«البترول خلال الحرب العظمى»..صراع الأمم والشعوب
عانت البشرية عبر تاريخها الطويل من أحوال الصدامات والصراعات التي تحتدم ثم تندلع نيرانها بين الأفراد، ثم بين الجماعات ومنها إلى الأمم والشعوب والأقوام.
وكان بديهياً أن تفضي هذه الصراعات المسلحة بالطبع إلى ويلات الدمار الذي يسفر بدوره عن إزهاق الأرواح وخسائر الأموال وإهدار الإمكانيات والعتاد.
وليس عجيباً بالتالي أن يشتهر عبر مراحل التراث الناطق بالعربية بيت الشعر الجاهلي الذي يقول:
وما الحرب إلا ما علمْتم وذقتمُ
وما هو عنها بالحديث المرجّم
وإذا كان العرب قديماً ينددون بالحرب حين كان الفرقاء يتقاتلون بالرماح والسيوف والسهام، فماذا كان عساهم يقولون لو عايشوا ويلات «الحرب العالمية الأولى»، التي يأتي بشأنها كتاب الباحث الأكاديمي الكندي الدكتور تيموثي فاينغارد، أستاذ علم التاريخ بالجامعات الكندية، الذي اختار له عنواناً يمكن ترجمته على النحو التالي:
«حرب البترول خلال الحرب العظمى»، في إشارة لا تخفى لما كابدته البشرية خلال تلك الحرب من عذابات وما تكبدته من خسائر وتضحيات على مدار السنوات 1914- 1918 التي استغرقتها حقبة تلك الحرب، التي راح ضحيتها أكثر من 10 ملايين نسمة من البشر.. فضلاً عن سقوط وانهيار، ثم زوال، الإمبراطوريات التي لطالما حكمت العالم على مدار قرون سبقت ما بين أباطرة روسيا وألمانيا في الغرب إلى سلاطين بني عثمان في أصقاع الشرق الأوسط.
وإذا كانت آلات الحرب وساحاتها وخسائرها قد اجتذبت اهتمامات جمهرة المؤرخين في كل أنحاء العالم، فإن الدراسة التي بين أيدينا انفرد فيها صاحبها بالتعامل مع الحرب العالمية الأولى من منظور يعد جديداً في كل حال.. وتلخصه كلمة واحدة هي: «البترول».
والحق أن طروحات هذا الكتاب لا بد وأن تستأثر باهتمام القارئ والباحث العربي؛ فرغم أن الشرق الأوسط لم يكن هو الساحة المحورية التي اكتوت بنيران الحرب العالمية الأولى، إلا أن البعد البترولي.
كما قد نسميه هو الذي ربط بشكل مباشر بين أحداث تلك الحرب وبين منطقة الشرق الأوسط، كغيرها من دول العالم النفطية، إذ شاءت الأقدار أن تشهد تلك الفترة إرهاصات الحقبة النفطية على المستوى العالمي؛ ابتداءً من مراحل التنقيب والكشف، إلى مراحل الاستخراج والنقل؛ إما بواسطة الأنابيب أو على متن السفن والناقلات المتخصصة خلال المراحل المبكرة من استخدام تلك الناقلات.
في هذا الإطار يسهب مؤلف هذا الكتاب في رسم ومتابعة العلاقة التي بدأت، وما برحت قائمة، بين البترول والسياسة الدولية، والبترول والاقتصاد العالمي، ثم بين هذا كله وبين أسباب ومسارات العلاقات السياسية التي شهدها العالم في المرحلة التي تلت الحرب العالمية الأولى من أحداث وسنوات وما استجد عليها من متغيرات.
من هنا، وعبر الفصول العشرة التي تتألف منها مادة هذا الكتاب، يتابع القارئ مراحل قضية النفط العالمية وعلاقتها بأبعاد الصراع الدولي الذي تجسدت ملاحمه ومآسيه في الحرب العالمية الأولى، حيث يختار المؤلف للفصل الأول عنوان: «البترول واللعبة الكبرى - هي لعبة الأمم» كما أصبحت تعرف لاحقاً في أدبيات السياسة الدولية.
نلاحظ أيضاً كيف يقرن المؤلف الكندي، وهو بالمناسبة خريج جامعة أكسفورد الإنجليزية العريقة، بين صراع القوى الغربية الكبرى حول مكاسب البترول العالمية، وصراع تلك القوى مع الشعوب. وفي نفس السياق، يناقش الكتاب أسس وتطورات العلاقة بين السلام والبترول في الفصل الثامن، تمهيداً لكي يطرح أيضاً.
في الفصل التاسع، ديناميات العلاقة، الراهنة بين النفط و"اللعبة الكبرى" الجديدة، وهي بالطبع لعبة، أو بالأدق صراع المصالح في المرحلة الراهنة بين الشعوب أصحاب البلاد، الذين يعتبرون المالكين الشرعيين للبترول، وبين دوائر الاحتكارات من المنتمين إلى بلدان شتى،.
وفي مقدمتهم الشركات والمؤسسات المتعددة الجنسيات والدوائر التجارية الطامحة إلى أن تُحرز قصب السبق، كما يقولون، من حيث الاستئثار بأكبر المكاسب من وراء السيطرة، المباشرة وغير المباشرة على أسواق وتعاملات النفط على مستوى العالم كله.
ثم يلاحظ القارئ أيضاً كيف أن هذا المنهج الذي يعمد إلى متابعة حركة التاريخ الحديث من المنظور النفطي هو الذي أفضى بمؤلف كتابنا إلى التركيز على ما وصفه بأنه أوضاع البترول على مستوى الإمبراطورية البريطانية، خاصة وأن ثمة تركة موروثة من القرن الثامن عشر، أي من حقبة الصراع بين المصالح البريطانية الهولندية، وما يمكن أن يرجع إلى جذور أو مواريث الصراع بين شركة الهند الشرقية البريطانية وشركة الهند الشرقية الهولندية.. وكل منهما كان له مصالحه التي يسعى إلى تحقيقها.