Skip to main content

سماء صافية محرقة: انهيار الدرع الواقي للأرض

إن السحب هي التي تمنع المحيطات من الغليان، ولكن مع زيادة سخونة الكوكب، بدأ خط دفاعنا الرئيسي ضد أشعة الشمس الرهيبة يضعف.

 

من بين طبقات السُّحُب المنتفشة المنتشرة في سماء يوم صيفي، تجذب واحدة الانتباهَ؛ إذ يبدو شكلها مألوفًا نوعًا ما. أهي على شكل كلب، أم دب يقف على قدمَيْه الخلفيتين؟ لا ليس تمامًا. ومع تبدُّل كُتَل السحاب الشاحبة، تفرد السحابة ما يشبه زوجًا من الأجنحة، ويتضح الأمر الآن؛ إنها على شكل ملاك حارس، مائل قليلًا إلا أنه يبعث على الطمأنينة نوعًا ما. يبقى الشكل إلى أن يتبدَّل مرة أخرى، وتذوب الأجنحة وتنكمش السحابة متَّخِذةً ببطء شكلًا أقل بعثًا على الاطمئنان وأكثر حدةً، أشبه … بهيكل عظمي.

بالإضافة إلى المتعة التي تمنحها مراقبةُ السُّحُب في يومٍ ليس فيه الكثير لنقوم به، فإن لها جانبًا أكثر جدِّيَّةً. تضطلع السحب بدور محوري لا يقدِّره سوى قلة من الناس؛ فتأثيرها الكلي يعادل تأثيرَ درع حراري كونيٍّ يعكس أشعة الشمس، ولولاه لشَوَت الأشعة كوكب الأرض ومحت ما به من آثار الحياة.

يتوقف الكثير على ما يحدث لهذا الدرع الحراري مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. ربما يصبح أقوى بعض الشيء؛ مما يبطئ عملية الاحترار نوعًا ما؛ أو قد يضعف؛ مما يعني أن العالم سيزداد سخونةً وبمعدل أسرع كذلك. إنها مسألة حاسمة لأنها قد تعني الفرق بين ارتفاع درجة حرارة الكوكب ثلاث درجات مئوية، وهو وضع سيئ للغاية لكنه يسمح باستمرار الحياة على الأرجح؛ وبين ارتفاعها ست درجات مئوية، وهو وضع كارثي. ولكي نتمكَّن من تقليل درجة اللايقين، نحتاج إلى فهم السحب فهمًا أفضل بكثير عمَّا نحن عليه الآن.

خلال السنوات الأخيرة، بدأنا نحقِّق تقدُّمًا في هذا المجال؛ فعلى سبيل المثال، اتضح الآن ما ينبغي لعلماء المناخ التركيز عليه. يقول بيورن ستيفِنز — من معهد ماكس بلانك لعلم الأرصاد الجوية بمدينة هامبورج بألمانيا: «نحن نتتبع خيوط الأمر على نحوٍ لم يحدث من قبلُ.» تفضي تلك الخيوط إلى بحارِ الأرض الاستوائية حيث تؤثِّر امتدادات هائلة من السحب المنخفضة على مناخ الكوكب بأسره بصورة قوية.

مثل جميع السحب، تحبس السحب المنخفضةُ الحرارةَ تحتها في شكل موجات طويلة من الأشعة تحت الحمراء؛ ولهذا السبب تنخفض درجات الحرارة بمعدلٍ أقلَّ في الليالي الغائمة مقارَنةً بالليالي الصافية. لكن السحب تعكس كذلك بعضًا من أشعة الشمس نحو الفضاء مباشَرةً، وبالإضافة إلى ذلك تعمل — على نحوٍ أقلَّ وضوحًا — كمشعاعٍ؛ إذ تبعث الأشعة تحت الحمراء إلى الفضاء من قِمَمها؛ ومن ثَمَّ تعمل السُّحُب كمظلَّة وغطاء وزعانف تبريد في آنٍ واحد (راجع الشكل التوضيحي).

الدرع الحراري للأرض: تعمل السُّحب المنخفضة على خفض درجة حرارة الكوكب، بينما تساعد السُّحب المرتفعة على زيادة درجة حرارته، وبما أن السُّحب المنخفضة هي الأكثر، فإن تأثير السُّحب الكلي هو التبريد، لكن من المرجح أن يقلِّل تغيُّر المناخ من هذا التأثير.

الدرع الحراري للأرض: تعمل السُّحب المنخفضة على خفض درجة حرارة الكوكب، بينما تساعد السُّحب المرتفعة على زيادة درجة حرارته، وبما أن السُّحب المنخفضة هي الأكثر، فإن تأثير السُّحب الكلي هو التبريد، لكن من المرجح أن يقلِّل تغيُّر المناخ من هذا التأثير.

تعتمد النتيجة الكلية على ارتفاع السُّحُب ونوعها؛ فالسُّحُب المنخفضة تبرِّد الكوكب، ورغم احتجازها لبعض الحرارة فهي تعكس كذلك الكثيرَ منها، وتطلق قِمَمُها الدافئة إلى حدٍّ ما قدرًا كبيرًا من الحرارة نحو الفضاء. أما السُّحُب العالية فتبعث قدرًا أقل بكثير من قِمَمها الأكثر برودةً، وغالبًا ما تعكس قدرًا ضئيلًا من الحرارة كذلك، ومن ثَمَّ فهي تساعد على زيادة حرارة الكوكب.

تنتشر السُّحُب المنخفضة أكثر من السُّحُب المرتفعة؛ ولهذا السبب تبرِّد السحب الكوكب عمومًا. في الواقع إذا قمنا بتجريد الكوكب من جميع السحب فقد يؤدِّي ذلك إلى احتباسٍ حراريٍّ جامح يُفضِي في النهاية إلى غليان المحيطات وتبخُّر مياهها، وفقًا للتقديرات التي نشرها كولن جولدبلات — من جامعة فيكتوريا بولاية بريتيش كولومبيا، كندا — عام ٢٠١٣. ومع أن هذا السيناريو لن يحدث، فإننا نحتاج بالفعل إلى معرفة كيف ستتغيَّر السُّحُب في عالم أكثر دفئًا. قد تعتقد أن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي دراسة تاريخ تغيُّر السُّحُب طوال القرن الماضي مع ارتفاع حرارة الكوكب درجةً مئويةً واحدة، لكن اتضح أن هذه الوسيلة معقَّدة للغاية. فإذا كنتَ قد فُتِنْتَ في يوم من الأيام بمجموعات السُّحُب المتقلِّبة، فسوف تدرك أنه من الصعب إلى حدٍّ ما تحديدها بدقةٍ.

لكل وسيلة مستخدَمة في مراقبة السُّحُب بعضُ العيوب؛ فمحطات الأرصاد الجوية المُقَامة على البر لا تصلح لمراقبة سُحُب المحيطات الأكثر انتشارًا وأهميةً، بينما تتسم الملاحظات الصادرة من السفن بعدم الانتظام واللاموضوعية، أما الطائرات المحمَّلَة بالأجهزة فنادرًا ما تتوافر. وتتيح أقمارُ الأرصاد الجوية بعضَ المعلومات، لكنَّ الانحراف وتآكُل المدارات يصيبان بياناتها في مقتلٍ. وعلاوة على ذلك، فإن أقمار المناخ الصناعية المتخصِّصة والتابعة لنظام مراقبة الأرض الخاص بوكالة ناسا لم يمر عليها في مراقبة السحب إلا عقد من الزمن تقريبًا، وهي فترة لا تكفي لاكتشاف الاتجاهات الطويلة الأمد.

وحتى إذا كان لدينا سجل عالمي جيد يوثِّق سلوكَ السُّحُب، فقد لا يُعَدُّ مرجعًا يُعتمَد عليه لتفسير ما سيحدث عندما يزداد الكوكب سخونةً بمعدل أكبر. ومع تصاعد درجات الحرارة، قد نتخطَّى عتبةً ما تَنجمُ عنها تغيُّراتٌ ضخمة في سلوك السحب.

إذا أدركنا بالضبط آلية عمل السحب، فربما نستطيع التنبؤ بسلوكها المستقبلي ضمن نموذج مناخي. لكن دراسة السحب عبر النماذج الحاسوبية ليست بالمهمة السهلة؛ فآليات عمل السحب الداخلية تتضمَّن تيارات مضطربة من الهواء على مستوياتٍ تتراوح بين بضعة كيلومترات وبضعة أمتار، وهي مسافات صغيرة إلى حدٍّ يجعلها غيرَ مرئيةٍ بالنسبة لنماذج المناخ العالمية، التي تقسِّم الغلافَ الجوي إلى مكعبات يبلغ عرضها مائة كيلومتر. ومع أن النماذجَ المتخصِّصة المحدودةَ النطاق تستطيع الآن التقاطَ تيارات على مسافات منخفضة تصل إلى مائة متر تقريبًا، فإنها عاجزة عن احتواء أنظمة الطقس الضخمة.

وحتى على المستويات الأكثر دقةً كذلك داخل السُّحُب، تصطدم قطرات الماء وبلورات الثلج وتتَّحِد وتتكثَّف وتتبخَّر. الكثير من تلك العمليات — التي تُعرَف إجمالًا باسم الفيزياء الصغروية — مفهومة جيدًا، لكن ليس جميعها. وإذا دقَّقْتَ النظرَ أكثر، فسترى أن السحب لا تستطيع التكوُّنَ دون ضباب رقيق من الهباء الجوي، وهو جسيمات يحملها الهواء ويقلُّ عرضها عن مايكرومتر واحد، وتعمل كنواة يتكثَّف حولها الماء أو يتجمد. وفي حالة زيادة الجسيمات قد تزداد السحب بياضًا وتصبح أطول عمرًا؛ مما يجعلها مظلَّة أفضل.

لا تستطيع النماذج تسجيل جميع تلك العمليات؛ لذا تضطر إلى الاعتماد على التقديرات التقريبية، مثل العلاقة الملحوظة بين الغمامة والرطوبة — على سبيل المثال — أو درجة الحرارة. ويمكن بعد ذلك دمج تلك العلاقات ضمن النماذج، لكن الملاحظات — كما اتضح لنا — ليست خاليةً من العيوب؛ ومن ثَمَّ لا تتوافر لدينا علاقةٌ عامة بين جميع خواصِّ الجو وبين كم ونوع السُّحُب المفترَض وجودها.

يتيح ذلك لواضعي النماذج خياراتٍ أكثر من اللازم. على سبيل المثال، يرتبط الغطاء السحابي ارتباطًا وثيقًا مع اختلاف درجة الحرارة بين مستوى سطح الأرض وارتفاع ٣ كيلومترات، ولكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا كذلك مع مقياس آخَر يتضمَّن كلًّا من درجة الحرارة والرطوبة؛ لذا تتنوَّع نتائج النماذج اعتمادًا على الخيار المقرَّر اتِّبَاعه. يعلِّق ستيفِن شيروود — من جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني، أستراليا — على ذلك قائلًا: «تعطي النماذج توقُّعاتٍ مختلفةً تمامًا لما سيحدث عندما ترتفع درجة حرارة الأرض.»

وعلى الرغم من تلك الصعوبات، فقد حقَّق الباحثون تقدُّمًا في دراسة بعض أنواع السحب؛ إذ تتفق النماذج والملاحظات على أن السُّحُبَ العالية ستُدفَع لأعلى بدرجة أكبر — في المتوسط — مع ارتفاع درجات الحرارة؛ مما سيزيد من برودة قِمَمها، ومن ثَمَّ ستقلُّ كفاءتها في إشعاع الحرارة. وفي تلك الأثناء، ستتحول مسارات العواصف على الأرجح في اتجاه القطبين؛ حيث تعكس السُّحُب حرارةً شمسيةً أقل؛ وهكذا سيسهم كلا العاملين السابقين في زيادة الاحترار.

من ناحية أخرى، ثمة جزء مهم للغاية من الدرع الحراري الكوني في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، حيث تمتدُّ طبقاتٌ هائلة من السحاب الركامي الطباقي المنخفض فوق أجزاء كبيرة من المحيطات أغلب الأيام. تتضارب النماذج ها هنا؛ فبعضها يتنبَّأ بعدم وجود تغيُّرٍ تقريبًا في تلك السُّحُب المنخفضة، بينما تتوقَّع نماذجُ أخرى انخفاضًا حادًّا سيزيد من الاحترار العالمي.

ولمعرفة أي من تلك النماذج يشير إلى المستقبل الحقيقي، نحتاج إلى فهمٍ أفضلَ لما قد يحدث فوق تلك المساحات المائية الاستوائية الدافئة. يقول بيتر كولدويل — الباحث بمختبر لورانس ليفيرمور الوطني في كاليفورنيا: «أرى عمومًا أن الآليات الفيزيائية مُقنِعة أكثر من زعم أحدهم أن نموذجه «يتنبَّأ بحدوث كذا، ومن ثم لا بد أن ذلك سيحدث».» وقد شهدت السنوات القليلة الماضية موجةً من الآليات الجديدة المكتشَفَة.

تُعَدُّ بعض تلك الآليات بشرى سارة، فهي عبارة عن «ردود فعل سلبية» تعمل على إبطاء الاحترار كلما ازدادتِ الحرارةُ سخونةً. على سبيل المثال، عندما يهبط الهواء الجاف الدافئ نحو المحيطات الاستوائية كجزء من نمط دورة عالمية، قد يتسبَّب في حبس طبقات من السحاب الركامي الطباقي المنخفض الذي يعمل على خفض الحرارة. ومع وجود الهواء الساخن بالأعلى، والهواء الأكثر برودةً بالأسفل — أي ما يُسمَّى بالانقلاب الحراري — يعجز الهواء عن الصعود ويفقد رطوبته عبر الإمطار. ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يُفترَض أن تزداد دفئًا التياراتُ الهوائية الهابطة الدافئة؛ مما يقوي من تأثير الانقلاب الحراري ويزيد من الغطاء السحابي في المتوسط.

حبس المزيد من الحرارة

هذا على الأقل ما تشير إليه الملاحظات والنماذج المحدودة النطاق، حسبما أعلَنَ كولدويل وزملاؤه في العام الماضي. لكن تلك الآلية ليست سوى آلية واحدة؛ إذ يقول كولدويل: «أعتقد أن ردَّ الفعل السلبي هذا قد تزيحه مجموعة متنوعة من ردود الفعل الإيجابية؛ إذ لا أستطيع تحديدَ إن كان السحاب الركامي الطباقي سيزداد أم سيقل، مع أن معظم زملائي يعتقدون على ما يبدو أنه سينخفض.»

يرجع ذلك إلى إدراكهم أن العديد من ردود الفعل الإيجابية قد تلعب دورًا ما؛ أولًا قد تحرم السُّحُب من الرطوبة؛ إذ تكتسب السُّحُب المنخفضة رطوبتها عبر عملية غير مباشِرة، فبينما تنبعث الحرارة من قمم السحب تتكون حُزَم من الهواء البارد وتهبط لأسفل، فيؤدِّي ذلك إلى دفع الهواء الرطب بالقرب من سطح البحر؛ مما يؤدِّي إلى تكوُّن المزيد من السُّحُب بينما يبرد ويتكثَّف. وفي عام ٢٠٠٩، أوضح فريقان — يضمَّان كولدويل وستيفِنز — أن ارتفاع مستويات غازات الاحتباس الحراري سيحبس المزيد من الحرارة؛ مما يقلِّل تبدُّدَ الحرارة من قمم السحب. ينتج عن ذلك تبريد أقل وانخفاض في نسبة الهواء الهابط ونسبة الرطوبة المدفوعة لأعلى، وتراجع الغطاء السحابي في المتوسط.

أو قد تتبدَّد رطوبةُ السُّحُب لصالح الهواء الجاف بالأعلى. وحتى الأماكن التي تشهد احتباس السحب نتيجة الانقلاب الحراري، يحدث فيها امتزاج إلى حدٍّ ما بين الهواء البارد الرطب بالأسفل والهواء الدافئ الجاف بالأعلى. وكما أشار ستيفِنز وزملاؤه عام ٢٠١٢، قد يدفع الاحترارُ التياراتِ الصاعدةَ الأقوى من الأسفل ويزيد من هذا الامتزاج، مبدِّدًا المياهَ التي تلعب دورًا حيويًّا. وينتج عن ذلك تقلُّص الغطاء السحابي وزيادة الاحترار.

وحتى إذا لم يشتد الامتزاج، فقد يتبدَّد برغم ذلك المزيدُ من الرطوبة لصالح الهواء الجاف بالأعلى؛ ففي وسع الهواء الأكثر دفئًا احتجاز كمٍّ أكبر بكثيرٍ من بخار الماء؛ ومن ثَمَّ في عالَمٍ أكثر دفئًا سيحمل أيُّ تيار هوائي المزيدَ من الرطوبة بعيدًا.

لاكتشاف حجم رد الفعل هذا، درس فريق شيروود مؤخَّرًا بياناتٍ من مناطيد الأرصاد الجوية لمعرفة مدى الامتزاج الموجود حاليًّا (مجلة نيتشر، المجلد ٥٠٥، صفحة ٣٧)، واتضح أنه يحدث بمعدل قوي إلى حدٍّ كبير، أكثر مما يظهر في الكثير من النماذج، وهو ما يعلِّق شيروود عليه قائلًا: «إن النماذج التي تحتوي على الكثير من الامتزاج هي الأقرب للواقع.»

تشير نماذج مختلفة إلى أن تضاعُفَ ثاني أكسيد الكربون قد يؤدِّي إلى احترارٍ يتراوح بين ١٫٥ و٤٫٥ درجات مئوية على المدى القصير، وهو رقم يُعرَف باسم حساسية المناخ. لكن شيروود اكتشف أن النماذج التي تُظهِر معدل امتزاج واقعي هي التي تتمتع بحساسية أكبر، وإذا وثقنا بها فسوف تتراوح حساسية الأرض على المدى القصير ما بين ٣ درجات مئوية و٤٫٥.

يقول جون فازوللو — من المركز الوطني للأبحاث الجوية في بولدر، كولورادو: «إن هذا العمل خطوة عظيمة على الطريق الصحيح، لكني لا أعتقد أنه حاسم.» مُضِيفًا أن أحدَ المشاكل التي تعيب منهج شيروود هي أن ملاحظاته حول الامتزاج محدودة؛ إذ تعتمد على بعض مناطيد الأرصاد الجوية المتناثرة؛ ومن ثَمَّ قد يصبح تأكيد النظرية مهمةً صعبةً.

يفضِّل فازوللو مقارَنةَ حجمِ الغيوم مباشَرةً بالرطوبة، وهو ما يمكن قياسه عالميًّا عبر الأقمار الصناعية؛ ففي عام ٢٠١٢ أشار إلى أن النماذج غالبًا ما تفرط في تقدير الرطوبة في المناطق شبه الاستوائية. وتُعَدُّ نتائجه تلك أنباءً سيئة؛ فالنماذج التي تعرض نسبةَ رطوبةٍ منخفضة أقرب للواقع تميل إلى التنبُّؤ باحترارٍ أعلى (مجلة ساينس، المجلد ٣٣٨، صفحة ٧٩٢).

تسلِّط تلك النتائج بعض الضوء على إشكالية السُّحُب الكبرى، لكن تلك الأضواء ما زالت خافتة ومشوَّشة؛ إذ تشير فحسب إلى النماذج الأكثر مصداقيةً على الأرجح. ويتساءل فازوللو: «هل تتوصَّل النماذج الأكثر «نجاحًا» إلى الإجابة الصحيحة للأسباب الصحيحة؟»

ومع تعاظُم قدرات الحاسوب، يمكننا تصميم نماذج على درجة أعلى من الوضوح، لكننا لن نصل إلى عالم مثالي حيث النماذج الكاملة. وحتى إذا تجاهَلْنا قواعدَ الفيزياء الصغروية، فإن حركات الهواء المهمة تحدث على نطاقات يصل صِغَر مساحتها إلى ٥ أو ١٠ أمتار. وما زال أمامنا على الأقل عدة عقود قبل أن تتمكَّن النماذجُ العالمية من إدراج هذا المستوى الدقيق من التفاصيل؛ ومن ثَمَّ فلا بد أن تستمر النماذج في استخدام التقريبات فيما يتعلَّق بهذه المسائل المحدودة النطاق؛ مما يزيد من أهمية فحصها مقارَنةً بالملاحظات المباشِرة.

غذاء السُّحُب

ربما يكمن أحد الحلول في تحقيق الاستفادة القصوى من أقمار الأرصاد الجوية الصناعية، يقول جويل نوريس — من معهد سكريبس لعلم المحيطات في سان دييجو بكاليفورنيا: «فيما يتعلَّق بالمناخ نحتاج إلى شبكةِ مراقَبةٍ ثابتة، لكنَّ أقمار الأرصاد الجوية التي تعرض السُّحُبَ في نشرة الأخبار المسائية لم تُصمَّم لتصبح ثابتةً على هذا النحو، فإذا ما تعطَّل أحد المستشعرات أو انحرَفَ المدارُ قليلًا، فسيظل في وسعنا رؤيةُ مكان الإعصار.» تعتمد الرؤية الكاملة داخل طبقة رقيقة من السحب على زاوية النظر، وبما أن الأقمار الصناعية تتخذ مدارًا لولبيًّا بالقرب من الأرض، فقد يتعرَّض تسجيلُها مستوى الغيوم للتشوُّه، وقد تتحرَّك كذلك من الناحية الجغرافية مما ينتج عنه رؤيتها لبقعة ما في وقتٍ متأخِّرٍ من اليوم عندما تكون نسبةُ السُّحُبِ عادةً أقلَّ أو أكبرَ.

وإلى حدٍّ ما يمكن تصحيح تلك التشوُّهات. ويعمل نوريس حاليًّا على تحقيق ذلك مستعينًا باثنين من قواعد البيانات الرئيسية الخاصة بأقمار الأرصاد الجوية.

لكننا لا نحتاج إلى مراقبة السُّحُب الظاهرة فحسب، بل علينا كذلك مراقبة ما يغذِّيها من بخارِ الماء غير المرئي. يعلِّق ستيفِنز على ذلك قائلًا: «إن بخار الماء هو المتغيِّر الأهم والأوحد، فإذا تساءلْتَ عن مدى كفاءة مقاييسنا العالمية، فستجد أن الوضع مُزْرٍ تمامًا؛ إذ نخطئ بمعدلات تصل لعشرات في المائة، لكنَّ الإنجازَ العظيم يكمن في امتلاكنا الآن بعضَ الأجهزة التي تستطيع قياسَ بخار الماء بدقة.» فلدينا أجهزة رامان ليدار، وهي أجهزة بإمكانها إطلاق شعاع ليزر في الهواء وقياس طيف الضوء المتبعثر عبر جزيئات المياه، ويضيف ستيفِنز: «نحن في حاجة إلى المزيد من تلك الأجهزة، وفي الفضاء كذلك.»

وهكذا يتضح أننا لم نتقن بعدُ علمَ السُّحُب، لكن الملاحظات والنماذج، على حدٍّ سواء، تشير إلى أن السُّحُب أبعد ما تكون عن التحرُّك لإنقاذنا، بل ستنضمُّ إلينا في معاناتنا. كذلك تشير الكثير من الأدلة المنفصلة إلى نفس الاستنتاج. أما النظر إلى الأوضاع المناخية الماضية على سبيل المثال، فلن يستطيع إخبارَنا بسلوكيات السُّحُب، لكنه يكشف لنا عن معدل احترارٍ قويٍّ نتيجةً لارتفاع مستويات غازات الاحتباس الحراري. وتوصَّلَ فيضٌ من الدراسات التي نُشِرت هذا العام إلى أن حساسية المناخ لثاني أكسيد الكربون وصلَتْ إلى مداها الأقصى، ومن ثَمَّ تُنبئ النشرةُ الجوية على نحوٍ مُقلِق بأجواء صافية خالية من السُّحُب.

02 Dec, 2015 11:14:00 AM
0

لمشاركة الخبر