Skip to main content

يد ثالثة: اللسان يحل محل الفأرة

إنه ماهر وحساس ودقيق. إنه الجهاز الذي لن تحتاج معه لاستخدام يديك إطلاقًا؛ لا عجب إذن أن اللسان هو محور جيل جديد من أدوات التحكم في الكمبيوتر.

استمِع إلى مَيسَم جوفانلو وسرعان ما ستقتنع بأن لسانك لا يعمل بكامل طاقته؛ فهو يقول إن هذا العضو الذي تشبه حساسيته حساسية أطراف الأصابع، ومرونته مرونةَ مِجسَّات الأخطبوط — والذي لا يحظى باحتفاء كبير — قد يكون بمثابة طرف خامس يتميز بالمهارة والنفع. وأضاف قبل أن يُلصِق قطعةً من المغناطيس في حجم حبة البازلاء على طرف لساني ويعطيني سماعة أذن: «إنه طبيعي للغاية، تستطيعين أن تلمسي بلسانك كل سن داخل فمك دون تفكير في الأمر أو حاجة إلى تدريب أو تركيز.» ومن أجل إثبات هذا الأمر أمضى هذا المهندس عقدًا من الزمن في تصنيع جهاز يعتمد على اللسان كبديل متعدد الأغراض لفأرة الكمبيوتر.

أُطلق عليه اسم «محرك اللسان»، وقد استخدمه بالفعل أصحاب الإعاقات الشديدة من أجل التحكم في الكراسي المتحركة والهواتف. وسرعان ما سيساعد هذا الجهاز في الكشف عن حركة اللسان المعقدة داخل الفم عند الكلام، الأمر الذي سيكشف عالمًا خفيًّا أمام معالجي مشكلات الكلام الذين يعالجون المصابين بإصابات في الدماغ. مع هذا يرى جوفانلو أن إمكانيات هذا العضو تمتد لأبعد من هذا؛ فهو يماثل تمامًا طَرَفًا إضافيًّا؛ إذ يستطيع التحكم في الألعاب أو الأدوات الإلكترونية أو حتى نسخة شفهية من نظارات جوجل، بينما تكون أيدينا مشغولة في القيام بمهامَّ أخرى، يقول جوفانلو: «باستخدام اللسان تستطيع القيام بالأمر ببساطة. إنه أمر غريزي.» وإذا كان ما يثبطك هو اضطرارك لوضع قرص خزفي صغير في فمك، فلا تخَفْ؛ فقد توصل المهندسون إلى طرق أخرى تسمح للسانك بالقيام بتلك المهام دون إلصاق مغناطيس به.

ذهبت إلى مختبر جوفانلو في معهد جورجيا للتكنولوجيا في أطلانتا وحاولت التحكم في مؤشر على شاشة أحد الهواتف الذكية. عندما كنت أحرك لساني كان المغناطيس يغيِّر من الحقل المغناطيسي حول رأسي، وترصد أجهزة الاستشعار الموجودة في سماعة الرأس التغيرات التي تحدث. كنت قد درَّبت النظام بالفعل على التعرف على أوامري؛ فعندما ألمس، على سبيل المثال، بلساني أحد الطواحن في جهة اليمين يتحرك المؤشر جهة اليسار، إلا أن الأمر يشبه تعلم لغة جديدة؛ فلا بد أن أفكر فيما أريد أن أفعل ثم أترجم هذا إلى لغة اللسان. إلا أن المؤشر سرعان ما بدأ يتحرك بسلاسة على الشاشة، فتفقدت الطقس وتصفحت بعض التطبيقات وطلبت رقمًا. قلت لنفسي: «إنه أمر ممتع، سأصبح بارعًا خلال أسبوع واحد.» ثم سقط المغناطيس عن لساني.

كثيرٌ منا لا يتفكر كثيرًا في اللسان، فنحن لسنا بحاجة لذلك. فنظرًا لكون هذا التابع الزلق مليئًا بالأعصاب التي تربطه مباشرةً بالمخ، فإنه يستجيب على الفور لكل أمر لاشعوري؛ لهذا تستطيع لعق ظرف والغناء وتناول المكرونة دون تفكير. تقول مورين ستون — المتخصصة في علم وظائف الأعضاء بجامعة ميريلاند، والتي تدرس حركة اللسان: إنه أيضًا سريع للغاية ولا يُتعب.

إلا أن ما يجعل هذا العضو فريدًا بالفعل ليس سرعته ولا قدرة تحمله، بل دقته؛ فرغم أن لسان الإنسان قد نشأ للمساعدة في تناول الطعام، إلا أنه تكيف مع الحركات المعقدة التي يتطلبها الكلام. ونتيجة لهذا فإن عضلاته الثمانيَ تتحكم فيها شبكة عصبية أكثر كثافة وتعقيدًا من تلك الموجودة في الثدييات الأخرى؛ مما يجعل تحكمنا دقيقًا على نحو مذهل، يقول جوفانلو: «إنك تتمتع بدرجات من الحرية في لسانك وشفتيك تمامًا كما تفعل في يديك وأصابعك.»

عملية حسية أشبه بالسحر

بدأ جوفانلو التفكير في تطويع قوة اللسان في تسعينيات القرن العشرين عقب قراءة بحث أجراه فريق بقيادة عالم الأعصاب بول باخ-واي-ريتا في جامعة ويسكونسن-ماديسون. شرح هذا البحث عملية يمكنها مساعدة المكفوفين في «الإبصار» من خلال تغذية مجموعة من الأقطاب الكهربائية موضوعة على اللسان بنبضات كهربائية مأخوذة من كاميرا فيديو؛ ففي عملية حسية أشبه بالسحر، تعرفت أعصاب اللسان على النبضات وترجمها مخ المستخدم إلى صورة (انظر الجزء بعنوان «تذوق العالم»).

جعل هذا جوفانلو يفكر؛ فاللسان حساس، وهو خفيف وسريع الحركة أيضًا. فهل يستطيع نقل أوامر المخ عندما تكون باقي أجزاء الجسم مشلولة؟ في عام ٢٠٠٥، حصل جوفانلو على براءة اختراع على جهاز تحكم بسيط، عبارة عن مجسات تلتقط حركة مغناطيس موجود على اللسان وتستخدمها في التحكم في كرسي متحرك، وأطلق عليه اسم «محرك اللسان». يقول جيسون ديسانتو — أحد من جربوا محرك اللسان، وكان قد أصيب بالشلل إثر حادث غوص في عام ٢٠٠٩: «إنه أفضل جهاز لا يتطلب استخدام اليدين.»

حاليًّا وجد اختراع جوفانلو مهامَّ جديدة له؛ ففي جامعة جورجيا الحكومية في أطلانتا سيتمكن أصحاب الأطراف المصابة بالشلل نتيجة لسكتة دماغية من التحكم في أطراف آلية باستخدام هذا الجهاز. ويسود الاعتقاد بأنه إذا استطاع هؤلاء القيام بهذا فإنه ربما يساعدهم في إعادة تدريب عقولهم على تحريك هذه الأطراف مرة أخرى. يقول الباحث أندرو بتلر — الذي يعمل في المشروع: «نحن نأمل أن يؤدي التكرار إلى أن تقوم الخلايا العصبية بالحركة بشكل آلي.»

في مركز شِبرد — على بُعد بضعة كيلومترات شمالًا، وهو مستشفى لعلاج إصابات المخ والنخاع الشوكي — تأمل المتخصصة في علاج أمراض النطق واللغة كيمبرلي ويلسون أن يتمكن جهاز جوفانلو من المساعدة في حل أحد الألغاز؛ فجزء من عمل ويلسون في إعادة تأهيل الجنود المصابين — الذين يعاني كثير منهم من إصابات في المخ — هو تعليمهم الكلام مرة أخرى. إلا أن هذا الأمر يكون صعبًا عندما يتعذر رؤية الخطأ الذي يحدث عند حركة لسان المريض. وهنا سيتيح لها جهاز «محرك اللسان» رؤية حركات اللسان حتى تستطيع تحديد الأخطاء وتصحيحها. تقول: «إنني أرى أملًا كبيرًا في هذه التقنية.»

قضى جوفانلو تسع سنوات في تقليص حجم سماعات الرأس من جهاز في حجم خوذة بيسبول كبيرة وضخمة إلى دائرة كهربائية صغيرة بما يكفي لتدخل الفم مثل تقويم الأسنان. لكن تظل هناك تحديات كبيرة؛ فجهاز «محرك اللسان» يقتصر على ستة أوامر بسيطة؛ منها التحرك يمينًا ويسارًا، لكن جوفانلو يهدف إلى جعل المؤشر يتحرك بسلاسة مع اللسان ويتعامل مع التكوين العظمي للفم بأكمله كما لو كان وسادة فأرة الكمبيوتر. إحدى المشكلات الأكثر خطورة هي مشكلة السلامة؛ فمثلًا إذا حدثت زيادة في موجات الراديو الصادرة من جهاز تحديد الهوية بموجات الراديو بأحد المحال؛ فإنها ستعطل هذا الجهاز، وسيعجز المستخدم عن التصرف. من أجل تجنب حدوث مثل هذا الأمر والحصول على موافقة الجهات الرقابية على بيع المحرك، يخطط جوفانلو لإجراء تجارب خارج المختبر.

أخيرًا، ثمة عامل آخر وهو الاشمئزاز؛ فإلصاق مغناطيس صغير على لسانك ربما لا يتفق مع ذوق جميع الناس، رغم أن المصابين بالشلل ربما تكون لديهم أولويات أخرى بالطبع.

ومع هذا ثمة بديل؛ ففي عام ٢٠٠٩ كان فريق من المهندسين الألمان واليابانيين يبحثون عن نظام تحكم لا يتطلب استخدام اليدين ليستخدمه الأطباء في إجراء العمليات المعقدة، فتوصلوا إلى وسادة مصنوعة من القماش الموصل للكهرباء والحرارة تلتصق بالجهة الخارجية من الوجنة وتُنشَّط بطرف اللسان. فكما تُحرك الفأرة على وسادتها، ترصد «وسادة الفم» ضغط حركة اللسان داخل الوجنة، ولا حاجة لمغناطيس.

لا تقتصر الفائدة على الجراحين وحدهم؛ إذ قد يُفضل السائقون الذين يُجيبون على المكالمات الهاتفية أثناء القيادة، أو الطُّهاة الذين يتفحصون تطبيقات الوصفات أثناء الطهي هذه الطريقة التي لا تتطلب استخدام اليدين. ويمكن تثبيت الوسادة في الخوذات أو أقنعة الوجه والرقبة المصنوعة من القماش التي يستخدمها قائدو الدراجات العادية والبخارية والمتزلجون. هذا على حد قول كاي كونتسه — أحد أعضاء الفريق بجامعة محافظة أوساكا باليابان. يقول كونتسه: لماذا تخاطر بالتعرُّض إلى قرصة برد عند استخدام هاتف ذكي على المنحدرات في حين يمكنك استخدام وجنتك لفتح تطبيق أو الرد على مكالمة؟ «يبدو أمرًا غبيًّا لكنه ناجح.»

علاوة على هذا، لا يمانع البعضُ في الأمور الغبية؛ فإليك مثلًا ممارسي الألعاب الإلكترونية، ففي عام ٢٠١١ سجَّل مهندسو شركة سوني براءة اختراع نظام لممارسة الألعاب يتحكم فيه اللسان، تقول شركة سوني إن ممارسي الألعاب الإلكترونية سيرتدون جهازًا في الفم يرصد حركات اللسان باستخدام أجهزة استشعار للضغط أو كاميرا صغيرة للتصوير الحراري. لن تعلن الشركة عما إذا كانت تخطط لتسويق هذا النظام تجاريًّا، لكن نظرًا لما قد يفعله بعض اللاعبين في سبيل الحصول على أصغر الميزات، فربما يُرحبون بما توفره لهم الوسادة الموجودة على الوجنة من تحكم إضافي. كذلك فإن في العالم الذي يتصفح فيه مرتدو نظارات جوجل الإنترنت بحركات بسيطة وإيماءات الرأس، ربما لا تبدو وسادة الوجنة أو جهاز الفم أمرًا غريبًا. والآن، هيا ضع لسانك في وجنتك، وارمِ الفأرة وعصا التحكم في القمامة؛ ففي النهاية لديك ما هو أفضل منهما.

تذوق العالم

هل يستطيع لسانك تحسين تفاعلك مع العالم؟ اخترع جيرشون دبلون — بالمختبر الإعلامي التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مدينة كامبريدج، بولاية ماساتشوستس — جهاز «تَنج دوينو»؛ وهو شريط مغطًّى بقطب كهربائي يتدلى من اللسان إلى خارج الفم يمتص البيانات من البيئة المحيطة عبر مجموعة من المِجسَّات، ويترجمها إلى إشارات كهربائية تنتقل من اللسان إلى المخ. يمكن لهذا الجهاز نقل المجالات الكهرومغناطيسية والبيانات البصرية وغيرها من المعلومات الأخرى؛ من أجل خلق تدفق مستمر للمعلومات المكانية التي تُشفَّر في صورة نبضات كهربائية متناهية الصغر. يرى دبلون أن هذا الجهاز يساعدك في فهم البيئة المحيطة بك، إلا أنه لا يُشَتِّتُك مثل الهاتف الذكي، ويقول: «إنه يسمح لنا بأن نُلِمَّ بما حولنا بدرجة أكبر أينما ذهبنا.»

03 Dec, 2015 04:38:03 PM
0

لمشاركة الخبر