Skip to main content

لقاحات قاهرة: خطوات على طريق استئصال الأمراض

منذ ٣٥ عامًا استطعنا استئصال مرض الجدري، فما الذي نحتاجه اليوم كي نمحو أمراضًا أخرى؛ مثل شلل الأطفال وفيروس نقص المناعة البشرية من على وجه البسيطة؟

 في يوم ١٢ أكتوبر عام ١٩٧٧ انطلق علي ماو مالين — وهو طبَّاخ في مستشفًى بمدينة مِركا الصومالية كان يبلغ من العمر آنذاك ٢٣ عامًا — في رحلة غيَّرتْ شكل حياته إلى جانب أنها مثَّلَتْ علامة فارقة في التاريخ. كان قد قابل في طريقه سائقًا يسأل عن الاتجاهات وانتهى به الحال منضمًّا إليه مع رُكَّابه للمساعدة في إرشادهم إلى وجهتهم، التي لم تكن تبعد سوى ١٥ دقيقة.

نهاية وشيكة لشلل الأطفال: رغم الاستراتيجيات الفعَّالة والالتزام الحكومي، يظل اجتثاث الحالات الأخيرة من شلل الأطفال مهمة عسيرة.

نهاية وشيكة لشلل الأطفال: رغم الاستراتيجيات الفعَّالة والالتزام الحكومي، يظل اجتثاث الحالات الأخيرة من شلل الأطفال مهمة عسيرة.

كان رُكَّاب العربة طفلين، لاحَظَ عليٌّ طفحًا جلديًّا ونتوءات على وجهيهما لكنه لم يُعِرِ الأمرَ اهتمامًا. ولو كان أدرك طبيعة المكان الذي كان يرشدهما إليه ربما كان الأمر استوقفه. فقَبْل بضعة أشهر كان وباء الجدري قد تفشَّى بين أفراد جماعة بدوية شمال مِركا، وكان مسئولو الصحة يعملون على إرسال المشتبه في حملهم المرض إلى معسكر عزْل أملًا في اجتثاث المرض.

كيف تمحو مرضًا من الوجود؟

كيف تمحو مرضًا من الوجود؟

كان عليٌّ متَّجهًا إلى ذلك المعسكر آنذاك. وهو، نظرًا لخوفه من الحُقن، لم يكن قد تلقَّى لقاح الجدري مِنْ قبلُ. فكانتْ بادرةُ الشهامة تلك التي استغرقتْ خمس عشرة دقيقة كافيةً لإصابته بالعدوى، لكن على عكس ملايين قبلَه شُفِيَ عليٌّ من المرض، وكان آخر حالة جدري سُجِّلتْ على الإطلاق.

يظل الجدري المرضَ البشريَّ الوحيد الذي استؤصل عمدًا مِنْ على وجه الأرض. يُعَرَّف الاستئصال بأنه خفض حالات الإصابة بالمرض إلى الصِّفر بصفة تامة ونهائية على مستوى العالَم؛ ومِن ثَمَّ يمثِّل الاستئصال تحدِّيًا على أقل تقدير. والأكثر إبهارًا هو السرعة التي تحقَّق خلالها ذلك الاستئصال. ففي عام ١٩٦٧، كان الجدري قد تسبَّب في وفاة ١٫٥ مليون شخص، لكنه لم يَعُد له أثر بعد ١٠ سنوات، وإن كان ذلك لم يُعلَن رسميًّا سوى عام ١٩٨٠.

وبغضِّ النظر عن المزايا الصحية، كان ثمة أسباب اقتصادية وجيهة أيضًا للقضاء على المرض. فقد كان علاج الجدري والتحصين ضده، إلى جانب تأثير المرض على الإنتاجية الاقتصادية للأشخاص الذين أُصِيبوا به، يُكَلِّف العالَم نحو ١٫٥ مليار دولار سنويًّا في منتصف سبعينيات القرن العشرين، في حين بلغ إجمالي تكلفة برنامج الاستئصال ٣٠٠ مليون دولار فحسب. إذن بعد ما يزيد عن ٣٥ عامًا، لماذا يظل الجدري المرض الوحيد الذي استُؤصِل بنجاح؟

أصبح هذا السؤال ملحًّا بوجه خاص مع عودة شلل الأطفال مؤخَّرًا، وهو المرض الذي أُعلن هدفًا للاستئصال عام ١٩٨٨. فقد بدا أن العاملين في مجال الصحة سائرون على الخطة الموضوعة لاستئصال المرض بحلول عام ٢٠١٨. وفي بداية العام الماضي كان شلل الأطفال مرضًا مستوطنًا في ثلاثة بلدان فحسب — هي باكستان وأفغانستان ونيجيريا — مما يعني أن الفيروس كان منتشرًا بين سكان تلك الدول ولم يأتِ من خارجها. إلَّا أن النزاع الأهلي الأخير في سوريا أدَّى إلى تفشِّي وباء شلل الأطفال بين سكان سوريا وكذلك العراق المجاور. وخلال الأشهر الستة الماضية ظهرتْ أيضًا حالات شلل أطفال في إثيوبيا والصومال وغينيا الاستوائية والكاميرون. مِن ثَمَّ أعلنتْ منظمة الصحة العالمية مرضَ شلل الأطفال طارئةً صحية عامة مثيرة للقلق الدولي الشهر الماضي.

لقد أثبتَ مرض الجدري أن استئصال الأمراض أمرٌ ممكن التحقيق. فلماذا يبدو الأمر معقدًا إلى هذا الحد مع شلل الأطفال؟ وهل سيأتي اليوم الذي نشهد فيه على نحوٍ مماثلٍ طَمْسَ بعض أوبئة هذا الزمان الجائحة، بدءًا من الملاريا وانتهاءً بالحصبة، وربما كذلك فيروس نقص المناعة البشرية؟

يقول دونالد هوبكنز، مدير برامج الصحة في مركز كارتر غير الربحي بمدينة أتلانتا في جورجيا: «عندما نجح استئصال الجدري، ظهر أناس في كل مكان يدَّعون إمكانية استئصال هذا المرض أو ذاك. بلغ الأمر حدَّ السخافة.» لكن الواقع هو أنه على الرغم من دراسة أمراض كثيرة كأهداف محتملة للاستئصال، فإن ثلاثة أمراض فحسب هي التي تَقَرَّر استهدافُها رسميًّا على نطاق عالَمي؛ وهي: الملاريا، وداءُ التُّنَينات (الذي يُعرَف كذلك باسم داء دودة غينيا)، وشلل الأطفال. أصبحتِ الملاريا هدفًا للاستئصال قبلَ الجدري بأربع سنوات، لكن حدثَتْ عوائق في مراحل مبكرة — مثل مقاومة المبيدات الحشرية — عطَّلتْ مسارَ التقدُّم لتلك العملية. قد يعود استئصال الملاريا إلى دائرة الاهتمام قريبًا، لكن حتى ذلك الحين فإن جهود مكافحة داء التنينات وشلل الأطفال هي كل ما لدينا في هذه المرحلة.

إلا أن هاتين الحملتين كذلك بدأتا في التباطؤ. وهو ما توضحه دينا فايفر — مدير برنامج التحصين والأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات في منظمة الصحة العالمية — قائلةً: «كان استئصال الجدري سريعًا بمجرد أن تقرَّر. ونحن نعاني الآن من الإرهاق؛ لأن بعض المجهودات تستغرق وقتًا طويلًا.»

عندما أُطلقتْ حملة استئصال داء التنينات، بدا الهدف سهلًا نسبيًّا؛ إذ اقتصر انتشار دودة غينيا الطفيلية على مناطق محدودة من آسيا وأفريقيا، ونظريًّا كان من الممكن أن يكون توفير مياه شرب نظيفة كفيلًا بالقضاء عليها.

يُصاب الأشخاص الذين شربوا ماءً ملوثًا بيرقات الطفيل بقَرْح مؤلِم في ساقهم أو أقدامهم بعد نحو عام، وغالبًا ما يحاولون تسكين الألم بغمس أرجلهم في الماء؛ مما يحفِّز الأنثى الناضجة الكامنة داخل الحوصلة على البروز فجأة وإطلاق يرقاتها. يُعلِّق هوبكنز على ذلك قائلًا: «ما من مرجعٍ علميٍّ يمكن أن يعدَّك لهذا المرض.» وهوبكنز مدير حملة منظمة الصحة العالمية لاستئصال المرض منذ عام ١٩٨٦، وقد شارك بصورة فعَّالة أيضًا في مكافحة الجدري قبل ذلك.

في عام ١٩٨٠ — عند انطلاق حملة مكافحة داء التنينات — كان عدد حالات الإصابة بالمرض يصل إلى ٣٫٥ ملايين حالة في ٢١ بلدًا. لكن في عام ٢٠١٣ سُجِّلَتْ ١٤٨ حالة فحسب، في تشاد ومالي وإثيوبيا وجنوب السودان. يقول هوبكنز: «نظريًّا، قد يختفي الوباء مع حلول عام ٢٠١٥.» ويزعم هوبكنز أنه محصَّن ضد التشاؤم، وهي ميزة هامة عند مكافحة مرضٍ مستعصٍ. وقد حُدِّد موعدان نهائيان لاستئصاله؛ الأول عام ١٩٩٥ والثاني عام ٢٠٠٥، لكنهما أُخلِفا.

أبحاث بملايين الدولارات

غالبًا كلما اقتربنا من اجتثاث مرض زاد الوضع صعوبة؛ إذ تواجه فِرَق الصحة العامة صعوبةً في دخول المناطق الريفية النائية التي تُؤوي آخرَ جيوب عدوى دودة غينيا، وهذا على فرض معرفتهم بتلك الأماكن أصلًا. وعندما يصلون إليها فعلًا ربما لا يجدون سوى حالة أو اثنتين يعالجونها، فتكون تلك الحملات مشروعات مكلفة جدًّا ذات عائد ضئيل. يعلِّق ساندي كيرنكروس — الذي يعمل بكلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، والذي شارك في جهود مكافحة المرض في غرب أفريقيا في تسعينيات القرن العشرين — على ذلك قائلًا: «إحدى عمليات البحث في غينيا تكلَّفتْ مليون دولار ولم تعثر إلَّا على حالة واحدة.» بل إنَّ بعض الخبراء في مركز كارتر أبدَوْا قلقهم حيال التكاليف، لكن هوبكنز مُصِرٌّ على أهمية مواصلة جهود المكافحة، ويقول: «إذا تركتَ المرض الآن، فسوف يعود وينتشر.»

هذا تحديدًا ما يحدث الآن مع مرض شلل الأطفال. فمناطق الحرب — مثل الجزء الأكبر من سوريا حاليًّا — هي الموقع المثالي لازدهار تلك الأمراض المُعْدِية؛ إذ يؤدِّي تعطيل الخدمات الصحية إلى احتمال عدم تحصين المجتمعات التي يصعب الوصول إليها. وفي حالة شلل الأطفال، يجب أن يُحصَّن ٨٠٪ من السكان لتحقيق مناعة مجتمعية ضدَّ المرض، وهي الحالة التي تجعل انتشار الفيروس أمرًا عسيرًا عند تحقُّقها.

يمثِّل التحصين ضدَّ شلل الأطفال تحدِّيًا في نيجيريا وباكستان أيضًا. ففي كِلَا البلدين أدَّتْ نظريات المؤامرة المتعلقة بتسبب اللقاح في العقم أو التسمم إلى بثِّ الشك في نفوس الناس تجاه مَن يُعطُون حقن اللقاح، والذين تعرَّض بعضهم إلى إطلاق النار. ومِن ثَمَّ أصبحتْ توعية الناس بفوائد التحصين مهمة لا غنى عنها. وفي حالة الصومال، انضمَّ مالين إلى حملة تهدف إلى تطهير بلده من مرض شلل الأطفال، واستطاع استخدام تجربته الخاصة مع الجدري كدرسٍ عمليٍّ على ضرورة التحصين، بل وتمكَّن من إقناع بعض قادة المليشيات بكون اللقاح آمنًا. لكن مع كل خطوتين تخطوهما البلاد إلى الأمام كانتْ ترجع خطوة إلى الوراء، فبعدما أُعلن خلوُّ الصومال من شلل الأطفال عام ٢٠٠٨، سجَّل البلد ظهورَ ١٩٤ حالة إصابة بالمرض عام ٢٠١٣. ويُعتقَد أن تفشي المرض يرجع إلى تقليص برامج التحصين متبوعًا بوصول شخص واحد مصاب من الخارج.

إن شلل الأطفال — مثل الجدري — مرضٌ فيروسيٌّ له لقاح فعَّال، إذا استُخدم على النحو السليم يمكن أن يوفِّر مناعة تدوم مدى الحياة. فلماذا إذن لم يُستأصَل شلل الأطفال بالطريقة نفسها؟

تدابير عسكرية

انضمَّ هوبكنز إلى حملة مكافحة الجدري بعدما تخرج في كلية الطب مباشرة. وهو مؤمن بأن نجاحها يرجع إلى تمتعها بميزتين محوريتين: لقاح فعَّال، ودعم الحكومات في جميع أنحاء العالم. ومعظمها حكومات خاضتْ بنفسها تجربة الصراع مع المرض.

لكن الزمن قد تغيَّرَ منذ التعامل مع جيوب الجدري الأخيرة. وهو ما يوضحه بيتر بِيوت — مدير كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارَّة — قائلًا: «في حالة الجدري، استَخدمتِ الحملاتُ تدابيرَ عسكريةً صارمةً؛ إذ وضعتِ المصابين في الحَجْر الصحي ونشرتْ حولهم جنودًا مسلحين. لستُ متأكدًا من أن هذا الأسلوب يمكن أن ينجح في الزمن الحالي.»

ومِن ثَمَّ تظل استراتيجية التعامل مع آخر جيوب شلل الأطفال هي محاولة تحصين أكبر عددٍ ممكنٍ من الناس. تقول فايفر: «كلما تظن أنك اقتربتَ من النهاية تجد المرض قد تفشَّى من جديد. فعلينا أن نستهدف جميع الثغرات المناعية من أجل وقف انتقال العدوى.»

فيما يتعلق ببعض الأمراض، قد يكون الاستئصال هدفًا أصعب مما يمكن تحقيقه. لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية تقليل حالات الإصابة بها إلى ما يقرب من الصفر، في بعض المناطق على الأقل؛ وهي استراتيجية تُعرَف باسم التخلُّص من المرض (انظر الجزء بعنوان «عالم خالٍ من فيروس نقص المناعة البشرية»). وقد يُمهِّد التخلصُ من المرض في حدِّ ذاته الطريقَ أمام استئصاله، بإثبات إمكانية تطهير مناطق بأكملها من المرض أمام الحكومات والممولين.

والحصبة أحد الأمراض المستهدف التخلص منها عالميًّا بحلول عام ٢٠٢٠. مرة أخرى، نقول إنه يوجد لقاح فعال لهذا المرض، لكن لا بد من إعطائه إلى ٩٥٪ من السكان لمنع الفيروس من الانتشار، وهي نسبة أعلى بكثير من النسبة المطلوبة لأي مرض آخر. على صعيد آخر، يسهل تشخيص الحصبة؛ فهي تصيب البشر فحسب، وما إن تُحصَّن ضدها يصبح لديك مناعة مدى الحياة.

لماذا إذن لا نطمح إلى المزيد؟ يقول بيتر ستريبل الذي يعمل ببرنامج التحصين الموسَّع التابع لمنظمة الصحة العالمية: «إن استئصال الحصبة أمر ممكن من الناحية البيولوجية.» فقد أمكن بالفعل التخلُّص من المرض في الأمريكتين؛ إذ ظهرتْ آخر حالة مستوطنة عام ٢٠٠٢، وجميع الحالات التي ظهرتْ منذ ذلك الحين كانتْ لأناس قادمين من الخارج. لكن طالما أن الحصبة موجودة في مكان آخر «سيظل خطر ورودها من الخارج قائمًا دومًا» — على حد قول ستريبل — ولا سيما مع معدل السفر حول العالَم السائد حاليًّا. كذلك من الصعب إدارة برامج استئصال عدة بالتوازي. ويضيف ستريبل أنه مع استمرار جهود مكافحة شلل الأطفال، ليس الآن هو الوقت المناسب لتحديد موعد استئصال الحصبة.

إن التخلص من الحصبة على مستوى العالَم مع حلول عام ٢٠٢٠ سيُعتبَر في حدِّ ذاته إنجازًا هائلًا. أحد تعريفات التخلص من المرض هو تقليل حالات الإصابة بالمرض إلى أن يكفَّ عن كونه عبئًا على الصحة العامة. نظريًّا من المفترض أن يحمي ذلك الأعدادَ الصغيرةَ من السكان التي تختار رفض التحصين تخوُّفًا من تسبُّب اللقاح في الإصابة بالتوحُّد على سبيل المثال.

لكن ماذا عن الملاريا؟ هل يوجد أيُّ أمل في التخلص منها مع الوقت، أو حتى محوها من على وجه البسيطة؟ شَهِدَ عام ١٩٥٥ انطلاق أول حملة لمكافحة الملاريا، وإن كانتِ الولايات المتحدة أطلقتْ حملتها الخاصة لاجتثاث المرض قبل ذلك التاريخ بتسع سنوات. وقد بدا أنَّ الحملة تُحقِّق نجاحًا؛ فبحلول عام ١٩٥١، كان المرض قد أُزيل من الولايات الخمسين كلها. وتحققتْ نجاحات مماثلة في أوروبا.

لكن تلك المجهودات — التي اعتمدتْ بالدرجة الأولى على استخدام المبيدات الحشرية — أخفقتْ عند محاولة تطبيقها على المستوى العالمي. فحتى الثغرات الصغيرة التي لم تُغَطِّها حملاتُ رشِّ المبيدات الحشرية مكَّنَتِ البعوضَ الذي يحمل طفيل الملاريا من البقاء على قيد الحياة وتوطيد أقدامه من جديد. وفي النهاية أُلغي المشروع عام ١٩٦٨.

عندما يكون الهدف هو محو أحد الأمراض تمامًا، يُمَثِّل اللقاح ميزة هائلة. يوضح بِيوت ذلك قائلًا: «نحتاج إلى تدخُّلٍ بسيطٍ، وما زال اللقاح هو الخيار الأفضل أمامنا. فعندما يشتد انتقال العدوى يستطيع اللقاحُ إحداثَ فَرْقٍ، حتى إن لم يكن هو اللقاح المثالي.»

وإن نجاح لقاحات الملاريا في التجارب السريرية مؤخرًا يبعث قدْرًا من الأمل؛ فعلى سبيل المثال: يكوِّن لقاح آر تي إس إس أجسامًا مضادة تمنع طفيليات الملاريا من توطيد أقدامها داخل الجسم. وعلى الرغم من فعالية اللقاح الجزئية، فإن اكتشافه — مقترنًا باستراتيجيات أخرى مثل استخدام الناموسيات ومكافحة البعوض — أعاد قضية استئصال الملاريا — أو التخلص منها على أقل تقدير — إلى دائرة النقاش.

وفي عام ٢٠٠٧ أطلق الاتحاد الأفريقي الحملة الأفريقية للتخلص من الملاريا، والتي تهدف إلى تقليل حالات العدوى لتصل إلى الصفر في البلدان التي تنخفض بها معدلات الإصابة مثل بتسوانا، بالإضافة إلى تقليل حالات الوفاة والمرض بنسبة ٧٥ في المائة في البلاد التي يزداد فيها انتشار المرض. تتضمن استراتيجية الحملة تكثيف استخدام التدابير من قَبِيل توزيع ناموسيات معالَجة بالمبيدات الحشرية، وتتطلب مساندة سياسية مستمرة، كما هو الحال مع جميع جهود المكافحة.

نعود مجددًا إلى الصومال وإلى علي مالين، الذي حارب شلل الأطفال حتى الرمق الأخير بمعنى الكلمة. ففي يوليو عام ٢٠١٣، كان مالين يشارك في حملة للتحصين ضد شلل الأطفال في الصومال — أثناء نوبة من تجدد العدوى — عندما سقط فريسة للمرض وتُوفِّي، من جراء الملاريا حسبما ورد في التقارير. شَهِدَ مالين في حياته استئصال مرض وقُرْب استئصال آخرَيْن. وربما يمتدُّ العمر ببقيتنا لنشهد محوَ هذين المرضين — وربما غيرهما — على نَحْوٍ مماثلٍ.

إلى أيِّ مدًى اقتربنا من الهدف؟

شلل الأطفال

  • ١٩٨٨: ٣٤٥ ألف حالة
  • ٢٠١٤: ٨٩ حالة

دودة غينيا

  • ١٩٨٦: ٣٫٥ مليون حالة
  • ٢٠١٤: ٩ حالات

الجدري

  • ١٩٦٧: ١٣١٦٩٧ حالة
  • ٢٠١٤: استؤصل

عالَم خالٍ من فيروس نقص المناعة البشرية؟

أدَّى تطوير العقاقير المضادة للفيروسات القهقرية لمقاومة فيروس نقص المناعة البشرية إلى إحداث نقلة في فُرَص المصابين به. لكن هل بوسعنا إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء لنعود إلى زمن كان العالَم فيه خاليًا من فيروس نقص المناعة البشرية؟ إن الافتقار إلى لقاح فعَّال ضد الفيروس يجعل من استئصاله مهمة عسيرة، في الوقت الحالي على الأقل. لكن البعض يزعم أنَّ التخلُّص من المرض — أي تقليل نِسَب العدوى إلى ما يقرب من الصفر في بعض المناطق — يمكن أن يكون هدفًا معقولًا.

تمثَّلتِ الممارسات الطبية المعتادة في وصف العقاقير المضادة للفيروسات القهقرية فقط عندما يقلُّ عدد خلايا الدم البيضاء لدى أحد المصابين عن مستوًى معيَّن. لكن ثمة تجربة سريرية أُجريتْ عام ٢٠١١ اكتشفتْ أن إعطاء تلك العقاقير إلى المصابين منذ لحظة اكتشاف الإصابة بالمرض قلَّل من الحمل الفيروسي لدى المرضى على نحوٍ جذريٍّ؛ ومِن ثَمَّ أدَّى إلى تقليص احتمالات نقل الفيروس إلى شركائهم بنسبة ٩٦٪. ومنذ ذلك الحين قدَّم يان هونتيليه من المركز الطبي التابع لجامعة إراسمس في مدينة روتردام بهولندا نماذج توضِّح التأثير المحتمل لذلك العلاج المبكر على تفشِّي فيروس نقص المناعة البشرية في جنوب أفريقيا؛ حيث أحد أعلى معدلات الإصابة بذلك المرض في العالَم. وتشير النتائج التي توصَّل إليها إلى أنه في حالة تطبيق ذلك العلاج المبكر في جميع أنحاء البلاد، «فسنتمكن من التخلص من المرض في غضون ١٧ عامًا على أفضل التقديرات.» بل إن النماذج التي وضعها تُشِير إلى أنه حتى الاستخدام التقليدي للعقاقير المضادة للفيروسات القهقرية قد يؤدِّي إلى التخلص من المرض في غضون ٢٧ عامًا إذا تلقَّى تلك العقاقير كلُّ مَن يحتاج إليها.

رغم ذلك تتضمَّن تلك النماذج العديد من الافتراضات، لا سيما افتراض أن الكثير من الناس سيتطوَّعون لإجراء تحليل فيروس نقص المناعة البشرية وأنهم سوف يتناولون جميعًا العقاقير حسب النظام الموصوف لهم. يعلِّق بيتر بِيوت — مدير كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارَّة — على ذلك قائلًا: «لا أتمتع بتفاؤل واضِعِي النماذج؛ فالواقع مختلف.»

10 Dec, 2015 04:55:45 PM
0

لمشاركة الخبر