تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

في العالم العربي 30 مليون جائع

أظهر تقرير صدر حديثاً أن العالم يواجه أضخم أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. ففي 2016 عانى 108 ملايين شخص أزمة حادة في تأمين الغذاء، وصلت إلى حدود المجاعة. أما الذين يعانون من نقص مزمن في التغذية حول العالم فيصل عددهم إلى 800 مليون نسمة، أي نحو 9 في المئة من البشر. وفي 2017 أُعلنت المجاعة رسمياً في أجزاء من دولة جنوب السودان، مع مخاوف من حصولها قريباً في نيجيريا والصومال واليمن، حيث تؤجج الحروب الداخلية من حجم المشكلة وتعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.


وفق «التقرير العالمي لأزمات الغذاء 2017»، يفتقر 60 مليون شخص في العالم العربي إلى بعض الخدمات والمواد الضرورية للحياة. نصف هؤلاء، أي 30 مليون شخص، واجهوا أزمة حادة في توفير احتياجاتهم الغذائية الأساسية، بخاصة في اليمن وسورية والسودان والصومال والعراق وجيبوتي، وبدرجة أقل في ليبيا وموريتانيا. وقد تم إعداد التقرير بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي والصندوق العالمي للغذاء ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).


اللافت أنه من بين 48 دولة تفتقر إلى الأمن الغذائي على نحو حاد، هناك 14 دولة تشهد حروباً ونزاعات، معظمها في المنطقة العربية. وتحتل ست دول عربية مواقع بارزة في قائمة الجوع، هي اليمن وسورية والعراق والسودان والصومال وجيبوتي، تليها بدرجة أقل موريتانيا وليبيا.
 


اليمن
يواجه نحو 14.1 مليون شخص في اليمن نقصاً حاداً في إمدادات الغذاء، وهؤلاء يشكلون نحو نصف تعداد سكان البلاد. ويُضاف إليهم 8 ملايين شخص يعانون صعوبة شديدة في توفير احتياجاتهم. مستويات انعدام الأمن الغذائي خطيرة في المحافظات التي تشهد نزاعات عنيفة، ومن المتوقع أن تزداد تدهوراً.
أكثر المحافظات تضرراً من الناحية الغذائية هي صنعاء وذمار وشبوة، وهي تعاني من مشكلات مزمنة في توفير الغذاء تسبق وقوع الحرب. ووفق تقديرات 2017، فإن 3.3 مليون طفل وامرأة حامل أو مرضع سيعانون من سوء التغذية، لا سيما في محافظات الحديدة وصعدة وتعز وحجة ولحج.
السبب الرئيس للجوع في اليمن هو الصراع المشتعل حالياً، مع ما يخلفه من آثار مدمرة على استقرار السكان والأداء الاقتصادي والناتج الزراعي، إضافةً إلى الإضرار بالثروة الحيوانية وتخريب البنى التحتية والخدمات والأسواق وسبل المعيشة.
مع غياب الأمن وضعف الاقتصاد، ارتفع عدد اليمنيين الذين يعانون من مشاكل غذائية حادة إلى 17 مليون شخص خلال الربع الثاني من 2017، أي ما يشكل 60 في المئة من مجمل السكان. المتضررون في أغلبهم من النازحين داخليا والمجتمعات المضيفة، إلى جانب أولئك الذين لا تصل إليهم المساعدات الإنسانية نتيجة الأعمال الحربية.
 


سورية
تراجع الأمن الغذائي في سورية منذ بدء الأزمة في 2011، وكانت التقديرات تشير في منتصف 2016 إلى وجود 9.4 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات غذائية. أكثر المحافظات تأثراً في الآونة الأخيرة كانت القنيطرة ودرعا ودمشق وإدلب وحلب، وذلك نتيجة موجات النزوح الضخمة بفعل تصاعد النزاع منذ نهاية 2015، إضافةً إلى ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء.
في آب (أغسطس) 2016 كان هناك أكثر من 590 ألف شخص يعيشون في 18 منطقة محاصرة يصلها الطعام بشكل محدود للغاية، بينهم 86 ألف طفل دون الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، ومليون طفل دون الثانية لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء.
يتراجع الإنتاج الزراعي بشكل خطير في سورية نتيجة غياب الأمن وعدم القدرة على الوصول إلى الحقول، وتعطل خدمات الكهرباء، وتدمير الآليات ومستودعات التخزين ومنظومة الري. غياب الأمن يتسبب أيضاً بزيادة أسعار مستلزمات الزراعة من وقود وبذار وأسمدة. ولذلك كانت المساحات المزروعة بالحبوب في موسم 2015-2016 هي الأدنى منذ فترة بعيدة، كما أن إنتاج محصول القمح كان أقل بـ 55 في المئة من معدلات سنوات ما قبل الأزمة. الثروة الحيوانية تأثرت بشكل كبير منذ 2011 نتيجة محدودية المراعي وصعوبة الوصول إليها، وتراجع إنتاج الدجاج بمقدار 60 في المئة لأسباب عدة أهمها ارتفاع أسعار الأعلاف.
مع اتساع الأعمال الحربية وازدياد النزوح، ستتفاقم مشكلات الغذاء في سورية، ونتيجة لذلك سيبقى الملايين بحاجة إلى المساعدات الإنسانية من أجل تأمين احتياجاتهم الأساسية. وهناك مخاوف تتصل بتخلي الكثيرين عن إنتاج الغذاء، إذ أن ذلك سينعكس سلباً ولأمد بعيد على توفير الغذاء وطنياً وعلى الأمن الغذائي للأسر الريفية.
خارجياً، بلغ عدد اللاجئين المسجلين في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر نحو خمسة ملايين شخص مع نهاية 2016، يمثل الأطفال نصفهم. ويعتمد معظم اللاجئين في هذه الدول على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. في لبنان وتركيا يعاني نحو ثلث اللاجئين من عدم كفاية الغذاء، وفي مصر يواجه 61 في المئة من اللاجئين ظروفا اقتصادية صعبة، أما في الأردن فيعاني 72 في المئة من اللاجئين قلة الغذاء أو يواجهون صعوبة في تأمينه.
 


العراق
تنعكس متغيرات الصراع في العراق على حالة الأمن الغذائي المتقلبة في البلاد. ويُقدّر أن نحو 2.4 مليون عراقي يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 1.5 مليون شخص في حالة نقص غذائي شديد. وتُلاحظ أكثر مشاكل التغذية في المناطق المتضررة بفعل النزاع والنزوح، حيث تُعد الأسر النازحة ضمن مناطق الصراع أو العائدة إلى بيوتها بعد التهجير أشد الفئات ضعفاً.
وقد لجأت الأسر الريفية في المناطق الملتهبة إلى استراتيجيات سلبية لتأمين قوتها، كبيع مواشيها بأسعار زهيدة. كما أن الوصول إلى الأراضي الزراعية ينطوي على مخاطر جسيمة نتيجة الألغام والذخائر غير المنفجرة.
مستويات الإنتاج الزراعي منخفضة بشكل كبير في المناطق الأكثر تضرراً من الصراع. وبحسب تقارير دولية، فإن 70 إلى 80 في المئة من إنتاج الذرة والقمح والشعير في محافظة صلاح الدين تعرض للضرر أو التلف في مطلع 2016، وفي نينوى تم تدمير 68 في المئة من الأراضي الصالحة لزراعة القمح و57 في المئة من الأراضي الصالحة لزراعة الشعير.
الطبيعة الطويلة للنزاع تؤدي إلى إضعاف قدرة النازحين على الصمود، إذ يزداد اعتمادهم على المساعدات الإنسانية نتيجة فقدانهم الدخل والأصول. وفي الوقت ذاته، تتراجع كفاءة الحماية الاجتماعية المقدمة من جانب الحكومة، بما فيها خدمات الصحة والإيواء والتعليم والمياه والصرف الصحي. كما تستمر الأحداث الأمنية في إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
وتتوقع منظمات الإغاثة الإنسانية أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة في العراق إلى نحو 13 مليون نسمة.
 


السودان
أكثر من 3.5 مليون شخص في السودان هم في حال «الطوارئ الغذائية»، وهذا يعادل 9 في المئة من مجمل عدد السكان. وبشكل عام، يواجه نحو 42 في المئة من السودانيين صعوبات في تأمين احتياجاتهم الغذائية، وثلث هؤلاء يتركزون في إقليم دارفور. ويتسع فقدان الأمن الغذائي ليشمل ولايات شمال وجنوب كردفان وكسلا والبحر الأحمر وقضارف.
انعدام الأمن الغذائي في السودان يرتبط بالكثير من العوامل المتداخلة، وفي طليعتها الصراع الذي طال أمده في إقليم دارفور، وكذلك فقدان الاستقرار في أجزاء من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ما يسبب نزوح الأهالي وتعطيل سبل العيش والتجارة. مشكلة الجوع في السودان ترتبط أيضاً بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والأخطار التي تجلبها الأمطار الموسمية السيئة على الأسر الفقيرة، إذ يعتمد نحو 70 في المئة من سكان الريف على الزراعات البعلية.
أمطار منتصف 2016 كانت مؤاتية، وأدت إلى إنتاج غلة زراعية جيدة وانتعاش المراعي في جميع أنحاء البلاد. ونتيجةً لذلك انخفضت أسعار الأغذية وتوفر الطعام، إلى جانب تحقيق مكاسب جيدة للرعاة وأصحاب المواشي. على الرغم من هذه الأحوال الجيدة، لم يتمكن جزء كبير من السكان من الوصول إلى الغذاء نتيجة النزاعات المحلية.
وتؤثر الأزمة في دولة جنوب السودان بشكل كبير على الأمن الغذائي في السودان، حيث يواجه لاجئو الجنوب مشاكل في التغذية وفقدان سبل المعيشة.
 


الصومال
أظهر التحليل أن نحو مليون شخص في الصومال هم في مرحلة الأزمة أو في حال «الطوارئ الغذائية»، وهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. من المتوقع أن يرتفع العدد في منتصف 2017 إلى أكثر من 2.9 مليون شخص، إلى جانب أكثر من 3.3 مليون شخص سيعانون صعوبة في توفير احتياجاتهم، وبذلك سيكون هناك نحو 6 ملايين شخص يعانون من خلل في الأمن الغذائي، أي نحو 56 في المئة من عدد سكان الصومال.
وتشير الدراسات الميدانية إلى أن ما يقدر بـ 363 ألف طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذية، منهم نحو 71 ألف طفل في حالة معاناة حادة ويواجهون خطر المرض والوفاة. كذلك أدى ضعف المرافق الصحية والافتقار إلى المياه النظيفة والآمنة إلى تفشي أمراضٍ كالإسهال الحاد والكوليرا. وإلى جانب النزاعات الداخلية، يعد الجفاف أهم سبب للأزمة الغذائية في الصومال، وتزداد المشكلة في الأرياف نتيجة قلة الأمطار خلال المواسم المتتالية.
وقد تضرر النازحون داخلياً في مختلف أنحاء الصومال بسبب ظروف الجفاف وارتفاع أسعار الغذاء والمنافسة على فرص العمل المحدودة في المناطق الحضرية، حيث يعيش معظم النازحين.
 


جيبوتي
أشار تحليل الأمن الغذائي إلى أن 197 ألف شخص في جيبوتي يفتقرون إلى إمدادات الغذاء، وبحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. ونتيجة لذلك، يعاني 7.5 في المئة من الأطفال دون الخامسة من سوء التغذية.
الأسباب الرئيسة لمحدودية الغذاء وصعوبة الحصول عليه هي ارتفاع معدلات الفقر والاعتماد الكبير على الأسواق الخارجية والجفاف. إضافة إلى ذلك، تستضيف جيبوتي قرابة 23 ألف نازح وطالب لجوء قادمين من الدول المضطربة المجاورة، لا سيما اليمن والصومال، ويعتمد هؤلاء بشكل كبير على المساعدات الإنسانية.
من المتوقع أن تشهد جيبوتي في 2017 أحوالاً أفضل في إنتاج الغذاء، نتيجة الهطولات المطرية الجيدة على المناطق الساحلية نهاية 2016، التي حسنت ظروف المراعي والإمدادات الغذائية. ومع ذلك، فإن غالبية الأسر الفقيرة ستعاني صعوبة في توفير حاجاتها، وستستمر في حالة الأزمة الغذائية.

 

مجلة "البيئة والتنمية".

06 يونيو, 2017 06:20:00 مساء
0