Skip to main content
كتابان للشاعر العراقي فوزي كريم

كتابان صدرا للشاعر العراقي فوزي كريم عن منشورات المتوسط، الأول عنوانه «شاعر المتاهة وشاعر الراية - الشعر وجذور الكراهية» والثاني «لقلب المفكّر - القصيدة تغنّي، ولكنها تفكّر أيضاً».


في الكتاب الأول، ينطلق الشاعر من معطى أن القصيدة كانت قبل مرحلة التجديد على أيدي الرواد قصيدةَ إجابةٍ، فأصبحت قصيدةَ تساؤل وحيرة. يبدأ الشاعر الجديد بيتها الأول، لكنه يجهل كيف ستتحرك أبياتها التالية، وفي أي اتجاه. ما يعرفه أنه، هو الشاعر، ينطوي على لغم من التساؤلات، كم ظلّ جائعاً لها على امتداد قرون. تجد هذه الفضيلة لدى السياب، نازك، بلند الحيدري، البريكان، حسين مردان. إلى أن جاء عبدالوهاب البياتي الذي «زلزل الأرض تحت أقدامهم»، على حدّ تعبيره. جاء بالراية «الأممية» التي لم تكن تشغل أحداً. هذا البعد «الأممي» يتوافق بالتأكيد مع طغيان قبضة اليسار السياسي على خناق الثقافة في العراق، والثقافة العربية، وربما على الثقافة في الكثير من بقاع الأرض.

في منتصف الستينات، وبعد نكسة حزيران (يونيو) مباشرة، بدأ هذا البعد «الأممي» يخفت ويتلاشى، وتصاعد مدُّ الشاغل العربي، فوجدنا «بعداً قومياً» بدل «البعد الأممي». ومع هذا الشاغل، برز سعدي يوسف مؤثراً بموهبة تامة النضج. ولعله بدأ شاغله هذا في مطلع الخمسينات، وبعد البياتي بقليل. استلم سعدي رايةَ «الأممية» الحمراء من البياتي، ليبدلها في قبضته بالراية «القومية» الخضراء. في هذه المرحلة، كان شعر الرواد قد وُضع جانباً في الظلّ الذي يُشبه العتمة، من الجيل الستيني ذي النزعة العقائدية في الأغلب.

أما في الكتاب الثاني «لقلب المفكّر - القصيدة تغنّي، ولكنها تفكّر أيضاً» فيرى المؤلف أن أي مقارنة بين نصوص الشعر العالمي في مراحله المبكرة (من شعر يوناني وروماني، وهندي، وصيني) والشعر العربي الجاهلي، وأي مقارنة بين الشعر العالمي في مرحلة ازدهار الحضارة الإسلامية (شيرازي، ورومي وعمر الخيام) والشعر العربي المجايل ستكشفان عن الفارق بين المسعى العالمي إلى القصيدة المفكرة ومسعى القصيدة العربية إلى المهارة، والنزعة البلاغية والعناية بالشكل. وستكشفان عن استحالة تأثرها بإضاءة الطرف العالمي، حتى لو اطلعت عليه.

في «ملحمة جلجامش»، للشاعر السومري، نقع على أول قصيدة مفكرة، تمنح زبدة أفكارها الكلية إلى قارئها عبر المخيلة، العاطفة والموسيقى. لا تقول ما تريد عبر الفكرة المجردة، لأن عنايتها بالإنسان ومصيره لا تسمح لها بذلك.

كان «لوكريتيوس» الذي ولد قبل قرن من ميلاد المسيح، أبيقورياً. وكتب قصيدته الطويلة «في طبيعة الأشياء» (7400 بيت من الشعر) من وحي الفلسفة الأبيقورية: كان يرى الأشياء في الكون ذراتٍ لا حصر لها، تتحركُ عشوائياً عبر الفضاء. يصطدم بعضها ببعض، تترابط معاً، تشكل هياكل معقدة، ثم تنفرط، في عملية لا تنتهي من الخلق والتدمير. عبر خوض الطبيعة في تجاربها يولد الإنسان ويموت، شأن الأشياء: «عندما تنفصل الكتلة الهامدة عن العقل،/ وتتحرر من مشاعر الحزن والألم،/ لن نشعر بالموت، لأننا لن نكون».

مع لوكريتيوس «في طبيعة الأشياء»، دانتي «الكوميديا الإلهية»، وغوته «فاوست»، ومع شعر أبي العلاء، عمر الخيام، جلال الدين الرومي، ريلكه، ييتسن وريتسوس، أليوت وميووش، يقطع هذا الكتاب شوطاً بالغ العمق مع القصيدة المفكرة، والقلب المفكر. ويبني قاعدة إسمنتية لفهم هذا المدى الذي أغناه أهم شعراء العالم الكبار.

المؤلف فوزي كريم أحدُ أبرز الشعراء والكتاب العرب من الجيلِ الستيني. ولدَ في بغداد 1945، وتخرّج في جامعتها، وانصرفَ بعد عامٍ في التدريس إلى العملِ الحرّ ككاتب. هاجر إلى بيروت وأقامَ فيها 69 ـــــ 1972، ثم إلى لندن، منفاه الثاني، منذُ عام 1979 حتى اليوم. أصدر مجلةَ «اللحظة الشعرية» لبضع سنوات، وواصل كتابةَ عموده الأسبوعي في الصحافة الثقافية طوالَ حياته، في الشأن الشعري، الموسيقي والفني. له أكثر من 22 مجموعة شعرية، منها مختاراتٌ صدرت في الإنكليزية، الفرنسية، السويدية، والإيطالية. إلى جانب الشعر، له أكثر من 18 كتاباً في حقول النقد الشعري، الموسيقي والقصة. وله معارض عدة كفنان تشكيلي.

12 Aug, 2018 10:05:16 AM
0

لمشاركة الخبر