Skip to main content
رسم وموسيقى ورقص ومسرح وغناءوتصوير... في مهرجان «باف» اللبناني

عاماً تلو عام يفرض «مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية» (باف) نفسه في الساحة اللبنانية الثقافية كمهرجان فريد يجمع بين فنون عدة ويتوجه إلى جمهور واسع ومتعدد الأعمار والاهتمامات. ومنذ انطلاقه العام 2014 استطاع المهرجان أن ينفتح على فنون العالم وثقافاته الحديثة وعلى ذاكرته الحضارية الموثقة في أفلام قصيرة، متقنة الإخراج والتصوير، ناهيك عن تركيز المهرجان على الإبداع الفني اللبناني سواء في الرسم أم السينما أم التلفزيون والمسرح فهو يقدم أعمالاً لبنانية مهمة وجميلة تكشف مواهب وقدرات جديدة. ومثلما اختارت إدارة المهرجان عناوين لافتة للدورات السابقة تختار هذه السنة عنواناً مثيراً للدورة الرابعة هو «الغد».


وتنطلق في بيانها من مقولة لإبراهام لينكولن هي:» لا يمكننا الهرب من مسؤوليتنا تجاه الغد، بتفاديها في يومنا الحاضر». وفي التعليق على الشعار:» الغد، إنه بداية التزام في غد الشباب اللبناني، الغد، هو أيضاً صرخة بضرورة حماية البيئة، الغد، هو أيضاً وعي بأن أخذ العبر من تجارب الماضي، هو شرط ضروري لتغيير الأمور في المستقبل». وكما رددت المشرفة على المهرجان، المؤرخة الفنية أليس مغبغب (صاحبة غاليري تحمل اسمها) أن «غاية المهرجان كسر العزلة ومعانقة ثقافات العالم جمعاء احتفالاً بأسمى معاني الإنسانية» و «مواكبة أعمال عدد من المبدعين اللبنانيين من فنانين ومخرجين وعلماء آثار» ها هي ترسخ هوية هذا المهرجان الذي انتقل من كونه مشروعاً إلى تظاهرة فنية وثقافية ذات جمهور واسع، ويكمن وراء نجاحه فريق من الأكاديميين والمتخصصين في الفن وهم إضافة إلى أليس: ماريا شختورة، نادين مقدسي، بيار طراف، ثريا وعليا كرم، عطفاً على ممثلي رعاة المهرجان والشركاء الثقافيين.

تحمل الدورة الرابعة من المهرجان مفاجآت فنية وثقافية كما حملت الدورات السابقة، ويشاهد الجمهور أفلاماً وثائقية فنية من لبنان أولاً ثم من دول عدة مثل أميركا وفرنسا وألمانيا والسويد وبريطانيا وسويسرا وبلجيكا وسواها. والأفلام تقدم مروحة واسعة من الفنون: الرسم والنحت والسينما والرقص والموسيقى والغناء والتصميم والأزياء والعمارة والآثار والأدب والتصوير. وكعادته ينقسم المهرجان إلى فضاءين، فضاء يسمى «داخل الأسوار» وتقدم الأفلام خلاله في صالة متروبوليس – أمبير (صوفيل) وفضاء آخر يسمى «داخل الأسوار» يتوزع على الجامعات والمعاهد والمدارس والنوادي والمراكز الثقافية وفق برنامج يمتد شهراً (1-30 تشرين الثاني- نوفمبر). وغاية هذا التقسيم بين «داخل» و «خارج» هي الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور، جمهور يقصد صالة متروبوليس ليشاهد الأفلام ويشارك في المهرجان، وجمهور تذهب أفلام المهرجان إليه في المناطق والمدن البعيدة عن بيروت. وهذه السنة يشاهد الجمهور أكثر من ستين فيلماً وثائقياً وبعضها يقدم تجارب رائدة في الحقول المتعددة ووجوهاً فنية كان لها حضورها اللامع في سماء الفن مثل: المغني البلجيكي العالمي جاك بريل، نجمة الرقص الأميركي جوزفين بايكر، رائد فن رقص الباليه المعاصر موريس بيجار، الرسام العالمي سيزان، أوبرا باريس، المخرج السينمائي اللبناني الرائد جورج نصر.... أما على مستوى الطلاب والمدارس فاستطاع المهرجان أن يحقق خطوة لافتة ومهمة، فبعد أن وصل «باف سكول» أو القسم من المهرجان الموجه للطلاب سابقاً إلى إشراك أربعين مدرسة في نشاطاته بلغ هذه السنة عدد المدارس المشاركة مئة وعشر مدارس. وهذا التقدم يدل على وعي إدارات المدارس بأهمية الفن ودوره في ترسيخ ثقافة الأجيال الجديدة.

وعشية انطلاق الدورة الرابعة من المهرجان عقدت إدارة المهرجان مؤتمراً صحافياً في سينما متروبوليس – صوفيل قدمت خلاله البرنامج الحافل الذي يمتد شهراً. وفي ختام المؤتمر قدم فيلم توثيقي بعنوان «نيمير فور إيفر» من إخراج نيكولا خوري.

يرسم هذا الفيلم صورة مؤثرة لمعلم أثري وجمالي في طرابلس هو «معرض رشيد كرامي الدولي»؛ التحفة الهندسية المنسية والمهملة، أيقونة الهندسة المعمارية الحديثة في القرن العشرين. وقد أمسى هذا المعلم «مدينة أشباح»، قائمة على مليون متر مربع من الأراضي، ومؤلفة من مئة وعشرة آلاف متر مربع من الإنشاءات؛ يلفها النسيان، متروكة لمصيرها، تغرق في بحر من الذكريات الأليمة.

ومن الأفلام التي ستعرض أيضاً الوثائقي «لايدي ليبرتي» الذي يروي قصة تمثال الحرية، منذ انبثاق الفكرة في ذهن النحات الفرنسي فردريك بارتولدي (1834 – 1904)، وحتى إقامة النصب على جزيرة إيليس قبالة مرفأ نيويورك. وهب النحات الفرنسي هذا العمل كل حياته. ولدت الفكرة في خياله أثناء إقامته في مصر إبان حفر قناة السويس؛ ثم تطورت في خضم الأحداث العاصفة التي شهدتها فرنسا، إلى حيث رجع ليعيش، خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر؛ إلى أن تجسدت حقيقة في أميركا، التي كانت تشهد المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي ستنقلها إلى موقع القطب على الساحة الدولية. عبر هذه المسيرة الطويلة أقيم التمثال وأصبح رمزاً إنسانياً ودولياً.

ومن الأفلام كذلك فيلم «ما في مي، ما في حياة» وهو وثائقي، محوره واقع الموارد المائية في لبنان على جميع الصعد. إنه واقع خطير للغاية، ومفاعيله سوف تكون كارثية على صحة السكان وحياتهم، إذا لم يتم تدارك الأمر والمباشرة بتطبيق الحلول.

ويقدم المهرجان فيلمين هما بمثابة تحية إلى المخرج السينمائي الرائد جورج نصر، الأول بعنوان «أرتيزانا لبنان»، وهو فيلم تاريخي أخرجه نصر بتكليف من وزارة السياحة؛ ويعد وثيقة سينمائية تأخذنا إلى عالم الحرف والحرفيين؛ في رحلة إلى أعماق أحد مكونات الثقافة الشعبية اللبنانية. والثاني عنوانه «جورج نصر» وهو وثائقي يتناول سيرة هذا المخرج الذي يعد أحد رموز السينما اللبنانية في حقبة ما قبل الحرب. يروي جورج نصر حياته وتجربته؛ نجاحاته وخيباته؛ ببساطة مؤثرة وأخاذة. أخرج نصر «إلى أين؟» سنة 1957؛ والذي أصبح أول فيلم يمثل السينما اللبنانية في «مهرجان كان الدولي»؛ ثم عاد إلى منصة التتويج في «كان» سنة 1962 مع «الغريب الصغير». إلى أن جاء زمن النكسات والخيبات. اندلعت الحرب عندما كان يعمل على «مطلوب رجل واحد»؛ وكان على هذه الحرب أن تضع حداً لمسيرته. كرس بقية أيامه لتعليم حرفة السينما للمخرجين الشباب؛ وأيضاً لمساعدة تقنيي المهنة على إنشاء نقابة تدافع عن حقوقهم.

يصعب فعلاً اختصار أفلام هذا المهرجان الضخم والفريد فهي تغطي معظم أنواع الفنون إضافة إلى الآثار والأزياء وسائر المعالم الحضارية والإنسانية.

25 Oct, 2018 10:16:41 AM
0

لمشاركة الخبر