Skip to main content
معنى أن تكون ورّاقا في 2021

ليس سهلاً أن تكون وراقاً في زمن بات فيه الإنترنت منصة النشر والتناول الرئيسة، فكيف أن تبدأ رحلة صناعة الورق الثقافي في أوج عصر الرقمنة؟!

هذا التحدي يضاف إلى صعوبة معركة السوق بالنسبة لدور النشر، الوليدة منها، الأمر الذي يجعل تجربة نجاحها أمراً ملفتاً ويستحق البحث.

في معرض الرياض الدولي للكتاب 2021، مناسبة الكتاب الأولى هذه الأيام، حضر عدد من هذه التجارب متفاوتة الأعمار، قدمت في بادئ الأمر تجارب رقمية ناجحة ثم اتجهت بعد ذلك إلى الورق عن طريق الترجمة، في وقت يسير فيه الآخرون عكس هذا الخط، من الورق إلى "الديجيتال".

رحلة البحث عن معنى

تعد تجربة "معنى" إحدى التجارب الحديثة في السعودية والتي تحضر في المعرض لأول مرة، وهي التي ولدت في عام 2018. تحدي العمر القصير ليس وحده ما يحدق بها، فما يفوق هذا هو أنها اختارت الفلسفة تخصصاً لمنتجاتها المعرفية، إذ يحكي بدر الحمود مؤسس المنصة متعددة الأنشطة قصة البدايات "اقترحت عليّ الصديقة سارة الراجحي، التي باتت رئيسة تحرير منصة معنى، تأسيس منصة فلسفية تخاطب شرائح متعددة من جمهور القراء بمواد متنوعة، وهنا التقت الأهداف، وصار التكامل بين الحس الإداري لدي كرائد أعمال، وسارة بوصفها خبيرة لها باع في الثقافة والاشتغال بالفلسفة وقضايا الفكر"، ومن هنا كانت ولادة المشروع، وبفضل هذا التكامل شرع الطرفان في العمل معاً"

ولم يكتف فريق "معنى" بحدود البلاد، بل امتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يوضح الحمود "أردنا أن تكون (معنى) نافذة يطل منها المثقف العربي على العالم، فلم نكتف باستكتاب مجموعة من أفضل الكتاب، بل عمدنا كذلك إلى نشر كثير من المواد المترجمة من لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية والألمانية، حتى نتغلب على عائق اللغة لدى عديد من القراء العرب".

والفكرة التي اتقدت في 2018، لم تولد حقاً في العام ذاته، بل استوجبت الدراسة والاستشارة والتخطيط لاقتحام المجال، إذ انطلقت رسمياً في 2019 ليبلغ عدد المشاركين فيها 250 مشاركاً من الكتاب والمترجمين ومقدمي المحتوى بمختلف أشكاله، سعوديين وأجانب.

وبالحديث عن معرض الكتاب، فقد كان مناسبة مهمة بالنسبة إلى المنصة الوليدة، بعدما عكفت خلال الأشهر الماضية على ترجمة 30 كتاباً فلسفياً، كثمرة تعاون مع هيئة الأدب والترجمة والنشر التابعة لوزارة الثقافة السعودية، تتضمن أمهات الفلسفة مثل "أسباب وأشخاص" للفيلسوف ديريك بارفيت، أحد أبرز الكتب في الفلسفة التحليلية، وكذلك كتاب "تقديم الذات في الحياة اليومية" لعالم الاجتماع الأميركي البارز إرفنغ غوفمان، وهو أحد كتب علم الاجتماع الأهم في القرن العشرين.

هذا المشروع الذي تم بدعم من الهيئة هو جزء من مشروع تسعى فيه "معنى" لنشر ١٠٠ عنوان في مجال الفلسفة والإنسانيات، التي برز منها كتاب "المقالات" لميشال دو مونتيني، الذي يُعد أحد أبرز كتب التراث الإنساني، وكان حاضراً على رفها في المعرض.

هذا التحدي نظرت له سارة الراجحي رئيسة التحرير والنشر في المنصة، بشكل مختلف "استقبلت شرائح عريضة داخل السعودية وخارجها نشاط المنصة بحفاوة، وكأنهم يتوقون لمثل هذا المحتوى منذ أمد. لهذا نقول بثقة إننا استطعنا في "معنى" تحريك المياه الراكدة، وأعني هنا، إثارة الشغف بالفلسفة، والفن، والعلوم الإنسانية، وتقديمها للجميع".

ويبدو أن "معنى" فرس قد كسب رهان التغيير في سباق لا نهاية له سوى نشر المعرفة، إذ توضح الراجحي "رهاننا معرفي متحرر من الأيديولوجيات التي نعتبرها قاتلةً للمعرفة. الوسط الثقافي العربي في حاجة ملحة إلى وسيط معرفي يتلمس الحياد قدر الإمكان، ويصب كامل طاقته وتركيزه على محتوى ثقافي يجعل من ترسيخ القيم الإنسانية النبيلة، وفي مقدمتها التسامح والحق في الاختلاف، هدفاً رئيساً له. والفلسفة تعلمنا كثيراً في هذا الصدد، كما تعلمنا الاستقلال والتحرر من التبعية والتقليد الأعمى".

الحديث عن ترجمات "معنى"، يقودنا إلى إبراهيم الكلثم، مشرف الترجمة في المنصة الذي يصف تحديات القطاع قائلاً "الباحث سيجد أن عدداً ليس قليلاً من المصطلحات المحورية في الفلسفة قد تترجم بأكثر من معنى دون أن يوجد داع لذلك في كثير من الأحيان، وهذا مما يشكل فوضى مصطلحية وتشوشاً عند القارئ" يرى أن حلها سيكون بالتنظيم والضبط.

 

وأضاف "حققت نجاحاً كبيراً ومبيعات قياسية على الرغم من أن البعض كان يرى أن المجلات المطبوعة في طريقها إلى الانقراض مع سيطرة الوسائط الإلكترونية بما تملكه من إمكانات تقنية متطورة، لقد مثل هذا النجاح مؤشراً على أن المشكلة ليست في الوسيط، بل في المحتوى"، إضافة إلى شراكات عديدة في مجال الترجمة مع مقدمي مواد مختلفة عالمياً.

"أدب" الترجمة بتصرف

تجربة أخرى مشابهة، وراقة وليدة، واختارت خط الترجمة الوعر، دار "أدب" للترجمة والتوزيع التي لم تكن حديثة في حضوره الثقافي لكن في حقل النشر والتوزيع هي تخطو في أشهرها الأولى.

فترجمة "أدب" قديمة بقدم حضور الإنترنت في السعودية مطلع القرن الحالي عندما بدأت كمنتج ثقافي في عام 2000، ثم تحولت في 2004 إلى موسوعة "بنك معلومات" تهتم بتوثيق الشعر العربي منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث بطريقة مبنية على مصادر، توفر للقراء محركات بحث دقيقة بعيداً عن المحركات العامة غير المتخصصة، ثم توسعت بعد 5 سنوات لتضيف الأدب العالمي.

لكن تجربة الطباعة حديثة في عمر المنصة التي تطورت على مهل في الـ20 سنة الماضية، ويقول عبد الرحمن الخلف، مدير التسويق في دار أدب للنشر والتوزيع، إن المؤسسة باتت اليوم شبكة اجتماعية مفتوحة بضوابط "صرنا شبكة اجتماعية، ليس قراءة فقط بل أصبح بإمكان المتفاعل أن يسجل ويجتاز معايير وبعدها يشارك معنا في نشر قصائده"، إلا أن التحول الأبرز هو ما حصل في 2020 بأن تحولت من منصة إلكترونية في زمن رقمي إلى دار طباعة ونشر، ولا يخفى على أحد أن هذا العام بالتحديد لم يكن عاماً مثالياً لبدء نشاط تجاري ما يضيف على مخاطرة الاستثمار في أدوات قديمة مخاطرة أخرى تتمثل في الاستثمار خلال عام عصيب اقتصادياً، وهو ما يتحدث عنه الخلف "اختيار الموعد لم يكن له سبب محدد، كل ما في الأمر أننا في هذا الوقت بالتحديد وجدنا أنه من الضروري أن نستغل خبرتنا التراكمية في اقتحام الطباعة والنشر، نؤمن أن الحياة قصيرة، والمال لا ينفد، لذلك بدأنا".

وحول الخطوات الإجرائية يقول "بدأنا مشروعنا بالشراكة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (ثراء) وهي منصة ثقافية مهمة آمنت بالمشروع، واختارت (أدب) لتكون ذراعها الخاص بالتوزيع في مشروع أطلقته يهدف إلى إثراء المحتوى العربي تحت اسم (مد)، يتمثل في ترجمة المحتوى الأجنبي إلى اللغة العربي".

ومنذ 8 أشهر ترجمت "أدب" 14 كتاباً ضمن برنامج "مد"، كان من ضمنها "dying" للكاتبة كوري تايلر، والذي كان لافتاً حجم التصرف اللغوي في ترجمته، ويعلق مدير التسويق في الدار على هذا "كانت فكرتنا الرئيسة هي أن نعالج مشكلة موجودة في المكتبة العربية الخاصة بالترجمة، وهي افتقارها إلى اللمسة اللغوية وانتهاجها شكلاً يشبه الروبوت في الترجمة، لذلك تجد كتاب dying قد تم ترجمته من قبل عبد الوهاب أبو زيد بعنوان (معنى أن نموت) بإضفاء لمسة أدبية على الكتابة وهي ما لا تجده عادة في الكتب الإنجليزية أو المترجمة عنها بشكل حرفي"، وأيضاً يبرز على الرف كتاب "العالم كما تراه الفيزياء" ترجمة عبد العزيز الخلاوي بلغة جعلت الفيزياء أكثر متعةً.

ويرى الخلف أن تجربة الطباعة محفوفة بالمخاطر، لكن الكتاب الورقي ما زال حياً والدليل معرض الكتاب "الذي يكتظ بالشباب الذين يستخدمون الأجهزة الحديثة بشكل أكبر، وفي نفس الوقت يقبلون على الكتب الورقية، والسبب أن العلاقة الحقيقية بين القارئ والكتاب تتمثل في التواصل الحسي والبصري، وهو ما يفتقد عندما تستخدم جهازاً لوحياً".

وتظل تجربة معنى وأدب، تجارب صغيرة في بحر يكتظ بـ1000 دار نشر أخرى حضرت إلى الرياض هذا العام، إلا أنها نموذج لتجارب وليدة خاضت تحدي صنع المعرفة وإثراء المكتبة العربية بالترجمات ونجحت فيها، على الأقل على مستوى الجودة إن كان الحكم التجاري عليها مبكراً.

 

 

 

المصدر:أندبندنت عربية

24 Nov, 2021 12:29:11 PM
0

لمشاركة الخبر