Skip to main content
هل يعاد الإرث الأفريقي إلى أصحابه الأصليين؟

أيًا يكن الحكم على الحقبة الاستعمارية الأوروبية في أفريقيا، الجدل الآن شبه محسوم باتجاه إعادة الإرث الأفريقي المسروق والمعروض في المتاحف الأوروبية إلى أصحابه الأصليين.

الحديث عن الاستعمار موضوع شائك. فبالنسبة إلى البعض، من غير الأخلاقي أن يتم استغلال الشعوب في حين أن بعضًا آخر يشيد بالحسنات التي قدمها المستعمرون. يستعر النقاش في هذا الموضوع حاليًا، في ظل طرح الدول الأوروبية فكرة إعادة جميع مخلّفات الاستعمار الموجودة في متاحفها إلى أصحابها الحقيقيين.

أعيدوها إلى أصحابها
عندما قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القيام بمبادرة على هذا الصعيد، خلال العام الماضي، تضاعف استياء الشتات الأفريقي في أوروبا، مندّدًا بالاحتفاظ بمقتنيات الفن الأفريقي داخل المتاحف في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى، وأعلن أنه من الضروري أن تتم إعادة المقتنيات إلى أصحابها.

قال ماكرون: "لا يجوز أن يكون الإرث الأفريقي سجين المتاحف الأوروبية". وفي تقريرٍ، وضع خطةً لذلك، وأشار إلى أن الدفعة الأولى التي تضم 26 قطعةً نادرةً تنبغي إعادتها فورًا، الدفعة الثانية خلال 5 سنوات، والباقي يعود في وقتٍ لاحقٍ، سواء بشكلٍ موقتٍ أو دائمٍ، وذلك عندما يتم التعرّف إلى المصدر الذي أتت منه هذه القطع.

تزيّن 90 ألفًا من المخطوطات الإثنولوجية والقطع الأخرى أبرز مجموعة أفريقية موجودة في متحف كي برانلي في باريس. وذكر تقرير نشرته "إكونوميست" أن معظم هذه القطع تم الحصول عليها عن طريق السرقة والنهب وغنائم الحرب والتحايل والإكراه.

انطلاقًا من قناعة ماكرون نفسها، تبحث الجهات البريطانية في منح المتاحف الأفريقية قروضًا طويلة الأمد.

التنفيذ صعب
إلا أن غيدو غريزيل، مدير متحف أفريقيا في بلجيكا، يقول إن مبادرة ماكرون معقدة، ويمكن أن تستغرق وقتًا طويلًا، لأنها تدخله في مشاحناتٍ مع الماضي. كذلك يقول أيوكو مانزا، عضو فرنسي توغولي ينتمي إلى المجموعة التي انقسمت حول ترميم المتحف في بلجيكا: "إن إزالة الاستعمار من المتحف تستغرق وقتًا طويلًا، إلا أن الأمور سائرة على السكة الصحيحة".

استغرقت بلجيكا وقتًا أكثر من القوى الأوروبية الأخرى لتعترف اعترافًا كاملًا بالتاريخ المظلم للاستعمار. فثلث الشعب البلجيكي لديه أقارب أو أعمال في الكونغو أو رواندا أو بروندي، لذلك ما زالت هذه المجموعة تدافع عن سمعة الملك ليوبولد وإنجازات الاستعمار بشكلٍ عام، خاصةً أن الكونغو عانت الفقر منذ أن حصلت على استقلالها في عام 1960.

في المقابل، كان ناشطون من الكونغو في بلجيكا قد ألقوا باللوم على المستعمرين لتسببهم بالفقر والبؤس اللذين لحقا بالكونغو منذ استقلالها، وعبّروا عن استنكارهم، عازين السبب إلى أن المستعمرين تركوا السكان المحليين في وضع لم يكونوا فيه جاهزين كي يحكموا أنفسهم، إلى جانب الجرائم الأخرى، وتآمروا لقتل رئيس وزراء الكونغو باتريس لومومبا. والممثلون عن الشتات هم الذين اقترحوا أن يتم تجديد المتحف في بلجيكا.
 
تعوق المهمة
يتم البحث في إعادة المقتنيات إلى البلدان التي تنتمي إليها، إلا أن حلقتين ما زالتا مفقودتين لإتمام هذه المهمة. فالكل مجمع على أن الحصول عليها تم بطرق غير أخلاقية، لكن كيف تمت العملية؟. كما إن شكل القبائل التقليدية والكنائس والولايات قد تغيّر حاليًا مع دخول الحداثة إلى البلدان المعنية، فلمن تُعاد هذه المقتنيات؟.

أما بالنسبة إلى متحف الملك ليوبولد الثاني في بلجيكا، فقد جرى ترميمه، وفتح أبوابه مجددًا في التاسع من ديسمبر الجاري. ويعرف هذا المتحف باسم المتحف الملكي لوسط أفريقيا أو متحف أفريقيا.

يدير المتحف منذ عام 2001 الخبير الزراعي غيدو غريزيل (66 عامًا). وكان قد قضى السنوات الخمس الماضية يبحث عن الطريقة المثلى لوضع لمسةٍ حديثةٍ على التصميم الداخلي.

جاءت النتيجة ساحرة، وتجمع بين القديم والحديث، سواء في المدخل أو المطعم أو قاعة المؤتمرات أو المسرح أو النفق الداخلي. أما المبنى المجاور للقصر، والذي يبلغ عمره مئة عام، فما زال يضم مكتبة يتم الاحتفاظ فيها بأرشيف المكتشف الفيكتوري هنري مورتون ستانلي، الذي انتدبه الملك ليوبولد كي يدعم مصالحه في وجه أخصامه الأوروبيين.
 
إشكالية يطرحها المتحف
سواء كان الاستعمار حاليًا مصدر فخرٍ أو خجلٍ في البلدان الأوروبية، فما لا شك في أن الثروات والكنوز التي نتجت منه والموجودة في هذا المتحف هي في غاية الروعة. يقول غريزيل: "قد يكون المتحف الأكبر من نوعه في العالم. فهو يضم 125000 قطعة إثنوغرافية، 10 ملايين قطعة حيوانية، 6 ملايين قطعة من الحشرات، 8000 قطعة موسيقية، 200000 نموذجًا من الحجارة و3000 خريطة تاريخية، و4 كيلومترات من الأرشيف".

بعد ترميم المتحف، طرحت إشكالية كيفية تقديم تاريخ الاستعمار، من خلال الرسالة الجديدة للمتحف. ففي الوقت الذي يُنظر عالميًا إلى حكم الملك ليوبولد على أنه من الأكثر وحشيةً في تاريخ الاستعمار في أفريقيا، باستثناء المساهمة في مجالي الطبابة والتعليم، وفي الوقت الذي يتفق فيه الجميع على أن الاستعمار غير أخلاقي، لا يمكن إنكار الرسالة الأساسية لهذا المتحف من خلال الجداريات والمنحوتات التي تمجّد تلك الحقبة، على امتداد أقسامه.
 
 
 
هذا التقرير عن "إكونوميست".

20 Dec, 2018 02:49:10 PM
0

لمشاركة الخبر