رواية عن «الأقلية داخل الأقليات» في إيران
صدرت عن مشروع «الجزائر تقرأ» رواية «حمار الغجر الأحمق» 2018. وهي الرواية الأولى للكاتب والمترجم أحمد حيدري. وهي تتناول عالم الغجر، الذين تقسمهم إلى مجتمعين، مجتمع يمنح المتعة المحرّمة في أقصى حالاتها، ومجتمع يعيش في أقرب جغرافيّة تتاح له لكي يتقرب من الثقافة واللغة اللتين تحوطانه. فالغجر يعرفون المساحات المحرمة عليهم جيداً، ولا يعبرونها، خوفاً من إقصائهم عن الحياة. وفي كلتا الحالتين يدخل القارئ إلى غرائبية العالمين الغجريين، غرائبيّة الحب مقابل المال وغرائبية الموسيقى والشعر. وتتكاثف المشاهد مع دخول بطل الرواية «هادي» إلى هذا العالم المرح، عالم الغجر غير المسموح لهم بالسكن في المحيط العربي، وقد حافظ الغجر أنفسهم على هذه الأعراف غير المعلن عنها.
تبدأ الرواية من الأحواز ثم تنتقل إلى طهران. لا تتغير الجهات كثيراً. فالغجر هناك أيضا رحّل. ويفاجئنا النصّ بأنّ لهم لغة مشتركة أينما حلّوا. وهي لغة طوّروها عبر تماسهم بمَن حولهم. فمفرداتهم ثابتة، بينما يدخلون مفردات مَن يعيشون بقربهم ويعجنونها ثم يعيدون صياغتها عبر نظام لغوي يدخل فيه الأدب والموسيقى. إنه التعقيد الذي برع فيه الغجر عبر قرون من الترحل والاضطهاد والترحال والعبثية.
التصق الاضطهاد بتاريخ الغجر، الاضطهاد سيستمر السكوت عنه، من قبل المجتمعات والإعلام والحكومات، ما يسمح بالتمادي معهم إلى أقصى الحالات. في المقابل، ما هو شعورهم تجاه هذا الاضطهاد؟ وكيف يفسرونه ويتعايشون معه؟
يتعرف بطل الرواية على صديق جديد، علاء، وهو من أصول كرديّة لكنه لا يتقن سوى اللغة العربية ويستميت من أجل الحصول على الجنسية الإيرانيّة فينتزع نفسه من كرديته وعربيته ليلتصق بفارسية لا يتقنها، ويظل يبحث عن هويّة تنتزعه من غربته. يصرّ علاء على بطل الرواية أن يرافقه إلى مكان مجهول، وإلى مجموعة من الناس يقول عنهم إنهم من جماعة «هادي». وقد تُلمّح الرواية إلى قضيّة أثيرت في قبل عقود وهي التهمة التي واجهها العرب في الأحواز عبر خروجهم في مظاهرات أدت إلى سقوط الكثير منهم وسجن أكثرهم، تهمة أنّ كلّ مَن على أرض الأحواز هم من الغجر.
لكلّ حركة في الرواية دهليز غجري ممتد، دهاليز لغوية وموسيقية وأدبيّة وجنسانيّة. ومع كلّ دهليز نجد الحمار مرشداً دهليزياً يفكّ شفرة طلاسم وخوارزميات إنسانيّة، أبدعها البشر لكنهم تناسوها.
وللمؤلف أحمد حيدري عدّة ترجمات لروايات إلى العربية عن الفارسية منها: «خالي العزيز نابليون» إيرج بزشك زاد و«صيف ذلك العام» طاهرة علوي و«إصفهان نصف الدنيا» صادق هدايت والكتابة بالكاميرا إبراهيم كلستان و«فروغ فرخزاد، السيرة الأدبيّة ورسائل تُنشر لأول مرة» فرزانة ميلاني.