، استطاع ٩٠ بالمائة منهم المحافظة على قدرتهم على الانتصاب بنهاية الدراسة، ولم يَفْقِد أيٌّ منهم القدرةَ على التحكم في التبول. وبعد مرور عام، لم يُظهر ٩٥ بالمائة منهم أي علامات للمرض (دورية لانسيت أونكولوجي، المجلد ١٣، صفحة ٦٢٢).

وكانت أوقات الشفاء مُدهشة على نحو خاص. تقول لويز ديكنسون، في كلية لندن الجامعية، والتي تدرس النتائج طويلة المدى لاستخدام هذا العلاج لمواجهة سرطان البروستاتا: «بعض الأشخاص قالوا إنهم ذهبوا للتسوُّق في يوم العملية نفسه. وقال أحد الرجال إنها كانت أسهل من الذهاب إلى طبيب الأسنان لحشو الأسنان.» وتُجرَى الآن تجارب سريرية واسعة النطاق للعلاج بالموجات فوق الصوتية لسرطان البروستاتا، ولكن ستوجد حاجة إلى مزيد من الأدلة على الفعالية على المدى الطويل لهذا العلاج قبل أن تصبح علاجًا يُوصَى به.

تُجْرَى الآن مجموعة من التجارب لدراسة استخدام الموجات الصوتية لعلاج اضطرابات أخرى — مدعومة بالنتائج الواعدة لعلاج سرطان البروستاتا — بما في ذلك سرطان البنكرياس والكتل التي تتكوَّن في الغدة الدرقية التي يمكن أن تؤدِّي إلى السرطان. ويُعَدُّ استخدام الموجات فوق الصوتية المركَّزة عالية الشدة لمعالجة المشاكل الموجودة في مناطق عميقة في المخ من الأفكار الأكثر طموحًا. فتتميَّز التقنية بمزايا ضخمة، لا سيما تجنُّب فتح الجمجمة. وإضافة إلى ذلك، بإمكانك الحفاظ على الطبقات السليمة من المخ والإبقاء على الوظائف العادية.

هذا لا يعني أن هذه التقنية بسيطة. فهناك تبايُن في المعدل الذي تمر به الموجات فوق الصوتية عبر مختلف أنواع الأنسجة؛ فالعظام تمتصُّ الكثير من الموجات، بينما تأخذ أنسجة المخ التي تشبه الهلام أقلَّ من ذلك بكثير. وما يجعل الأمور أسوأ هو أن جماجمنا ليست ذات سمك موحَّد في كل الأماكن؛ لذلك يُضطر الجراحون لاستخدام التصوير بالأشعة المقطعية لقياس كثافة العظام في آلاف النقاط في أنحاء فروة الرأس. بعد ذلك، تُوضَع قبعة مليئة بأجهزة إرسال الموجات فوق الصوتية — يُطلَق عليها اسم محولات الطاقة — على رأس المريض. يُضبَط كل مُحوِّل طاقة باستخدام المعلومات حول كثافة العظام الموجودة تحته بحيث يُرسِل فحسب التردُّدَ المناسب في الوقت المناسب، ويُركِّز الموجات على النقطة المطلوبة في المخ.

استُخدِمَتْ هذه التقنية في العام الماضي لعلاج ١٥ شخصًا يُعانون من رعشةٍ مجهولةِ السبب‎، من بينهم فيليس (دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين، المجلد ٣٦٩، صفحة ٦٤٠). وللقيام بذلك، أحرق الأطباءُ منطقةً صغيرةً من المِهاد تنقل الإشارات الحركية إلى قشرة المخ؛ وبالتالي أوقفوا بعضًا من نشاط الخلايا العصبية غير الطبيعي الذي لولا ذلك كان سيُنقَل إلى العضلات ويُسبِّب الرعشة. وتقول فيليس: «استغرقت العملية كلها أقلَّ من ساعتين، وبصرف النظر عن شعوري بوجود طنين غريب في رأسي، كانت العملية غير مؤلمة إطلاقًا.» ولأن التجربة كانت مصمَّمة لاختبار أمان العملية، استهدف الأطباء علاج الحركات في يدها اليمنى فحسب، وكانت النتائج فورية. وتضيف فيليس: «بمجرد أن خرجت من المستشفى، كانت كتابتي بيدي اليمنى ممتازة؛ كما كانت من قبل. لقد أصبحت أسوأ قليلًا مع مرور الوقت، لكنها أفضل بكثير من كتابتي بيدي اليسرى.» شهد المرضى الأربعة عشر الآخرون في التجربة تحسُّنًا مماثلًا، وعلى الرغم من أن الآثار الجانبية شملت مشكلات مؤقتة في الكلام، وبالنسبة لأربعة من المرضى تقلُّبات طفيفة لكن مستمرة في الإحساس في الوجوه أو الأصابع، فإن الجميع اتَّفَقَ على أنها حسَّنت على نحو كبير جودة حياتهم.

الأمل هو أننا ربما نقف على أعتاب موجة جديدة من الإجراءات العلاجية غير الجراحية في المخ. يقول نيل كاسيل مدير مؤسسة الموجات فوق الصوتية المركزة في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا: «قريبًا، سوف نبدأ تجربة ستحاول الحدَّ من مشاكل الحركة لدى المصابين بداء باركينسون وعلاج أورام المخ.»

على الرغم من هذه النجاحات، فإن الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الشدة لها أوجه قصورها. فعلى سبيل المثال، لا يمكنها معالجة سرطان العظام تقريبًا؛ وذلك لأن أنسجة الهيكل العظمي تمتص الموجات فوق الصوتية بسرعة. ويقول واديسلاو جيدرويتش، وهو استشاري أشعة في مستشفى سانت ماري في لندن: «من الصعب إيصال أي طاقة إلى أعماق العظام.» وتعاني الجراحة التقليدية أيضًا في إزالة هذا النوع من السرطان؛ لأنه من الصعب تجاوز الأعصاب الحيوية، وأي عظام تخضع للإزالة لا بد من إعادة بنائها من خلال العمليات الترقيعية أو التعويضية.

فقاعات متفجرة

مع ذلك، ربما تكون الموجات فوق الصوتية المركزة أكثر من مجرد بديل لمبضع الجرَّاح؛ إذ يمكن أن تفتح الأبواب أمام العمليات المستحيل إجراؤها بالطرق التقليدية. ومن بين العمليات ذات الأهمية الخاصة، استخدام الموجات فوق الصوتية لتوجيه توصيل الأدوية. وسوف تتمثل إحدى الطرق المقترحة في صنع أدوية تُحقن في صورة خاملة ثم تُنشط بالقرب من ورم باستخدام الحرارة الناتجة عن الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الشدة. والهدف هنا هو زيادة الجرعة؛ حيث تشتد الحاجة إليها مع خفض الآثار الجانبية في بقية أجزاء الجسم.

في حالات أخرى، يمكن مساعدة العلاج عن طريق «الفقاعات الدقيقة». تعتقد إلينور سترايد، من جامعة أكسفورد، أن هذه الظاهرة اكتُشفت عن طريق الصدفة؛ أو هكذا تقول الأسطورة. وتضيف: «كانت الفقاعات تُصنَع عن طريق هزِّ الدم ثم إعادته مرة أخرى.» أما الآن، فيمكنك شراء الفقاعات الدقيقة الجاهزة بقطر يتراوح بين ١ و١٠ ميكرومترات، وهي تتألف من فقاعة مملوءة بغاز مدعومة بغلاف خارجي مصنوع من الدهون أو البروتينات أو البوليمرات. وغالبًا ما تُستخدَم الفقاعات خلال التصوير بالموجات فوق الصوتية؛ لأنها تزيد من تباين إمدادات الدم مقارنة بالأنسجة المحيطة بها. ومع ذلك، بمجرد وضعها في مسار موجة فوق صوتية ذات تردُّد وشدة مناسبين؛ فإنها تتمدد وتتقلص حتى تنفجر فجأة وتُحدِث موجة صدمية.

إذا فعلت ذلك في المخ، ستخترق الحاجز الدموي للمخ؛ وهو طبقة من الأغشية حول الشعيرات الدموية التي تفصل الدم عن السائل خارج الخلوي الذي يتدفق حول المخ. ويجعل هذا الحاجزُ من الصعب نَقْلَ الأدوية إلى المخ خلال العلاج الكيميائي — على سبيل المثال — ولكن اختراقه عملية صعبة؛ لأن الضرر الدائم فيه من شأنه أن يُضْعِف دفاعات المخ ضد البكتيريا. ومع ذلك، حدَّدَتْ دراسةٌ أُجْرِيَتْ عام ٢٠١٢ على قرود المكاك التردُّدَ المُحَدَّدَ الضروريَّ الذي يُحْدِث تمزقًا قابلًا للالتئام في هذا الحاجز لبضع ساعات فقط؛ وهي الفترة الكافية للسماح لوصول الأدوية إلى المخ مع انخفاض خطر العدوى لأدنى حد (دورية بلوس وان،PLoS One, doi.org/p9n) وفي أماكن أخرى من الجسم، ربما يكون من الممكن وضع عوامل العلاج الكيميائي التقليدي في فقاعات دقيقة وتوجيهها نحو الموقع الذي تريد تفجيرها فيه. تقول سترايد: «لم نَقُمْ بهذا بَعْدُ، ولكننا نقترب جدًّا من ذلك.» ويوشك زميلها كونستانتين كوسيوس على اتخاذ الخطوة الأولى. ففي هذا العام، سوف يحقن فريقُه العلاجَ الكيميائيَّ في الأشخاص المصابين بسرطان الكبد. وسيُغطَّى العلاج بغلاف دهني يمكن تمزيقه باستخدام الموجات فوق الصوتية. إذا نجح ذلك، فسوف يحاولون حينها استخدامَ الفقاعات الدقيقة — المليئة بالغاز والعلاج — كوسيلة نقل؛ مع ميزة إضافية بأن الموجة الصدمية الناتجة عن الفقاعات المتفجرة من شأنها أن تدفع محتواها من العلاج الكيميائي إلى مسافات أعمق داخل الورم؛ حيث يمكنها أن تُسبِّب المزيد من التدمير للورم. وتوجد طريقة مماثلة ستكون مفيدة على نحوٍ خاصٍّ في دفع العلاجات نحو سرطانات العظام التي يصعب للغاية الوصول إليها من خلال الجراحة التقليدية.

يمكن أن تساعد الموجاتُ فوق الصوتية المركَّزة الأطباءَ حتى في علاج المرضى الذين يُعتقَد أنهم لا يمكن الوصول إليهم؛ مثل حالات مرض الأجنَّة. وقد ثبت هذا الأمر لأول مرة في عام ٢٠١٣، مع حالة تُعرَف باسم «التروية الشريانية المعكوسة في التوأم». يشمل هذا الاضطرابُ النادرُ جنينين ينمو أحدهما على نحو طبيعي، في حين يفشل الآخر في إنماء الرأس أو الذراعين أو القلب. ويرتبط الجنينان عن طريق حبل سري يمر من خلال المشيمة، ويعتمد الجنين الذي لا يملك قلبًا للبقاء على قيد الحياة على الدم الذي يُضَخ إليه من الجنين الآخر. ونتيجة لذلك؛ فإن الجنين ذا الصحة الجيدة يجب أن يعمل بجهد إضافي للحفاظ على حياة كليهما، وهو ما يؤدِّي غالبًا إلى إصابته بسكتة قلبية وموته.

استخدم الجرَّاحون الموجاتِ فوق الصوتية المُركَّزة عالية الشدة — بين الأسبوعين الثالث عشر والسابع عشر من الحمل — لفصل الجنين غير الطبيعي عن المشيمة وإراحة الجنين الصحيح من العبء المُلقَى على عاتقه، والذي اكتمل نموُّه بعد ذلك، ووُلِد بنجاح (دورية ألتراساوند إن أوبستيتريكس آند جاينوكولوجي، المجلد ٤٢، صفحة ١١٢).

إن نجاح مثل هذه العملية الدقيقة يُقدِّم لمحةً عمَّا يمكن أن يحمله المستقبل. فعلى سبيل المثال، كاسيل متأكد أننا فقط في بداية فهم إمكانيات هذه التكنولوجيا، ويضيف: «إنها أداة لا نزالُ نعمل على فهم كيفية استخدامها.»

يوافق جيدرويتش، ويضيف قائلًا: «لديك هنا أداة قوية للغاية. بمجرد بدء التفكير فيها، فإن حدود الاستخدامات التي ستراها فيها ستكون فقط وفق مدى قدرتك على التخيُّل.»

بلا دماء ولا عرق ولا دموع

إنني أرتدي ملابس الأطباء المعقَّمة، وأضع على رأسي شبكة الشعر. إن حجرة الجراحة رائعة مع وجود موسيقى تعزف بهدوء في الخلفية، والممرضات مشغولات بإعداد أدوات العملية، وكارولين مور — الجرَّاحة في مستشفى كلية لندن الجامعية — مشغولة بإعادة فحص بعض صور الأشعة. حتى الآن، يُشْبِه الوضعُ ما نراه على الشاشة في المسلسل التلفزيوني «إي آر».

ولكن يوجد شيء ناقص. على الرغم من أن المريض الذي يرقد أمامي مُخدَّر تمامًا وعلى وشك أن يتم التعامل مع سرطان البروستاتا لديه، فإنه لا توجد إبر ولا مقصات ولا مشارط.

بدلًا من ذلك، تُدخِل مور بلطف مسبارَ موجات فوق صوتية مركزة عالية الشدة في مستقيم المريض، وتجلس بين رجليه، وتشغل برنامجًا على شاشة الكمبيوتر، وتطلب تخفيض الإضاءة.

يُنتِج شعاعٌ منخفضُ الشدَّة من الموجات فوق الصوتية صورةً لبروستاتا المريض، والتي تظهر على شاشة مور. فتضبط المسبار للحصول على صورة أفضل. وبما أنها حللت بالفعل صور التصوير بالرنين المغناطيسي السابقة ونتائج تحليل العيِّنة التي أُخِذَتْ من المريض، فإنها تعرف بالضبط مكان أورامه.

وباستخدام صور الأشعة الآنية التي ينتجها المسبار، تضع مور علامات على الشاشة على أجزاء البروستاتا التي يلزم تدميرها. وتتحقق من قياساتها من عدة زوايا، ثم تضغط زر البدء.

لم تكن لتعرف أن أي شيء قد حدث. لا يكسر حاجز الصمت سوى الصوت العادي لنبضات قلب المريض، ولكن بخلاف ذلك، فإن حجرة الجراحة مظلمة وهادئة.

أما داخل المريض، فالوضع مختلف. يبعث المسبارُ الآن دفقاتٍ منتظمة من طاقة الموجات فوق الصوتية المُركَّزة إلى المناطق التي حددتها مور على شاشة الكمبيوتر، وترفع هذه الطاقة درجات حرارة مناطق صغيرة من البروستاتا لمدة ثلاث ثوانٍ. ويتوقف المسبار عن إرسال الموجات فوق الصوتية لمدة ستِّ ثوانٍ ثم يبدأ مرة أخرى. وتُدمِّر الحرارةُ التي سبَّبتها الطاقةُ الورمَ.

على الرغم من أن جراحة المريض الآن تحت سيطرة جهاز كمبيوتر، فإنه لا يزال لدى مور الكثير كي تقوم به. فبينما ترتفع درجة حرارة البروستاتا وتتدمر الأنسجة، يحدث تورُّم. فتقارن باستمرار صور الأشعة الآنية مع صور الأشعة الأولى للمريض حتى يمكنها مواجهة حركة المسبار التي يُسبِّبها أي تورم. وأحيانًا ترتفع درجة حرارة البروستاتا كثيرًا فتضغط على زر التوقف المؤقت.

سوف يغادر مريضُ مور المستشفى في وقت لاحق بعد ظهر ذلك اليوم. وعليه أن يتحمل وضع قسطرة لمدة أسبوع، ولكن ما يبعث على التفاؤل أنه قد شُفي الآن من السرطان. وتشير مور إلى أنه توجد أيضًا فرصة جيدة لاحتفاظه بقدرة قضيبه على الانتصاب دون تناول أي حبوب، أما احتمالية فقدانه القدرة على التحكم في التبول فتقل عن ١ بالمائة. وتُضِيف مور قائلةً: «لا توجد عملية جراحية خالية تمامًا من الآثار الجانبية، ولكننا نقترب من ذلك من خلال الموجات فوق الصوتية المركَّزة عالية الشدة.»

16 ديسمبر, 2015 11:11:10 صباحا
0