Skip to main content
أزمة البيئة في فرنسا تذكر بالمصير القلق للكوكب الأزرق

أثارت استقالة وزير البيئة الفرنسي نيكولا أولو في أواخر آب (أغسطس) المنصرم، وهو مذيع تلفزيوني وناشط عالمي في الدفاع عن البيئة، صدمة ســـــياسيّة ربما كانت مطلوبة، في فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي. وجاء جزء من صدمة الاستقالة من طريقة إعلانها على الهواء مباشرة ضمن مقابلة مع أحد أقنية الراديو، من دون إخطار مسبق عنها للرئيس إيمانويل ماكرون أو رئيس الوزراء إدوار فيليب، وفق ما جرت عليه الأعراف السياسيّة والديبلوماسية. ولم يتردد أولو في إرجاع استقالته الصادمة إلى شعوره بخيبة الأمل بسبب عدم إحراز الحكومة لتقدم يذكر فيما يتعلق بالأهداف المناخية وسياسات الطاقة النووية، على رغم وعودها المتعلقة بالبيئة. وعقب استقالته مباشرة، أبدت وزيرة البيئة السابقة إبان حكم الرئيس الإشتراكي السابق فرانسوا هولاند، تعاطفها مع ما ذهب إليه أولو.


ولم تتردد وسائل إعلام فرنسية في التذكير بالمعاناة المتطاولة لوزراء البيئة في فرنسا، بل استعادت ظهور تلك المعاناة على السطح للمرة الأولى في سبعينات القرن العشرين، مع نشر وزير بيئة سابق كتاباً عن معاناته في تلك الوزارة. وأبدى فرنسيون كثيرون دهشتهم من قدرة أولو أصلاً على الاستمرار كل ذلك الوقت، مشيرين إلى معارضته المعروفة لعدد من السياسات المتصلة بالبيئة كتلك المتعلقة بالمفاعلات النووية والزراعة والزيوت والمبيدات وصيد الأسماك وغيرها.

اضطراب موارد الأرض

وفي مؤشر آخر على اضطراب العلاقة بين السياسة والبيئة في فرنسا، تفجرت بعد أيام قليلة من استقالة أولو، أزمة بين الحكومة وممثلي الفلاحين في شأن سعي السلطات الرسمية لحظر نوع شائع من المبيدات الزراعية، بعد أن ثبت علاقته مع ظاهرة انقراض النحل المقلقة.

في سياق تأكيده على علاقة البيئة مع مجمل الخيارات الاقتصادية، شدد أولو في الحديث الإذاعي الذي تضمن استقالته، على الدور السلبي لخيارات اقتصادية تتعلق بالصيد البحري وسُبُل التوسع في أنواع الصناعات وخيارات دعم توجهات معينة في الإنتاج الزراعي واستيراد المحاصيل وغيرها.

وتذكّر تلك المعطيات وسواها بأن البيئة الأساسية (بالمعنى الواسع للكلمة) للكوكب الأزرق تتعرض لضغوط متنوّعة، تجعلها مستنزفة ومضطربة.

وتناول تلك الضغوط كتاب صدر عن دار النشر «دورلنغ كندَرسلي» البريطانية بعنوان «ما الذي يحدُثُ فعلًا لكوكبنا؟ «What’s Really Happening to our Planet?، من تأليف عالِم البيئة الذائع الصيت طوني جونيبر، مع تمهيد كتبه الأمير تشارلز، وليّ عهد بريطانيا. وفي العام 2017، أصدرت «مكتبة لبنان- ناشرون» الكتاب بنسخة عربيّة أعدّها الدكتور ألبير مُطلَق. ويقدّم الكتاب حقائق ومعلومات عن الضغوط الهائلة التي يتعرّض لها كوكب الأرض، بأسلوب يَضمَن أن تَكون التّطوّرات الرّاهِنة مَفهومة ومَشروحة بوضوح. كذلك يَكشِف بعضَ الحُلول المطروحة التي تساعِدُ على تشكيل مُستقبَل إيجابيّ للبشريّة وسائر أشكال الحياة على كوكب الأرض.

ويَعرِضُ الكِتاب أبرز الاتّجاهات التي تُغيِّرُ العالَم، كازدياد أعداد البشر الذين تَضاعفوا ثلاث مرّات منذ العام 1950، والتوسُّع الاقتِصاديّ الذي ارتفع عشر مرّات منذ العام نفسه.

ويشير أيضاً إلى أنّ أكثر من نصف سكّان العالَم يعيشون حاضراً في بلدات ومدن، ويستهلكون 75 في المئة من موارد الطبيعة. ويؤدّي ذلك إلى إتلاف البيئة عبر الاستهلاك الـمُفرِط. ولا يُهمِل الكتاب إيجابيّات التغيُّر السريع في العالَم، بل يذكر التكنولوجيا المتطوِّرة، خصوصاً على صعيد الاتّصالات، والتطوُّر المذهل في السفر جوّاً. ويشير أيضاً إلى تراجع الفقر، تحسّن مهارات القراءة والكتابة، انخفاض معدّل الوفيات من الأمراض الـمُعدية. في المقابِل، يذكر الكتاب العوامل التي تسهِمُ في عرقلة النموّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ في كثير من البلدان، وتضع عقبات في وجه قوانين حماية الموارد الطبيعيّة والأنظمة البيئيّة. ومن ضمن تلك العوامل الفساد والنزوح وتصاعُد الإرهاب. وينجم من ذلك أنّ 800 مليون إنسان يعانون سوءَ التغذية حاضراً.

الكائن البشري وأذاه المستدام!

كذلك يتطرَّق كتاب «ما الذي يحدُثُ فعلًا لكوكبنا؟» إلى نشاطات البشر وآثارها السلبيّة التي ترتدّ عليهم فتقوِّض طريقة حياتهم على نحو مُدمّر. ويعرِض بعض الحلول التي يُمكِن أن تَتَبنّاها الحكومات والمنظّمات والأفراد، للحفاظ على ثروات الأرض، أو تجديدها.

ويعمل الكتاب على تعريف القارئ إلى موضوع حيويّ تماماً. كما يعرض عبر رُسوم بيانيّة بسيطة، التحدّيات التي يواجهها البشر والحلول التي يمكن أن تساعد على عكس طريق المخاطِر التي يمشون فيها، ليصنعوا لأطفالهم عالـمـاً أفضل. كذلك يحتوي آراء كبار الخُبراء والمهتمّين بالبيئة أمثال آل غور، وهو نائب رئيس أميركيّ سابق وخبير في عُلوم البيئة، وبان كي مون، الأمين العامّ السابق للأمم المُتّحدة، وليوناردو دي كابريو، وهو ممثّل أميركيّ وناشـــط بيئيّ، والسير جوناثن بورت، وهو خبير بعلوم البيئة وكاتب بريطانيّ، ووِل ستيفِن، المدير التنفيذيّ في «البرنامج العالميّ للغلاف الأرضيّ والغلاف الحيويّ»، وساتيش كومار، ناشط بيئيّ هنديّ، وغيرهم.

ألَّف الكتاب الخبير بعُلوم البيئة طوني جونيبر، وهو ناشط بريطانيّ ومُستشار في الطاقة الـمُستدامة. وشغل منصب المدير التَّنفيذيّ لجمعيّة «أصدقاء الأرض». ورشّحه «حزب الخُضر» في العام 2010 إلى الانتخابات البرلمانيّة العامّة البَريطانيّة عن دائرة كامبردج الانتخابيّة. ونال جونــيبر شهادةَ البكالوريوس في علم النفس وعلم الحيوان من جامعة بريستول، ثمّ درجة ماستِر في حِماية البيئة من «كلّيّة لندن الجامعيّة». وفي العام 2013 منحته جامِعتا بريستول وبليموث دكتوراه فخريّة في العُلوم. ونَشَرَ جونيبر عدداً من الكُتُب التي تُعنى بالطبيعة والبيئة.

هل يعلم الأطفال أي كوكب يرثون؟

في سياق الحديث عن كتاب «ما الذي يحدُثُ فعلًا لكوكبنا؟»، يذكر أن الأمير تشارلز نهض بمهمة وضع تمهيد موسع له. ويعرف عن الأمير أنّه من أبرز الدّاعمين للقضايا البيئيّة لأكثر من 40 سنة. وأَطلَق عدداً من المبادرات لتشجيع الحفاظ على البيئة، منها «مشروع الأمير للغابات المطيرة» The Prince’s Rainforests Project، ومشروع «وحدة الاستِدامة الدوليّة» International Sustainability Unit. وفي عام 2017، أصدرت «دار بِنغوين للنشر» كتاباً للأطفال بعنوان «التغيُّر المناخيّ» كتبه الأمير تشارلز وطوني جونيبر والأستاذة في جامعة كمبردج إيميلي شاكبيرغ. وفي 52 صفحة، يعرِّف الكتاب الأطفال إلى مفهوم التغيُّر المناخيّ وما يمكن أن يُسبّبه من كوارث بيئيّة.

وأعدّ النصّ العربيّ لكتاب «ما الذي يحدُثُ فعلًا لكوكبنا؟» الدكتور ألبير مُطلق، وهو أستاذ جامعيّ درّس في أربع جامعات هي الجامعة الأميركيّة في بيروت، وجامعة جورج تاوْن في واشنطن، والجامعة اللبنانيّة في بيروت، وجامعة تورنتو الكنديّة. ويؤثر عن مُطلق أنه كان أوّل شخص في تاريخ الجامعة يُمنَح درجة الدكتوراه في اختصاص اللغة العربيّة وآدابها (1970). ووضع مؤلّفات في اللغة والأدب، وترجم من اللغة الإنكليزيّة كتباً كثيرة، عدد منها في العلوم. وألّف أربعين كتاباً قصصيّاً للأطفال، تُرجِم بعضها إلى اللغات الإنكليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة. ونال «جائزة الشيخ زايد للكتاب» عن فئة الترجمة، عام 2010.

يشرح «ما الذي يحدُثُ فعلًا لكوكبنا؟» في شكل مُبسَّط، معلومات وحقائق مُتداخِلة ومُتشعِّبة. ويمثّل دليلاً واضحاً وسهل التَّناوُل عن المشكِلات الملحة في كوكب الأرض. وفي نسخته المعرَّبة، يُقدّم فرصة للقُرّاء العرب كي ينخرِطوا في أزمات كوكبهم، ويَعوا الأخطار التي تتهدّد استقرار مُناخهم، ونقاء هوائهم، وأمن غذائهم، بالتالي مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

ويُقدِّم لهم أيضاً بعض الحلول التي يُمكِن أن يتبنّوها ليُساهِموا بأنفسهم في إنقاذ الحياة على كوكب الأرض.

02 Sep, 2018 09:43:09 AM
0

لمشاركة الخبر