Skip to main content
ما الذي تراه عينا الإنسان؟ ربما لا شيء

ربما لاحظ كثيرون أن أوسكار عام 2018 لم يكن حفياً بالعلم وخيالاته، على عكس مواسم سابقة في العقد الأخير. لم يكن فيلم «شكل الماء» سوى شريط فانتازيا واسعة، وليس فيلم خيال علمي على غرار «نظرية كل شيء» و «بين النجوم» و «لعبة المحاكاة» التي تدفقت في مسابقة الأوسكار لعام 2014، بل أعطتها علامة مميزة.


في عام 2012، نجح فيلم «أنتم لم تروا شيئاً بعد...» You Ain’t Seen Nothin’ Yet في إطلاق نقاش حاد حوله، إذ صنعه المخرج الفرنسي الآن ريسنيه، بعد أن أوغل في تسعيناته، وصارت حياته وراءه كأنها رواية مفتوحة، بل كرواية قلّبت عيناه وعقله صفحاتها مراراً وتكراراً. ماذا رأت عينا هذا المخرج المُبدع في هذه الحياة التي امتدت عبر معظم القرن العشرين، لتدخل العقد الثاني من القرن 21؟ بالاختصار: لا شيء! هنا المفاجأة، وهنا العِلم أيضاً.

موجات وأطياف

ليست علاقة المخرج ريسنيه بالعِلم واهية أصلاً، إذ أخرج قبل نصف قرن فيلماً وثيق الصلة بالعِلم هو «هيروشيما حبيبتي»، الذي أحدث ضجة عالمية بسبب إدانته الراقية لتلك المقتلة التي صنعتها أيدي أشد العلماء تمرّساً وتقدّماً، بل وحسن نية أيضاً!

إذن، انشدّ ريسنيه إلى عوالم العلوم، خصوصاً منذ تسعينات القرن الفائت حين سُجّلت اختراقات علمية مثل استنساخ النعجة «دوللي» والتعرّف إلى شيفرة الجينوم الوراثي للإنسان، وهبوط سيارات روبوتيّة على سطح المريخ وغيرها.

ما الخلاصة التي أثارها ذلك التدفّق العلمي في نفس المخرج ريسنيه؟ عمل بعض أصدقائه من العلماء على لفت نظره إلى حقيقة بسيطة، لكنها قوية: عينا الإنسان لا تريان إلا ضمن مدى ضيّق من المروحة الواسعة لطيف موجات الضوء. أوضحوا له أيضاً أن العين لا ترى إلا الموجات التي تقع تحت بين الموجة فوق البنفسجية من ناحية، وتعلو عن الموجة تحت الحمراء من الناحية الثانية. أخبروه أن العين لا ترى الموجات تحت الحمراء التي تملأ الكون، التي تروي أشياء كثيرة عن أصله وطريقة تكوّنه.

علم ريسنيه من أصدقائه من العلماء، أن الأشعة السينيّة «عصيّة» على عين الإنسان.

ولعل أهم ما وشوشه العلماء في أذنه هو أن العين تمثّل البرهان الأشد قوة بالنسبة إلى البشر.

أن ترى الوراثة

في الثقافات كافة، لا شيء أقوى من القول برؤية العين. رأيت بعيني. شاهدت بأم عيني. مشاهدة مباشر. شاهد عيان. الأرجح أن المصطلحات والجمل التي تتحدث عن البرهان، تشدّد على العين ودورها في الإثبات.

في العِلم، يمثّل هذا الأمر شيئاً مهماً، لأن الأمر يقتضي في كثير من الأحيان، أن يجري الإثبات عبر رؤية العين. مثال بارز؟ توقّع علماء كُثُر، بينهم عالِم الفيزياء الكمومية إيرفنغ شرودنغر، تركيب الحمض الوراثي للإنسان. وعندما عمل جايمس واطسون والسير فرانسيس كريك على ذلك الحمض، اهتما بالتقاط صور بأشعة «إكس» لتبرهن أنه يتألف من لفائف طويلة من الجينات مجدولة على هيئة سلم لولبي مزدوج. ثم رأت عين البشر صورة الحمض النووي، فصدّقتها.

وفي السياق عـــيــنه، يــــستعمل الميكروسكوب والتلسكوب من أجل البرهان على ما هو موجود، بجعل العين تراه. بعبارة أخرى، شيّد بنيان العلوم وتطوّر تاريخياً، ضمن الموقع المركزي للعين في البرهان العلمي وقبوله. لا داعي للقول أن المقلب الآخر للقول نفسه هو أن دحض ما تراه العين، يتطلب شيئاً تراه العين نفسها أيضاً، كما حدث بالنسبة لكروية الأرض ودورانها حول الشمس.

ورمى ريسنيه بسؤاله العميق على الناس والعِلم: كيف يكون بنيان العلوم، مع ما اتصل به دوماً من صناعة وهندسة وعمران، لو أن عين الإنسان كانت مختلفة، ولو قليلاً، عما هي عليه؟ ثمة نقطة مهمة. نظن أننا نرى كل شيء، لكننا في لحظة فتح أعيننا لا نرى سوى طيف قصير من الضوء وموجاته وأطيافه، فكيف تكون فكرتنا عن أنفسنا وأرضنا وكوننا، لو أن للعين تركيباً آخر؟ إلى أي مدى يصح القول أن حضارة الإنسان هي حضارة كائن ذكي لا ترى عينه سوى شيء قليل من الضوء، لعله أقرب إلى اللاشيء بالمقارنة مع ما تكونه الأمور لو أن العين ترى كل أطياف الضوء. لو أن للإنسان عيناً ترى موجات الضوء وأطيافه كافة، هل يكون الحال هو حضارة أخرى؟

07 Jun, 2018 10:42:47 AM
0

لمشاركة الخبر