Skip to main content

لغة الجسد بين الحقيقة والخرافة

أتعتقد أنك بارع في تفسير إشارات الآخرين غير اللفظية؟ تنطوي حركاتنا ووضعيات أجسادنا على أكثر — وأحيانًا أقل — مما تراه أعيننا.

 عندما أعلن توم كروز وكيتي هولمز طلاقهما العام الماضي، أسهب محررو صحف الإثارة في التأكيد على أنهم كانوا يتوقعون حدوث ذلك. ظهرت العناوين الرئيسية في الصحف: «راقبوا فحسب لغة جسديهما!» وفي الأسفل صور لهولمز وهي تقطِّب جبينها على مسافة من كروز. وعندما خسر باراك أوباما العام الماضي أول مناظرة رئاسية له مع المرشح الجمهوري ميت رومني، ألقى بعض المعلقين مسئولية الخسارة على لغة جسده «فاترة الهمَّة» وميله إلى النظر للأسفل، وزم شفتيه، وهو ما جعله يظهر بمظهر «الكسول غير المستعد».

علامة النصر (V): حتى من يُولَد كفيفًا يشير بعلامة النصر. كانت تيريزينا جيليرمينا ضعيفة البصر عندما وُلدت، لكنها كانت كفيفة تمامًا عندما فازت بسباق مائة متر للسيدات فئة (تي ١١) لصالح البرازيل في الألعاب البارالمبية في لندن ٢٠١٢.

علامة النصر (V): حتى من يُولَد كفيفًا يشير بعلامة النصر. كانت تيريزينا جيليرمينا ضعيفة البصر عندما وُلدت، لكنها كانت كفيفة تمامًا عندما فازت بسباق مائة متر للسيدات فئة (تي ١١) لصالح البرازيل في الألعاب البارالمبية في لندن ٢٠١٢.

تعجُّ الثقافة الشعبية بمثل هذه الآراء؛ لكن رغم كل شيء، من الممتع تأمُّل دخائل الشخصيات المهمة. غير أن أصحاب النزعة المتشككة أو المنطقية لا يمكن أن يخفقوا في الانتباه إلى حقيقة واضحة، ألا وهي افتراض أننا نستطيع قراءة أفكار الآخرين وعواطفهم عن طريق مراقبة حركات أجسادهم؛ ففي ظل انتشار الكثير من الخرافات المحيطة بهذا الموضوع، من السهل أن نعتقد أننا نستطيع فهم الرسائل المشفَّرة التي يرسلها الآخرون. لكن ماذا يقول العلم حيال لغة الجسد؟ هل تنطوي على شيء آخر سوى المتعة؟ وإذا كانت هذه هي الحال، فأيُّ الحركات والإشارات مهِمٌّ وأيُّها لا يعني شيئًا؟ وإذا عرَفنا ذلك، فهل يمكننا بالفعل تغيير لغة أجسادنا للتأثير في كيفية رؤية الآخرين لنا؟

توجد نقطة جيدة للبدء، وهي الإحصائية الشهيرة التي تقول إن ٩٣ بالمائة من التواصل يكون غير لفظي، و٧ بالمائة فحسب من التواصل يعتمد على ما نقوله. جاء هذا الرقم من دراسة بحثية أجراها في أواخر ستينيات القرن العشرين ألبرت مهرابيان — عالم نفس اجتماعي في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس. اكتشف مهرابيان أنه عندما تختلف الرسالة الوجدانية المنقولة عن طريق نبرة الصوت وتعبيرات الوجه عن الكلمة المنطوقة (على سبيل المثال، أن تقول كلمة «وحشي» بنبرة إيجابية وابتسامة)، يميل الناس إلى تصديق الإشارات غير اللفظية أكثر من تصديق الكلمة نفسها. وتوصل مهرابيان من هذه التجارب إلى أن نحو ٧ بالمائة فقط من الرسالة الوجدانية تأتي من الكلمات التي نستخدمها، و٣٨ بالمائة من نبرة الصوت، و٥٥ بالمائة من الإشارات غير اللفظية.

قضى مهرابيان جزءًا كبيرًا من العقود الأربعة الماضية يشير إلى أنه لم يقصد قط أن تؤخذ معادلته على أنها حقيقة لا ريب فيها، وأنها تنطبق فحسب على ظروف محددة للغاية؛ أي عندما يتحدث شخص عما يحب ويكره. ويقول الآن: «ما لم يكن الشخص يتحدث عن مشاعره أو توجُّهاته، فإن هذه المعادلات لا تنطبق.» مضيفًا أنه يشعر بالاستياء في كل مرة يسمع فيها تطبيق نظريته على التواصل بوجه عام.

إذنْ، فأقدم إحصائية في كتاب لغة الجسد ليست كما تبدو تمامًا، والرجل الذي صاغ المعادلة يتمنى لو توقف الجميع عن الحديث عنها. فلو كنا نستطيع حقًّا فهْم ٩٣ بالمائة مما يقوله الآخرون دون الاستعانة بالكلمات، لَمَا احتجنا لتعلُّم اللغات الأجنبية ولَمَا نجا أحد بأكذوبته أبدًا.

لا شك أن الناس يستطيعون الكذب دون أن يُكتشف أمرهم. وبوجهٍ عام، رغم أن الكذب يكون مفيدًا أحيانًا، فإننا نفضِّل ألا يُقْدِم عليه الآخرون. وهذا هو السبب في تركيز قدرٍ كبير من الاهتمام بلغة الجسد على كشف الكذب. من المتعارف عليه أن الكذابين يكشفون عن أنفسهم عن طريق إشارات بدنية، مثل النظر جهة اليمين، أو التململ، أو إمساك إحدى اليدين بالأخرى، أو حك الأنف. ما مدى صحة ذلك؟

من السهل حسم النقطة الأولى؛ فإحدى الدراسات التي نُشرت العام الماضي — وهي أول دراسة تختبر علميًّا الزعم الخاص بنظر الكذابين يمينًا — لم تجد أي دليل يدعم ذلك. راقَب فريق يقوده عالم النفس ريتشارد وايزمان — من جامعة هارتفودشير في هاتفيلد بالمملكة المتحدة — حركات العينين لدى متطوعين يكذبون في تجارب أجريت في المختبرات. درس الفريق أيضًا لقطات لبعض الأشخاص في مؤتمرات صحفية يعقدها جهاز الشرطة حول الأشخاص المفقودين؛ حيث صدرت الالتماسات المثيرة للعاطفة بتقديم أي معلومات ذات صلة من أشخاصٍ اتضح أنهم متورطون في عملية الاختفاء. وفي كلتا الحالتين، لم ينظر الكذابون يمينًا أكثر من نظرهم في أي اتجاه آخر (بلوس وان، المجلد ٧، صفحة e40259).

أما فيما يتعلق بالإشارات الأخرى، فقد وجد التحليل التجميعي لأكثر من ١٠٠ دراسة أن الإشارات الجسدية الوحيدة التي لوحظت لدى الكذابين أكثر ممن يقولون الحقيقة كانت اتساع حدقة العين وحركات معينة تنم عن التململ، مثل العبث بالأشياء وحك الجلد، لكنها لم تتضمَّن حك الوجه أو العبث بالشعر. وكشفت الدراسة عن أن أفضل طريقة لاكتشاف الكذاب ليست بمراقبة لغة الجسد، وإنما بالاستماع لما يقول. مال الكذابون في الدراسة إلى التحدُّث بنبرة أعلى، وأعطَوْا تفاصيل أقل في روايتهم للأحداث، وكانوا أكثر سلبية وميلًا لتكرار الكلمات.

خلَص الباحثون إلى أن المقاييس الشخصية — أو الحدس — بوجهٍ عام ربما تكون أكثر فاعلية في كشف الكذب من أي مقياس علمي متاح. مشكلة الاعتماد على لغة الجسد هي أنه بينما من المرجح قليلًا أن يُبديَ الكذابون بضعة سلوكيات معينة، فإن مَن يقولون الحقيقة يفعلون الأشياء نفسها. والواقع أن الإشارات التي ربما تعتقد أنها إشارات تحذيرية من الكذب — مثل التململ وتجنُّب النظر المباشر في العين — في الأغلب تكون علامات على الشعور بعدم الارتياح عمومًا، ومن المرجح أكثر أن يُظهرها الشخص الصادق المعرَّض لضغط الاستجواب. وربما يكون هذا هو السبب في أننا عادةً ما نخفق في اكتشاف الكذابين رغم وجود مصلحة شخصية في اكتشافهم. وفي الحقيقة، اكتشف عالم النفس الأمريكي بول إيكمان أن أداء معظم الناس لا يكون أفضل مما يُتوقع منهم عرَضًا، وأن معدل نجاح القضاة، ورجال الشرطة، ومتخصصي الطب النفسي الشرعي، وعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي يكون أعلى بنسبة قليلة للغاية.

لذا، ربما يكون من الأفضل عدم اتهام الأشخاص بالكذب اعتمادًا على لغة أجسادهم. ويوجد الكثير من الأمثلة الأخرى التي تكون فيها آراؤنا السابقة بشأن التواصل غير اللفظي غير دقيقة أو حتى خاطئة تمامًا (انظر الجدول). لنتحدث عن عقد الذراعين على سبيل المثال. يعتقد معظم الناس أنه عندما يعقد شخصٌ ما ذراعَيه، فإنه يكون دفاعيًّا أو يحاول صد الطرف الآخر أو آرائه. ربما يكون هذا حقيقيًّا، لكن ديفيد ماكنيل — الذي يدرس الإشارات في جامعة شيكاجو — يقول: «عقد الذراعين قد يعني العكس إذا كان جذع الجسد منتصبًا بشدة، وكان الشخص مائلًا للخلف بعض الشيء؛ فهذا الوضع يعطي انطباعًا بالثبات والمنعة.» إضافة إلى ذلك، ربما يكون الشخص عاقدًا الذراعين بسبب شعوره بالبرد، أو كمحاولة للشعور بالراحة، أو ربما لا يكون لديه جيوب في ملابسه.

مفاهيم شائعة، ولكن … «بعض السلوكيات والإشارات جديرة بالانتباه، لكن أيُّها تحديدًا؟»

الوضعية الانطباع رأي العِلْم
عقد الذراعين وضع دفاعي ربما، لكنه قد يشير أيضًا إلى الشعور بالثبات والمنعة، أو يكون محاولة لطمأنة النفس، أو قد يدل على الشعور بالبرد.
وضع اليدين على الوركين مع المباعدة بين القدمين القوة، والثقة هذا صحيح؛ فهذه الوضعية تؤثر على مستويات الهرمونات؛ مما يجعلك أكثر حزمًا.
حك الأنف الكذب                            ليست شائعة عند الكذابين أكثر من شيوعها عند الصادقين.
النظر لأعلى ونحو اليمين الكذب لا يوجد دليل يدعم ذلك.
الخيلاء في المشي الثقة ليس بالضرورة؛ قد يُقصد من ورائها تشتيت الانتباه عن شيءٍ ما، فضلًا عن أنه يسهُل تصنُّعها.
تجنب النظرات المباشرة الكذب اعتقاد خاطئ في كثير من الثقافات، والحقيقة أنها تشير إلى الشعور بالحرج.
التململ الشعور بالحرج صحيح.
رفع الذراعين والذقن الانتصار، والفخر صحيح في كل الثقافات، وحتى بين الأشخاص المكفوفين بالفطرة.
توجيه راحتَي اليدين لأعلى عند الحديث الجدارة بالثقة واحدٌ من تفسيرات عديدة، ولا يوجد دليل يؤيده.

ماكنيل غير مقتنع أيضًا بالمزاعم التي يطرحها استشاريو مخاطبة الجماهير حول أهمية حركات اليدين. فعلى سبيل المثال؛ كثيرًا ما يقال إن حركة «انحدار» اليدين (أي تلامس أنامل اليدين معًا) تجعلك تبدو مسيطرًا، بينما تشير اليد المفتوحة إلى الصدق. ويقول إن هذه أمثلة لحركات مجازية لها معانٍ يميزها العاملون في الإدارة، لكنها ليست مقتصرة على هذه المعاني فحسب. بعبارة أخرى، تتسم «القواعد» المعروفة للغة الجسد بأنها اعتباطية؛ فاليد المفتوحة — على سبيل المثال — قد تكون رمزًا للجدارة بالثقة، لكنها قد تدل أيضًا على حَمل وزنٍ ما؛ فالحركة غامضة من دون سياق وإشارات من اللغة المنطوقة.

حتى الآن لم يقدِّم منهجنا العلمي دعمًا كافيًا لهؤلاء الذين يدَّعون أنهم يتقنون توظيف لغة الجسد، لكن اتضح أنه يوجد بعض الإيماءات التي يفهمها الجميع. في دورتَي الألعاب الأولمبية والبارالمبية (أولمبياد المعاقين) عام ٢٠٠٨، اتخذ الرياضيون من كل الثقافات وضعية الجسد نفسها عند الفوز؛ وهي رفع اليدين لأعلى على شكل حرف V، مع رفع الذقن لأعلى. وينطبق نفس الأمر على الرياضيين المكفوفين بالفطرة؛ مما يشير إلى أن وضعية الانتصار فطرية، ولا تُكتسَب بالملاحظة (انظر الصورة في بداية المقال). ويبدو أن وضعيات الهزيمة عامة أيضًا؛ فيكاد كل المهزومين يحْنُون ظهورهم ويدلُّون أكتافهم.

الواقع أنك إذا كنت تبحث عن علامات النصر أو الهزيمة، فربما يكون من الأفضل النظر إلى الجسد لا الوجه. اكتشف هليل أفيعازر — من جامعة برينستون — وزملاؤه العام الماضي أن تعبيرات الوجه لدى لاعبي التنس المحترفين عندما يفوزون بنقطة مهمة أو يخسرونها متشابهة للغاية، حتى إنه تكون هناك صعوبة في التفريق بين الحالتين. مع ذلك، كان من السهل قراءة لغة الجسد حتى مع إغفال تعبيرات الوجه (ساينس، المجلد ٣٣٨، صفحة ١٢٢٥).

تشير دراسات حديثة أخرى إلى أنه باستطاعتنا التقاط إشارات مهمة عن الآخرين من طريقة تحرُّكهم. يرى الرجال أن مشية السيدات ورقصهن يكون أكثر إثارة عندما تكون المرأة في أكثر فترات دورة الحيض خصوبة، مشيرين إلى أن لغة الجسد لدى النساء ترسل رسالة مفادها أنهن مستعدات للتزاوج، سواء كنَّ — هن أو الرجال من حولهن — يدركن ذلك أم لا. في الوقت نفسه، يقيِّم النساء والرجال الذين يميلون إلى الجنس الآخر رقصات الرجال الأقوياء بأنها أفضل من رقصات الرجال الأكثر ضعفًا، وهو ما قد تتخذه النساء مؤشرًا لتحديد الرفيق الأفضل ويتخذه الرجال لتقييم المنافسين المحتملين.

غير أن استخدام لغة الجسد في تقييم الانجذاب الجنسي قد ينطوي على مخاطرة. اكتشف كارل جرامر — من جامعة فيينا في النمسا — دليلًا يؤيد الفكرة الشائعة بأن النساء يعبرن عن الاهتمام بأحد الرجال عن طريق تحريك شعورهن، وهندمة ملابسهن، وهز الرأس تعبيرًا عن الموافقة، والنظر المباشر إلى العين. لكنه اكتشف أيضًا أنهن يؤدين العدد نفسه من الإشارات التشجيعية في الدقيقة الأولى من لقاء أي رجل، سواء أُعجبن به أم لا. ولا تكون هذه المغازلة دليلًا على الاهتمام الحقيقي إلا إذا استمرَّت لما بعد الدقائق الأربع الأولى أو نحو ذلك. ويفسر جرامر ذلك بأن النساء يستخدمن لغة الجسد لحث الرجل على مواصلة الحديث حتى يستطعن اكتشاف ما إذا كان يستحق التعرف عليه أم لا.

حتى عندما يوجد اتفاق عام حول كيفية تفسير لغة الجسد، يمكننا أن نخطئ، كما أوضح بحث جديد حول طريقة المشي. صوَّر عالم النفس جون توريسن — من جامعة دُرَم بالمملكة المتحدة — بعض الأشخاص أثناء سيرهم، ثم حوَّل الصور إلى عروض النقاط الضوئية لتسليط الضوء على الأطراف المتحركة والتخلُّص من المعلومات المتعلقة بشكل الجسم والمسببة للتشتيت. اكتشف أن الجميع كادوا يحكمون على المشية المختالة بأنها علامة على أن الشخص مغامر، وانبساطي، وودود، وجدير بالثقة. على الجانب الآخر، رُبطت المشية البطيئة المرتخية بالشخصية الهادئة ثابتة الجأش. مع ذلك، عندما قارن العلماء الشخصيات الحقيقية لهؤلاء الأشخاص بالافتراضات التي وضعها الآخرون حيالهم، لم يجدوا أي رابط (كوجنيشن، المجلد ١٢٤، صفحة ٢٦٢١).

يمكن القول بأن ما تكشفه لغة الجسد فعليًّا عنك ليس مهمًّا. المهم ما يعتقد الآخرون بشأن ما تخبرهم به هذه اللغة. فهل يمكن تزييفها إذنْ؟

تصنُّع لغة الجسد

يرى توريسن أن احتمال تصنُّع مشية الشخص الواثق احتمال قائم، فيقول: «ليس لديَّ بيانات تدعم هذا، لكني أعتقد أن الأشخاص يمكنهم التدرُّب على تغيير الانطباع المأخوذ عنهم.» توجد خدع جسدية أخرى ربما تساعد في التحكم في الانطباع المأخوذ. على سبيل المثال؛ نجد أن الأشخاص الذين يجلسون في مقابلات العمل ثابتين، ويحافظون على التواصل المباشر عن طريق العين، ويبتسمون، ويومئون أثناء الحديث من المرجح أن يحصلوا على الوظيفة. ومن المرجح أكثر رفض الأشخاص الذين يشردون ببصرهم، أو يتجنَّبون التواصل بالعين، ويُبقون رءوسهم ثابتة، ولا يغيِّرون من تعبيرات وجوههم كثيرًا. وإذا لم يحدث الأمر على نحوٍ طبيعي، فإن تعمُّد المشي بثقة، والابتسام، والإيماء، والتركيز على التواصل بالعين لن يضرك على الأرجح؛ ما لم تُفرِط في ذلك وتَظهر بمظهر مخيف.

ربما يغير تصنُّع الهدوء والثقة طريقة رؤية الآخرين لنا، لكن عالمة النفس دانا كارني — من جامعة كاليفورنيا ببركلي — تعتقد أنه قد يفعل ما هو أكثر من ذلك بكثير، فتقول إننا يمكننا استخدام لغة الجسد لتغيير أنفسنا. طلبت كارني وزملاؤها من بعض المتطوعين أن يتخذوا وضعية توحي بشدة النفوذ، ومن بعضهم الآخر أن يتخذوا وضعية توحي بتدَنِّي النفوذ، وذلك لمدة دقيقتين. كانت وضعية المجموعة الأولى انبساطية تضمَّنت الجلوس مع رفع الساقين على المكتب، ووضع اليدين خلف الرأس، والمباعدة بين الساقين أثناء الوقوف، ووضع اليدين على الوركين، بينما تضمَّنت الوضعية الثانية احْدِيدَابَ الظَّهر، وشغْل مساحة ضئيلة. بعد ذلك، شاركوا في لعبة مقامرة كانت فيها فرص الفوز متساوية بنسبة ٥٠:٥٠، وأخذ الباحثون عينات من اللُّعاب لاختبار مستويات التستوستيرون والكورتيزول — هرمونَي القوة والتوتر على الترتيب — في أجسادهم. هؤلاء الذين اتخذوا الوضعية الأكثر قوة غلب عليهم المقامرة أكثر ممن اتخذوا الوضعية الأقل قوة (٨٦ بالمائة مقارنة بنسبة ٦٠ بالمائة). ليس هذا فحسب، وإنما ارتبطت الرغبة في المقامرة بتغيُّرات فسيولوجية؛ زاد مستوى التستوستيرون لدى أصحاب الوضعية الأكثر قوة بنسبة ٢٠ بالمائة، وانخفض الكورتيزول لديهم بنسبة ٢٥ بالمائة، بينما سجَّل الآخرون انخفاضًا بنسبة ١٠ بالمائة في التستوستيرون وزيادة بنسبة ١٥ بالمائة في الكورتيزول (سايكولوجيكال ساينس، المجلد ٢١، صفحة ١٤٦٣).

تقول كارني: «أثبتنا أن بإمكانك تغيير حالتك الفسيولوجية. الأمر يتجاوز مسألة العواطف؛ إذ يحدث هنا شيء أكثر تعقيدًا.» الشعور بالقوة ليس نفسيًّا فحسب؛ فقد رُبطت زيادة التستوستيرون بزيادة تحمُّل الألم؛ لذا يمكن للوضعية الأكثر قوة أن تجعلنا أكثر قوة بالفعل. وهذه ليست الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن تؤثر لغة الجسد على ما تشعر به. أشارت كارني إلى دراسات توضح أن وضعية الجلوس المستقيمة تولِّد مشاعر إيجابية، بينما تهدُّل الكتفين أثناء الجلوس يؤدي إلى الشعور بالكآبة. كذلك توجد الكثير من الأدلة على أن تصنُّع البسمة يجعلك تشعر بمزيد من السعادة، بينما يكون لتقطيب الجبين أثر عكسي. والواقع أن هناك أدلة على أن الأشخاص الذين يستخدمون حقن البوتوكس لمنعهم من العبوس يشعرون بمزيد من السعادة عمومًا.

رغم هذه النتائج المثيرة للاهتمام، إذا كان العلم قد أوضح لنا شيئًا، فهو أننا ينبغي دائمًا ألا نأخذ أفكارنا السابقة حيال لغة الجسد على محمل اليقين. فحتى عندما يتفق أشخاص من ثقافات مختلفة حول معنى حركةٍ أو إشارةٍ معينة، فربما يكونون جميعًا على خطأ. ومع تزايد الأدلة في هذا الشأن، ربما يأتي يوم نستطيع فيه أن نطوِّع لغة أجسادنا من أجل التأثير الفعال في الرسائل التي نبثها للآخرين بشأننا. وفي الوقت الراهن، يمكن على الأقل تعديل المفاهيم الشائعة عن طريق بعض الرؤى المدعومة بالأدلة. أو كما قالت مادونا في أغنيتها: «لا تقف مكانك وحسب، بل تحرك، واتخذ وضعية مميزة؛ فهذا سيجديك نفعًا.»

06 Dec, 2015 05:07:50 PM
0

لمشاركة الخبر