Skip to main content

الرياضة والذكاء: كيف تدعم التمرينات الرياضية عمل الدماغ؟

إن بذل مجهود بدني هو السبيل الأمثل لتعزيز خلاياك العصبية وإضفاء الحيوية على التفاعلات الكيميائية في دماغك، بل إن الاهتمام بالنشاط الرياضي قد يُفسِّر تطور الدماغ البشري.

إذا كان أحد المستمعين لكلمة جون راتي يأمل في التمتع بغفوة هادئة ريثما ينتهي من خطابه فقد خاب ظنه. فبينما خطب راتي في ١١٠٠ من أبرز العاملين في مجال التعليم في العالم دعاهم إلى مشاركته في ممارسة مجموعة من التمرينات الرياضية، فيقول: «مارسنا الجري في المكان مدة ٢٠ ثانية، وارتحنا عشر ثوانٍ، ثم كررنا ذلك أربع مرات.»

جسد أنشط يساوي عقلًا أنشط.

جسد أنشط يساوي عقلًا أنشط.

ربما يبدو ذلك أسلوبًا غريبًا يلجأ إليه عالم نفس يتحدث في مؤتمر عن التعليم، لكن راتي — الأستاذ بكلية طب هارفرد — يعلم أن دفع مستمعيه إلى تليين عضلاتهم قبل الاستماع إلى كلمته سيعود عليه بالنفع؛ إذ سيجعلهم أكثر انتباهًا وربما يساعدهم كذلك على الاحتفاظ بكم أكبر مما سيسمعونه في ذاكرتهم. وهو ما يعلق عليه قائلًا: «لقد جهزت الجميع للاستماع.» وكان ذلك أيضًا مقدمة مثاليةً لخطاب افتتاحي حول الطرق التي تمكننا جميعًا من استخدام أجسامنا لتطوير عقولنا.

لطالما كان من المسلَّم به أن التمرينات الرياضية تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب. وتشير الدراسات الحديثة إلى عدد أكبر من الفوائد العامة، مثل تقليل خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان بل وحتى تجنب الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. ويبدو الآن أن في وسع محبي ارتياد صالات التمارين الرياضية توقع تعزيز قدراتهم الدماغية كذلك.

الأمر ليس مجرد كلمات مبهمة ذات بريق ووعد بالتمتع بالصحة على شاكلة ما تحمله مقولات؛ مثل: «العقل السليم في الجسم السليم.» بل وجد راتي وباحثون آخرون أن للياقة البدنية تأثيرًا عميقًا وطويل المدى على مجموعة متنوعة من القدرات المعرفية التي تُشكِّل مُعامل الذكاء لدى الفرد. يبدو أن النشاط البدني عامل مهم أثناء الطفولة؛ إذ يزوِّد الدماغ بالطاقة عبر التغيرات الكثيرة التي تساعدنا على النضوج وصولًا لمرحلة البلوغ. لكنه قد يلعب كذلك دورًا أثناء مرحلة الشيخوخة؛ حيث يفسر تراجع اللياقة البدنية سبب كون بعض الأفراد أكثر عرضةً للإصابة بالخرف.

يعلق ديفيد رايكلين — عالم الأنثروبولوجيا الحيوية في جامعة أريزونا بمدينة توسان — على هذا قائلًا: «إنه حقًّا لتأثير مذهل يجعل من هذا المجال أحد أكثر المجالات إثارة في فيسيولوجيا الرياضة.» وبالنظر إلى ماضي النوع الإنساني، يدرس رايكلين إن كان اهتمام أسلافنا بممارسة الرياضة قد عجل كذلك من تطور ذكائهم منذ ملايين السنين. وفي الواقع ربما يتضح أن عقولنا هي نتيجة ثانوية لقوانا العضلية.

كانت أول إشارة للعلاقة بين اللياقة البدنية وأداء المهام المعرفية البسيطة في دراسات أُجْرِيَتْ في ستينيات القرن الماضي، لكن أهميتها أصبحت تلقى تقديرًا أكبر بكثير بعد ذلك بثلاثين عامًا تقريبًا. ففي حقبة التسعينيات اكتشف فريد جيدج — عالم الجينات في معهد سولك بمدينة لاهويا، كاليفورنيا — أن التمرينات الرياضية تحفز نمو الخلايا العصبية الجديدة لدى الفئران. وفي نفس الوقت تقريبًا نشر آرثر كريمر — المتخصص في علم النفس المعرفي في معهد بِكمَن للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة بجامعة إيلينوي — بحثًا علميًّا في مجلة نيتشر يُبيِّن فيه أن البالغين قليلي الحركة سابقًا قد عززوا أداءهم في التدريبات المعرفية التي تتطلب تحكمًا تنفيذيًّا بعدما شرعوا في الالتزام ببرنامج من تمارين اللياقة البدنية (الأيروبكس) مدة ستة أشهر. عززت تلك التدريبات نوعًا من التركيز يساعدك على الانتقال بين المهام المختلفة دون ارتكاب أخطاء، ويساهم مساهمة رئيسية في الذكاء العام.

وبناءً على تلك التجارب، تتبَّع فيض من الأبحاث اللاحقة لياقة الأفراد البدنية ومهاراتهم المعرفية سنوات عديدة، وفي بعض الأحيان مدة عقود. في البداية ركزت معظم الأبحاث على فحص الأفراد الأكبر سنًّا ممن يُتوقَّع أن تخبو قدراتهم العقلية مع تقدم السن؛ إذ تتبعت دراسةٌ ألمانيةٌ — نُشِرَتْ عام ٢٠١٠ — أربعةَ آلاف ألماني فوق سن ٥٥ عامًا من ولاية بافاريا مدة عامين، ووُجِد مع نهاية الدراسة أن الأشخاص الذين نادرًا ما يشاركون في أنشطة بدنية بلغت احتمالية إصابتهم بخلل معرفي ضعف احتمالية إصابة من يمارسون نشاطًا بدنيًّا؛ مثل: البستنة، أو السباحة، أو ركوب الدراجات بضعة مرات أسبوعيًّا. كذلك أظهرت دراسة أخرى — تتبعت مجموعة من ١٥٠٠ فرد تقريبًا مدة ٢٠ عامًا — أن تلك التأثيرات ربما تكون طويلة الأمد. فمن مارسوا التمرينات الرياضية على الأقل مرتين أسبوعيًّا في مرحلة منتصف العمر انخفض لديهم كثيرًا احتمال الإصابة بالخرف عند بلوغهم الستين والسبعين من عمرهم، حتى مع الأخذ في الاعتبار العوامل التي قد تتسبب في إرباك النتائج؛ مثل: التعليم، وشرب الخمر، والتدخين. ومن المفترض أن تُوجِّه تلك النتائجُ التحذيرَ التالي للأشخاص الكسولين: إن اكتساب عادات سليمة الآن قد يؤخِّر تدهور وظائفك العقلية في العقود التالية.

على الرغم من ندرة الدراسات التي تركز على الأفراد الأصغر سنًّا، فإن الأدلة المتوفرة تشير إلى أن النشاط البدني يعزز صحة الدماغ في كل مرحلة من مراحل الحياة. ومن أشد الإحصائيات لفتًا للنظر تلك التي تتناول الأطفال من سن ٥ إلى ١٤ عامًا في المدارس الحكومية بمدينة نيويورك. فقد وُجِد أن الطلاب الذين صُنِّفوا ضمن أعلى ٥٪ في تصنيفات اللياقة البدنية تفوَّقوا في الاختبارات الأكاديمية القياسية على الطلاب الذين صُنِّفوا ضمن أدنى ٥٪ بمعدل يصل إلى ٣٦ نقطة مئوية. وتظهر كذلك نتائج مشابهة من سجلات ١٫٢ مليون مجند في الخدمة العسكرية في السويد في الفترة بين عامَيْ ١٩٥٠ و١٩٧٦؛ إذ مكنت تلك السجلات الباحثين من مقارنة درجاتهم في مادة التربية البدنية في سن ١٥ عامًا وأداءهم في اختبار وظائف القلب والأوعية الدموية في سن ١٨ عامًا. ومن ثم بدا أن التغييرات في اللياقة البدنية خلال سنوات المراهقة تلك لها علاقة طردية مع حاصل ذكاء هؤلاء الشباب وقدراتهم المعرفية مع نهاية تلك المرحلة الزمنية.

وبناءً على جميع ما سبق، فإن تلك الأبحاث كلها تعيد تشكيل نظرتنا إلى العلاقة بين الجسم والدماغ. تعلق ميجان هيرتنج — أستاذة الأعصاب بكلية طب كيك في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، التي درست تأثير التمرينات الرياضية على نمو الأطفال — على ذلك قائلة: «عندما كنت أفكر في هذا في البداية، خطر ببالي أنه ربما لكل دماغ مستوى أساسي من الصحة، وربما يقوم النشاط البدني بتحسين صحة الدماغ انطلاقًا من هذا المستوى، لكني الآن أشعر أن العكس هو الصحيح، فربما يمثل الأطفال الذين يرتفع نشاطهم البدني المستوى الأساسي الذي يُفترَض أن يكون عليه نشاط الدماغ.» وهو ما يشير ضمنًا إلى أن التمرينات الرياضية ليست عاملًا داعمًا للمستوى المعرفي الطبيعي، بل هي شرط لازم له.

ولكن ماذا يكمن وراء هذه العلاقة؟ ربما يؤدي القليل من الدعم المؤقت للحالة المزاجية إلى تحقيق بعض الفوائد؛ إذ يزعم برايان كريستي — عالم الأعصاب بجامعة فيكتوريا في مقاطعة بريتيش كولومبيا بكندا — أن «الناس يستمتعون حقًّا بالجانب المبهج المميز للشعور بالانتشاء الذي يعتري العدَّائين وبصفاء الذهن الناتج عن ممارسة التمرينات الروتينية.» على النقيض قد يتسبب التوتر في كبح استجاباتك الدماغية أثناء حل مشكلة ما؛ مما يمنع الدماغ من إجراء الارتباطات اللازمة. يزعم كريستي أنك «إذا ذهبت للتريض فعادة ما تنخفض مستويات التوتر لديك، وعندئذ ستجد الحل أمامك.» ربما يُفسِّر ذلك جزئيًّا على سبيل المثال سببَ ارتفاع المستوى الدراسي لدى الأطفال ذوي اللياقة البدنية الأعلى.

على الأرجح تساهم التمرينات الرياضية في إحداث المزيد من التغيرات الدائمة كذلك؛ إذ يعتمد الدماغ — باعتباره أحد أشد أعضاء الجسد البشري احتياجًا للطاقة — على إمداد ثابت من المغذيات والأكسجين عبر شبكة معقدة من الشعيرات الدموية. ويمكن أن يحفز النشاط البدني تكوُّن خطوط الإمداد تلك، وفي وسعه كذلك تسهيل عملية صيانتها. وقد اكتشف ماثيو بايز — الذي يعمل لدى جامعة سوينبرن للتكنولوجيا في ملبورن، أستراليا — أن ارتفاع ضغط الدم، لاسيما في الشرايين المركزية الكبيرة التي تغذي الدماغ، قد يؤدي إلى تدني الأداء المعرفي، ربما لأنه يتسبب في تدمير تلك الأوعية. وبما أن النشاط البدني المنتظم يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم، فمن المفترض أن يحمي إمداد المغذيات في الدماغ من هذا الضغط المفرط.

وعلاوة على ذلك يُقلِّل مستوى اللياقة البدنية المرتفع من خطر الإصابة بداء السكري والسمنة. وهي من المشاكل الصحية التي تؤدي إلى تعطيل نظام الأنسولين في الدماغ، الذي يُعتقَد أنه يسبِّب مجموعة من التفاعلات التي تساهم في تراكم اللويحات المرتبطة بالتلف الدماغي لدى المصابين بمرض الزهايمر.

وإلى جانب تلك التغييرات المرتبطة بسلامة الدماغ عمومًا، وُجِد أن التمرينات الرياضية تُحفِّز إفراز النواقل العصبية — مثل: السيروتونين، والنورأدرينالين، والدوبامين — التي تساعد على تنظيم عمل الإشارات في الدماغ. وتلك النواقل العصبية هي ذاتها التي تعمل عليها العقاقير المضادة للاكتئاب والمعالجة لاضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة؛ ولهذا السبب فإن قضاء فترة قصيرة على جهاز المشي أو العجلة يماثل تناول مزيج من عقارَي البروزاك والريتالين، كما يقول راتي. كذلك يستحث ذلك النشاط البدني الدماغ على إطلاق عوامل النمو مثل عامل النمو شبيه الأنسولين رقم ١ (آي جي إف-١) وعامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (بي دي إن إف)، الذي يطلق عليه راتي اسم «صوبة نمو خاصة بالدماغ»؛ لأنه يخلق بيئة تسمح بازدهار الخلايا العصبية ويعزز تكوين وصلات جديدة بين الخلايا.

تضرب جذور تلك العلاقة بين الجسم والعقل عميقًا في تاريخ تطورنا. فيقول رايكلين: «يلعب النشاط البدني دورًا مؤثرًا في تاريخنا التطوري؛ إذ ينبني نظامنا الفسيولوجي بأكمله على التمتع باللياقة البدنية.» وربما نشأ التطور الدماغي من أجل تحسين مهارة التنقل وتحديد الاتجاهات. فبينما تطوف الحيوانات بحثًا عن الطعام، ربما شجعت الزيادة المفاجأة في عوامل النمو التي تصاحب تحركاتها على النمو العصبي والمشبكي الذي ساعدها على تذكر طريقها بحيث تتمكن من زيارة نفس البقعة في وقت لاحق.

طفرة تطورية

في المقابل قد لا تعدو هذه العلاقة سوى صدفة تطورية، كما يذهب رايكلين: «ربما قام الجسم بعملية تنظيم لتلك العوامل بزيادتها لتحسين القدرة على أداء النشاط البدني، وكانت الآثار الدماغية المترتبة على ذلك ناتجًا ثانويًّا.»

حتى إن كان الأمر كذلك، فربما ظلت هناك بعض الأحداث الجذرية في حقبة ما قبل التاريخ. إذ يشير رايكلين إلى كون البشر يتمتعون بقوة احتمال بدني تفوق بمراحل أقرباءنا من رتبة الرئيسيات؛ إذ لا تشارك القرود في سباقات الماراثون على سبيل المثال. ومع تطور أسلافنا لتحمل الرحلات الطويلة التي يقومون بها لاصطياد طعامهم، ربما تعرضوا لتدفق مستمر لعوامل النمو تلك ولعوامل التغذية العصبية التي تغذي تطور الخلايا والمشابك العصبية، ومن المحتمل أن يكون قد ترتب على ذلك طفرة في الذكاء.

حتى الآن لا يدعم هذه الفرضية سوى عدد قليل من الدراسات. ومنذ بضع سنوات، قاس رايكلين وزميلُه آدم جوردن من جامعة ألباني، التابعة لجامعة ولاية نيويورك أدمغةَ مجموعات متنوعة من أنواع الحيوانات، من ضمنها القوارض والكلاب والقطط وذوات الحوافر، واستخدموا الحد الأقصى من معدل الأيض لديها كبديل عن ممارسة النشاط البدني. ووجدوا أن ضمن كل مجموعة كانت الأنواع التي تتمتع بإمكانية أكبر للنشاط البدني هي من تملك عادةً أدمغة أكبر حجمًا بالنسبة إلى إجمالي كتلة أجسامها، مقارنة بالحيوانات الأقل نشاطًا.

كذلك يورد رايكلين تجارب حاولت محاكاة عملية التطور في المختبر، عبر توليد انتقائي للحيوانات ليكون لديها خصائص معينة. فعلى سبيل المثال، أظهرت الفئران التي وُلِّدت بخاصية العَدْو لمسافات طويلة مستويات أساسية أعلى من عوامل النمو، بالإضافة إلى ارتفاع إنتاج الخلايا الجديدة في منطقة شق الحصين بالدماغ ونموًّا دماغيًّا ملحوظًا في مناطق أخرى من ضمنها وسط الدماغ. وعبر فحص تشريح البشر الأوائل، درس رايكلين مؤخرًا تطور خصائص مثل أطراف الجسد الأكثر طولًا؛ التي تُعَدُّ مؤشرًا للقدرة على بذل المزيد من النشاط البدني الشاق. وتشير نتائجه — التي نُشِرَتْ في أوائل هذا العام — إلى أن زيادة النشاط البدني تصاحبها زيادة في حجم الدماغ، مع ذلك يُشدَّد على أننا لا نزال نفتقد الدليل المباشر على كون أحدهما مسببًا للآخر، مضيفًا: «إن الجانب التطوري يعاني حقًّا من قلة الدراسات التي تتناوله بالبحث.»

وأيًّا كان الدور الذي لعبه الجهد البدني في تطورنا، فإن نتائجه الداعمة للدماغ لها آثار جدية اليوم. وحاليًّا تشجع وزارة الصحة الأمريكية المدارس على إفراد مساحة أكبر لمادة التربية البدنية، كذلك يوصي معهد الطب بأن يمارس الأطفال في المدارس الابتدائية ٣٠ دقيقة من النشاط البدني يوميًّا، ثم تزداد الفترة إلى ٤٥ دقيقة يوميًّا في المرحلة الإعدادية والثانوية. يعلق راتي على ذلك قائلًا: «لا بد أن ندفع الأطفال إلى ممارسة النشاط البدني كل يوم، لا لكون ذلك منطقيًّا من الناحية الصحية فحسب، بل لأنه يرفع كذلك من نتائج الاختبارات.»

ينطبق نفس المبدأ على الأفراد الأكبر سنًّا، ويقدم بديلًا لاستراتيجيات التدريب المعرفي — مثل الألعاب المحفزة للدماغ — التي كثيرًا ما تُوصَف باعتبارها أساليب لشحذ الدماغ في مرحلة الشيخوخة. ووفقًا لكلام كريمر لا يتوفر الآن الكثير من الأدلة الداعمة لتلك الاستراتيجيات، بما أن التحسن الناتج عن المهام التي تتخصص في التدريب المعرفي لا يبدو ظاهرًا في الحياة اليومية. وعلى العكس من ذلك، تؤدي عادةً أنظمة التدريب البدني الجديدة — التي تُطبَّق في المعتاد مدة ستة أشهر أو سنة — إلى زيادة سرعة معالجة المعلومات وتحسين الانتباه والذاكرة في جميع أنواع الأنشطة. وتشير النتائج الأولية إلى أن الجمع بين المنهجين قد يكون أفضل سبيل.

إذن ما النوع الأفضل من أنواع التمرينات الرياضية؟ من الضروري أداء تمرينات الأيروبكس، ولكن اعتمادًا على مستوى لياقتك البدنية الحالي لا داعي لأن تكون تلك التمرينات مجهدة أكثر من اللازم. فقد اكتشف كريمر أنه حتى الأنشطة المعتدلة — مثل ممارسة المشي بضع مرات في الأسبوع — كان لها فعل السحر على بعض المتطوعين من كبار السن؛ إذ أدَّتْ إلى زيادة الارتباط بين شبكات الدماغ وزيادة حجم شِقَّي الحصين، فضلًا عن دعم التذكر بوجه عام.

أما بخصوص من يتمتعون بلياقة جيدة بالفعل، فيحبذ راتي نوعًا من التمرينات الرياضية يُدعَى التمرين المتذبذب عالي القوة، الذي يتكون من فترات قصيرة جدًّا من التدريبات الشاقة للغاية؛ إذ يؤدي تحفيز جسدك بهذه الطريقة إلى حث الغدة النخامية على إفراز هرمون النمو البشري الذي يدعم بدوره مستويات الناقلات العصبية، كما يزعم راتي. وكدليل على فعالية التمرين المتذبذب عالي القوة يستشهد راتي بدراسة ألمانية أدمج المشاركون بها فاصلين من العَدْو بأقصى سرعة، مدة الفاصل الواحد ثلاث دقائق وسط أربعين دقيقة من الجري الهادئ؛ إذ ظهر أن المشاركين أفرزوا مستويات أعلى من عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ وهورمون النورأدرينالين، وتحسَّن أداؤهم بنسبة ٢٠٪ في تدريبات تكوين كلمات جديدة انخرطوا في أدائها بعد العَدْو مقارنة بمن مارسوا نوعًا أسهل من التمرينات الرياضية. بالرغم من ذلك ينبِّه راتي أن المبتدئين في ممارسة التمرينات الرياضية عليهم مراعاة التدرج البطيء وصولًا إلى مستوى التمرينات المتقطعة عالية القوة.

يطبِّق راتي ما يدعو إليه في حياته؛ إذ يمارس التمرينات الرياضية ثلاث مرات أسبوعيًّا على الأقل مدة ٢٠ دقيقة، وتتخلل كل جلسة ستة فواصل من التمرينات عالية القوة، مدة كل فاصل ٣٠ ثانية. ويزعم أن هذا النظام يُحْدِث نتائج دون أن يتطلب وقتًا كبيرًا.

وعلاوة على ذلك، يجد كريمر — الذي يبلغ من العمر حاليًّا ٦٠ عامًا — وقتًا لتطبيق اكتشافاته على حياته. إذ كان في الماضي يتسلق الجبال وظل يشارك في سباقات الماراثون عدة سنوات، لكن في تلك الأيام كان الجزء الأكبر من نشاطه البدني يتركز في التمرين على عجلة ثابتة؛ حيث يستطيع قراءة الجرائد بينما يبذل مجهودًا بدنيًّا. كذلك يستخدم في العمل مكتبًا مخصصًا للوقوف مزودًا بجهاز للمشي أسفل منه، حيث يسير فترة تتراوح بين ٣٠ دقيقة وساعة يوميًّا.

لم يفُت الأوان قط على التمتع بتلك الفوائد، كما يقول كريمر، مضيفًا: «كثيرًا ما يسألني الآخرون: هل سيساعدني ذلك إذا كنت في السبعين من عمري؟ والإجابة هي دومًا: نعم، دون شك.»

16 Dec, 2015 11:43:06 AM
0

لمشاركة الخبر