Direkt zum Inhalt
بعد بركسيت: هل يكون العالم الناطق بالإنكليزية بديلا عن أوروبا؟

أعرب وزير الخارجية الأميركي السابق دين أتشيسون في عام 1962 عن الأسف لفشل بريطانيا في إقتطاع دور لها على الساحة الدولية بعد أفول امبراطوريتها. واقتبس انصار بركسيت هذه الكلمات مرات عديدة خلال الحملة التي سبقت الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الاوروبي في عام 2016.

لكن ما لم يُقتبس من كلام أتشيسون، رغم أنه لا يقل أهمية، هو إشارته إلى الأثر البالغ الذي تركه في صانعي السياسة البريطانيين الإيمان بعلاقة بريطانيا التاريخية بالبلدان الأخرى الناطقة بالإنكليزية.

ثلاث دوائر كبرى

قال وزير الخارجية الأميركي وقتذاك إن هؤلاء السياسيين ظلوا يعتقدون أن بريطانيا ما زالت قادرة "على القيام بدور قوة منفصلة، أي دور منفصل عن أوروبا، يقوم على وجود علاقة خاصة مع الولايات المتحدة، ويرتكز على كون بريطانيا رئيسة الكومنولث الذي ليس له بنية أو وحدة أو قوة سياسية".

يبين مايكل كيني ونك بيرس في كتابهما "ظلال امبراطورية: العالم الناطق بالإنكليزية في السياسة البريطانية" Shadows of Empire: The Anglosphere in British Politics (244 صفحة، منشورات بوليتي، 15 جنيهًا استرلينيًا) أن انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الاوروبي حين كان يُسمى المجموعة الاقتصادية الأوروبية لم يصبح فكرة مغرية إلا بعد اعترافها بفقدان مستعمراتها وتغير الإتجاهات التجارية لبلدان في الكومنولث، مثل أستراليا وكندا.

في عام 1971، أعلنت مارغريت ثاتشر التي كانت متحمسة نسبيًا للارتباط بأوروبا أن بريطانيا فقدت أسواقها التقليدية في أستراليا وكندا والكومنولث الجديد وحان الوقت للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية. وقالت إن هذه الخطوة ستحقق رؤية ونستون تشرتشل في جمع كلمة أوروبا "بوحدة الصوت والعمل".

يرى كيني وبيرس أن ثاتشر كانت محقة في استحضار كلمات تشرتشل الذي وصف موقع بريطانيا الفريد بأنه النقطة التي تلتقي فيها "ثلاث دوائر كبرى": الكومنولث وما تبقى من الامبراطورية، والعالم الناطق بالإنكليزية، وأوروبا الموحدة.

قدر بريطانيا

تلاحظ صحيفة فاننشيال تايمز في مراجعتها لكتاب كيني وبيرس أن حماسة تشرتشل للتعاون الاوروبي ما زالت موضع جدل بين المؤرخين، لكنهما يريان أن فكرة وقوف بريطانيا أمام خيار بين أوروبا من جهة والعالم الناطق بالإنكليزية من الجهة الثانية كانت غريبة على تشرتشل.

ينحو دعاة التوجه إلى العالم الناطق بالإنكليزية، مثل وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، أحد أقطاب بركسيت، إلى التقليل من شأن حقيقة أن تشرتشل لم يكن متأكدًا أي دائرة من الدوائر الكبرى الثلاث ستكون لها الأولوية في فترة ما بعد الحرب. والمفارقة في تحول ثاتشر البطيء ضد الوحدة الأوروبية هي "أن الدوائر المتداخلة في صلب تفكير تشرتشل كانت أكثر تباعدًا من أي وقت مضى منذ عام 1945"، عندما تنحت ثاتشر في عام 1990، كما يقول المؤلفان.

أصبحت ثاتشر تعتقد أن قدر بريطانيا هو مع الشعوب الناطقة بالإنكليزية. وكانت قناعتها هذه ترتكز على أفضليات حرية السوق القوية بصفة خاصة في الولايات المتحدة ونيوزيلندا وبريطانيا.

أنهر من الدم!

كان لهذا الرهان على العالم الناطق بالإنكليزية تأثير كبير في السياسيين البريطانيين المناهضين للانضمام إلى الوحدة الاوروبية. وفي حملة الاستفتاء في عام 2016، دأب المحافظون من أقطاب بركسيت على التغني بأفضليات العالم الناطق بالإنكليزية.

لكن فايننشيال تايمز تلفت إلى غياب العالم الناطق بالإنكليزية في الحملة نفسها، حيث ركز مؤيدو بركسيت على السيادة والهجرة وحاجة بريطانيا إلى "استعادة السيطرة" على مقدراتها.

كان هذا برنامجًا أقرب إلى موقف السياسي المحافظ إينوك باول الذي حذر من تحول شوارع إنكلترا إلى "أنهر من الدم" بسبب المهاجرين في أواخر الخمسينيات، منه إلى رؤية تشرتشل أو نظرة ثاتشر.  

لكن حلم العالم الناطق بالإنكليزية لا يموت بسهولة، كما تبين خطابية الحكومة عن "بريطانيا عالمية". في هذه الأثناء، تأتي السجالات الملتَبَسة حول الاتحاد الجمركي مع أوروبا، وإمكانية توقيع اتفاقيات تجارية بعد بركسيت تذكيرًا بأن مصير بريطانيا ما زال يرتبط بإيجاد طريقها بين الدوائر الكبرى الثلاث التي تحدث عنها تشرتشل، سوى أنها الآن تتمتع "بقدر أقل من النفوذ الجيوسياسي"، كما يكتب كيني وبيرسي.

هذا التقرير عن "فايننشيال تايمز". 

09 Dez., 2018 09:16:04 AM
0