Skip to main content
الأدب التشيكى وتقنيات التجريب وهوس الحكى

الأدب التشيكى وتقنيات التجريب وهوس الحكى

 

فى رواية «دروس فى الرقص للمسنين» للكاتب التشيكى المعاصر بوهوميل هرابال (1914 ـ 1997)، التى ترجمها مؤخرا الدكتور خالد البلتاجى، وصدرت عن دار المحروسة، يتجلى بهاء الحكى المتواصل دون توقف من خلال رجل مسن يحكى عن عشقه للنساء، وعن مغامراته التى لا تكتمل أبدا، وعن ذكرياته فى الحرب حين شارك فى «أجمل جيوش العالم»، وعن الكثير من التفاصيل التى تشتبك فيها مصائر التشيك مع الإمبراطورية النمساوية مع الإمبراطورية الروسية مع الألمان مع اليوغسلاف، الكثير من الأعراق الأوروبية تختلط دماؤها فى تلك الحكاية الممزوجة بالدهشة والغرائبية والروح الحلوة المرحة، وتكاد تكون الواقعية السحرية ممثلة بدرجة كبيرة فى أكثر من موضع فى الرواية، ومن الصعب القول فى أكثر من مقطع لأن الرواية كلها مقطع واحد. هى حكاية تبدأ على لسان الراوى العجوز الذى تجاوز السبعين وهو ذاهب إلى، الكنيسة ويتوقف عند منزل أحد الأشخاص المعروفين بأنهم يدربون البنات على العمل فى البارات والمقاهى والمطاعم، ويخرج الراوى من حكاية لحكاية وهو يخاطب سيدة من المفترض أنها تستمع إليه من الظهيرة حتى المساء، ويحكى الكثير من القصص عن الحرب وعن الأطراف المبتورة، وعن الفرق بين قائد طيب يحمى جنوده ويحبهم ويقدرهم، وآخر عنيف لا تأخذه بالجنود شفقة ولا رحمة، يحكى عن الخسائر والأطراف المبتورة والقنبلة التى تنفجر وتطيح بذراع أحدهم، وعن رجل آخر بطرف صناعى، وعن الأبقار والمواشى، وخاصة البقرة السويسرية التى يمتلكها واضطر لذبحها بعد أن تأكدوا أنها عاقر، ويظل مصنع البيرة الذى كان يعمل فيه من أهم أماكن الأحداث، وربما لهذا السبب كتب المؤلف نفسه وصيته بأن يدفنوه فى صندوق من البلوط وعليه «مصنع بولنا للبيرة».

القصة مليئة بالأحداث الغرائبية التى تعتبر بلا جدال من بدايات التعاطى مع مدرسة الواقعية السحرية، مثل الرجل الذى يغلى الأرجل والاقدام المدفونة فى المقبرة، والسيدة التى تعد طبقا شهيا من اللحم، وحين يسأل الضابط عن قطعة أخرى وتغيب عليه السيدة يتبعها ليكتشف أنها علقت ابنتها فى غرفة تحتية فى المنزل وتقطع من لحمها وتعطى للزبائن كى يأكلوا.

 

 

وهناك أيضا المقاربات التى يقيمها الراوى بين المسيح ومؤسس تشيكوسلوفاكيا وأول رئيس لها، كما يصر الراوى على صرعة هذا الزمان الذى يحكى فيه، وهى أن كل شخص يفشل فى عمل بسيط أو علاقة حميمة أو تتركه زوجته ينتحر فورا، إما بإطلاق النار على نفسه وإما بالشنق، الأمر يبدو من سياق الحكى كأنه موضة ليس أكثر، وتتضمن الرواية الكثير من المقاربات الأخرى حول الموسيقى وما تمثله بالنسبة للروح، كما يتطرق إلى المسرح وإلى المطربين الأوبراليين «التينور»، لتحمل الرواية شحنة رائعة من الحكى الغريب والطريف، خفيف الظل، وفى الوقت نفسه مشبع بالحس المأساوى.

 

 

ويعتبر الكاتب من تلامذة أو من الكتاب المتأثرين بالكاتب التشيكى الشهير فرانز كافكا، كما أن ملاحظاته وسرده عن الجنس وعن الأحلام وسطوتها وتفسيراتها تحمل طابعا خاصا مميزا لكتابة غريبة، لكنها فى الوقت نفسه حميمة وتعبر عن المجتمع التشيكى فى ذلك الوقت، وربما تعكس رؤية وخبرة الكاتب إلى حد كبير.

 

 

 

المصدر:المصري اليوم 

26 Sep, 2020 03:25:33 PM
0

لمشاركة الخبر