Skip to main content

همسات الواي فاي: كيف تتبادل الأجهزة الإلكترونية البيانات صوتيا؟

لا داعي لتحديث هاتفك؛ فمن خلال الميكروفون الخاص به فقط، سيصبح في وسعه دفع أجرة التاكسي أو المشاركة في العرض الضوئي بإحدى حفلات المغنية ليدي جاجا. لكن من ذا الذي يهمس غيرك في السماعة الصغيرة لهاتفك؟

 منذ أربع سنوات لاحظ دراجوس رويو أن بعض أجهزة الكمبيوتر لديه تتصرف بغرابة. في البداية تغيَّر برنامج جهاز الكمبيوتر المحمول من تلقاء ذاته، ثم تبدلت الإعدادات على الأجهزة الأخرى على نحوٍ غامض واختفت البيانات. والأكثرُ إثارة للقلقِ زعمُ رويو أن أجهزة الكمبيوتر لديه يتواصل بعضها مع بعض حتى بعد أن قطع جميع أشكال الاتصال التي خطرت بباله بينها. لم يكن الأمر مفهومًا.

بدأ رويو — وهو خبير مرموق في مجال أمن المعلومات بمدينة أدمنتن في كندا — يشتبه في أن الأمر يرجع إلى فيروس كمبيوتر جديد وقوي. مع ذلك فشلت كل جهود البحث عنه، إلى أن اكتشف أن الطريقة الوحيدة لاستعادة السيطرة الكاملة على جهاز الكمبيوتر هي فصل الميكروفونات والسماعات الخاصة بها. وفي أكتوبر عام ٢٠١٣، أعلن على تويتر أن الفيروس — الذي أطلق عليه اسم «بادبيوس» — يستخدم على ما يبدو موجات صوتية عالية التردد لإرسال الأوامر من جهاز إلى آخر. وعبر استغلال السماعات والميكروفونات والقليل من حِيَل البرمجة البارعة، بدا أن هذا البرنامج الخبيث يتواصل عبر همسات غير مسموعة.

كان ذلك زعمًا غير عاديٍّ؛ فكثير من المؤسسات — من ضمنها أجهزة الأمن والأجهزة المسئولة عن بُنًى تحتية حساسة — تعتمد على ما يُطلق عليه «الثغرات الهوائية» (وهي نوع من تأمين الشبكات تعزل فيه شبكة معينة عن شبكات أخرى والإنترنت) لحماية أجهزة الكمبيوتر الرئيسية من الفيروسات الدخيلة. واستجابةً لهذا الزعم، أشار البعض بأصابع الاتهام إلى قراصنة الكمبيوتر التابعين للدولة، في حين لاحظ آخرون نقص الأدلة المادية وأشاروا إلى كون الأمر إما خدعة، وإما يرجع إلى إصابة رويو بجنون الارتياب.

في ديسمبر من العام الماضي، اكتسب زعم رويو — على ما يبدو — مزيدًا من المعقولية؛ إذ أعلن باحثون ألمان أنهم وجدوا طريقة لإرسال البيانات على نحوٍ خفيٍّ بين أجهزة الكمبيوتر مستخدمين موجاتٍ صوتيةً غير مسموعة. ومن ثم ربما كانت الإشارات الصوتية الغامضة تتحكم بالفعل في أجهزة رويو.

أيًّا كانت الحقيقة، ثمة أسباب قوية تبرِّر حاجتنا الماسة إلى الاهتمام بهذه الفكرة؛ إذ اتضح أن تكنولوجيا الصوت العتيقة ستعود لِلَعب دَوْرٍ محوري في إرسال البيانات بين جميع أنواع الأجهزة، من بينها الهواتف المحمولة. هل ترغب في دفع ثمن وجبة العشاء في أحد المطاعم، أو دفع أجرة تاكسي يُقِلُّك إلى المنزل، أو تبادل صور مع أصدقائك، أو تلَقِّي عروض خصم عند التسوق، أو الحصول على معلومات حول الحفلات الموسيقية والمعارض والفعاليات الرياضية؟ تتيح لك مجموعة من الخدمات الجديدة تسديد دفعات مالية أو تبادل المعلومات من خلال استخدام السماعات والميكروفونات بدلًا من الإشارات اللاسلكية. وقد بدأت القنوات التليفزيونية كذلك في استخدام هذه التقنية أيضًا، عبر إرسال مقطع سمعي عالي التردد أثناء المسابقة التليفزيونية المفضلة لدى المُشاهد، بحيث يستطيع المشاركة في اللعب من المنزل عبر هاتفه الذكي. هل يمكن أن يسهم الصوت في تصميم المحفظة الإلكترونية المتعددة الأغراض التي سيُستعاض بها في نهاية المطاف عن كروت الائتمان والنقود؟

لكن لنفرض أن رويو قد توصَّل بالفعل إلى شيء مهم. نظرًا لأن أنظمة الأمان التي تحمي أجهزتنا لم تضع الصوت في الحسبان عند تصميمها، ما مدى الحماية الذي ستوفره التكنولوجيا المعتمدة على الصوت؟ هل من الممكن أن تصبح أجهزتنا الإلكترونية عُرضة لهجوم برامج خبيثة كامنة في مكالمة صوتية أو بثٍّ موسيقيٍّ على سبيل المثال؟ وماذا عن الخصوصية؟ هل سيتعين عليك تعطيل ميكروفون هاتفك الذكي متى غادرت المنزل وإلا فستخاطر بوابِلٍ من الرسائل الصوتية الدخيلة؟

من السهل نسيان حقيقة أن الصوت كان في يوم من الأيام الوسيلةَ المفضلة للتواصل عبر المسافات البعيدة. فعلى مدى قرون، استُخدمت المدافع المُدَوِّية أو الأجراس الرنانة لإرسال رسائل مهمة، بل إن بزوغ فجر عصر الإنترنت كان مصحوبًا بمجموعة من أصوات الطقطقة والهسهسة والصرير التي كانت تصدرها أجهزة المودم حينما توزِّع البيانات على طول خطوط الهاتف.

ومنذ ذلك الحين، حل الصمت النسبي مع إفساح المجال لموجات الواي فاي والبلوتوث وغيرهما من التقنيات المعتمدة على موجات الراديو. ومع ذلك، أدى التعدد والتنوع الهائل في الأجهزة الإلكترونية المحمولة إلى دفع المهندسين إلى النظر لعلم الصوت بمنظور جديد.

عندما ترغب الشركات المصنِّعة في تقديم تقنية اتصالات جديدة أو تحديث تقنيات قديمة أيضًا، يتعين عليها إنفاق المال على أجهزة كمبيوتر جديدة. وحتى في تلك الحالة لن تتمكن أجهزتهم المتطورة من التواصل مع جميع الأجهزة الأخرى.

مع ذلك، فإنه على سبيل التقريب، يمكن القول إن كل هاتف وجهاز لوحي وجهاز كمبيوتر من مليارات الأجهزة التي نستخدمها يحتوي بالفعل على سماعات وميكروفونات مُدمَجة. ولجعل هذه الأجهزة تتحدث لغة مشتركة، لا يتطلب الأمر سوى تحديث برمجي. يوضح باتريك بيرجل — الذي يعمل في شركة أنيمال سيستمز في مدينة لندن — ذلك قائلًا: «لدينا عدد كبير من الطرق الرائعة لنقل البيانات، لكن لا يضاهي أيٌّ منها الصوتَ في ذيوعه؛ إذ يوجد على سطح كوكب الأرض عددٌ من مكبرات الصوت يفوق عدد البشر.»

في عام ٢٠١٢، أطلقت شركة أنيمال سيستمز تطبيق «تشيرب» الذي يتيح للأفراد تبادل الملفات وغيرها من المعلومات عبر متتاليات قصيرة من الأصوات المسموعة التي تشبه تغريد الطيور. وهو واحد من عشرات الأنظمة الجديدة التي تتيح للأجهزة الغناء أو التغريد أو الهمس بعضها لبعضٍ.

ومع أن بيرجل يؤمن بأن الناس ستعتاد بمزيد من السهولة الأصواتَ المسموعةَ كنوع من الغناء الإلكتروني، تفضل شركات أخرى الموجات الصوتية فوق السمعية غير المسموعة. ومن بين أوائل المتبنِّين لهذه التقنية القنواتُ التليفزيونية في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ إذ تعتبر الصوت وسيلة بسيطة ومنخفضة التكلفة لإضافة التفاعلية إلى برامج التليفزيون. إلى الآن، استَخدَمَت برامجُ؛ مثل «أنتيكس رودشو» الذي تذيعه قناة بي بي سي، وبرنامج الواقع «جانديا شور» الذي تذيعه قناة إم تي في الإسبانية، إشاراتٍ غيرَ مسموعة تتوارى في الموسيقى المصاحبة للبرنامج لتتزامن مع برامج مثبتة على أجهزة المشاهدين، بحيث تتيح لهم المشاركة في المسابقات أو استقبال مقطع فيديو يُصور مَشَاهد من خلف الكواليس.

وإذا كانت هذه التقنية فعالة في غرف المعيشة، فلماذا لا نجربها في الأحداث العامة كذلك؟ تلك هي فكرة شركة سونيك نوتيفاي التي يقع مقرها في مدينة نيويورك، والتي تأمل في أن تخلق هذه التقنية أنواعًا جديدة من التفاعلات مع جمهور الحفلات الموسيقية والملاعب الرياضية. في وُسع البرنامج الذي تنتجه الشركة ترجمة الأصوات فوق السمعية إلى شفرات رقمية تعرض محتوًى من شبكة الإنترنت على الهواتف الذكية. بل تمكنت الشركة كذلك من تصميم تطبيق أتاح للجمهور في إحدى حفلات فرقة «سوديش هاوس مافيا» جعْل هواتفهم جزءًا من العرض الضوئي في الحفل، وقد جُربت التقنية في حفلات موسيقية لفنانين آخرين؛ مثل ليدي جاجا وكيتي بيري (راجع الجزء بعنوان «التفاعل مع الحشود»).

صوت المال

مقارنة بالاتصال اللاسلكي، لا بد أن يتغلب تطبيق «تشيرب» والتطبيقات المشابهة على بعض جوانب القصور الخطيرة؛ وأولها أن هذه التطبيقات عرضة للتأثر بالضوضاء الموجودة في الخلفية، لا سيَّما عبر المسافات البعيدة. لكن لن تواجهك هذه المشكلة إذا رغبت في نقل محتوًى عبر مسافات قصيرة في مواقع بعينها. على سبيل المثال، أطلق فريق جولدن ستايت واريرز — إحدى فِرَق كرة السلة في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا — شبكةً من أجهزة الإرشاد اللاسلكي التي تنتجها شركة سونيك نوتيفاي في أرجاء ملعبه؛ كي تقدم للجمهور في أماكن معينة من الاستاد عروضًا لحجز مقاعد أفضل، إضافة إلى إعلانات ومحتوًى إضافيٍّ مِنْ على شبكة الإنترنت.

لكن المأزق الحقيقي الذي يواجه البث الصوتي هو معدل نقل البيانات؛ «فإذا قارنَّاه بموجات الواي فاي أو البلوتوث فسنجد أنه أبطأُ عشراتِ المرات.» كما جاء على لسان رامارثنام فينكاتيسان — من أبحاث مايكروسوفت في الهند — الذي طوَّر نموذجًا أوَّليًّا لنظام بث بيانات نقَّال يعتمد على الصوت، ويضيف: إن النظام لن يسمح لك أبدًا بإرسال كمٍّ ضخم من البيانات؛ إذ تستطيع الإشارات الصوتية حمل البيانات بسرعات تصل إلى ٢٫٤ كيلوبت في الثانية، أما الشبكات اللاسلكية فهي أسرع ألف مرة.

بالرغم من ذلك لا تشكِّل سرعة البث مشكلة كبيرة بالنسبة للموجة الجديدة من تطبيقات تحويل الأموال والتسوق المعتمدة على الصوت، التي ما زالت قيد التطوير أو أُطلقت لتَوِّها. تستخدم هذه التطبيقات الإشارات الصوتية؛ وذلك لربط هاتفك الذكي بأحد مراكز الدفع. فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة فيريفون العام الماضي تطبيقًا — أطلقت عليه «واي تو رايد» — يُتيح للمستخدم دفع أجرة تاكسي في مدينة نيويورك عبر تمرير هاتفه الخلوي على قارئ إلكتروني. يلتقط هاتفك إشارات صوتية غير مسموعة تبثها مكبرات الصوت في سيارة الأجرة التي تتعرف على التاكسي والزبون، ثم تقوم أنت بعد ذلك بتأكيد الدفع.

تلبية احتياجات جوانب معينة باستخدام هذا التطبيق؛ مثل دفع أجرة التاكسي، ليست سوى البداية؛ فالبعض يأمل في أن يصبح الصوت مفتاحًا لمدينة فاضلة بلا نقود؛ حيث تصبح المَحافظ وبطاقات الدفع شيئًا من الماضي. على الأقل ذلك ما يراهن عليه مستثمرون مثل بيتر تيل، المؤسس المشارك لموقع باي بال، ورائد الأعمال ريتشارد برانسون، الذي دفع نحو ٣٠ مليون دولار أمريكي نقدًا لدعم نظام «كلينكل»، وهو نظام دفع متعدد الأغراض للهواتف الذكية — يُتوقَّع طرحه هذا العام — يَستخدم تكنولوجيا تشبه التي يستخدمها تطبيق واي تو رايد. لوكاس دوبلان مؤسس تطبيق كلينكل — طالبٌ سابق في مجال علوم الكمبيوتر بجامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا — يُخطِّط لبدء طرح التطبيق في الجامعات الأمريكية مُستخدمًا برامج حوافز ومكافآت مع بداية العمل به. يشير دوبلان أيضًا إلى أن مالكي المتاجر لن يكونوا بحاجة إلى شراء أجهزة إلكترونية جديدة؛ إذ يمكنهم استخدام حواسبهم المحمولة وأجهزة الكمبيوتر اللوحية الخاصة بهم، على العكس من أنظمة الدفع الإلكترونية المنافسة؛ مثل «محفظة جوجل» أو «إي إي كويك تاب».

لكن إذا كنت ستتبادل بيانات خطيرة مثل تفاصيل الحساب البنكي مستخدمًا الصوت، فهل ستكون تلك المُعاملات آمنة؟ هل يمكن أن يتنصت أحد بالجوار ويسرق معلوماتك الحساسة أو نقودك؟

يقول خبير الحماية أبو كاباديا — من جامعة إنديانا في مدينة بلومينجتن: إن هذه العملية لن تكون بسيطة، لا سيما أن التحويل الصوتي لا يعمل إلا عبر مسافات قصيرة؛ ومِن ثَمَّ يجب أن يكون القراصنة في مكان قريب. لكنه يقر بإمكانية شراء أو صنع جهاز تنصُّت متخصص يعمل عبر مسافات بعيدة.

عوضًا عن ذلك، يستطيع القراصنة إصابة هاتفك الذكي بفيروس قبل محاولة سرقة بياناتك الصوتية؛ إذ يقدِّر تقرير حديث أن ٤٢ ألف تطبيق من التطبيقات الموجودة على متجر جوجل بلاي يحتوي على برامج كمبيوتر خبيثة أو برامج تجسس تسرق البيانات. من الممكن استخدام تلك البرمجيات الخبيثة نظريًّا لتنشيط الميكروفونات عن بُعْد وسرقة البيانات.

كنوع من التحذير، صمَّم كاباديا وزملاؤه برنامجًا خبيثًا لإثبات صحة تصورهم. يصيب البرنامج الخبيث الذي صمموه هواتفَ الأندرويد، ويستطيع سرقة بيانات صوتية قيِّمة. يدعى البرنامج ساوندكومر، وهو فيروس تجسس في وسعه تسجيل الإشارات الصوتية عندما يتَّصل أحدهم ببائع معين ويُدخل تفاصيل البطاقة الخاصة به. وللمساعدة على إخفاء السرقة، تشفَّر هذه التفاصيل بعد ذلك عبر تغييرات سريعة في اهتزاز الجهاز ومستوى صوته وإعدادات شاشته، في حين يفك فيروس تجسس ثانٍ — متصل بهاتف الضحية عبر الإنترنت — شفرة الإشارات، وينقل التفاصيل إلى أحد القراصنة. يقول كاباديا: «مع أي قناة اتصال، ثمة احتمال لحدوث تجسس.»

والأسوأ هو أن برامج الحماية الحالية غير مصممة — ببساطة — لاكتشاف التسجيل أو النقل الصوتي غير المشروع، وذلك وَفقًا لتحذير مايكل هانزباتش ومايكل جوتس — من معهد فراونهوفر لفيزياء الترددات العالية وتقنيات الرادار في مدينة واختبيرج في ألمانيا. وفي العام الماضي، صمَّم الباحثون نظامَ تواصلٍ صوتيٍّ ربَط أجهزة الكمبيوتر بشبكة خفية (جورنال أوف كوميونيكيشن، مجلد ٨، صفحة ٧٥٨). ويزعمون أن هذا النوع من النقل الصوتي غير المسموع يتفادى أنظمة الحماية التقليدية.

وبدون حماية مناسبة، هل من الممكن إصابة هاتفك الخلوي بفيروس مختبئ في مقطع موسيقي أو في مكالمة صوتية؟ يبدو ذلك مستبعَدًا؛ حيث إن البرنامج القادر على فك شفرة ذلك البرنامج الخبيث الوارد لا بد أن يكون موجودًا بالفعل على الجهاز، ومن ثم لماذا نتعب أنفسنا بتثبيت المزيد من البرامج؟ يقول جراهام كلولي — مستشار أمن الكمبيوتر المقيم في المملكة المتحدة: «من الممكن عمليًّا إرسالُ أي نوع من البيانات في الخلفية مع وجود نظام في الطرف المستقبل يحوِّلها إلى شيء مفهوم، لكن ستكون بحاجة فعلية إلى استخدام برنامج غير موثوق به. فما الهدف إذن من نقل معلومات أخرى عبر الصوت؟»

بالطبع كانت أجهزة الكمبيوتر التي استخدمها هانزباتش وجوتس محمَّلة ببرامج قادرة على استقبال الإشارات الصوتية من قبل تصميم شبكتهم. ولم يدَّعِ رويو قط أن أجهزة الكمبيوتر لديه أُصيبت بالفيروس في الأصل عبر ميكروفوناتها، كل ما ذكره أنها تستطيع التواصل عبر إشارات صوتية بمجرد أن تكون قد أصيبت فعليًّا بالفيروس.

اختر ما تسمعه

من حيث المبدأ، مهمة حماية الأجهزة ليست مستحيلة؛ إذ إنه من الممكن تثبيت برنامج على الهاتف يستطيع استبعاد الإشارات غير المسموعة، وهذا من شأنه أن يقلل المخاطر، على حد قول هانزباتش وجوتس، مع أن هذا سيمنع الجهاز كذلك من تشغيل بعض التقنيات الصوتية الجديدة. وفي الوقت نفسه، طوَّر الباحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا — وذلك في حرمها الجامعي المعروف باسم يونيفرستي بارك — برنامج حماية للهواتف الذكية يُدعَى «كيرين» يفحص التطبيقات قبل أن يثبتها المستخدم، وينبِّهه إذا طلب التطبيق الوصول إلى توليفات خطرة إلى حدٍّ بعيد من سمات الجهاز؛ مثل استخدام الميكروفون، والدخول إلى شبكة الإنترنت في ذات الوقت. حاليًّا، لا تملك الأجهزة الجديدة أنظمة تأمين تشتمل على هذا النوع من الحماية.

بالإضافة إلى ذلك تظهر مشكلة الخصوصية؛ فعلى سبيل المثال، أعلن موقع فيسبوك مؤخرًا عن تثبيت ميزة جديدة على تطبيقه تتيح الدخول على ميكروفون هاتفك الذكي، وتسجيل مقطع صوتي يمتد لخمس عشرة ثانية. وبعد ذلك يقوم التطبيق بمطابقة ما سجَّله مع مكتبة من برامج التليفزيون والمقطوعات الموسيقية بحيث يستطيع إخبار أصدقائك بما تستمع إليه. لكن أكثر من نصف مليون شخص اعترضوا عبر شبكة الإنترنت على هذه الميزة، معبِّرين عن قلقهم من أن تُسَجِّل هذه الميزة الجديدة معلوماتٍ شخصية أو تُخَزِّنها. كذلك فإن نطاق الصوت المحدود يُعتبر مثاليًّا لإرسال معلومات إلى الأفراد داخل المباني؛ مما يجعل هذه التقنية فرصة ذهبية لشركات التسويق المتمركزة في موقع محدد، التي تأمل في استهدافك بإعلاناتها. ففي العام الماضي رُكِّبت أجهزة الإرشاد اللاسلكي، التي تنتجها شركة سونيك نوتيفاي، في ٣٤ مركزَ تسوُّقٍ تجاريًّا في الولايات المتحدة؛ حيث تقدِّم عروضًا ترويجية مخصَّصة وإعلانات إلى الزبائن عبر تطبيقٍ على هواتفهم الذكية.

قد لا تحظى تلك الخطوة بشعبية؛ فوَفقًا لاستبيان أمريكي حديث، عبَّر ٩٣٪ ممن سُئلوا، عن عدم رغبتهم في أن تُعرف مواقعُهم لاستخدامها في إرسال إعلانات لهم مصمَّمة خصوصًا من أجلهم. مع ذلك تزعم سونيك نوتيفاي أنه من الممكن وضْع قيود على كمِّ المحتوى المنقول إلى المستخدمين. فليس من مصلحة الشركات إغراق المستخدمين بالمعلومات؛ إذ سرعان ما سيمسحون التطبيق أو يغلقونه، على حدِّ قول أليكس بيل — مؤسس شركة سونيك نوتيفاي — الذي يضيف قائلًا: «يختار المستخدمون من البداية إضافة تطبيق خاص بمتجر معين.»

وسواء أأصبحت الإعلانات الصوتية مزعجة للآذان أم غير مزعجة، يبدو أن تكنولوجيا الصوت ستظل قائمة. وإذا طُورت بعنايةٍ فستفتح آفاقًا رحبة من الإمكانيات، على حد تعبير بيرجل، الذي يشير إلى إمكانية خلق لغات صوتية جديدة لتفاعلات الآلات بعضها مع بعضٍ، وتفاعلات البشر مع الآلات؛ مما يتيح للناس إمكانية القيام بأشياءَ جديدةٍ غير مألوفة. يقول بيرجل: «تتواصل الطيور عن طريق الغناء، فلماذا لا تفعل الآلات ذلك هي الأخرى؟ لكن من الممكن أيضًا أن يُساء استعمال هذا النوع من التواصل. نحن من نقرر أيَّ الطريقين نختار.»

التفاعل مع الحشود

يقول أليكس بيل: «أحد أهم مزايا الصوت هو إمكانية إضافته إلى الوسائط الموجودة بالفعل؛ مثل الراديو أو الفيديو أو الفعاليات الموسيقية التي تبث بثًّا مباشرًا. فإذا كان لديك مكبرات صوت، فلن تحتاج إلى أجهزة إرشاد لاسلكي منفصلة.» أتاحت شركة بيل — سونيك نوتيفاي — للموسيقيين تطبيقات تستخدم إشارات صوتية لتحويل الجمهور إلى جزء من العرض، عبر التحكم في شاشات هواتفهم الذكية من أجل تشكيل عرض ضوئي متناسق.

في تلك الأثناء، يدرس الباحثون في قسم ديزني للأبحاث والمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ الطرقَ التي تمكِّن الإشارات غير المسموعة من تحسين تجربة مشاهدة الأفلام. وقد طوَّر توماس جروس وزملاؤه تطبيقًا يُدعَى «سينماكوم» يستجيب إلى الأصوات المنقولة داخل مقطوعة موسيقية أو أغنية موجودة بأحد الأفلام؛ لاستدعاء محتوًى موجود على هواتف الجمهور الذكية.

ومن أجل تحسين معدلات نقل البيانات وتقليل أخطاء النقل، يقوم البرنامج الذي ابتكره الفريق بتوصيل الميكروفونات بعضها ببعض من أجل تكوين نظام موزَّع، بحيث تشترك هواتف الجمهور في تحميل وتبادل الرسائل. كذلك يشير الباحثون إلى إمكانية استخدام هذه التقنية أثناء مهرجانات الأفلام الداخلية أو في المهرجانات التي تقام في الهواء الطلْق؛ بهدف إرسال الألعاب أو الاستبيانات، أو عرض قسائم الخصم، أو ابتكار طرق جديدة لسرد القصص التفاعلي أيضًا.

10 Dec, 2015 01:17:55 PM
0

لمشاركة الخبر