Skip to main content
يد موسكو: نظرية المؤامرة منذ رسالة زينوفيف

يبدو أن رسالة غريغوري زينوفيف في عام 1924 مزورة فعليًا، لكن تبقى مؤامرة لا تموت، تعيد تفكيكها جيل بينيت في كتاب ينشر اليوم، في وقت تسود فيه الشكوك حول التدخل الروسي في انتخابات أتت بدونالد ترمب رئيسًا لأميركا.

وسط التوتر المتزايد بين روسيا والغرب، تحرّكت كفّتا ميزان القوى فجأة في ديمقراطية قيادية بسبب ادعاء يزعم وجود حيلة خطّطت لها موسكو. في الوقت الذي ينكر فيه الروس جميع المخالفات، يدور شجار غاضب بين الأطراف الغربية المعنيّة. يتجادلون حول ما إذا حدث أي تدخل بالفعل، وإذا كان الأمر كذلك، فمن الذي أعطى الأمر ومن المستفيد؟.
 
إذا كان هذا يبدو مألوفًا، فهو يعيد الذاكرة إلى أحداث عام 1924، عندما انقلبت السياسة البريطانية رأسًا على عقب من خلال نشر رسالة يبدو أن النخبة السوفياتية أرسلتها. في 25 أكتوبر 1924، نشرت صحيفة "دايلي مايل" رسالة أرسلها غريغوري زينوفيف، رئيس الحركة الماركسية العالمية المعروفة باسم "كومنترن"، إلى رفاقه البريطانيين، توقع فيها "ثورة" البروليتاريا البريطانية، مدعومة باتفاقية تجارية أنكلو-سوفياتية جديدة. في انتخابات جرت بعد أربعة أيام، سقطت أول حكومة إشتراكية في بريطانيا.

كشف التزوير
ألّفت جيل بينيت، كبيرة المؤرخين السابقة في وزارة الخارجية البريطانية، كتابها رسالة زينوفيف: مؤامرة لا تموت The Zinoviev Letter: The Conspiracy That Never Dies (منشورات جامعة أوكسفورد؛ 368 صفحة؛ 25 جنيه إسترليني؛ ينشر في الولايات المتحدة في نوفمبر، 34.95 دولارًا)، وحاولت فيه التحقق من المصادر الحقيقية لرسالة زينوفيف، مقدمةً عددًا من التفاصيل الجديدة التي تميط اللثام عن هذه الحلقة المتشابكة.

في عام 1998، كلفها روبن كوك، وكان آنذاك وزيرًا للخارجية في الحكومة العمالية، بالتحقيق بدقة في المسألة التي تركت وراءها الكثير من الحقد والمظالم. فبين مؤيّدي اليمين السياسي، تم تذكّر قضية زينوفيف فترة طويلة بوصفها دليلًا على أن اليساريين البريطانيين تحالفوا مع أجانب شريرين. أما بين مؤيدي اليسار، فتم تذكّرها على أنّها خدعة قذرة قامت بها المؤسسة التي خنقت أول تجربة معتدلة للإشتراكية في بريطانيا.

في سعيها إلى حل هذه المسألة، رافقت بينيت أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية الروسية إلى موسكو، حيث استقبلهما كبار أمناء الأرشيف، وأعطوهما مواد حساسة بحسن نية. فاستنتجت بينيت أن رسالة زينوفيف - وهي ترجمة إنكليزية لم تظهر لها نسخة أصلية روسية - ربما كانت تزويرًا أعدّه الروس المناهضون للبلاشفة، ونُقلت إلى المخابرات البريطانية.

على وجه الدقة، أرسل مركز المخابرات في لاتفيا النص الإنكليزي، ففي لاتفيا اشتدّ التحريض ضد البلاشفة، واستلمها مقر المخابرات في لندن في 9 أكتوبر 1924. وعكس ذلك ميلًا إلى التزوير، وهو أمر كان واسع الانتشار في العصر الثوري.
 
استخدام انتهازي
استخدمت الشخصيات البريطانية المهمة، وبينها عدد من ضباط الاستخبارات، الوثيقة بشكل انتهازي. بعض أولئك الذين استفادوا سياسيًا منها ربما عرفوا أنها كانت مزيّفة. في رأي بينيت، من غير المحتمل أن تكون الفكرة الأصلية لتلفيق الرسالة جاءت من أي شخص في لندن، على الرغم من أن الجواسيس البريطانيين في ريغا ربما تحرّكوا بشكل مستقل، بالتعاون مع شركائهم الروس البيض.

تأخذ بينيت في حسابها إمكانية أن يكون مصدر الرسالة بالفعل هو القيادة السوفياتية، وأنها عكست بعض صراعات القوة الغامضة في موسكو. لكنها مقتنعة بأنّ أعضاء مهمين في الجيش الأحمر كانوا حائرين حقًا عندما تلقوا اعتراضًا بريطانيًا رسميًا حول هذه المسألة.

مع ذلك، على الرغم من الضجة التي سببتها هذه الرسالة، فهي على الأرجح لم تكن عاملًا حاسمًا في الانتخابات البريطانية. بقي تصويت حزب العمال كما هو؛ وكان الانهيار في حصة الأصوات الليبرالية هو ما مكّن المحافظين التابعين لستانلي بالدوين من الاستيلاء على السلطة.

لكنّ الاتفاقية التجارية الأنكلو-سوفياتية التي تفاوض عليها حزب العمال كانت ضحية حقيقية: كان إلغاء هذه الاتفاقية هو من الخطوات الأولى التي خطتها إدارة المحافظين التالية. إذا كانت تلك الرسالة صحيحة، فقد أضرّت فعليًا بالسوفيات.
 
هل من تلاق مع ترمب؟
سيحاول عدد من القراء البحث حتمًا عن أوجه التشابه بين رواية بينيت ومزاعم تواطؤ فلاديمير بوتين ودونالد ترمب. التشابه محدود: كانت رسالة زينوفيف مزورة، في حين من المقبول على نطاق واسع الاقتناع بأن الروس تدخلوا في الانتخابات الأميركية الأخيرة (الأسئلة الكبيرة البارزة هي حول مدى تعاون حملة ترمب، ومدى الاختلاف الذي أحدثه التدخل). 

إذا كانت لفوضى زينوفيف دروس حديثة، فهي متعلّقة بالطريقة التي يتفاعل بها المواطنون العاديون مع شبح المكائد الخارجية. تشير دراسة الحالة هذه إلى أنه بمجرد أن تبدأ نظريات المؤامرة، يمكن أن تؤثر في المناخ السياسي لأجيال متعاقبة.

يجد الناس أن من المستحيل تقييم مثل هذه الاتهامات بحسن نية؛ إنهم يعذرون الجهة التي يدعمونها، ومن السهل إقناعهم بأن خصومهم ليسوا ضالّين فحسب، بل خونة أيضًا. هذا يقوّض الثقة الأساسية المطلوبة كي تعمل الديمقراطية. وثمة تأثير آخر خبيث هو أن نظريات المؤامرة يمكن أن تتفادى الفحص الذاتي.

يؤكد بعض المؤرخين البريطانيين أن حزب العمال أهمل دراسة أخطائه الخاصة، لأنه ظنّ أن قوى الظلام، في المؤسسة المحلية أو خارجها، أحبطت فرصه في عام 1924. هذا تحذير آخر للأميركيين وغيرهم للتفكير مليًا بالوضع. فالحياة العامة ستعاني إذا انتشرت فكرة أن الروس الأشرار (والمتواطئين معهم) مسؤولون عن إخفاقات السياسيين المهزومين.
 
 
هذا التقرير عن "إكونومست". 

01 Nov, 2018 09:25:15 AM
0

لمشاركة الخبر