Skip to main content
كيم سنغ هي ‏"الأمل وحيدا" قصائد جديدة

كيم سنغ هي ‏"الأمل وحيداً" قصائد جديدة

 

قليلة هي الأصوات الشعريّة التي وصلت إلى عالمنا العربي من كوريا الجنوبية، فالصورة النمطيّة عن ذلك الشرق النائي هي صورة التنمية الاقتصادية لدولة عانت في الخمسينيات من حرب أهليّة ومن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والصين بشكل أو بآخر، ناهيك عن وجود قوي في الأسواق العالميّة، لا سيّما في العقود الأخيرة. من هنا إنّ أيّة مبادرة لمدّ جسر ثقافيّ ومحاولة التّعريف بثقافة وأدب تلك المساحة الجغرافية يجب أن تلقى منّا الاهتمام والتّرحيب. ضمن هذا الأفق يأتي ديوان "الأمل وحيداً" (2020) للشاعرة الكورية الجنوبيّة كيم سنغ هي، الصادر حديثاً عن دار صفصافة، بترجمة عربية قام بها أستاذ الأدب الحديث والمقارن محمود عبد الغفار عن اللغة الكورية مباشرةً.  

يتسرب صوت الشاعرة الكورية كيم سنغ هي في ديوانها الجديد عبر فراغات وشقوق عادة ما تكون مُهملة: قشرة بيض، كلمة "رجاء"، نواح كلب، عبارة "على أيّة حال"، تماماً على غرار اللحظات غير المرتقبة التي يتسرب منها الأمل، في ساعات اليأس والانحطاط، ويعطي للحياة ثوباً جديداً، معنى آخراً. هكذا تتلألأ الأزهار وتصبح البذور الحمراء كالعيون، وبين هذا وتلك، يهطل المطر على شكل قطرات من الأمل الذي، وكما ترى الشاعرة، يغيّر وجه هذا الواقع المرير الذي يتذابح فيه البشر طمعاً وشجعاً، لا سيّما في ظل نظام رأسمالي وشمولي يجعلنا نشك ونرتاب في كل ما هو طبيعي. من هنا يتفجر صوت الشاعرة كيم سنغ هي كصرخة تمرّد ورفض لهذا الواقع المرير المحيط بالكائن الإنساني، ولا سيّما المرأة، فتحاول الخروج منه عبر باب القصيدة التي تفتح لها آفاقاً جديدة، عسى أن تزيد على هذا الواقع فسحات من الأمل.

تأخذ الشاعرة الكورية من مدينة سيول، والتي خصّصت القسم الثاني من الكتاب لوجه المدينة الكئيب على حدِّ تعبيرها، مكاناً تندد انطلاقاً منه بثقل هذا العالم ومراراته. سيول مدينة القتل أو الموت انتحاراً، مدينة التشرد التي تصير فيها أشعة الشمس حجاباً أبيض، مدينة العظام التي يتساوى الجميع فيها ثقلاً، المكان الذي يصعب على أي إنسان فيه أن يحيا باسمه الشخصي: المريض والطبيب، السارق والمسروق، أعضاء الجسد نفسها، الأمام والوراء، الورد والشوك، الموت والانتحار، الصوت والصدى، الصديق والعدو. هكذا، في لحظة كشف كونيّة في أثناء تنزّه الشاعرة إلى جانب نهر هان، تكتشف كيم سنغ هي الغامض والعميق، وفجأة تبدو المدينة من أمام النّهر كأنها خلية جراثيم تأكل وجه المدينة، ويبدو كل بيت باباً مفتوحاً على احتمالين: الماضي، أنّى تلتقي الشاعرة فيه مع شخصيات تاريخيّة تستحضرها في محاولة منها لقراءة جديدة لتاريخ المدينة؛ والمستقبل، حيث الأمل هو احتمال النّجاة الوحيد في ظل المعاناة اليومية في تلك المدينة. إنه نوع من الكتابة الشعرية التي تستحضر الماضي وتحاوره باسم المستقبل.

كل هذا تتناوله الشاعرة وتتعامل معه بأدوات لغويّة دقيقة، وبصورٍ واستعارات ثاقبة، تُبرز من خلالها الأنا الأنثوي الذي كثيراً ما يقلّل النقاد الكوريون من قدرته على الكتابة. من هنا تحاول الشاعرة أن تضفي طابع الأنوثة على عالمها الشعري، وعلى هذا الديوان بشكل خاص، رافعةً الحجاب عن حقيقة ألم كونها امرأة في مجتمع ذكوري وأبوي قويّ وعنيف. هذا الوعي، بطبيعة الحال، ناجم عن وعي اجتماعي عميق تأخذ فيه الكتابة الشعرية حضوراً مختلفاً باعتبارها الشاهد الحقيقي والصادق على معاناة المرأة اليوميّة في ظل مجتمع من هذا النوع يحجب وجه المرأة ويطمس صوتها مع فجر كل صباح ضبابي تشهده المدينة.

ضمن هذا السّياق، يمكننا القول إنَّ تجربة الشاعرة الكورية كيم سنغ هي ليست تجربة عابرة أو مؤقتة، بل هي تجربة تخمّرت في دن المواقف الحياتيّة والإدراكات الثقافية، ولهذا فإنَّ كلَّ مشهد أو صورة شعريّة تلتقطها في عدسة قصائدها إنّما هي، في حقيقة الأمر، صرخة رفض ومقاومة واحتجاج على الظلم الذي تعانيه المرأة. هنا تحديداً تكمن أهمية هذه الشاعرة باعتبارها أبرز الأصوات النسائية التي تدافع عن حقوق المرأة في بلد لا تزال المرأة فيه شبه مغيّبة، لا سيّما على الصعيد الأدبي والثقافي. لا غرو، إذاً، أن تكون كلَّ قصيدة مكتوبة بمثابة انعكاسٍ لعالمها الشعري الداخليّ الذي تتناول فيه تجارب الكثير من النساء، إضافة لتجربتها الشخصية، تحكيها الشاعرة وتضعها ضمن منظومة لغوية متكاملة مقابل منظومة الحياة اليومية أو الثقافة اليومية، بمستواها العادي. وبين هذين العالمين، الداخليَّ والواقعي اليومي، تبتكر الشاعرة مساحاتها الشعرية وتختبر أدواتها اللغوية.

لا شك أنّ كيم سنغ هي اليوم واحدة من أبرز الأصوات الشعرية المعاصرة في كوريا الجنوبية. لقد استطاعت بصوتها الشعري المميز أن تخترق حدود المحلي وأن تصل إلى العالمية. شعرها اليوم مترجم إلى العديد من اللغات، وديوانها الأخير بعنوان "الأمل وحيداً" هو العمل الثاني الذي يترجم إلى العربية بعد ديوانها الأول الصادر عن دار النشر نفسها والذي حمل عنوان "الحياة داخل بيضة".

من الجدير بالذكر أن كيم سنغ هي من مواليد مدينة جوانج جو بإقليم جولا نامدو الكوري الجنوبي، ولدت في عام 1952، ونشرت أولى قصائدها عام 1973. صدرت لها تسعة دواوين شعرية بجانب العديد من الكتابات القصصية. نالت جائزة "سو ول" الشعرية عام 1991، وجائزة "كو كونغ هي" الأدبية عام 2003، وصدرت ترجمات لبعض دواوينها بالإنجليزية والفرنسية مثل "أريد أنْ أخطفَ طائرة" عام 2004، و"المشي على حبل الغسيل" عام 2011.

فيما يلي نقدّم للقارئ بعض قصائد ديوان "الأمل وحيداً" التي ترجمها من الكورية محمود عبد الغفار.

**

1

هناك إلهٌ في قطرةِ ماء الأملِ!

تتلألأُ الأزهارُ

بينما الخريفُ يجثُمُ فوقَ سابقتِها.

والبذورُ الحمراءُ الدًّاكنةُ،

التي لا نستطيعُ رؤيتَها لحظةَ تفتُّحِها.

تبدو كالعيونِ.

إنّهُ الأملُ......

لا يتَّخِذُ وِجهةً مستقيمةً، ومعَ ذلكَ،

فِي قطرةِ ماءِ الأملِ

هناكَ إلهٌ.

2

كلمة "رجاء!"

تَهُبُّ الريحُ،

مُخَلِّفةً كلمة "رجاءً"،

تتساقطُ الورودُ،

ناثرةً كلمة "رجاءً"!

وحقلُ الأرزِ يتطلعُ نحوَ السَّماءِ؛

مُخَلِّفًا كلمة "رجاءً"!

والعَالمُ، على نحوٍ ما، مُتخمٌ بكلمةِ "رجاءً"؛

الأفُقُ،

تَنَفُّسُ الكلماتِ،

تِرحابُ الكلماتِ،

كلُّها مُخَضَبةٌ بمواساةِ الكلماتِ!

تنمو الأشجارُ،

وتطيرُ الفراشاتُ،

وتتراقصُ الأمواجُ،

والشمسُ والقمرُ والنجومُ تُغنِّى،

والفجرُ، على بتلاتِ الأزهارِ،

ينمو على هيئةٍ أكبر مِن الأزهارِ!

وجسدُ المرأةِ المُهتَزّ،

الذي يُصدرُ صريرًا وجلبةً،

يهدأُ في ومضةِ عينٍ!

أشعةُ الشمسِ، والماءُ، والرِّياحُ، والغابةُ والبحرُ أيضًا!

رجاءً، رجاءً، رجاءً......

وكلماتُنا التي لا مكانَ لها في هذا العالمِ،

تتراكمُ فوقَ القمرِ!

3

امرأةٌ تطوي الريحَ بملابسها!

امرأةٌ!

إنها امرأةٌ تطوي الريحَ في ملابِسها؛

تجمعُ الماءَ في إزارها،

ترعى الشمسَ والنجومَ على صدرِها،

وتجمعُ الدَّمَ ونطفَ المنيِّ

( آهٍ! إنه أنتِ! لقد كنتِ أنتِ )

امرأةٌ تنجبُ آدميًّا مِن فرطِ عشقها للريح!

تجمعُ الريحَ بكلتا يديها!

امرأةٌ منسوجةٌ من العِظام والعضلاتِ والأعصابِ والنخاعِ

امرأةٌ روحُها مُحاكةٌ مع لحمها.

امرأةٌ لم تنطفئ جذوةُ النَّارِ بقلبها قط!

والخطورةُ دائمًا أشدُّ مِن الخطرِ نفسه،

واللا جدوى تفوقُ كلَّ العبثِ.

امرأةٌ أسرعُ زوالاً مِن الوقتِ!

امرأةٌ تنثرُ الريحَ بكلتا يديها!

والماءُ ينسربُ من إزارها،

والروحُ التي حيكتْ بلحمها تسَّاقطُ.

حتّى مع أنفاسها التي تُشكِّلُ سُحبًا،

لا تنطفئُ جذوةُ النَّارِ المتقدةِ بقلبها أبدًا!

هذه المرأةُ! جيلاً بعد جيلٍ، تطوي الريحَ طيًّا في ملابسها!

4

كآبة سيول

تؤلمُني عِظامي لأني استلقيتُ فوق الجريدةِ أمسِ!

وتلك العِظامُ المُتألمةُ مُفعمةٌ بصمتِ الحِملانِ.

لستُ مُشرَّدةً، لكنَّ قلبي يُحسُّ بالتَّشرُّدِ.

وموسمُ المطرِ مُتخمٌ بالأمطارِ المُظلمةِ،

وفي خِضَمِّها، تهتزُّ عِظامي نائحةً!

اليومَ هنا، وكلَّ يومٍ هناكَ تبادُلٌ لإطلاقِ النَّارِ!

ليستْ هناكَ وحداتٌ لعملياتٍ فدائيَّة لكنْ هناكَ عقليةُ الفدائيينَ.

ففي سيول تبادلٌ يوميٌّ لإطلاقِ النَّارِ!

والتاريخُ يمضي قُدُمًا ثم يعودُ ثانيةً ليُطلَّ برأسهِ وسط الأمطارِ

كشبحٍ.

نتضرَّعُ مُبتهلينَ،

والآنَ قد حلَّ النَّهارُ!

ومع ضوءِ النَّهارِ، وأمام وجهِ التَّاريخِ،

فجأةً! هناكَ وميضُ انفجاراتٍ!

منذُ مُدَّةٍ، ومحيطُ "جونغ هاك دونغ" في "جونغ نو" قد صارَ

مُضيئًا!

فهناك ظلامٌ يوميٌّ، وأشعةُ شمسِ الخُلودِ!

وشخصٌ ما قد فردَ الجريدةَ ووضعها على رأسِ تمثالِ الفتاةِ أمامَ

سفارةِ اليابان.

ليحجبَ أشعةَ الشمسِ عنها!

ورغم أنَّها ليست ممرضةً، لديها قلبُ ممرضةٍ.

فتاةُ الفتيات، فتاةٌ حافيةُ القدمين!

لا تزالُ باردةً جدًّا حدَّ التجمُّدِ تستمعُ إلى التاريخِ،

فكم وددتُ لو ألبستُ قدميها العاريتينِ جوربًا،

لكنهما ملتصقانِ بألمٍ بالأرض!

رغم أنَّها، مع ظلامِ الأيامِ، تُصبحُ أكبرَ،

فعبرَ الكآبةِ، يحلو لي أنْ أصدِّقَ

أنَّ أشعةَّ الشمسِ الخالدةِ تقبعُ على كتفيها النحيلين!

وأشعةُ الشمسِ تتنزلُ عليها كلَّ يومٍ،

والمعنى يُحلِّقُ في الظلامِ!

ليس التاريخُ اتجاهًا واحدًا ولكنْ،

أشعةُ الشمسِ الخالدةُ تتنزلُ على الظلامِ اليوميِّ

كحجابٍ أبيض!

5

كآبةُ سيول " 17 "

أعودُ ثانيةً لأكتُبَ مذكّراتٍ يوميَّةً كمذكّرات السِّجنِ في ليلةٍ كهذه.

كما قالَ الشَّاعرُ لنغستون هيوز:

"لا أستطيعُ أنْ أعيشَ بِخُبزِ الغَدِ!"

ومتى عاشَ شخصٌ بِخُبزِ اليومِ فحسب؟!

لكنَّ الكتابةَ دائمًا هي خُبزُ الغَدِ.

واليوم،

التَّحطيمُ أفضلُ مِن الإصلاحِ.

وخُبزُ الغَدِ مكتوبٌ كجَدَّةٍ لكلِّ الآمال!

سيول، في سيول

كتابةُ الأملِ أيضًا هي مميزاتٌ، ومحوٌ.

الأملُ اليومَ،

كتابَتُه صعبةٌ كفُحشٍ لا يُذكَرُ!

 

 

 

المصدر: jadaliyya

28 Nov, 2020 04:37:13 PM
0

لمشاركة الخبر