Skip to main content
ذكرى ميلاد: إدواردو غاليانو.. ذاكرة النار المتقدة دائما

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث من أيلول/سبتمبر، ذكرى ميلاد الروائي والكاتب الصحافي الأوروغواني إدواردو غاليانو (1940-2015).

 

"أعلم أنني عديم الفائدة تمامًا، ولا أعرف كيف أفعل أي شيء بشكل متقن، في بداياتي حاولت أن أكون رساماً لكن قدراتي لم تكن لتسمح إلا أن أكون رساماً "ميديوكر"، ثم حاولت أن أكون لاعب كرة قدم لكنني كنت أخرقاً، أردت أن أكون قديسًا فكنت آثمًا، تنقلت من فشل إلى فشل، والكتابة كانت الشيء الوحيد الذي أنجزته بشكل معقول، لذلك أحبها لأنها لا تعذبني بل أجد فيها المتعة". هذا ما يقوله الكاتب الأوروغوياني إدواردو غاليانو بينما يصف تجربته في مقدمة فيلم وثائقي أنجزه عنه المخرج البرازيلي فيليبي نيبوموسينو ظهر بعد رحيله تحت عنوان "غاليانو الهائم". 

أسلوبه الذي عدّه غاليانو معقولاً كان له تأثير وأثر كبيربن، وضعه في قائمة تضم أعظم الكتّاب الذين مرّوا في تاريخ أميركا اللاتينية، حيث جمع في أعماله الأدبية بين حسه الصحافي بسلاسة اللغة ومرونتها ومعرفته الكبيرة بالتاريخ والأساطير وسير الكتّاب والثورات والأنظمة في أميركا اللاتينية، فكتب بهذه الروح التي جذبت إليه القارئ النخبوي والعادي وكلاهما وجد في غاليانو متعته الخاصة.

لأكثر من أربعين عاماً، كان كتابه "الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية"، واحداً من أبرز الأعمال المضادة للكولونيالية والرأسمالية والسردية الأميركية، جيث تُرجم إلى لغات عالمية من بينها العربية التي نقل إليها أكثر من مرة؛ مرة أنجزها المترجمان المصريان بشير السباعي وأحمد حسان ، ومرة بترجمة علاء شبانة. ومع ذلك، فحين بلغ غاليانو السبعين أعلن أن كتابه هذا لم يكن جيداً وأنه لم يكن مؤهلاً لكتابته، إذ كان من المفترض أن يكون كتاباً في الاقتصاد السياسي حسبما ذكر وقتها، لكنه لم يكن على دراية كافية تؤهله لتأليفه، أعلن غاليانو ذلك في الذكرى الـ 43 لصدور الكتاب، ووقتها جلب على نفسه انتقادات من اليمين واليسار فهناك من قال "لقد قلنا لك"، وهناك من رفض هذا التصريح من أساسه وأخذ موقفاً دفاعياً عن الكتاب.

حين بلغ غاليانو السبعين أعلن أن كتابه هذا لم يكن جيداً وأنه لم يكن مؤهلاً لكتابته

بغض النظر عن موقف غاليانو من كتابه هذا، فقد ساعدت أعماله وعلى رأسها "الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية" في إلقاء الضوء على تاريخ وسياسة القارة بأكملها. هو الذي ولد في أوروغواي المهملة، وكان جزءًا مهمًا من جيل الازدهار في الستينيات الذي استلهم أحلامه وكتاباته وأفكاره من الثورة الكوبية. على الرغم من أن أعمال غاليانو الأشهر هي الأدبية، لكنه كان صحفيًا تميّز بكونه رائدًا في شكل مقاله السياسي المبني على معرفته الموسوعية بماضي أميركا اللاتينية.

ولد في مونتيفيديو لعائلة كاثوليكية من الطبقة المتوسطة. كان والده إدواردو هيوز، موظفًا حكوميًا من أصل إيطالي. أما غاليانو فهو لقب والدته الذي احتفظ به إدواردو. بدأت مسيرته المهنية في الصحف في سن الرابعة عشرة عندما رسم الرسوم الكاريكاتيرية لجريدة "إل سول" الأسبوعية التابعة للحزب الاشتراكي الأوروغواياني، وكان يوقع على رسومه الكرتونية باسم مركب من اسم والدته لوتشيا. في وقت لاحق  أصبح محرراً مكتبياً في صحيفة "مارشا"، الجريدة السياسية والثقافية الأسبوعية التي كانت مؤثرة في وقتها. بعد ذلك انتقل ليصبح محررًا في صحيفة "لا إيبوكا" اليومية اليسارية.

ساعدت أعماله في إلقاء الضوء على تاريخ وسياسة القارة بأكملها

سافر إلى الصين وكتب كتابًا عن مغامراته فيها، كما زار غواتيمالا وكتب عن الاضطرابات والانقلاب فيها، وربما جاءت أشهر لحظاته كمحرر عندما نُفي لأول مرة إلى بوينس آيرس عام 1973 وتولى مسؤولية المجلة الأسبوعية "كرايسيس" التي عكست دراما اللحظة، وامتلأت صفحاتها ببعض من أبرز الكتاب في ذلك الوقت، من جميع أنحاء أميركا اللاتينية. وبعد وفاة الرئيس خوان بيرون في عام 1974 وانقلاب الجنرال خورخي رافائيل فيديلا في عام 1976، أغلق الجيش المجلة ووجد غاليانو نفسه مرة أخرى في المنفى.

أعاد صاحب "المعانقات" تأسيس نفسه في إسبانيا ، حيث كتب سيرة ذاتية لتلك السنوات، بعنوان "أيام وليالي الحب والحرب" (1978). ولخص فيها ليس فقط حياته بل حياة أولئك الذين عاشوا خلال الديكتاتوريات العسكرية التي سيطرت على الأرجنتين وتشيلي وبوليفيا والبرازيل وأوروغواي. وحين عاد إلى بلاده عام 1985 بعد سقوط الدكتاتورية، قرر مع أصدقائه إعادة تأسيس صحيفة "مارشا" باسم جديد هو "بريشا".

منذ الثمانينيات تكرس غاليانو أكثر فأكثر ليس فقط كصحافي بل أصبح صوتًا راسخًا ككاتب، وسرعان ما استقر إلى كتابة سلسلة تجمع بين الملاحظات المعاصرة والحكايات التاريخية. قال ذات مرة: "أنا كاتب مهووس بالتذكر، بتذكر ماضي أميركا قبل كل شيء ، وقبل كل شيء ماضي أميركا اللاتينية، الأرض الحميمة المحكوم عليها بالنسيان."

لخص ليس فقط حياته بل حياة أولئك الذين عاشوا خلال الدكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية

هذه البداية الجديدة الأولى تمثلت في عنوان "ذاكرة النار"، وهو عبارة عن ثلاثة مجلدات لتاريخ الأميركتين (وأحيانًا لندن ومدريد)، يتم سردها عامًا بعد عام في سلسلة آسرة من الحكايات. المجلد الأول، الذي نُشر في مدريد عام 1982 باسم "سفر التكوين" يغطي فترات ما قبل كولومبوس والتاريخ اللاحق حتى عام 1700. ويتناول المجلد الثاني "الوجوه والأقنعة" (1984) القرن التاسع عشر، والمجلد الثالث، "قرن من الريح" (1986) يكمل قصة أميركا اللاتينية حتى عصرنا. من بين كتبه الأخيرة والأكثر شهرة سرده لتاريخ كرة القدم في أميركا اللاتينية بعنوان "كرة القدم في الشمس والظل" والذي نشر عام 1999. 

 

المصدر:العربي الجديد

03 Sep, 2020 03:15:34 PM
0

لمشاركة الخبر