Skip to main content
الروائية المصرية - البريطانية هناء فيلدنج في «رحلة إلى بلاد الأندلس»

تتناول الروائية المصرية- البريطانية هناء فيلدنج في رواية «رحلة إلى بلاد الأندلس» التي ترجمها إلى العربية وصدرت عن دار جروس برس، شخصياتها بكثير من الدقة والتفصيل في مسرى حياتهم المتنقلة بين حقول الريف وضجيج المدينة، بين إنكلترا موطن البطلة ألكسندرا، وريف إسبانيا مسقط رأسها ومقرّ أهلها. وتسير في هذه الرواية على نهج المقارنة بين نمط الحياة المتدفق والمتسارع في بلد حديث إبان الخمسينات من القرن الماضي، وبين نمط الحياة الرتيب السائد في الريف الإسباني الذي لا يزال أسير العادات والتقاليد والأفكار الغيبية بكل ما فيها من السحر والحسد والغيرة العمياء، إن كان نتيجة التنافس على حب شخصية ما، وهي هنا سيلفادور الضائع بين حب قديم أنتج مشكلات آسرة، وبين حب جديد فرضته قريبته القادمة من بلاد الضباب، ومن قلب الحضارة الغربية، أو التنافس على الموقع الأثير ضمن عائلة لا تزال الروابط القرابية تشكل الأساس في العلاقات الشخصية، وفي ما يمكن أن يكون عليه المرء في مستقبل الأيام.


ضمن هذا النهج العام لمسيرة الرواية، تبدع الروائية فيلدنج في وصف التفاصيل، إن كان للطبيعة، أو لنوازع النفس الإنسانية بأسلوب أدبي، حاولت الترجمة أن تبقي على الكثير من سلاسته، ورسمت الخطوط الدقيقة والمتعرّجة للمشاعر الإنسانية في الحب والحقد، في التولّه والغيرة، التي يكاد القارئ لا يستطيع التفرقة بينها، في لحظات جد متقاربة، فتختلط بذلك المشاعر الجياشة، بحيث لا تكاد شخصية من الرواية تحسّ بشيء من الشعور الممتع، إلا وتحسّ بشعور مناقض تماماً، حسب المواقف وتضارب الأوقات والظروف. وهذا ما أبدعت فيلدنج في تصويره بأسلوب أدبي.

إن أجمل ما في الرواية، تلك اللحظات التي تنقلب فيها مشاعر البطلة ألكسندرا تجاه حبيبها سيلفادور، من العشق الخالص إلى البعاد الخالص، ليس كنتيجة لمواقفها الرجراجة فحسب، بل أيضاً، كنتيجة لمواقف حبيبها المتناقضة بين مشاعره تجاهها، وإحساسها بحبه الصادق لها، وبين ماضٍ مؤلم ومخيف يعيش تبعاته، ويحاول أن يخرج منه، ولكن بلا طائل. فيعيش في دوّامة من المواقف المتناقضة، بين التوغل في عشقه الجديد والمباغت، وبين علاقة قديمة أثمرت إبناً، لا هو يستطيع الجهر به، ولا أمه قادرة على تبنّه علناً لما للعادات والتقاليد من وطأة في ظل مجتمع تقليدي يستهجن علاقات الحب، وما يمكن أن ينتج عنها، خارج إطار الزواج.

وما زاد من تعقّد مسارات الرواية ظهور شخصية جديدة في حياة ألكسندرا، مصارع الثيران الشهير في أسبانيا، مع كل ما يتمتع به من ذيوع صيت وغنى، بالإضافة إلى مغامراته الغرامية، وسهولة وقوع الحسناوات في شباكه. فاحتارت ألكسندرا، هنا، بين حبها الأول الذي ملأ قلبها، وأبعدها عن الناس أجمعين، وبين محبّ طارئ قدّم لها كل ما يمكن أن يغري الفتاة ويجعلها تستسلم. فأحسّت بالحيرة والارتباك والضياع بين محبوب لا يهتم، وهو مشغول بأمور أخرى يرفض التحدث فيها، وبين محبّ مستعدّ أن يقدم أي شيء، من جاه وصيت لامع وغنى فاحش. وبقيت على هذه الحيرة إلى الدرجة التي التقى فيها المنافسان ليتصارعا حتى الموت، ومن ثم لتحزم أمرها بتلبية نداء قلبها، والوقوف إلى جانب حبيبها لتذليل العقبات كافة التي تحول دون لقائهما، والعيش معاً كزوجين سعيدين.

صوّرت هناء فيلدنج حياة أهل إسبانيا بكثير من الدقة والتفصيل، وأظهرت كيف يعيشون ببساطتهم المعهودة، وبأيامهم الرتيبة المرتبطة بالأرض، والخاضعة لظروف حياة لا يدركون أن لهم شأناً في سيرورتها، بل هي التي تسيّرهم في حلّهم وترحالهم، مع من يرافقهم من الغجر أصحاب النظرة المغايرة للحياة وللعلاقات الإنسانية التي يحيونها، في نوع من الاستقلال عن أهل البلاد، وبتضافر جهودهم التي تروم مصلحتهم على أي مصلحة أخرى. ولأن فيلدنج ذات أصول مشرقية، وربما عربية، فقد أفردت أمكنة واسعة في روايتها لتتحدث عن تأثير العرب والمسلمين في العادات والتقاليد الإسبانية، وما لعنوَنة الرواية ببلاد الأندلس إلا للتدليل على الوشائج التي ربطت الإسبانيين بالعرب، وهي الوشائج نفسها التي لا تزال ظاهرة في أنماط السلوك، وفي العلاقات اليومية التي تربط أهل «الأندلس» فيما بينهم.

«رحلة إلى بلاد الأندلس» هي قصة حب وهوية وتصادم بين عادات وتقاليد مغايرة، من أجل الوصول إلى شيء من السعادة. وهو الوصول الذي أخفق في محطات كثيرة من مسيرة الرواية، ولكنه حط رحاله أخيراً في منزل مليء بالحب والفرح والسعادة.

ولدت هناء فيلدنج ونشأت في الإسكندرية، وحصلت من جامعتها على بكالوريس الأدب الفرنسي، ثم جابت أنحاء أوروبا، وتوزعت حياتها بين سويسرا وفرنسا وإنكلترا. بعد زواجها من رجل إنكليزي، استقرت في كينت، ولم يكن لديها الكثير من الوقت للكتابة عندما كانت تربي طفلين، وتدير أعمالها الخاصة لتجديد البيوت المتهدمة. تقسم هناء الآن وقتها بين كينت وجنوب فرنسا.

وللكاتبة هناء خمس رواياتٍ: «حرق الجمر» Burning Embers؛

«ثلاثيةُ الأمسيات الأندلسية Andalucian Nights trilogy

«أصداء الحب» The Echoes of Love، و «التنكر» «Indiscretion، و «دموع أفرودايت «Aphrodite’s Tears «Legacy ، و «الإرث «Masquerad».

وقد فازت كتب هناء بالعديد من الجوائز العالمية.

01 Nov, 2018 09:04:15 AM
0

لمشاركة الخبر