Skip to main content

من نحن حلم القوة والرجولة: هل هرمون التستوستيرون إكسير الشباب؟

مكملات التستوستيرون تعِدُ الرجال بزيادة الفحولة المتمثلة في زيادة الرغبة الجنسية والطاقة، وتحسين الحالة المزاجية. ومع ذلك، يوجد طريق أفضل لاستعادة الفحولة.

 «هل تعاني ضَعفَ الرغبة الجنسية؟ قلة الطاقة؟ حالة مزاجية أو تغيرات جسدية غير مرغوبة؟ هل هو انخفاض معدل التستوستيرون؟»

على مدار السنوات الخمس الماضية، انهالت الإعلانات التليفزيونية التي تطرح الأسئلة السالفة الذِّكْر على الرجال الأمريكيين، وغالبًا ما تكون مصحوبة بصور رجال مُتقدِّمين في السن يتَّسِمون بالوسامة وهم يلعبون كرة السلة، أو وهُم يقضون لحظات رومانسية مع نساء جذَّابات.

والعلاج الذي تطرحه تلك الإعلانات هو مكمِّلات التستوستيرون، وغالبًا ما يُروَّج إعلانيًّا لتلك المكمِّلات على أنها وسيلة سريعة لاستعادة الشباب واللياقة البدنية والفحولة. وثمة أماكن أخرى يكون التسويق فيها أقلَّ مباشرةً، لكن تبقى الهموم المتعلقة بالتدهور البدني المصاحِب للتقدُّم في السن لدى الذكور متشابهةً.

لكن ماذا لو كنا قد فَهمنا التستوستيرون فهمًا خاطئًا تمامًا؟ فكثيرٌ من الناس يرون التستوستيرون هرمونَ الذكورة المرتبط بالفحولة والقوة والمُنافَسة؛ ولذلك فمن المفهوم أن الرجال قد يستعينون به لاستعادة قوتهم المتدهورة. ومع ذلك، فقد لا يكون التستوستيرون الوسيلةَ السريعة لاستعادة الشباب كما يتصوره الكثيرون، بل قد تكون زيادة معدلات التستوستيرون أمرًا ضارًّا. كما أن دوره لا يقتصر على تشكيل السلوكيات الذكورية النَّمَطية؛ مثل العدوانية والتنافسية، والسماح بظهورها، بل قد يكون له جانب رقيق، يقول برادلي أناوولت — الباحث في مركز جامعة واشنطن الطبي في سياتل: «روَّجت الثقافة الشعبية فكرةَ أنه إذا كان وجودُ قدرٍ كافٍ من التستوستيرون أمرًا جيدًا؛ فالحصول على قدر أكبر سيكون أفضل، لكنَّ هذا لن يجعلك رجلًا أفضل.»

ما بين عام ٢٠٠٠ وعام ٢٠١١، ارتفع عدد الوصفات الطبية التي توصي بمُكمِّلات التستوستيرون في الولايات المتحدة إلى ما يزيد على أربعة أضعاف (انظر الرسم البياني)، وفي عام ٢٠١١، أُصدِر ما يقرب من ٥٫٣ ملايين وصفة طبية تُوصي بمكملات التستوستيرون. وعلى الرغم من أن مبيعات مكملات التستوستيرون في المملكة المتحدة وأستراليا وألمانيا لم تقترب بأية حال من أرقام مبيعاتها في الولايات المتحدة، فإنها هي أيضًا آخذة في الازدياد.

طفرة في حجم مبيعات التستوستيرون بالأسواق: في الفترة ما بين عام ٢٠٠٠ وعام ٢٠١١، ارتفع في الولايات المتحدة عددُ الرجال الذين خضعوا لاختبار قياس معدَّل هرمون التستوستيرون ارتفاعًا هائلًا، وتبع ذلك زيادة مُشابِهة في مبيعات مُنتَجات التستوستيرون المَوصوفة من قِبَل الأطباء.

طفرة في حجم مبيعات التستوستيرون بالأسواق: في الفترة ما بين عام ٢٠٠٠ وعام ٢٠١١، ارتفع في الولايات المتحدة عددُ الرجال الذين خضعوا لاختبار قياس معدَّل هرمون التستوستيرون ارتفاعًا هائلًا، وتبع ذلك زيادة مُشابِهة في مبيعات مُنتَجات التستوستيرون المَوصوفة من قِبَل الأطباء.

يأتي هاني عُمَر — البالغ من العمر ٤٢ سنة، وهو سمسار عقارات في واشنطن العاصمة — في مصافِّ المُتَحمسين للتستوستيرون الآخذةِ أعدادُهم في التزايُد. خضع عمر لاختبار قياس معدلات التستوستيرون بعد أن بدأ يشعر بالتعب الشديد عقب أداء التمارين الرياضية التي اعتاد ممارستها في قاعة الألعاب. وسجَّلت معدلات التستوستيرون لديه ٣٨٠ نانوجرامًا في الديسيلتر، وكان هذا المستوى ضمن النطاق الطبيعي. واتَّضح أيضًا أنه لا توجد مشكلة في صحته عمومًا؛ ولذلك عثر على طبيب مسالك بولية مُستعِدٌّ لوصف التستوستيرون لأي شخص خضع لاختبار قياس معدلات التستوستيرون، وسجَّلت معدلاته أقل من ٤٠٠ نانوجرام في الديسيلتر. ومنذ الصيف الماضي بدأ يحقن نفسه بالتستوستيرون كل أسبوعين، ويقول عمر معلِّقًا: «أصبحت رغبتي الجنسية أقوى، وزادت طاقتي، وأمارس التمارين الرياضية على نحو رائع. لا أريد أن أسمِّيَه ينبوع الشباب، لكنه يبدو كذلك.»

هل تمتلك قدرًا كافيًا من صفات الذكورة؟

التستوستيرون منتج استهوَى العامة لوقت طويل قبل أن يتمكن أي شخص من تقديم شرح كامل لمزاياه أو مخاطِره، أو بيان كونِ التوازن بين تلك المزايا والمخاطر يُبرِّر تزايُد وجوده في خزانة الأدوية لدى الرجال. عندما ظهرت تركيبة التستوستيرون لأول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين، ظلَّ يُستخدَم لعقود لعلاج الرجال الذين وُلدوا بمعدلات تستوستيرون منخفضة، أو فقدوا قدرتهم على إنتاج التستوستيرون بسبب مرض خطير، أو إثر التعرُّض لإصابة خطيرة؛ فالتستوستيرون يُعزِّز نموَّ الخصيتين، وغدة البروستاتا، والعلامات الجنسية الثانوية؛ مثل شعر الجسم. أما في الرجال البالغين فإنه ينظِّم الرغبة الجنسية، والكتلة العظمية، والقوة العضلية، وإنتاج الحيوانات المنوية وكرات الدم الحمراء. ويقول أناوولت: «إنك تحتاج إلى كميات طبيعية من التستوستيرون لتَشعُر بحالة صحية جيدة، وللحفاظ على الكتلة العضلية وما إلى ذلك من أمور.»

كما يمكن بالطبع أن يؤثر التستوستيرون على السلوك؛ فغالبًا ما ينظر الناس نظرةً سلبية إلى تصرُّف الذكور بخُيَلاء وتحدُّثهم بزَهْوٍ؛ بوصفهما من مظاهر تأثير التستوستيرون على السلوك، شأنهما في ذلك شأن العدوانية والمخاطرة. ومن الممكن أن تكون هذه النظرة الرائجة نابعة من سلسلة من الدراسات بدأت في سبعينيات القرن العشرين ربطت الزيادة الهائلة في معدلات التستوستيرون بالسلوك العدواني لدى المجرمين. ومؤخرًا، ارتبط نجاح المُتاجِرين في الأوراق المالية في البورصة بارتفاع معدلات التستوستيرون.

ومع ذلك، فثمة بحث حديث يرسم صورة مختلفة كثيرًا لهذا الهرمون، ويُرجِّح أنه يدفعنا إلى التصرُّف بطرق ربما تعزِّز وضعنا الاجتماعي، سواءٌ أكان ذلك من خلال العدوانية والتعدي أم من خلال وسائل أخرى أكثر اعتدالًا. ويُعلِّق جاك فان هونك — الباحث في جامعة أوتريخت في هولندا — فيقول: «هذا الهرمون ذكي؛ فهو يجد طرقًا أخرى لتحقيق السيطرة دون العودة إلى الغش أو العدوانية.»

تُستقى بعض الأدلة في هذا الصدد من مصدر مفاجئ، ألا وهو النساء؛ فكل النساء البالغات يُنتجن التستوستيرون، لكن بكميات أقل بكثير مما ينتجه الرجال؛ ممَّا يُسهِّل من تقييم كيفية تأثير الزيادة المؤقتة في هرمون التستوستيرون على السلوك. ويقول فان هونك: «على الرغم من أن الأنظمة الهرمونية ليست متشابهة تمامًا لدى الرجال والنساء، فإنه توجد أوجه تشابُه كثيرة في طريقة تأثُّر السلوكيات الاجتماعية الأساسية بالهرمونات، لا سيَّما هرمون التستوستيرون.»

في إحدى الدراسات، طلب هونك وزملاؤه من بعض النساء مشاهدة صور لغرباء وترتيبهم حسب قَدْر الثقة الذي توحي به ملامحهم، ووجدوا أن النساء اللاتي تَعاطَينَ مكملات التستوستيرون أقل ميلًا إلى تصنيف الناس كأشخاص محل ثقة، وكان استثناء هذه الحالة هو السيدات اللاتي يضعن ثقة كبيرة في الآخرين بطبيعتهن، ويقول فون: إن هذا يشير إلى أن التستوستيرون قد يزيد الحذر لدى الأشخاص الذين يرتفع احتمالُ تعرُّضهم للخداع من قِبَل الآخرين بدرجة كبيرة.

وفي مواقف أخرى، بدا أن التستوستيرون يزيد الكَرَم؛ ففي إحدى الدراسات، مُنحت النساء ٢٠ يورو، وسُئِلْن: هل يرغبن في استثمار جزء من المبلغ لدى لاعبة أخرى يطلق عليها «أمينة الاستثمار»؟ علمًا بأن أي مبلغ مستثمر ستَتمُّ مضاعفته إلى ثلاثة أضعاف، لكن الأمر يرجع إلى أمينة الاستثمار في اتخاذ قرار إرجاع أي قدر من المال إلى صاحبته. وقد وُجِد أن المُستَثْمِرات اللاتي أُعطين جرعة من التستوستيرون قدَّمنَ استثمارات شحيحة. أما أمينات الاستثمار اللاتي مُنحن جرعة زائدة من التستوستيرون فكُنَّ أكثرَ كرمًا في دفع عوائد الاستثمار، كما لو كنَّ يَرْدُدْنَ الثقة التي وُضِعت فيهن. ويرى مارتن بوكسم — الباحث في جامعة إيراسموس بهولندا، الذي ترأَّس هذه الدراسة — أن هذا التصرف يدعم فكرة أن التستوستيرون يعدِّل السلوك وَفقًا للموقف الراهن، ويقول: «إن العمل لصالح الآخرين والاعتناء الفعلي بالأشخاص الذين نحتاج إلى العناية بهم أمرٌ مهمٌّ للغاية؛ للحفاظ على وضع اجتماعي رفيع.»

تقضي الفكرة الشائعة بأن مستويات التستوستيرون تبلغ ذِروتها في سن العشرين تقريبًا، ثم تنخفض ببطء وباستمرار؛ فالشباب يُنظر إليهم — في أغلب الأحيان — على أنهم أقل إحجامًا عن المخاطرة، وأكثر عدوانية. ومن منطلق تلك النظرة، وبالإضافة إلى الدور المعروف للتستوستيرون في النمو البدني، نشَأ الاستنتاجُ المفهومُ مبرِّره، المُتمثِّل في أن قلة الفحولة والحيوية التي تحدُث مع تقدم العمر مرتبطة بالضرورة بنقص التستوستيرون. وعندما بدأت علاجات التستوستيرون الموضعية السهلة الاستخدام — مثل رقعات الجلد ومستحضرات الجِل — تغزو الأسواق في أوائل الألفية الثالثة، اتخذ التستوستيرون صورة جديدة تمامًا؛ حيث قُدِّم كعلاج شامل لجميع مشكلات الذكور المُسنِّين بداية من خَلل الانتصاب، وحتى دهون الجسم غير المرغوبة. وما زالت تلك الصورة قائمة على الرغم من وجود عدد كبير من الأدلة المتزايدة التي تُشير إلى أن كثيرًا من الصفات الأساسية المنسوبة إلى التستوستيرون قد تكون، في حقيقة الأمر، مَحْض خرافات وأوهام.

الانخفاض الحتمي

حتى الآن لا يوجد تحديد واضح للمستوى الذي يُمثِّل انخفاضًا طبيعيًّا في التستوستيرون عند تقدُّم الرجال في السِّنِّ. وتتمثل إحدى المشكلات المسببة لهذا الأمر في الخلاف الشائع حول تحديد مستوى التستوستيرون الذي يُمثِّل انخفاضًا غير طبيعي. ومن المدهش أنه لا توجد أية طريقة معتمَدة لقياس ذلك المستوى. وهذا يعني أن إرسال نفس العينة من الدم إلى مختبرات مختلفة يمكن أن يعطي نتائج مختلفة. علاوة على ذلك، يمكن أن تختلف مستويات التستوستيرون اختلافًا كبيرًا بناءً على عوامل عديدة، من بينها الوقت الذي أُخذت فيه العينة خلال يوم الاختبار، ومستويات النشاط. ويقول رونالد سويردلوف — كبير اختصاصِيِّي الغدد الصماء في مركز هاربور يو سي إل إيه الطبي في كاليفورنيا: «توجد مشكلة أخرى تتمثل في أن النطاق «الطبيعي» بالنسبة لأحد المختبرات قد يكون مختلفًا تمامًا عن النطاق الطبيعي بالنسبة لمختبر آخر.» وبعد إدراك هذه المشكلة، تحاول الآن مراكز مكافحة الأمراض الأمريكية وضع اختبار قياسي للتستوستيرون يستند إلى معايير موحَّدة.

ثمة أدلة أخرى حول ما يفعله التستوستيرون في عقولنا وأجسامنا تُستَقَى من مصدر آخر غير محتمَل؛ وهو قبيلة بعيدة في نهر الأمازون تُسمَّى قبيلة تشيمانيه.

من العجيب أن مستويات الهرمون الأساسية أقل بنحو الثُّلث في المتوسط بين رجال قبيلة تشيمانيه مقارنةً بنظرائهم الأمريكيين. وهم من المؤكَّد ليسوا أقل رجولةً، على الأقل من ناحية المعنى التقليدي؛ فهم يعيشون على صيد الحيوانات والأسماك والزراعة. ومع ذلك، أظهر بحث جديد أنه ليس المهم بالضرورة مستوى التستوستيرون الذي لدى الشخص، بل المهم هو كيفية تجاوب الجسم معه. كما يشير البحث إلى أن مستوى التستوستيرون الأساسي للشخص — محل تركيز معظم الاختبارات السريرية — قد يكون مؤشرًا ضعيفًا عما يدور داخل جسده.

في إحدى الدراسات، قدَّم رجال تشيمانيه عينات من اللُّعاب قبل التنافُس في مباراة كرة قدم وفَوْر الانتهاء منها، واختُبِرت تلك العينات لتحديد مستوى التستوستيرون، فوُجِد أن لَعِب كرة القدم أدى إلى زيادة مستويات التستوستيرون بنسبة ٣٠ في المائة تقريبًا، تمامًا مثلما ترتفع لدى الرجال الأمريكيين في سيناريوهات مُشابِهة. وتوضح دراسات أخرى أن التستوستيرون يرتفع أيضًا عندما يمارس رجال تشيمانيه الصيدَ أو أعمال البَسْتَنَة وإزالة الأعشاب الضارة، ويقول بنجامين ترامبل — اختصاصي الأنثربولوجيا في جامعة واشنطن في سياتل، الذي ترأَّس هذه الدراسة: إن تلك الأنشطة ترفع من وضعهم الاجتماعي في مجتمعهم. والسبب في هذه الزيادة هو — على الأرجح — سبب بدني وسلوكي أيضًا؛ فمن أهم وظائف التستوستيرون إمداد العضلات بالطاقة.

ومعنى ذلك أن قدرة المرء على استخدام هرمون التستوستيرون في أوقات الحاجة تعدُّ — على الأرجح — أهمَّ بكثير من مستوى التستوستيرون الذي لديه. ويعلِّق ترامبل، الذي اختبر نسبة التستوستيرون لدى رجال من مختلف الأعمار في قبيلة تشيمانيه، فيقول: «الرجال الذين ما زالوا يستطيعون تقطيع الأشجار وهم في سن الثمانين لديهم نفس الزيادة النسبية في التستوستيرون التي يشهدها الرجال في سن العشرين وسن الثلاثين.»

إن فكرة الانخفاض الشديد الحتمي في مستوى التستوستيرون مع التقدم في العمر أصبحت أيضًا محل شكٍّ بسبب الدراسات التي أُجرِيت على رجال تشمانيه؛ إذ يبدو أن مستويات التستوستيرون لدى هؤلاء الرجال تظل ثابتة نسبيًّا طوال حياتهم كبالغين. وأوضحت دراسة حديثة — أُجرِيت على ١٥٠٠ رجل أسترالي — أنهم أيضًا قد يحافظون على مستويات معقولة من التستوستيرون مع تقدُّم العمر، شريطة أن يحافظوا على نمط حياة صحي. وأظهرت الدراسة — التي استمرت خمس سنوات — أن ثمة انخفاضًا يحدث في المتوسط بنسبة ٠٫٨ في المائة في معدل التستوستيرون كل عام. أما الرجال الذين كانوا يعانون السمنةَ أو الاكتئاب أو كانوا مدخنين؛ فقد شهدوا قدرًا أكبر من الانخفاض. وأدى التخلُّص من تلك العوامل إلى تقليل الانخفاض بالقدْر الذي جعله لا يُشكِّل خطورة من الناحية السريرية.

ومع ذلك، تشير دراسات أخرى إلى أن تجنُّب زيادة الوزن ومواصلة النشاط يمكن أن يكونا ضروريين لتمكين التستوستيرون من أداء وظيفته؛ فعند تلاقي هرمون التستوستيرون مع الأنسجة الدهنية، فإنه يتحوَّل إلى هرمون الأستروجين بسبب إنزيم في الخلايا الدهنية يسمى أروماتاز. ومع ذلك، لا تكتشف المنطقة المسئولة عن تنظيم إنتاج التستوستيرون في المخ هذا التغييرَ؛ لأن كِلَا الهرمونين يَتشابَه في التركيب. ونتيجةً لذلك، تصاب إشارات التستوستيرون الطبيعية في الجسم بالتشوش. وما يزيد الأمر سوءًا هو أن الأستروجين يحفِّز تراكُم المزيد من شحوم الجسم، وهذا يؤدي إلى مزيد من التشوش.

قد يكون من الأمور التي تستهوي الكثيرين الاعتقادُ أن تناوُل مكملات التستوستيرون يُعَدُّ فكرةً صائبة بالنسبة للرجال المتقدمين في السن، لا سيَّما أولئك الذين يعانون ازديادَ الوزن في فترة منتصف العمر. وحتى إذا تمكَّن الرجال من عيش حياتهم بمستويات منخفضة من التستوستيرون كما هو الحال مع رجال قبيلة تشامنيه، فهل من المؤكَّد أن المستويات المنخفضة جدًّا منه أمر غير صحي؟ ومع ذلك، فمن المحتمَل أن تكون أضرار مكملات التستوستيرون أكثر من نفعها؛ فقد وجدت دراسة حديثة — أجراها بو ييب وزملاؤه في جامعة ويسترن أستراليا — أن المستويات المرتفعة والمنخفضة من التستوستيرون، على حدٍّ سواء، ترتبط بقِصَر العمر أكثر من المستويات المعتدلة من ذلك الهرمون.

وفي يناير، أعلنت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية أنها تُراجع سلامة الأشكال المطروحة في الأسواق من ذلك الهرمون؛ نتيجة لدراستين أوضحتا زيادة احتمال التعرُّض للنوبات القلبية والسكتات الدماغية والوفاة بين الرجال الذين يتعاطون ذلك الهرمون. وأعلنت وكالة الأدوية الأوروبية عن مراجعة مماثِلة في شهر أبريل.

ذلك أن التستوستيرون يستطيع زيادة عدد كرات الدم الحمراء، وأن أحد التفسيرات المُحتملة لهذا الرأي أن التستوستيرون يُسبِّب تخثُّر الدم، الذي قد يؤدي إلى زيادة احتمال تكوُّن الجلطات. وهذه تأثيرات تذكرها بالفعل الشركات المُصنِّعة لمستحضرات الجِل وغيرها من المنتجات المَوضعيَّة في مُلْصقاتها المُرفقة. ومع ذلك، تبقى كثير من التأثيرات غيرَ معلومة، فضلًا عن أن الدراساتِ التي تشير إلى تلك الآثار الضارة كانت دراساتٍ قائمةً على المشاهدة، لا دراساتٍ مزدوجةَ التعمية ولا دراساتٍ موجَّهة تُقارِن بين دواءٍ وهميٍّ (غُفل) والدواء الحقيقي؛ وهما اللتان يُعتمَد عليهما عمومًا في تقييم خطورة العقَّار.

بالإضافة إلى أمراض القلب، أظهرت دراسات أخرى أن المستويات العالية من التستوستيرون قد تزيد من احتمال الإصابة بسرطان البروستاتا. ونظرًا لأن السرطان ومشكلات القلب أمراضٌ مرتبطة بالعُمر، فهناك رأي يقول إن الانخفاض الطبيعي في الهرمونات ربما يحمينا من أمراض الشيخوخة. ويقول جون هوبرمان — مؤلف كتاب «أحلام التستوستيرون»: «إذا كان البشر قد طوَّروا أنظمة معينة للوقاية من الأمراض أو تأجيلها، فإن الانخفاض التدريجي في مستوى التستوستيرون مع التقدم في العمر هو أمر يقوم به الجسم للحماية من الضرر.» ومع ذلك، فمن الصعب إثبات هذه الفكرة؛ لأن إثبات صحة الأسباب الدقيقة للأمراض المرتبطة بالشيخوخة أمر شائك.

كيف تحافظ على مستويات التستوستيرون ثابتةً بدلًا من انخفاضها؟ إن زيادة التستوستيرون بوسائل تدخُّلية اصطناعية قد تبدو مثل الإصلاح السريع، لكننا ما زال أمامنا طريق طويل لنعرف هل تلك الاستراتيجية ذكية أو آمنة. ويقول دانيل شوسكس — طبيب المسالك البولية في مركز كليفلاند كلينك الطبي: «إن المجتمع الطبي والمرضى، على حدٍّ سواء، يُسيئون استخدام علاجات التستوستيرون بطُرق تفتقر تمامًا إلى الأسانيد الطبية؛ فالعقَّار الطبي الذي يجمع بين القدرة على كلٍّ من جلْب النفع وإلحاق الضرر يجب ألا يُطرح للتداوُل بهذه السهولة.»

ولماذا لا نتبع نمط حياة صحي؟ فقد أظهرت دراسة — أُجريت على ٩٠٠ رجل — أن الرجال البُدُن الذين فقدوا في المتوسط ٨ كيلوجرامات من أوزانهم، من خلال اتباع الحِمْية وممارسة التمارين الرياضية على مدار سنة، قد شَهِدوا زيادة مثيلة في مستويات التستوستيرون.

نظرًا لفَهْمنا المنقوص لهرمون التستوستيرون، فإنَّ أُولَى الخطوات العقلانية اللازم اتخاذُها من قِبل الرجال المُسنِّين، الذين يعانون تدهورَ القوة، هي اللجوءُ إلى ممارسة الرياضة بدلًا من الاستعانة بمكملات التستوستيرون.

التستوستيرون ما بين الزعم والحقيقة

الزعم: سوف يعزِّز التستوستيرون الرغبة الجنسية ويُعالِج خَلل الانتصاب.

الحقيقة: وجدت الدراسات أن مكملات التستوستيرون تؤدي فقط إلى زيادة معتدلة في الشهوة الجنسية، وليس لها أي أثر فعلي على علاج خَلل الانتصاب أو الإشباع الجنسي العام لدى الرجال. كما لم تَثبُت على الإطلاق صحة النظرية القائلة إن التستوستيرون قد يُحسِّن من الشهوة الجنسية لدى النساء. ورفضت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية في عام ٢٠٠٤ لاصقة لتعزيز هرمون التستوستيرون لدى النساء؛ نظرًا لقلة أثرها على الرغبة الجنسية، فضلًا عن أنها تُشكِّل مَخاطِر محتمَلة تتمثَّل في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

الزعم: إذا شعرت بالتعب؛ فربما تُعاني من انخفاض في مستوى التستوستيرون.

الحقيقة: ليس ثمة تجربةٌ من التجارِب الخاصَّة بمكملات التستوستيرون المَطروحة في الأسواق مُصمَّمة لقياس الإجهاد، وإنما توجد دراسة حاليَّة — مدتها عام واحد، تُجريها معاهد الصحة القومية — لتقييم أثر الهرمون على الحيوية وفقر الدم، لكن لن تُعرَض أية بيانات إلا في أواخر عام ٢٠١٤.

الزعم: مكملات التستوستيرون ستجعلك أكثر قوة ورشاقة.

الحقيقة: أظهرت الدراسات التي أُجريت على مكملات التستوستيرون أنه على الرغم من تحقيقه لزيادة طفيفة في كتلة الجسم الصافية بدون الدهون، وانخفاض في الكتلة الدهنية بما يصل إلى ٢ كيلوجرام، فإن التستوستيرون لا يُسبِّب تغييرًا في الوزن العام للجسم عند مقارنته بالدواء الوهمي.

الزعم: التستوستيرون يحسِّن المهارات الرياضية.

الحقيقة: أظهرت بعض التجارب زيادة قليلة في الكتلة العضلية وتحسُّنًا طفيفًا في قوة قبضة اليد مع استخدام مكملات التستوستيرون، كما زاد الهرمون من عدد خلايا الدم الحمراء؛ الأمر الذي قد يزيد من كمية الأكسجين المحمول في الدم. وعلى الرغم من ذلك، فقد أظهرت الدراسات التي أُجريت لقياس آثار الهرمون على قوة الأطراف السفلية والأداء البدني العام نتائجَ متناقضة.

10 Dec, 2015 03:36:02 PM
0

لمشاركة الخبر