الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يعتبر علم أصول الفقه من العلوم الإسلامية التي تعبر عن العقلية الإسلامية الفذة أصدق تعبير، بالنظر إلى طريقة بنائه والوظيفة الجليلة التي اضطلع بها، ألا وهي وظيفة الفهم والاستنباط ، فشكل بذلك منهجية متكاملة ودقيقة للطريقة التي ينبغي أن يفكر بها المسلم، حتى وصف هذا العلم بأنه رياضيات أهل الشريعة.
إلا أن نظرة فاحصة لتاريخنا الإسلامي، تكشف عن تقهقر تدريجي في كافة العلوم، وذلك بعد أن بلغت تلك العلوم شأوا عظيما من المجد. ولعل قاصمة الظهر في ظل هذا التدهور العام، دعوة بعضهم إلى إغلاق باب الأجتهاد، بما يعنيه ذلك من تحجير على العقول التي لا نهضة للأمم إلا بالعمل على إعمالها وتشجيعها على الإنتاج والابتكار، فتأثر بذلك علم أصول الفقه أيما تأثر، مما أدى إلى الحط من قيمته عند طلبة العلم الشرعي، "فأودع في زوايا الإهمال، وأصبح كلمات تقال، وبذلك قل تدريسه"