Skip to main content
صفوف لتعليم أطفال لاجئين على ضفاف أرصفة جزائرية

أوجد جزائريون في ثنايا شوارع البلاد فضاء خصباً لإطلاق مبادرة تعليم أطفال لاجئين أفارقة تدفّقت غالبيتهم من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتلقين هؤلاء الفارين من الحروب والنزاعات في بلدانهم، أبجديات المعارف اليومية، مفضلين المساعدة بما تيسّر لإبعادهم عن شبح التسوّل والاستغلال.


وضع مطلقو المبادرة في الحسبان أن أزمة الهجرة السرية ستأخذ أبعاداً معقدة بسبب التوافد الفوضوي الكبير، فتوقعوا حدوث أزمة بين المهاجرين والجزائريين يقول نسيم بلور مطلق المبادرة لـ «الحياة».

ففي مدينة تيزي وزو (منطقة القبائل) أخذ نسيم وأصدقاء له زمام المبادرة لإطلاق مدرسة اللاجئين بإمكانات متواضعة من الشارع، فهم طلاب جامعيون وليس لديهم ما يقدمونه لهم سوى المعرفة.

ويقول أحد شباب المبادرة إنه منذ عامين جمعنا تبرعات لشراء مستلزمات بسيطة لتعليم أطفال اللاجئين الذين لا حظ لهم في المدارس الجزائرية لأسباب لا حصر لها، إذ نلقنهم دروساً في اللغتين العربية والفرنسية لتمكينهم من التصرّف خلال حياتهم اليومية.

وتحت لفحات الشمس الحارقة يشرف نسيم على تلقين أطفال تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و16 سنة، كلمات عربية متداولة في الوسط المحلي خصوصاً أن الجزائريين أدركوا جيداً نجاعة المبادرة التي أطلقت قائلاً: «كل يوم كنا نتلقى تبرعات بينما كان هدفنا الأولي هو نقل المعرفة، وانتهى بنا الأمر إلى توزيع تبرعات أخرى لتمكين اللاجئين من البقاء على قيد الحياة».

وساهمت هذه المبادرة في إطلاق أخرى مشابهة اتخذها جزائريون في أنحاء البلاد سواء في وهران (غرب) أو سطيف (شرق).

لكن على رغم ذلك، فان صعوبات جمة تعترض الإلتفاتة الإنسانية بسبب الوضع غير المستقر لحياة الأفارقة في الجزائر. ففي كل مرة يمضي المتطوعون أياماً مع مجموعة من الأطفال إلى أن ترحلهم السلطات إلى الجنوب ثم إلى بلدانهم.

وجاء تحرّك المجتمع المدني في الجزائر في ضوء تراجع السلطات عن تعهداتها بتعليم اللاجئين لا سيما القادمين من بلدان الصحراء الكبرى، على رغم نص المادة 53 في الدستور التي تكفل أن «الحق في التعليم مضمون ومجاني وفق الشروط التي يحددها القانون»، وتشير إلى أن «التعليم الأساسي إجباري» ويعاقب القانون من يمنع أبناءه من الحصول على هذا الحق. فمن حق الطفل في الجزائر التعلّم حتى سن الـ16، ولكن هذا لا ينطبق على اللاجئين جميعهم، إذ لا تسمح السلطات للأطفال النازحين الذين دخلوا البلاد بطرق غير شرعية بالتسجيل في المدارس.

وتفيد منظمة الـ «يونيسكو» أن نسبة الأطفال اللاجئين الملتحقين بالمدارس الابتدائية والثانوية في العالم تتراوح بين 25 و50 في المئة، وإن الفتيات أكثر عرضة للحرمان من التعليم.

لكن لرئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس رأياً آخر كونه يتعيّن على اللاجئين العيش في الأماكن التي تخصصها لهم الحكومة، مؤكّدة أن التعليم المجاني مكفول لهم مع توفير السلطات الإمكانات التي تحافظ على احترام الجانب الإنساني.

أما عن أسباب منع التحاق الأطفال في المدارس الجزائرية، فتقول بن حبيلس إن غالبية هؤلاء دخلوا وأهلهم عبر الحدود الجانبية بطرق غير قانونية، ولا تستطيع الحكومة إثبات هويتهم ولا إلى أي بلد ينتمون، ومعظمهم لم يدخل المدرسة ببلده الأصلي بسبب النزاعات، وعليه يصعب تسجيلهم في مدارس محلية.

وحتى مع تدخّل الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية فإن الوضعية القانونية تزيد من صعوبة قبول هؤلاء في المؤسسات التربوية التي لا تملك الترخيص في قبول تلامذة لا يحوزون على وثائق ثبوتية وإقامة، حتى ولو كانوا جزائريين.

ويوضح الحقوقي هواري قدوران أن أبرز ما يعرّقل التحاق أطفال اللاجئين الأفارقة بالمدارس، هو تنقل عائلاتهم الدائم، فبسبب ظروف إقامتهم الصعبة لا يستقرون في مكان واحد في أغلب الحالات.

ولعل ما قد يسهم أيضاً في استمرار عدم تعلّم أطفال اللاجئين الأفارقة في الجزائر، هو غياب قانون اللاجئين الذي دعت منظمات حقوقية إلى تشريعه للوقوف ضد أي انتهاك أو حملة عنصرية تستهدف هذه الفئة الهشة، وكذلك لعدم السماح لبعض المنظمات الدولية بتدويل هذه القضية.

في المقابل، يؤكّد موزيت محمد صايب، مدير الأبحاث بمركز البحث في الاقتصاد التطبيقي للتنمية، أن أطفال المهاجرين «متمدرسون» في أغلب الأحيان على مستوى مراكز إعادة التأهيل التابعة لوزارة التضامن، في حين تشير تحقيقات إلى أن مهاجرات كثيرات يعملن خادمات لدى عائلات. ولا توجد أرقام محددة تتعلّق بنساء هذه الفئة الهشة وأطفالها من جنوب الصحراء.

كما كشف الباحث أن المهاجرين الأفارقة الذين جاؤوا للعمل يعدون مهاجرين اقتصاديين، ونسبة صغيرة منهم (من 5 إلى 10 في المئة) تسعى للمغادرة نحو أوروبا.

ومنذ سنوات تواجه موجة تدفّق للمهاجرين الأفارقة عبر دول تحدّها جنوباً خصوصاً من مالي، بسبب النزاعات والحروب. وتفيد تقارير محلية أن عدد هؤلاء يناهز الـ100 ألف، ما فجّر جدلاً واسعاً حول أوضاعهم.

وجلب ملف تعامل السلطات مع اللاجئين الأفارقة صداعاً للحكومة التي تنفي باستمرار اتهامات الإساءة لهم. فقبل أيام طالبت المفوضية السامية لحقوق الإنسان الجزائر بوقف عمليات ترحيل اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول الساحل والصحراء، مشيرة إلى أنه على رغم صعوبة الوصول إلى رقم محدد بخصوص عدد الذين رحّلوا، إلا أن آلافاً معنيون بهذه العمليات. وذكرت الناطقة باسم المفوضية في جنيف رافينا شامداسني أن فريق مراقبة أرسل إلى الحدود بين النيجر والجزائر، للوقوف على الظروف التي تتم فيها عمليات الترحيل، لافتة إلى أنه وفق الشهادات التي جمعت من عشرات المرحّلين تبيّن أن السلطات الجزائرية تقوم بصفة دورية بحملات توقيف تستهدف مهاجرين أفارقة.

21 Jun, 2018 10:57:19 AM
0

لمشاركة الخبر