تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الإفراط في تناول الملح يلغي التأثيرات الإيجابية للتغذية الصحية

حذرت دراسة طبية دولية جديدة من العواقب الصحية الضارة لكثرة تناول الملح، وقال فريق دولي من الباحثين إن الإفراط في تناول الإنسان للملح يُلغي الفائدة من الحرص اليومي على تناول الأطعمة الصحية. ووفق ما تم نشره ضمن عدد الخامس من مارس (آذار) الحالي لمجلة «ضغط الدم» Journal Hypertension، الصادرة عن رابطة القلب الأميركية AHA، قام باحثون من بريطانيا والولايات المتحدة واليابان والصين بتحليل مكونات التغذية اليومية لحوالي خمسة آلاف شخص من عدة دول في العالم. وهدفت هذه المتابعة الطبية إلى دراسة نمط التغذية اليومية ومكوناتها وتأثيرات ذلك على مستويات قراءات قياس مقدار ضغط الدم لديهم.


- دور الملح الضار
تأتي نتائج هذه الدراسة لتؤكد أن خفض تناول الصوديوم هو العنصر الأساس في التغذية الصحية، وأنه لنيل الفوائد الصحية لاتباع نمط صحي في التغذية اليومية يجدر أن يتضمن خفض كمية الملح مع الحرص على تناول الخضار والفواكه الطازجة وتقليل تناول الدهون المشبعة والدهون المتحولة والحرص على تنويع مكونات وجبات الطعام لتشتمل على الحبوب والبقول والمكسرات ومشتقات الألبان القليلة الدسم ولحوم الأسماك واللحوم البيضاء إضافة إلى الاعتدال في تناول اللحوم الحمراء. ولذا فإن تناول مكونات غذائية صحية قد لا يكون مفيداً عند الإكثار من تناول الملح أو المصادر الأخرى للصوديوم. وعلى سبيل المثال، يُعتبر تناول المكسرات أحد مكونات التغذية الصحية، ولكن مزج المكسرات بكميات عالية من الملح سيقلل من الجدوى الصحية لتناولها، وكذا فإن المفيد تناول سلطات مشتملة على تشكيلة واسعة من الخضار الطازجة، ولكن الإكثار من إضافة الملح إليها بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر في مرق صوص السلطة، قد يُقلل من الجدوى الصحية لتناولها.
وكان عنوان الدراسة الجديدة للباحثين الدوليين هو: «علاقة صوديوم الغذاء (الملح) بضغط الدم واحتمالات تعديله بعوامل غذائية أخرى»، وقال الباحثون في مقدمتها ما ملخصه: «تشير بيانات النتائج العلمية إلى أن الصوديوم الغذائي (مثل ملح الطعام) له علاقة مباشرة بمقدار ضغط الدم. وهذه النتائج تم استخلاصها من دراسات طبية لم تشتمل على معلومات تتعلق بالمكونات الأخرى للتغذية، ولذا ليس من الواضح هل هذه العلاقة السلبية ما بين ارتفاع كمية صوديوم الطعام من جهة وارتفاع مقدار ضغط الدم من جهة أخرى يُمكن التخفيف منها عند الاهتمام بإضافة عوامل غذائية أخرى».
وأضاف الباحثون أن نتائج «الدراسة الدولية حول المكونات الدقيقة والمكونات الرئيسية للتغذية وعلاقتهم بضغط الدم»، وهي الدراسة التي تُختصر تسميتها بـ«دراسة إنترماب» INTERMAP Study، قد أفادت أن ثمة علاقة مباشرة ما بين ضغط الدم من جهة وبين كمية الصوديوم الذي يتم إفرازه مع البول خلال أربع وعشرين ساعة، وبين أيضاً نسبة الصوديوم إلى نسبة البوتاسيوم ضمن مكونات سائل البول. وعلى سبيل المثال، لاحظت نتائج هذه الدراسة الدولية أنه كلما زادت كمية الصوديوم التي يتم إفرازها في بول الشخص بمقدار حوالي 100 مليمول، كلما رافق ذلك ملاحظة حصول ارتفاع في قياس ضغط الدم الانقباضي لديه بمقدار حوالي 4 مليمترات زئبقية.


- دراسة دولية
وشملت «دراسة إنترماب» نحو خمسة آلاف شخص، ممنْ تراوحت أعمارهم ما بين الأربعين والتاسعة والخمسين، في سبعة عشر من التجمعات السكانية لأربع دول، وهي بريطانيا والولايات المتحد والصين واليابان. ومعلوم أنه كلما ارتفعت كمية الصوديوم التي يتناولها المرء مع الطعام، كملح الطعام والصوديوم في الأطعمة المختلفة، زادت كمية الصوديوم التي يتم إفرازها مع البول، ولذا يُنظر إلى كمية الصوديوم في البول كمؤشر غير مباشر للدلالة على كمية الصوديوم في الطعام المتناول.
ولاحظ الباحثون في نتائج الدراسة أن علاقة ارتفاع تناول الصوديوم بارتفاع ضغط الدم هي علاقة مستمرة، بغض النظر عن تناول الإنسان لعدد كبير من العناصر الغذائية المفيدة ضمن اهتمامه بالتغذية الصحية، وبغض النظر أيضاً عن مقدار وزن الجسم ومستوى الحالة الصحية لديه. وهو ما دفع الباحثين إلى القول: «هذه النتائج تؤكد على أهمية الحدّ من تناول الملح للوقاية من الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم أو حالة ما قبل ارتفاع ضغط الدم Prehypertension، وأيضاً في معالجة حالة ارتفاع ضغط الدم المرضية».
وأضاف الباحثون أن على المرء أن يراقب مستوى تناوله للملح، وعلى مصنعي الأطعمة الاهتمام بخفض محتويات منتجاتهم من عنصر الصوديوم. وهو ما علقت عليه الدكتورة كويني تشان، الباحث الرئيسي في الدراسة من كلية الصحة العامة في إمبريال كولدج بلندن، قائلة ما ملخصه: «الدراسة توضح أهمية خفض تناول الملح، ولدينا حالياً وباء عالمي في ارتفاع استهلاك الملح والصوديوم، ووباء عالمي في ارتفاع الإصابات بمرض ارتفاع ضغط الدم، والدراسة تبين أن لا مجال للغش عند التعامل مع خفض ارتفاع ضغط الدم، واتباع نظام غذائي صحي منخفض المحتوى من الصوديوم هو المفتاح، حتى لو كان المرء يتناول غذاء صحياً متوازناً فإن خفض تناول الصوديوم خطوة أساسية». وأضافت قائلة: «بما أن كمية كبيرة من الصوديوم في غذائنا تأتي من الأطعمة المُصنعة، فإننا نحث مصنعي الأطعمة على اتخاذ خطوات لخفض الملح في منتجاتهم».


- الأطعمة المصنعة والجاهزة... المصدر الرئيسي للصوديوم

  •  بالمراجعة العلمية، فان إضافة الملح بالملاحة أثناء تناول الطعام ليس هو المصدر الرئيسي لتناول الصوديوم لدى غالبية الناس، بل إن المصادر الرئيسية للصوديوم في طعامنا اليوم.ي، وفق ما يشير إليه باحثو مايو كلينك، هي الأطعمة المُصنعة والأطعمة الجاهزة، مثل الخبز والبيتزا واللحوم الباردة والسلامي والنقانق والهوت دوغ والبيرغير والبطاطا المقلية وأنواع الجبن والمخللات والشوربات السريعة التحضير وباستا المكرونة الجاهزة وغيرها من الأطعمة المصنعة والجاهزة.

ويُضيف الباحثون من مايو كلينك في مقالة بعنوان: «الصوديوم... هل أنت تتناول الكثير منه؟» بالقول: إن 5 في المائة من الصوديوم يدخل أجسامنا من إضافة الملح إلى الطعام أثناء الطهو، و6 في المائة منه يأتي باستخدام أحدنا للملاحة لإضافة الملح إلى الأطعمة التي يضعها في طبق تناول الطعام، و12 في المائة مما يوجد من الصوديوم بشكل طبيعي في الأطعمة التي نتناولها كاللحوم والحليب والخضار والبقول والحبوب الطبيعية... و77 في المائة من الصوديوم الذي يدخل إلى أجسامنا يأتي من الإضافات الصناعية التي تتم إضافتها إلى الأطعمة الجاهزة والمصنّعة. أي إن كمية الصوديوم التي تدخل أجسامنا على هيئة ملح الطعام، الذي يُضاف أثناء طبخ الأطعمة والذي نضيفه بالملاحة، لا تتجاوز نسبة 11 في المائة من كمية الصوديوم التي تدخل أجسامنا.


والواقع أن غالبية الصوديوم الذي يُضاف إلى الأطعمة الجاهزة والمُصنعة ليس على هيئة «ملح الطعام»، أي ليس كلوريد الصوديوم ذا الطعم المالح، بل هي مركبات كيميائية غير مالحة الطعم وتحتوي على الصوديوم. ولذا يجدر التفريق بين مركبات مالحة الطعم ومركبات محتوية على الصوديوم، والضار بالجسم هو الإكثار من تناول الصوديوم.


ولذا هناك كثير من الأطعمة الجاهزة غير المالحة في الطعم أو ملوحتها خفيفة جداً أو ربما تكون حلوة الطعم، تحتوي بالفعل على كميات عالية من الصوديوم. ومن أمثلتها «بيكنغ صودا» Baking Soda المحتوية على كربونات الصوديوم Sodium Bicarbonate، ومسحوق «بيكنغ باودر» Baking Powder، وهما يُستخدمان في صناعة الخبز وحلويات المعجنات والبسكويت والدونات وغيرها. ووفق ما تشير إليه رابطة القلب الأميركية فإن ملعقة شاي من بيكنغ صودا تحتوي على 1 غرام من الصوديوم، أي ما يُعادل نصف ملعقة شاي من ملح الطعام، أي بعبارة أخرى نصف كمية الصوديوم التي لا يجدر تجاوز تناولها في اليوم الواحد.
ومن الأمثلة الأخرى، مركبات «مونوصوديوم غلومتاميت» Monosodium Glutamate التي تعتبر أحد «التوابل الصناعية» التي تُضاف إلى كثير من أنواع المأكولات السريعة كالبيرغر والبطاطا المقلية وقطع الدجاج المقلي وغيرها كي تكتسب الطعم الشهي. وهناك مادة «دايصوديوم فوسفيت» Disodium Phosphate التي تُضاف ضمن مكونات الجبن الصناعي والحبوب سهلة الطهي، ومادة «نترست الصوديوم «Sodium Nitrite التي تُضاف إلى اللحوم المصنعة الباردة كالسلامي والمارتديلا والهود دوغز وغيرها. وهناك مواد كثيرة أخرى مثل مادة «صوديوم ألغنيت»Sodium alginate التي تُضاف إلى الآيس كريم كمادة ملطفة لقوامها ولجعلها أشبه بألبان، ومواد أخرى.
ولذا يختصر الباحثون من مايو كلينك نصائحهم حول كيفية تقليل تناول الملح، عبر الحرص على تناول الأطعمة الطبيعية الطازجة والتي يتم إعدادها في المنزل

20 مارس, 2018 10:08:47 صباحا
0