Skip to main content

أرض الوهم: آثار مزيفة في الفردوس

على جزيرة رواتان في البحر الكاريبي تجتمع السياسة العليا بالأموال الطائلة وشعور الاعتزاز القومي. وإذ يتوافد السياح على الجزيرة لرؤية البقايا الأثرية الرائعة للمايا، يتضح لنا أن شعب المايا أنفسهم لم يروا هذه الآثار.

في ٢٠٠٣، عُثر في إحدى الخزانات بجامعة جنوب فلوريدا على مجموعة أثرية تتكون من أكثر من ١٥٠ سلطانية وصحنًا وبرطمانًا. كان الغبار يتراكم عليها منذ ١٩٩٠، منذ أن تبرعت بها عائلة من هندوراس إلى قسم الأنثروبولوجيا بالجامعة.

تدر بقايا المايا الأثرية ربحًا كبيرًا، وهي حقيقة لا تغفلها صناعة السياحة في هندوراس.

تدر بقايا المايا الأثرية ربحًا كبيرًا، وهي حقيقة لا تغفلها صناعة السياحة في هندوراس.

ولمَّا كانت الصناديق التي تحتويها مرفقًا بها بطاقةٌ تعريفية تحمل اسم «المايا»، فإن كريستيان ويلز — عالم الآثار بالجامعة الذي درس عددًا من مواقع المايا في أمريكا الوسطى من قبل — قرر إلقاء نظرة عليها؛ وقد فاجأه ما رآه.

من المعروف أن أصل هذا الخزف يرجع إلى رواتان؛ وهي جزيرة تقع قبالة الساحل الشمالي لهندوراس التي ارتبطت منذ وقت طويل بشعب المايا، إلا أن هذه الأشياء لم تكن تنتمي إلى المايا. فقد كانت في الواقع من الأعمال اليدوية لأحد الشعوب الأصلية الأخرى في هندوراس، وهم شعب البِش.

عمل ويلز في هندوراس من وقت لآخر لمدة ١٧ عامًا، وعرف الوضع على الطبيعة. لذا، لدى رؤية المجموعة الأثرية، اتَّصل بالمعهد الهندوراسي للأنثروبولوجيا والتاريخ في تيجوسيجالبا لإطلاعهم على اكتشافه. ومن هنا بدأت مغامرته في رواتان.

ورواتان — التي تعد أكبر جزر خليج هندوراس — تُعد قطعة من الفردوس الاستوائية، وتمتد في البحر الكاريبي في صورة شريط. بدأ تاريخها الحديث عام ١٥٠٢ عندما زارها كريستوفر كولومبوس وأعلن تبعيتها لإسبانيا، فبدأ بذلك احتلالًا استعماريًّا طويلًا ومستبدًّا قضى على السكان الأصليين في غضون ١٥٠ عامًا. إلا أن ما حدث قبل قدوم كولومبوس ليس معروفًا.

يقول داريُّو أوراكيه، أستاذ مادة تاريخ أمريكا اللاتينية بكلية ترينيتي في هارتفورد، كونيتيكت، ونشأ في هندوراس: «إن تاريخ رواتان ضعيف التوثيق؛ فمعظم المواد القليلة المنشورة كتبها رواة هواة دون أي مرجعية علمية.»

كتب إحدى أبرز الروايات فرناندو كولومبس — ابن كريستوفر كولومبس — البالغ من العمر ١٣ عامًا الذي رافق والده في رحلته. لقد ذكر رؤيته لزورق ضخم مليء بسلع يشتهر بها شعب المايا الذي يعيش في شبه جزيرة يوكاتان المجاورة. وكرر مؤرخون آخرون رواية فرناندو ونمَّقوها؛ ومن ثم بدأت فكرة وجود صلة بين سكان رواتان وشعب المايا في الترسخ.

فخ للسياح

استمرت هذه الصلة بما لا يدع مجالًا للشك، وتبيَّنت فائدتها الكبيرة. ففي السنوات الأخيرة، كان معهد الأنثروبولوجيا والتاريخ أحد أكثر المتحمسين المناصرين لهذه الفكرة. تأسَّس هذا المعهد عام ١٩٥٢ في صورة منظمة بحثية جادة، لكن في السبعينيات من القرن العشرين تغيرت مهمته؛ إذ قررت الحكومة العسكرية — التي تسعى وراء العملة الصعبة — إنشاء قطاع للسياحة. تتمتع هندوراس بحظ وافر من أشعة الشمس والبحر والرمال، لكن الحكومة قررت أيضًا الاستثمار في «السياحة الثقافية». فأنشأت وزارة جديدة للسياحة وأقنعت المعهد بتقديم المساعدة. كانت مهمته الرئيسية هي إرساء هوية وطنية تاريخية تخدم احتياجات السياحة، وهذا يعني أمرًا واحدًا: الحصول على المال من وراء المايا.

كانت حضارة المايا واحدة من أكثر الثقافات تعقيدًا في الأمريكتين قبل الغزو الإسباني. اشتهرت هذه الحضارة بفنها ومعمارها وعلومها الرياضية والكتابة؛ ولذلك سيطرت على ما يعرف حاليًّا بجنوب المكسيك وجواتيمالا وبليز لمدة تقارب ٣٠٠٠ سنة، حتى قدوم الإسبان في القرن السادس عشر.

من بين الحضارات القديمة، تُعدُّ حضارة المايا واحدة من أكثر الحضارات التي يمكن تحقيق ربح من ورائها. ولم تغفل وزارة السياحة هذه الحقيقة، فبدأت الترويج بحماس لتاريخ حضارة المايا، وخاصة حضارة كوبان؛ وهي مدينة متهدِّمة تقع في أقصى غرب الدولة بالقرب من حدودها مع جواتيمالا. وهذه المدينة — التي أصبحت حاليًّا منطقة تراث عالمي — كانت مركز مملكة المايا لنحو ٤٠٠ عام حتى تمَّ هجرها زهاء عام ٩٠٠ ميلاديًّا. وفي ذروة ازدهارها في القرن الثامن، عاش فيها نحو ٣٠ ألف شخص تحت حكم كوبان.

إنه لموقع خلَّاب، لكنه لا يكاد يعبِّر عن تاريخ هندوراس. لقد كانت كوبان نقطة حدودية، ومعظم أجزاء هندوراس الحديثة لم تكن قطُّ تابعة للمايا، كما أن تأثير المايا على تاريخ الدولة محدود للغاية.

رغم ذلك، سعت الحكومات المتعاقبة وراء تحقيق ما أطلق عليه أوراكيه: «إضفاء صبغة المايا على هندوراس»، مع التركيز عادةً على النشاط السياحي. وتقول روزماري جويس — عالمة الآثار بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، والتي عملت في هندوراس لأكثر من ٣٥ عامًا — إن الحكومة «تخلط بين مهمة المعهد ومهمة وزارة السياحة؛ ومن ثم تقرر الأشياء المهمة من الناحية الأثرية والتاريخية بناءً على النشاط السياحي المحتمل.»

يمكن تعقب أصول مشروع إضفاء صبغة المايا إلى ثلاثينيات القرن العشرين، حين شن الديكتاتور القومي الجنرال تيبرسيو كارياس أندينو حملة فكرية، كان الهدف منها توحيد الدولة التي يسودها التنوع العرقي وعدم الاستقرار في معظم الأحيان تحت شعار «ماضي المايا المجيد».

لم يشهد أي مكان الاهتمام بإضفاء صبغة المايا عليه بحماس أكبر مما حدث في رواتان. ويقوم اقتصاد الجزيرة — إلى جانب اعتماده على تاريخ المايا الملفق — على صناعة سياحة قوامها ٥٠ مليون دولار أمريكي؛ ففي كل عام تنقل السفن السياحية نحو ٨٠٠ ألف زائر ليستمتعوا بالشمس والرمال وممارسة رياضة الغوص.

يقول ويلز: «ثمة اقتناع بأن أي شيء لا ينتمي إلى المايا لا يُثِير اهتمام السياح.» فيوجد اعتقاد بأن السياح سيدفعون من أجل رؤية حضارة المايا، وليس من أجل رؤية حضارة البِش؛ ومن ثم من مصلحة رواتان أن تؤكد على «إرثها» من حضارة المايا.

إن أكثر مثال يدعو للتفاخر في هذا التاريخ المصطنع هو «مايا كي»؛ وهي جزيرة خاصة على بعد بضع دقائق بالقارب من مدينة رواتان. وعادةً ما ترسو السفن السياحية التي تقطع البحر الكاريبي عندها حتى يتمكن الركاب من زيارتها (انظر الشكل).

إشكالية الفردوس: أصبحت رواتان — أكبر جزر خليج هندوراس — ساحة معركة من أجل الوصول إلى الحقيقة التاريخية. فبالرغم مما تدفع حكومة هندوراس الناس إلى تصديقه، فإن رواتان لم تكن قط موقعًا يتبع حضارة المايا، رغم إعادة إنشاء أجزاء كاملة من مدينة كوبان التابعة للمايا في مايا كي.

إشكالية الفردوس: أصبحت رواتان — أكبر جزر خليج هندوراس — ساحة معركة من أجل الوصول إلى الحقيقة التاريخية. فبالرغم مما تدفع حكومة هندوراس الناس إلى تصديقه، فإن رواتان لم تكن قط موقعًا يتبع حضارة المايا، رغم إعادة إنشاء أجزاء كاملة من مدينة كوبان التابعة للمايا في مايا كي.

إن مصدر الجذب الرئيسي فيها هي محاكاة بالحجم الطبيعي لأجزاء من كوبان. لا يَتِمُّ عرض «البقايا الأثرية» على أنها حقيقية، لكن ويلز وأوراكيه يخشيان أن يستنتج الزائرون أن مايا كي جزء أصلي من تاريخ رواتان، وهو مفهوم خاطئ لا يبدو أن صناعة السياحة تسعى إلى تصحيحه. وجاء في التسجيل الصوتي في الفيديو الترويجي الخاص بخط الرحلات البحرية النرويجية: «إن ما سيتذكره الناس عن مايا كي هو بقايا المايا الأثرية؛ أي التاريخ والثقافة القديمة لحضارة المايا، وما يمكن معرفته عن تاريخ هندوراس منذ ألف عام مضت.»

إن كوبان — الأصلية — كانت في وقت ما آخر محطة في الجولات التي تتفقَّد مواقع المايا المعروفة باسم «عالم المايا». أما حاليًّا، فقد أصبحت الوجهة الأخيرة هي مايا كي عادةً. والمفارقة أن مُلَّاك جزيرة مايا كي يملكون أيضًا «متحف رواتان» الصغير الذي يقع على الجانب الآخر من الجزيرة، ويحتوي على مصنوعات تسرد التاريخ الحقيقي للجزيرة. ورغم أن سفن الرحلات السياحية لا تنقل ركابها إلى المتحف، فإن رسوم دخوله — التي تبلغ دولارًا واحدًا مقارنة بثلاثين دولارًا لدخول مايا كي — تعبر عن مقدار جاذبية السياح النسبية لهذا المكان.

قد يبدو الترويج لهذه القصص بصرف النظر عن دقتها التاريخية لا ضرر منه من وجهة نظر البعض، لكن ويلز يرى عكس هذا. فيقول إنَّ خلْق ماضٍ خيالي لرواتان والترويج له «يسلب من الناس تاريخهم وموروثهم: فكأنك تقول لهم إن تاريخهم وتراثهم ليس مهمًّا لأنه لا يدرُّ مالًا.» لا ينتقص هذا من قدر أسلاف سكان الجزيرة الأصليين فحسب، بل من قدر سكان الجزيرة أنفسهم أيضًا.

أخذ ويلز يحارب، منذ بدأ في دراسة هذه المصنوعات الخزفية، من أجل الحصول على اعتراف واسع النطاق بتاريخ رواتان الحقيقي. وفي عام ٢٠٠٥، تغيَّر المناخ الثقافي لصالحه؛ إذ خسر الرئيس المحافظ ريكاردو مادورو أمام المنافس الليبرالي مانويل زيلايا، الذي أنشأ برنامجًا للإصلاح التدريجي يُوصِي بالاعتراف بمجموعات الأقلية في هندوراس على نحو أكبر. وفي غضون ذلك، قام بتعيين مؤرخ شهير — هو رودلفو باستور فاسكِل — وزيرًا للثقافة.

وفي عام ٢٠٠٦، أغرى فاسكِل أوراكيه — الذي كان قد ألف مؤخرًا كتابًا مؤثرًا عن مشروع إضفاء صبغة المايا — بالقدوم من كونيتيكت ليدير المعهد، فعملا معًا على وضع سياسة لعكس تأثير المشروع.

كان ويلز في هذه الأثناء يحقق في أصل هذه المصنوعات الخزفية الذي يرجع إلى البِش؛ إذ إن نمطها جعله يستنتج أن عمرها يبلغ على الأقل ٦٠٠ عام، أو ربما يصل إلى ألف عام. وعقب حديثه مع علماء آثار هندوراسيين ومع العائلة التي تبرَّعت بهذه المصنوعات، استنتج أنها ترجع إلى موقع يعرف باسم الأنتيجوال في وسط الجزيرة.

في عام ٢٠٠٨، دعا أوراكيه ويلز إلى الجزيرة من أجل اكتشاف تاريخها الحقيقي. وهكذا بدأ مشروع رواتان، ويتمثَّل في إجراء أبحاث حول الأنتيجوال وعدد من المواقع الأخرى. تمثَّل هدف ويلز في الكشف عن التاريخ الحقيقي للجزيرة وإحيائه، وتحديد تأثير السياحة الجماهيرية على ثقافتها.

وعلى مدار العام اللاحق، أجرى ويلز مسحًا لنصف الجزيرة تقريبًا، وأظهرت عمليات التنقيب التي أجراها أن معظم سكان رواتان قبل الاستعمار كانوا من البِش، وهم أحد شعوب هندوراس المضطهدين الذين يعيشون حاليًّا على مساحة صغيرة في البَرِّ الرئيس. وانضمَّ إليهم فيما بعد الجاريفونا، وهم أحفاد السكان الأصليين المنحدرين من أصل غرب أفريقي. أما فيما يتعلق بالإشارات الدالة على احتلال المايا، فلم يجد أيًّا منها.

تعدُّ السياحة أمرًا أساسيًّا في اقتصاد رواتان ولا يريد ويلز ولا مؤيدوه إعاقتها، إلا أنهم بدءوا يطالبون بأن تحل السياحة التراثية الأصلية محل النموذج المتمركز حول المايا، فيتسنَّى لأهل الجزيرة تقديم تاريخهم وثقافتهم الحقيقية للزائرين.

يشير ويلز أيضًا إلى عيوب السياحة، مثل التنمية التي تهدد آثار الجزيرة. ورغم أنه توجد في رواتان قوانين لحماية الآثار، فإنه يقول إنها غير منفذة بالفعل. وقد اكتشف في المسح الذي أجراه أن ثلث المواقع الأثرية تقريبًا في الجزيرة تعرضت للتدمير من أجل إفساح الطريق للمنتجعات والطرق وأبراج الهواتف المحمولة.

عقب بدء مشروع رواتان مباشرةً، اضطر ويلز إلى مواجهة زلزال بلغت قوته ٧٫٥ درجات. وبعدها حدث زلزال من نوع آخر؛ ففي الثامن والعشرين من يونيو عام ٢٠٠٩ أطاح الجيش بالرئيس زيلايا. فَتَمَّ تعليق الحريات المدنية وفرض حظر التجوال، ونصحت وزارة الخارجية الأمريكية رعاياها بترك الدولة. وعليه، ففي أثناء قيام فريق ويلز بردم مواقع التنقيب في عجلة، خبَّأ هو المصنوعات وهَرَبَ.

كانت إحدى النتائج المباشرة لهذا الانقلاب إقالة فاسكِل من منصبه كوزير للثقافة. واتهمت ميرنا كاسترو — التي شغلت هذا المنصب — فاسكِل ووزارتَه علنًا بالقيام بنشاط «ثوري» بالتواطؤ مع رئيس فنزويلا هوجو شافيز. وبعد بضعة أسابيع، طَرَدَتْ كاسترو أوراكيه، واتهمته بإهمال كوبان واستخدام منصبه لتعليم الهندوراسيين مستخدمًا أيديولوجية هدامة. وقال أوراكيه إن ما يحدث مجرد غطاء لتصديق كاسترو على مشروع إضفاء صبغة المايا «وخلْق بيئة فلكلورية خداعة ومشجعة للسياحة».

وعلى حد قول ويلز، فإن من شغل منصب أوراكيه — وهو مهندس يدعى فيرجيليو باريديس — يهتمُّ بالتنمية الاقتصادية أكثر من علم الآثار؛ أي إن هناك عودة إلى إتمام مشروع إضفاء صبغة المايا. ويضيف أوراكيه: «تعرض المعهد والسياسة الثقافية في هندوراس إلى إهمال شديد عقب الانقلاب.»

توافق جويس على هذا، وتقول: «إن المدير الحالي للمعهد غير متمرس في الأنثروبولوجيا، وكذلك في علم الآثار والتاريخ. لقد أضاعت القيادة كل التقدم الذي أُحرز نحو شرح أنه كان هناك مشهد ثقافي أكثر تعقيدًا قبل الغزو الإسباني.» كما أن باريديس لم يستجب إلى كثير من طلبات إجراء مقابلة معه.

عقب الانقلاب، لم يتمكن ويلز من العودة لأكثر من سنة. ورغم أنه ذهب في زيارة للمعهد في عامي ٢٠١١ و٢٠١٢، فإن منازعة عمالية نشبت في المعهد منعته من العودة مرة أخرى في العام الماضي. ولا يزال مشروع رواتان يتقدَّم بِخُطًى بطيئة.

بالرغم من ذلك، فإن ويلز لا يزال يحاول التأكيد على أهمية حفاظ المسئولين عن التخطيط العمراني في رواتان على ما بها من آثار. وتنقسم الجزيرة إلى إدارتين محليتين: رواتان التي تغطي معظم النصف الغربي الثري حيث يقيم معظم السياح، وجوارديولا التي تغطي النصف الشرقي.

يعمل المسئولون في جوارديولا مع ويلز، لكنه لم يسترعِ بعدُ اهتمام أي من المسئولين في رواتان. وهو يأمل أن يلتقي بالعمدة هذا العام، إلا أنه يشير إلى أن هذا الأمر معقد من الناحية السياسية؛ لأن رواتان تحصل على مكاسب مالية هائلة من السياحة والتنمية. وهو يدرك كذلك أنه لا يواجه فحسب المسئولين عن التنمية، وإنما أيضًا شركات الرحلات السياحية البحرية، خاصةً شركة كارنيفال التي يقع مقرها في فلوريدا.

وعندما تصفح ويلز وفريقه موقع هذه الشركة الإلكتروني والمطبوعات التي يعطونها للركاب والمعارض الثقافية المقامة على مرساها الرئيسي في رواتان، وجدوا تركيزًا شديدًا على المايا. فيقول ويلز: «نادرًا ما يُذكر شعب البِش.»

في الوقت نفسه، تسلَّل أثر تاريخي مزيف آخر إلى صناعة السياحة في رواتان. ففي أحد المنتجعات على الجزيرة، توجد نسخة طبق الأصل من اللؤلؤة السوداء، وهي سفينة من فيلم «قراصنة الكاريبي»، وعلى متنها ممثل يجسِّد شخصية الكابتن جاك سبارو.

يقول ويلز: «تتمتع رواتان بتاريخ عامر ومذهل من القراصنة ولصوص البحر، لكنَّ هذا لا يُدِرُّ المال فيما يبدو. فما يُدِرُّ المال هو النسخة الملفَّقة. إنه موقع جذب مشهور للغاية، لكن لا علاقة له بتاريخ القراصنة الحقيقي للجزيرة. وهذا مثال آخر على طريقة تفوق الخيال على الواقع في صناعة السياحة.»

التاريخ الحقيقي

يعرف ويلز أنه إذا كان مقدَّرًا لسياحة التراث الأصلي أن تنجح، فلا بد للنخبة المحلية الذين حصلوا على أكبر استفادة من التاريخ الزائف أن يدعموا التغيير. يبدو أن هذا طلب صعب، لكن ويلز يعتقد أن المسئولين في إدارة رواتان المحلية والمجتمع التجاري سيستفيدون جميعًا من التعاون. وتوافق جويس على هذا، وتقول: «أعلم أن شعب هندوراس يهتم بتاريخه الحقيقي.»

وهناك دلالات على إحراز تقدم؛ ففي عام ٢٠١٠، أنشأت حكومة هندوراس «حديقة بورت رويال الوطنية»، وهي عبارة عن محمية طبيعية تبلغ مساحتها ٥٠٠ هكتار (نحو ١٢٣٥٫٥ فدانًا)، وتضم أيضًا ما يقرب من عشرين موقعًا أثريًّا داخل حدودها. ويوجد حراس لحماية الحديقة من السطو عليها.

وبوجه عام، يقنع علماء الآثار باكتشاف البيانات وتفسيرها، إلا أن ويلز تخطَّى هذه المرحلة، بل ويصارع من أجل ما وصفه «بالقضية الأخلاقية المعقدة» المتعلقة بكونه عالم آثار وناشطًا في الوقت نفسه.

إن كشف زيف أساطير رواتان عن المايا لن يكون سهلًا وبالتأكيد لن يحدث سريعًا. فرغم أن أوراكيه يوافق على أن شعب هندوراس يهتم بماضيه، فإنه يشير إلى أن لديهم أمورًا أكثر أهمية، مثل الفقر وانتشار العنف ومشكلات الصحة العامة؛ ولذا يقول ويلز: «إن هذه المعركة من ١٠ جولات، ونحن ما زلنا في الجولة الأولى أو الثانية.»

10 Dec, 2015 10:36:19 AM
0

لمشاركة الخبر