Direkt zum Inhalt
الفجوة التمويلية 100 بليون دولار سنويا المطلوب ترشيد الإنفاق وجذب استثمارات القطاع الخاص

يقدّم المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) اليوم في مؤتمره السنوي في بيروت تقريره عن «تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية». وهو الحادي عشر في السلسلة التي أطلقها «أفد» عام 2008 عن وضع البيئة العربية. يقدّر التقرير حاجة الدول العربية بـ230 بليون دولار إضافية سنوياً لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي وضعتها الأمم المتحدة، مع فجوة تمويلية تصل إلى 100 بليون دولار. وحذّر من ارتفاع الفاتورة إلى مبالغ أعلى بكثير تبعاً لآثار الحروب والنزاعات في المنطقة. ودعا التقرير إلى اعتماد سياسات جديدة لاستقطاب التمويل من المؤسسات الدولية والصناديق الإقليمية والقطاع الخاص، وإعطاء حوافز للمصارف لإصدار منتجات جديدة مخصصة لتمويل التنمية المستدامة، ومكافحة الهدر والفساد. هنا ملخص لأبرز ما جاء في التقرير.


شكّل اعتماد أهداف التنمية المستدامة واتفاق باريس لتغير المناخ عام 2015 لحظة حاسمة في مسار التعاون الدولي. فكلاهما ينطوي على تغييرات جذرية في النظرة إلى التنمية ومتطلبات تحقيق غاياتها، ويتطلب استثمارات ضخمة، تحتاج بدورها إلى آليات تمويل مبتكرة. ونظراً إلى أن الحكومات وحدها لا تستطيع تلبية كل الحاجات، فإن منظمات العون وصناديق التنمية والشركات والقطاع المصرفي مدعوة بشكل متزايد إلى المساهمة.

ومن المتوقع أن ترتفع الكلفة أكثر، نظراً إلى آثار عدم الاستقرار على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، إذ تشير التقديرات إلى أن الخسائر في النشاط الاقتصادي بسبب الحروب والصراعات في المنطقة منذ عام 2011 قد تجاوزت 900 بليون دولار.

تشهد مصادر التمويل العامة والخاصة في المنطقة العربية انحساراً، وهي ليست على مستوى التريليونات اللازمة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ومن العقبات الرئيسية التي تحول دون تمويل التنمية المستدامة أن المنطقة العربية مصدّرٌ صافٍ لرأس المال. ففي مقابل كل دولار يدخل المنطقة من طريق تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، يعاد استثمار نحو 1.8 دولار فعلاً في الخارج، إما بواسطة تدفقات الاستثمار المباشر إلى الخارج، وإما من طريق تحويل الأرباح التي يحققها المستثمرون الأجانب. وفي الوقت ذاته، تظل المنطقة مقرضة للمصارف الأجنبية، إذ كانت ودائع العملاء العرب لدى المصارف الدولية الرئيسية أعلى باستمرار من القروض المقابلة للعملاء العرب من هذه المصارف. وبين عامي 2011 و2016، أعادت المنطقة في المتوسط 2.8 دولار إلى مناطق أخرى، في مقابل كل دولار تم تحويله إلى المنطقة العربية.

إن التريليونات اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية تحتاج إلى تعبئة جميع مصادر التمويل. ويأتي إصلاح السياسات المالية في رأس التدابير المطلوبة، وهذا يتضمن إصلاح النظام الضريبي وإعطاء حوافز وتسهيلات لتشجيع استخدام الموارد بكفاءة وتوزيع الثروة على نحو عادل.

المساعدات الإنمائية

بلغ حجم المساعدات العربية الإنمائية الرسمية الثنائية، من دولة الى دولة، 216 بليون دولار بين 1970 و2017، قدّم الجزء الأكبر منها أربعة بلدان هي السعودية والكويت والإمارات وقطر. في موازاة ذلك، قدمت صناديق التنمية العربية ما مجموعه 204 بليونات دولار حتى نهاية 2017، ذهب 54 في المئة منها إلى الدول العربية.

مجمل المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة إلى البلدان العربية من مصادر خارج المنطقة ازداد ليصل في عام 2016 إلى 22.3 بليون دولار. ومع ذلك، فإن هذه الزيادة الرقمية تخفي حقيقة أن ما يتجاوز نسبة 15 في المئة كان مخصصاً لمساعدة اللاجئين والمعونات الإنسانية، والتي ليست في الواقع جزءاً من برامج التنمية. فقد زادت اﻟﻤﺴﺎعدات اﻹﻧﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟرﺳﻤﻴﺔ لسورية مثلاً في شكل كبير منذ ﻋﺎم 2012، لكن نحو 90 ﻓﻲ اﻟﻤﺋﺔ ﻣﻨﻬﺎ كانت مساعدات إنسانية. ويشار إلى تقصير البلدان المتقدمة في الوفاء بالتزامها تقديم ما نسبته 0.7 في المئة من الدخل القومي الإجمالي كمساعدة إنمائية رسمية للبلدان النامية.

وتجدر الإشارة إلى أن لدى مؤسسات التنمية العربية القدرة على تعبئة موارد إضافية لتمويل أهداف التنمية المستدامة من طريق التمويل المشترك مع المصادر الأخرى لتمويل التنمية. ومع ذلك، ومن أجل تحسين تعبئة الموارد، تحتاج الدول العربية إلى الاعتراف الكامل بترابط أهداف التنمية المستدامة وتعقيداتها، ووضع استراتيجيات وخطط متكاملة، مع تحديد أولويات واضحة ومتسلسلة لأهداف التنمية المستدامة على المستوى المحلي، وفقاً لجدول زمني محدد للتنفيذ، مدعوم بدراسات جدوى معدّة إعداداً جيداً ومصادر للتمويل. ويجب أن يقترن ذلك بالحكم السليم والإطار التنظيمي الملائم، ما يضمن ثقة الجهات المانحة.

التمويل من القطاع الخاص

جزء كبير من فجوة تمويل التنمية يجب أن يأتي من القطاع الخاص. تقليدياً، سهلت أسواق رأس المال، والصناعة المصرفية والمالية في شكل عام، النشاطات التي كان لها تأثير سلبي في السياق الإجتماعي والبيئي. لكن بدأ التخلي سريعاً عن هذا النهج، بعد ما تبيّن أنه يمكن تحويل فجوة التمويل إلى فرصة، تتمثل في ايجاد أعمال تجارية جديدة، وتوفير منافع اقتصادية وبيئية واجتماعية على المستوى الوطني. وقد شهدت السنوات الأخيرة بداية تحول في سلوك المستثمرين، الذين ينتقلون على نحو متزايد من الاستثمار المسؤول، ولكن القائم على نهج سلبي لا يسبب الضرر، إلى المفهوم المالي المستدام القائم على الإستثمار الفعّال في حلول لتحديات الاستدامة وفق الأجندة التي حددتها «أهداف التنمية المستدامة» الـ17.

هناك مجموعة متزايدة من حلول التمويل المثيرة للاهتمام في السوق، من السندات الخضراء إلى أدوات التمويل المختلطة. على الصعيد العالمي، حصلت زيادة سنوية مقدارها 14 ضعفاً في إصدار السندات الخضراء، من 11 بليون دولار عام 2013 إلى أكثر من 155 بليون دولار عام 2017. لكنها على رغم نموها السريع لا تزال بعيدة من المساهمة الحاسمة في تمويل كلفة التنمية المستدامة، وبالتأكيد بعيدة جداً من سوق السندات العالمية المقدرة بنحو 100 تريليون دولار. وعلى رغم أن السندات الخضراء في الدول العربية لا تزال في مهدها، إلا أنها بدأت تكتسب زخماً. ففي عام 2013 أصدر بنك التنمية الافريقي سندات صديقة للبيئة استخدمت عائداتها جزئياً لتمويل مشروعين في تونس ومصر. وفي عام 2017، أطلق بنك أبو ظبي الوطني أول إصدار لسندات صديقة للبيئة في المنطقة العربية بقيمة 587 مليون دولار أميركي، تستحق في 2022. ويُعد التمويل المختلط شكلاً مبتكراً آخر لتمويل التنمية، وذلك بالاستفادة من المساعدة الإنمائية كضمانة لاستقطاب تمويل إضافي من القطاع الخاص.

ويحمل استغلال إمكانات التمويل الإسلامي من خلال الصكوك (السندات المتوافقة مع الشريعة) فرصاً كبيرة لتمويل البنية التحتية، ومشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة وتغير المناخ. وهناك مجال آخر هو تصميم المنتجات المالية التي تناسب المغتربين والتي يمكنها تسخير التحويلات في مزيد من الاستثمار الإنمائي.

السياسات والإطار التنظيمي

اعتماد سياسات متكاملة للتنمية المستدامة أمر ضروري لاستقطاب التمويل الكافي للنشاطات الكفيلة بتحقيق أهدافها. وينبغي دعم ذلك بمجموعة من التدابير التنظيمية والقائمة على «اقتصاد السوق» لضمان كون السياسات والخطط والبرامج المقترحة عادلة اقتصادياً واجتماعياً ومقبولة بيئياً. ولا يجوز للقوانين، التي ينبغي تطبيقها بالتساوي على الجميع، أن تقتصر على القيود والمثبطات فحسب، بل ينبغي أن توفر أيضاً حوافز لتشجيع النشاطات والاستثمارات المستدامة. وعلاوة على ذلك، فإن اعتماد نهج شفاف وقابل للمساءلة وقائم على المشاركة هو مطلب ضروري لتحقيق هذه الغاية.

أحد التحديات التي تواجه العديد من الدول العربية هو التدفقات المالية غير المشروعة وغسيل الأموال وسرقة الأموال العامة وهدرها. وينبغي بذل الجهود للحد من هذه الممارسات والقضاء عليها في نهاية المطاف، بما في ذلك مكافحة التهرب الضريبي للشركات الوطنية والعابرة للحدود. ويقدّر أن تصل عائدات مكافحة الفساد في الدول العربية إلى 100 بليون دولار أميركي سنوياً، وهو ما يكفي لسد معظم الفجوة المالية في الاستثمارات اللازمة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

وقد وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مجموعة من السياسات لمساعدة الحكومات على جمع التمويل الخاص لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهي تنص على ضرورة إزالة العقبات التي تواجه الاستثمارات الخاصة في التنمية، وتدعو إلى إعتماد نهج متكامل لتعزيز تماسك السياسات، بما في ذلك تلك التي تشمل التجارة والاستثمار والضرائب والمنافسة والتنمية، التي تحتاج إلى المواءمة دعماً لتشجيع الاستثمار من أجل التنمية المستدامة. وللحكومات دور مهم في تعزيز سلوك الأعمال المسؤول، ما يضمن تنفيذ البرامج والمشاريع بمزيد من الفاعلية، وبقدر أكبر من الشفافية والمساءلة.

تحضير القطاع المالي للمخاطر البيئية

للتحديات والمخاطر البيئية والمناخية انعكاسات مهمة على الاستقرار المالي. فالتحوّل نحو مصادر بديلة للطاقة غير الوقود الأحفوري في المستقبل سيشكل نهاية لبعض أنواع الاستثمارات ويؤثر على تقويم العديد من الأصول. لكن مخاطر الامتناع عن التحوّل الاقتصادي لمواكبة المتغيرات يبقى أكبر بكثير على الاستقرار المالي. ومن العلامات الإيجابية أن برامج طموحة لتنويع الاقتصاد بدأت في الدول العربية المصدّرة للبترول، تواكبها استثمارات ضخمة في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، كما يحصل في السعودية والإمارات.

وفي حين يغطي القطاع المصرفي جزءاً من تمويل مشاريع التنمية، فإن نسبة صغيرة جداً يمكن تصنيفها على أنها «تمويل أخضر». ويقف عدم الوضوح في تحديد عناصر «التمويل الأخضر»، مثل «القروض الخضراء» و «الأصول الخضراء»، عائقاً أمام تصنيف هذه العناصر، وتالياً تطوير فرص إضافية للتمويل الأخضر. ثمة حاجة، إذاً، إلى وضع حدّ أدنى من القواعد للإفصاح عن مكوّنات التمويل الأخضر، يما يسمح بإتاحة الموارد المالية للمشاريع الخضراء وتقويم الأصول، وتحليل أوضاع السوق والمخاطر، وتطوير منتجات مالية جديدة يمكن تقديمها على أسس قابلة للمقارنة مع منتجات أخرى.

على الهيئات التنظيمية والرقابية العمل مع المصارف لاعتماد أفضل الممارسات في إدارة المسائل المرتبطة بالبيئة. فلا يزال تأمين تمويل طويل الأجل لمشاريع ذات طابع بيئي مقيّداً بشروط معقّدة، وتحدّيات مضاعفة لتقويم المخاطر لفترة طويلة، أو فرض تقديم ضمانات مالية أعلى، ما يجعل المشاريع أقل جدوى من الناحيتين الاقتصادية والمالية. ويمكن معالجة بعض هذه العوائق من طريق تدابير تنظيمية وسياسات موجّهة نحو إعطاء تسهيلات وحوافز للتمويل الطويل الأجل للمشاريع التي ينطبق عليها تصنيف التنمية المستدامة. ويتعين على المؤسسات العامة، المحلية والدولية، المشاركة في تحمل أخطار بعض أنواع التمويل مع المصارف التجارية ومصادر التمويل من القطاع الخاص. فبعض هذه المشاريع ضروري لتحقيق أهداف التنمية، لكن فوائده تظهر على المدى الطويل، بينما قد لا تكون ذات جدوى تجارية بحتة وفق الممارسات السائدة. كما أن السياسات النقدية الملائمة ضرورية لتشجيع التمويل الأخضر، على شكل حوافز من المصارف الوطنية المركزية، مثل منح فترة سماح وفوائد تشجيعية وقبول بعض الأصول الخضراء كضمانات للقروض.

خلاصة وتوصيات

على البلدان العربية تهيئة الاستراتيجيات وخطط العمل الملائمة لتحقيق أجندة التنمية المستدامة لسنة 2030 ومواجهة تحديات التغيّر المناخي. وهذا يستدعي تحديد الأولويات وتقدير التكاليف المتوقعة وتحديد مصادر التمويل الممكنة في المدى القريب والمتوسط والبعيد. وفي ما خص الدول النفطية، يبقى تنويع الاقتصاد نحو قطاعات منتجة غير بترولية وإعادة النظر في أنظمة دعم الأسعار أمرين ضروريين لمواجهة آثار تقلبات الأسعار على الدخل وتحقيق نمو طويل الأمد. أما الدول ذات الدخل المتوسط، فلا بد لها من تعديل الأنظمة الضريبية بحيث ترتفع نسبة الدخل من الضرائب مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، مع تأمين العدالة وفق شرائح الدخل والثروة. وثمة حاجة ملحّة إلى إصلاحات مالية لتشجيع الاستثمارات ذات البعد الاجتماعي، إلى جانب التدابير المالية القادرة على دعم تنويع الاقتصاد وإدارة الديون والاستقرار البعيد المدى في النمو وتحصيل الواردات.

من ناحية أخرى، ينبغي احترام التعهدات الدولية لتمويل التنمية، وعدم خلطها بالمساعدات الطارئة للاجئين. والمطلوب أيضاً تعزيز التعاون بين دول المنطقة العربية في جميع المجالات، بما فيها الاستثمارات الإقليمية في ما بينها وزيادة المساعدات الإنمائية العربية لتمويل المشاريع في المنطقة، ولا سيما في مجال البنى التحتية، التي تحتاج وحدها إلى 100 بليون دولار سنوياً وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

أما التمويل من القطاع الخاص، فيحتاج إلى جهود أكبر لاستقطابه في مشاريع التنمية المستدامة. ومن هذا تشجيع استثمار المدخّرات، خصوصاً من طريق أدوات مالية تستطيع اجتذاب التحويلات، وتطوير الأسواق المالية، واستقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة من طريق سياسات وحوافز تمنح الثقة للمستثمرين. وعلى الدول تطوير آليات تشجع التمويل المختلط، مثل المشاركات بين القطاعين الخاص والعام، واستخدام القروض من المؤسسات المانحة وصناديق التنمية كضمانات للحصول على قروض إضافية من القطاع الخاص. وهذا كله يزيد فاعلية التمويل وكفاءته. كما ينبغي العمل على عكس الاتجاه الراهن في تدمير الموارد الطبيعية، واعتماد سياسات توقف الهدر وتخفف البصمة البيئية، بما يضمن الاستمرار في تأمين خدمات الموارد الطبيعية المطلوبة للأجيال المقبلة ويكفي لتحقيق حاجات التنمية المستدامة.

الموارد الإضافية، من جميع المصادر الداخلية والإقليمية والدولية الممكنة، ضرورية لتمكين البلدان العربية من تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتصدي للتغيّر المناخي. لكن إلى جانب تأمين مصادر جديدة للتمويل، يجب التركيز على كفاءة استخدام الموارد المالية المتوافرة، من القطاعين العام والخاص، وتغيير وجهتها حيث يلزم الأمر، وفق جدول أولويات، لدعم المشاريع والبرامج الكفيلة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما لا بد من القضاء على الفساد والهدر، ووضع سياسات متكاملة، واعتماد شروط صديقة للاستثمار. فليس من المنطق الاقتصادي السليم الاستمرار في خيارات الاستثمار التقليدية القديمة، في موازاة العمل على استقطاب الموارد المالية وتحويلها لدعم استثمارات مبتكرة صديقة للبيئة، تقوم على مفاهيم ومقاييس جديدة.

08 Nov., 2018 09:28:59 AM
0