فلسفة الجغرافيا الاجتماعية
منذ وُجد الإنسان علي سطح الأرض وهو يحاول معرفة خصائص المكان الذي يعيش فيه.. هذا المكان الذي تدرج مداه من مجرد الموطن المباشر وما يعلوه من سماء زاخرة بالأجرام السماوية إلي المناطق المجاورة، فالكرة الأرضية ككل ثم الكواكب الأخرى والكون الفسيح، والسبب في ذلك هو "حب الاستطلاع" curiosity الكامن في النفس البشرية التي ترنو دائما إلى معرفة المجهول، وقد كانت تلك الغريزة هي الأساس الأول لنشأة الفكر الجغرافي، وذلك عندما أخذ الإنسان في إعمال فكره فيما حوله من ظاهرات طبيعية وكونية، أو في إدراك اختلاف المظاهر من مكان إلي آخر أثناء تجواله وترحاله فيما حول مكان إقامته من مناطق، وقد نشأ هذا الفكر عندما حاول الإنسان تفسير هذه الظاهرات والمظاهر في ضوء معرفته المحدودة وقتذاك.
وعندما وجد الإنسان نفسه منذ قدر له أن يعيش علي الأرض محصوراً في عالم محدود محاط بفضاء مطلق وبظاهرات طبيعية غير قابلة للتفسير لصعوبة فهمها كان لابد له كي يفسر سر وجوده في الحياة أن يخلق بفكره وشعوره عالما تقترب فيه الأشياء المعلومة من الأشياء المجهولة وتتعانق في وحدة من العلاقات.
وكما أدرك الإنسان مبكراً أن هناك علاقة ما تربطه بعناصر بيئته أدرك في الوقت ذاته أن هناك علاقات تربط بين الظاهرات الكائنة في الوسط الذي يعيش فيه.. هذه العلاقات relationships والارتباطات correlation شكلت منذ وقت بعيد الأساس النظري لعلم الجغرافيا المعروف بالعلاقات المكانية. relationships spatial وحتى يصل إنسان ذلك الزمان إلي ذلك التكوين التصوري كان عليه أن يمر بمستويات من الإدراك يتصاعد وعيه فيها من الحسي إلي المطلق حيث كان يعايش الطبيعة الجامدة والحية، الساكنة والمتحركة فيري الظاهرات المحيطة به في أبعاد متناهية ممتدة ما بين السماء وأجرامها وقمم الجبال من ناحية قاع البحر من ناحية أخري.