Skip to main content

الليل: ما يحدث في الليل يبقى في الليل

الليل ليس مجرد زمان مختلف فحسب، بل هو أيضًا مكان منعزل تمامًا، خالٍ من قيود حياتنا الصباحية. اكتشفْ معنا أسرار الظلام.

 ماذا يعني «الليل»؟ من المنظور الكوني، الليل هو نتيجة دوران أحد الكواكب حول نفسه إزاء نجم ساطع. لكن من منظور البشر، لطالما تضمَّن الليل معاني أكثر من ذلك. فالليل وقت غريب ومميَّز، ليس من حيث اختلافه عن فترة النهار فحسب، بل في كونه مكانًا لممارسة المعتقدات والسلوكيات غير التقليدية.

عبادة ضوء الليل.

 ضوء الليل.

إذا ما نظرنا إلى كيفية تصور الثقافات المختلفة للفترة الزمنية التي سبقت نشأة العالم، فسنجد أنهم عادة ما يتخيلونها ليلًا. فعلى سبيل المثال، تعتقد الثقافات اليهودية – المسيحية أن العالم قد انبثق من الظلام. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الثقافات ترى الظلام من منظور سلبي؛ أي بوصفه وقتًا لا يتميز فحسب بغياب الضوء وأحيانًا الدفء، بل بشيوع الفوضى والخوف.

إلا أن هناك جانبًا آخر لعلاقة البشر بالليل؛ فلدينا تاريخ طويل من دراسة الأحلام (فكِّر في فرويد على سبيل المثال)، وأنماط النوم، والسلوكيات الخاصة التي تميِّز فترة الليل، وهذه الأمور الثلاثة ترى الليل فترة للتخلص من الضغوط الاجتماعية الخارجية والكوابح الداخلية.

وعادات النوم — مهما كانت تافهة — تدل على ارتباطات شعورية عميقة وإحساس بالانتماء. نحن نقضي ثلث حياتنا في النوم؛ لذلك فإن معرفة كيفية قضاء هذا الوقت والأشخاص الذين نقضيه بصحبتهم يعد أمرًا مهمًّا لحياة الأسرة، وللراحة والاستجمام، وكذلك لمكانة الفرد في المجتمع. والأحلام هي وقت تداعي الخواطر والأفكار والذكريات، سواء السارة أم غير ذلك.

وعلى نفس القدر من الأهمية تأتي المكانة الاجتماعية الخاصة لفترة الليل؛ فهي ليست مجرد فترة للنوم، بل فرصة للاحتفال والابتعاد عن ضغوط وقيود الحياة. الليل من هذا المنظور إذن ليس فراغًا، بل هو عامر بالمخلوقات والأنشطة، سواء البشرية أم غير البشرية، الواقعية أم الخيالية، التي تنطوي في بعض الأحيان على الغموض أو الشر أو الخطر، أو المختلفة على الأقل عن أنشطة النهار.

منذ فجر التاريخ والبشر يحاولون ترويض الليل أو «تنويره» لا لشيء إلا للتخلص منه. وعلى مدار قرون، اعتمدت هذه المحاولات على استئناس النار أو الاستفادة الدورية من ضوء القمر عندما يكتمل، وخلال الفترة الكبرى من تاريخنا المبكر لم يكن هناك أي وسائل للإضاءة أثناء الليل سوى النجوم أو ضوء القمر. أما في الوقت الحالي، فاستخدم البشر الضوء للتغلب على ظلام الليل، إلا أنه لا يزال يجمع بين الخطر والشك والإثارة.

إن التحرر من القيود التي يفرضها النهار يتيح القيام بأنشطة فريدة. والعديد من الأفراد والمجموعات يستفيدون من الليل ويقدِّرونه على ما هو عليه؛ فهم لا يرغبون في إضاءة المصابيح، بل يحتاجون إلى الظلام عند ممارسة أعمالهم وأنشطتهم، كاللصوص، والجانِّ، والصيادين، والمحاربين، والمعالجين، أو من يرغبون في الاحتفال فحسب. وأحد سبل القيام بهذه الأنشطة هو إيجاد حياة بديلة — ولو لفترة مؤقتة على الأقل — عن طريق التنكُّر أو السُّكْر أو الرقص أو التخفِّي أو تغيير الشخصية والهوية من خلال التمثيل أو الأداء المسرحي.

تتميز الأحداث التي تقع في الليل — أيًّا كانت طبيعتها — بسلوك يختلف اختلافًا جذريًّا عن تلك التي تقع في فترة النهار؛ من حيث إمكانية الإبداع والتعبير وكافة أنواع التحولات والتخيلات الهزلية.

وخير مثال على ذلك هو كرنفال ريو دي جانيرو الذي يقام في صورةٍ تُناقِض تمامًا صورة هذه المدينة في النهار؛ فالناس مستيقظون لكنهم لا يقومون بأي عمل مثمر. إنهم يشغلون الشوارع الرئيسية التي عادةً ما تُخصَّص للسيارات، ويرتدون أقنعة وملابس مميزة، ويقدمون عروضًا إبداعية خيالية عادة ما تسيطر عليها مظاهر الزهو والإثارة.

الاحتفالات الإسبانية التي تُقام في عطلات نهاية الأسبوع والإجازات الرسمية مثال آخر. نادرًا ما تبدأ هذه الاحتفالات قبل الساعة الواحدة صباحًا وتستمر حتى مطلع الفجر، وتُقام في الشوارع والميادين والحانات والنوادي مُطلِقةً العنان للناس كي يستمتعوا بالجانب السحري والمميز للَّيل.

بصورة عامة، الليل مكان لأداء العروض المسرحية والراقصة والموسيقية والكوميدية، وهو وقت يظهر فيه حشد من كائنات الليل — سواء الحيوانات الخطرة أو الجانُّ أو الآلهة أو الباحثون عن المتعة — في أكثر هيئاتهم نشاطًا وإبداعًا.

06 Dec, 2015 10:27:06 AM
0

لمشاركة الخبر