تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
نبذه عن الكتاب
سيمياء النص الموازي التنازع التأويلي في عتبة العنوان
No votes yet
لم يكن جيرار جينيت حتماً هو أوّل من تحدّث عن العتبات، ولاسيّما عتبة العنوان، إذ انتبه النقّاد العرب القدامى أكثر من انتباهة طريفة إلى أهمية هذه العتبة وقيمتها ـ لكن في مجال الكتابة النثريّة حصراً ـ حيث كانت القصيدة العربية بلا عنوان دائماً، وأحسب أنّ ذلك ممّا يحتاج إلى مراجعة وتفكير ورصد وبحث وتأمّل وتدبّر ودراسة، فهل كان النثر عندهم أكثر حاجة لنصّ موازٍ من الشعر؟ وهل كانوا يعتقدون أيضاً أنّ القصيدة مكتفية بذاتها وممتلئة بكينونتها التشكيلية (المتنيّة) فلا تحتاج إلى ما يوازيها نصيّاً ليضيف إليها ويكشف عن جوهر وجودها؟ وثمّة أسئلة أخرى كثيرة يمكن إنتاجها في هذا السبيل. وقد ذكر المقريزيّ في صدد أهمية العتبات ولاسيّما عتبة العنونة ما نصّه: ((اعلم أنّ عادة القدماء من المعلمين قد جرت أن يأتوا بالرؤوس الثمانية قبل افتتاح كلّ كتاب، وهي الغرض والعنوان والمنفعة والمرتبة وصحّة الكتاب ومن أيّ صناعة هو وكم فيه من أجزاء وأيّ أنحاء التعاليم المستعملة فيه)) ، ولعلّ هذه العناصر الثمانية ذات الطبيعة العتباتية الواضحة جعلت ((ـ من المؤلّف أهلاً للثقة والذيوع والانتشار وتمنحه المصداقية الشرعية، كما تكشف هذه المقولة أن للعتبات حضوراً واضحاً، إذ إنها حددت الهدف من الكتاب وعنوانه وما سبقه من مؤلفات للمؤلف، كما تمّ تحديد موضوعه وطريقته)) ، على النحو الذي يمكن التأكيد فيه على أنّ العرب القدامى كانوا على وعي نظريّ ورؤيويّ بأهمية العتبات وقيمتها.