تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
شاب سوري يتحدى الموت بالرسم والألوان

"أبو مالك" رسام في مدينة داريا بريف دمشق التي تحاصرها قوات النظام وتدكها بالصواريخ والقذائف، يحوّل بشاعة الدمار والموت إلى لوحات تحمل الأمل والتفاؤل بالثورة وبغد أفضل، ويريد للعالم أن يسمع صوت أهالي المدينة ويرى آلامهم.

"هي رسالة من قلب الحصار، رسالة لكل شخص في العالم من أقصاه إلى أقصاه، كي يسمع صوتنا ويعرف عن حياتنا ويرى آلامنا، وحتى يعلم الجميع أن ثورتنا مستمرة وأننا نؤمن بقوة الفكر والثقافة والفن كما نؤمن بقوة السلاح".

هذه كلمات أبو مالك، الشاب السوري الذي ملأ برسوماته جدران مدينته داريا المحاصرة والمدمرة، وهدفه زرع الأمل والتفاؤل وإعادة روح الثورة لمن بقي من أهلها بعد حصار مستمر منذ أكثر من عامين.

ففي المدينة الواقعة في ريف دمشق الغربي، والتي صارت رمزا للصمود في وجه البراميل المتفجرة والقصف  العشوائي اليومي من قبل قوات النظام السوري، ليست الجدران المدمرة وركام المنازل والمحال التجارية المشهد الوحيد، بل كثيرا ما تطغى ألوان الرسومات على سواد الموت. رسومات تصور أطفالا يحملون ورودا وجنودا يدافعون عن وطنهم ومدينتهم.

يقول أبو مالك إن رسومه رسالة للعالم تحكي معاناة المواطنين في داريا (الجزيرة)

موهبة ملفتة
ويقول أبو مالك البالغ من العمر 21 عاما، إن عدم تمكنه من إكمال دراسته بعد حصوله على الشهادة الثانوية كان بسبب مشاركته في الثورة وحصار مدينته داريا.

ويضيف، أن خوفه وخوف شباب مثله في المدينة من خسارة ما تعلموه قبل الحصار دفعهم لخلق جو علمي وثقافي خاص بهم، حيث يحضرون دورات لتعلم اللغة الإنجليزية، وأخرى في التصميم والتصوير والمونتاج، وهو ما شجعه على ممارسة هوايته المفضلة "الرسم".

ولا يمثل الرسم بالنسبة للشاب السوري حرفة أو مهنة تدرب عليها، وإنما هو مجرد هواية أحبها منذ الصغر ووجد فيها مساحة للتعبير عن مكنوناته، فبدأ بممارستها على جدران المدينة المدمرة، لتحظى باهتمام السكان وإعجابهم.

وبعد تنفيذ أبو مالك عددا من الرسوم، لفت بعضها انتباه أحد الشباب العاملين في مركز داريا الإعلامي أثناء جولة له على نقاط الجبهة في المدينة، واقترح على أبو مالك توسيع نطاق عمله ليستخدم الجدران المدمرة كافة ويجعل منها لوحات لرسوماته، وهو ما شجع الرسام الباحث عن طريقة يقدم فيها شيئا للناس والثورة من خلال رسوماته.

ودفعه ذلك لتجميع الأفكار والاستعانة بعدد من الرسومات والتصاميم الموجودة على مواقع الإنترنت، فجمع بمساعدة شباب المدينة مستلزمات الرسم من ألوان وريش من بقايا المحال والمستودعات المدمرة، ليبدأ تنفيذ المشروع.

ولم يكن العمل سهلا، كما يقول أبو مالك، فالقصف العشوائي وإلقاء البراميل المتفجرة جعل منه عملا  محفوفا بالمخاطر، كما أن شح المواد والألوان وعدم توافرها أحيانا بسبب الحصار كان عائقا أيضا.

جانب من رسوم أبو مالك للثورة والأمل على جدران مدينة داريا (الجزيرة)

آراء مشجعة
وأشار إلى خوفه في بداية الأمر من ردة فعل المواطنين تجاه عمله الذي خشي أن يكون مزعجا لهم ويدفعهم للإحساس بالاعتداء على ممتلكاتهم التي دمرها النظام السوري.

وحاول أبو مالك تجنب الصدام مع الناس من خلال الرسم على الجدران غير المكشوفة للجميع وتخصيص الرسومات للنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن إعجاب الناس بالرسومات دفعهم للبحث عن منفّذها وتشجيعه وتقديم الدعم والمساعدة له، كطرح الأفكار وتأمين المواد اللازمة واقتراح الأماكن المناسبة للرسم.

ومن أجمل التعليقات التي سمعها أبو مالك وأسعدته بشكل كبير هو قول أحد المواطنين، "أخيرا جاء من يحول بشاعة الدمار والموت إلى لوحات تحمل الأمل بألوانها الجميلة".

ودفعت التعليقات وردود الفعل الرسام الشاب إلى اتخاذ قرار بالاستمرار في عمله بأقل الإمكانات المتوافرة، وذلك حتى نفاد مواد الرسم، أو إصابته بشكل يمنعه من متابعة عمله، أو -في أسوأ الأحوال- فقدانه حياته، على حد تعبيره.

 

 

22 ديسمبر, 2016 11:19:23 صباحا
0