خليل اطرير تأملات في ديوان «ترانيم النسائم والوتر»
(ترانيم النسائم والوتر) واحد من الدواوين الجديدة للدكتور خليل حسين اطرير، يقع الديوان في مائة وإحدى عشرة صفحة من القطع المتوسط، وقد ضم بين دفتيه ثلاثاً وأربعين قصيدة من الشعر الكلاسيكي العمودي، فهو يعتز بهذا اللون الشعري الأصيل، ولا يرى فضاءه الأدبي إلا من خلال القصيدة العمودية التي تلتزم ببحور الخليل.
وقد عنون ديوانه بجملةٍ اسمية تكوّنت من ثلاث مفردات، فالترانيم جمع ترنيمة، والترنم ضرب من الطرب، ولكن هذا الطرب الذي أراده الشاعر هو طرب النسائم والوتر، وعنوان الديوان هو عنوان أولى قصائد الديوان، وقد جاء في أحد أبيات القصيدة حيث قال:
زرع المفاتن في ربا الخد الندي
لما استبدّ به الهوى ليلَ السمر
لمّا تثنّى الخيزرانُ مدلها
حاكى ترانيم النسائم والوتر
وجلّ ما جاء في هذا الديوان هو من شعر الحكمة، والوطن، ووصف بعض المظاهر الاجتماعية التي أصبحت سائدة في مجتمعنا، وسوف نعرض في هذه الورقة النقدية بعض المفاصل الهامة التي اعتمدها و زيّن الشاعر بها ديوانه (ترانيم النسائم والوتر).
فقد بدأ الشاعر ديوانه بشكرٍ وتقدير إلى الوطن « إلى التراب المُعنّى الذي جرّح قصائدي، لأشكو، فأطلق صرخة الانتماء.. وطني»
ثم أتبع ذلك بمقدمة قصيرة جداً وضّح فيها ما أراده من ديوانه هذا، فهو عصارة سبعين عاماً من الحكمة والتجربة كساها بثروة لغوية حتى ينهل منها الأجيال، ومجّد لغة الضاد وقال أنها حرز الكتاب، وسارية الأمة، وحافظة التراث....وعرّف الشعر بقوله « الشعر نهر متجدد، يسكبُ فائدة ويصب متعة، على مدى الأيام، وطرقه يبني ويصقل «
شعر الحكمة:
وضّح الشاعر في مقدمة ديوانه أن ديوانه حكمة وتاريخ وعلاقات، وتوجيه نحو الخير، وشعر الحكمة ليس بالغرض الجديد على الشعر العربي، فقد رافقت الحكمة الشعر عصور الأدب دون استثناء،فلم يخلُ عصرٌ من عصور الأدب من الحكمة ومرادفاتها من نصح وإرشاد.
والحكمة وليدة العقل والتجربة، وهي عند د. خليل ليست مجرد تأملات محضة، بل هي مزيج من الثقافات المختلفة، فهي نابعة من الحس الديني والعلمي والفلسفي والحياتي، إن غرض الحكمة قد تناثر في الكثير من قصائد الديوان، بل إن ثمة قصائد بكاملها نسجت حكماً، فقصيدة (معادن ومبارد) من القصائد التي نسجها الشاعر بأسلوب جميل سلس، وكان كل بيت من أبياتها السبع عشرة يحمل في طياتها حكمةً أو موعظة، دون أن تفقد القصيدة جوهرها العام، حتى عنوانها جاء ليتناص مع المقولة الشعبية (الناس معادن....) واتبعها الشاعر بمفردة أخرى تناسب حدث وجو القصيدة وجوهرها (مبارد) والمبرد هو الأداء التي تستطيع العمل في المعادن دون غيرها:
إذا قابلت ذا أنفٍ تعالى
فولِّ الدبر. وامنحه ُ التجاهل
وقربه إلى روح التسامي
وخذ درباً يهادنهُ التجامل
هو الإنسان عاطفة ً ونفساً
وما كانت طبيعته التحامل
الشاعر خليل اطرير من الشعراء الذين لهم تأثير في المجتمع الثقافي والعام، فهو يجمع بين الثقافة والعلم، مما جعل شعره يمتاز ببلاغة التعبير، وسلاسة الأسلوب، والقدرة على التأثير في المتلقي، فهو صاحب بصر وبصيرة نافذة، ولديه ملكة الحكمة والنقد والإبداع، صاحب ثقافة شمولية ساعدت في امتلاكه لتجربة شعرية ناضجة، فحكمه دالة على تمكنه وغوصه في النفس البشرية، فهو يخاطب في حكمه الإنسان وما خالطته من طباع، يخاطب الذين أصابهم داء الجهل، وداء التكبّر، وداء الحقد، وغيرها من الأدواء.
وكثيراً ما تأتي الحكمة في شعر خليل اطرير وقد تضمنت النصيحة والوعظ ففي قصيدة بعنوان (سيف التلاحم):
الرأي في الجمع الكريم صوابُ
ينفي التفرُّد بل يذوبُ عتاب ُ
إن التفاهم أيكةٌ مجدولةٌ
لا تنهشُ الفهم السديدَ كلابُ
لين الحديث مفاتح ٌلطلاسم
يدني القصيَّ وتُفتحُ الأبوابُ
فالشاعر يحث على خلق المشورة، الذي حثنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وديننا الحنيف عليه، ويوصي بلين الحديث فهو الذي يفتح الأبواب المغلقة.
عرفوا الحكمة فقالوا: «قول موجز بليغ، صادر عن صاحب فكر وعقل رشيد , متضمن رأياً أو علماً أو عظةً أو تجربةً، الغرض منه التوجيه والتعديل والتصحيح».
وعرفوا الْحكْمَة بأنها: «كلمة جامعة تلخص نظرية أو مجموعة ملاحظات وتجارب».
فتعاريف الحكمة معظمها إن لم نقل جلها ترتكز في تعريف الحكمة على التجربة والتجارب بالإضافة للموهبة، وهذه صفات امتاز بها شاعرنا ابن السبعين عاماً، وهو قد نوّه إلى ذلك في بداية ديوانه وفي مقدمته القصيرة « فهذا الديوان عصارة سبعين عاماً « فأكثر ما أثر في شاعرنا التجارب الحياتية، فالشاعر كائن حي يحس، ويدرك، وينفعل لما يرى.
ففي قصيدة» نفحات أمل « يقدم الشاعر مجموعة من النصائح والمواعظ بأسلوب الحكمة التي تناسب كل زمان ومكان، وقد عنونها الشاعر بنفحات لتحمل في معناها دلالة دينة، فالشاعر يغرف من بحر الإيمان، ويصبغ على قصائده النزعة الدينية، إيمانا منه بأنه سوف يكون مسؤولا عن ما يخط قلمه أمام الله.
وتظل الحكمة من العناصر الرئيسية والمفاصل الهامة في ديوان الشاعر خليل اطريّر ولا نبالغ إن قلنا أن الشاعر خليل هو شاعر الحكمة بحق في عصرنا الحديث على مستوى الوطن العربي.
الوطن والأرض:
المفصل الثاني أو العنصر الرئيسي الذي يأتي بعد الحكمة في ديوان الشاعر هو عنصر الوطن والأرض، الذي أفرد له الشاعر مساحة واسعة في ديوانه، فقد سطر الشاعر بذائقته العذبة العديد من القصائد التي تحاكي الوطن والأرض والمكان، وتحضر تيمة الوطن بصور متعددة فالقدس من المفردات التي أكثر الشاعر من ذكرها في قصائد كثيرة، ففي قصيدة بعنوان (قدسية الروح) يقول الشاعر:
وتحضنها القداسة والحنانُ
تناغي حين ينتشرُ الأذانُ
وتدرجُ والسكينة في دروبٍ
إلى الأقصى يهدهدها الزمانُ
تجلّى جمرها للقدس شعراً
حنيناً، ظل تدفقه الجفان ُ
فبعد الشاعر عن وطنه قد ولّد في نفسه الكثير من الحنين إلى وطنه وأرضه، فهو يحقد على هؤلاء الذين استوطنوا أرضه فيصفهم بأقبح الصفات، فهم قردة وخنازير، قد دنسوا تراب وطنه، فهو يحث على تقديم الدماء فداءً للقدس والأقصى:
القدس أطهرُ أن يُدنسَ تبرها
أنجاسُ خنزيرٍ وقرد في بشاعة
قدم دماك ثمينة موقوفةً
للمسجد الأقصى وأكرم بالبضاعة
فنبرة الشاعر تدل على عمق الحزن الذي يحمله الشاعر لبعده عن وطنه، ففيها الحزن والحنين والقلق والشجن، عاطفة جياشة يحملها الشاعر لوطنه وأرضه،
ولم يخلُ الديوان من قصائد خاطب فيها الشاعر عمان، واربد وغيرهما من المدن الأردنية، كما لم ينس الشاعر أن يخص بعض الدول العربية بشيء من شعره، فكتب للجزائر، وسوريا، ومصر أرض الكنانة، بالإضافة لتخليد بعض المناسبات الوطنية، مثل معركة الكرامة، ويوم المعلم وغيرهما من المناسبات، نبارك للشاعر خليل اطريّر ونتمنى له المزيد من الألق.
المصدر: الدستور