Skip to main content

هلاك محتم

تتناثر في أنحاء غابات أمريكا الوسطى أطلال بعض المدن التي كانت تعج بالحياة في يوم من الأيام. وتزقزق الطيور على درجات سلم القصور المتداعية، وتلتف النباتات المتسلقة على بقايا المعابد الرائعة. منذ حوالي ألف عام كانت مدينة تيكال — جواتيمالا في العصر الحديث — تقبع في قلب حضارة المايا. وكان بها ٦٠ ألف نسمة، وشبكة تجارية واسعة، وثقافة فنية مزدهرة. ساد شعب المايا المنطقة الممتدة في كل الاتجاهات حول تيكال، فكانت لهم الهيمنة على المنطقة من جنوب المكسيك حتى هندوراس. كما طوروا علم الفلك والكتابة الهيروغليفية ونظام تقويم معقد. وفي ذلك الوقت، كانوا يمثلون أكثر الحضارات تقدمًا في العالم. ثم تلاشى هذا المجتمع المتطور بين عشية وضحاها تقريبًا.

في أربعينيَّات القرن السادس عشر، في الوقت الذي وصل فيه الغزاة لمدن المايا، كانت المدن مهجورة ولم يجد الإسبان سوى قبائل بُدائية تعيش في أكواخ من القش في الغابة. ما الذي حدث للشعب الذي بنى هذه المدن الرائعة؟ وضع العلماء نظريات حول حدوث مجاعة أو نشوب حرب أو حدوث اجتياح أو تغير في المناخ أو انتشار للأوبئة أو حتى حدوث انتحار جماعي لتفسير السقوط المفاجئ لحضارة المايا، ولكن لم يجد أي منهم تفسيرًا مقنعًا.

ويرى عالما آثار الآن أنهما كشفا وسيلة لحل اللغز؛ فيزعمان أن شعب المايا كان يعيش على حافة هاوية.

ربما من المستغرب أن كليفورد براون من جامعة فلوريدا أتلانتيك ووالتر ويتشي من متحف العلوم في ولاية فيرجينيا وصلا إلى هذا الاستنتاج ببساطة من خلال تحليل خرائط المدن والبلدان التي تألفت منها هذه الحضارة. فاكتشفا أن الخرائط تظهر شكلًا معينًا معروفًا باسم النمط الفراكتالي (دورية جورنال أوف أركيولوجيكال ساينس، المجلد ٣٠، صفحة ١٦١٩). والنمط الفراكتالي هو نمط يتألف من فراكتالات (كسيريات) متشابهة تكرر نفسها على نطاقات أصغر فأصغر. ونبات السرخس أحد الأمثلة على ذلك؛ فهو يتكون من فروع تبدو أيضًا مثل السرخس الواحد، ويتكون كل واحد منها بدوره من فروع أصغر تبدو أيضًا متطابقة، وهكذا يسير النمط. ويتمثل أحد الأمثلة الأخرى في مثلث سيربنسكي (انظر الرسم).

مثلث سيربنسكي

يبلغ البعد الفراكتالي لهذا النمط حوالي ١٫٥٨؛ وهو مقياس الأحجام النسبية للمثلثات التي يضمها هذا النمط.

وجد عالما الآثار الأنماط الفراكتالية مفيدة؛ لأنها يمكن أن تساعد في تحديد أنماط الاستيطان. ولكن هذه الأنماط يمكن أن تكشف أيضًا أشياء عن المجتمع الذي صنعها بوعي أو بغير وعي.

تختفي العديد من مواقع المايا تحت طبقات كثيفة من شجيرات الغابة المتشابكة؛ مما يجعل من الصعب جمع بيانات لمساحات كبيرة. لذلك اختار براون وويتشي دراسة المنطقة التي جرى مسحها كلها: ولاية يوكاتان في المكسيك. ووضعا قائمة بأكثر من ألف موقع للمايا في هذه المنطقة التي يعتقد أنها كانت مأهولة خلال الفترة الكلاسيكية المتأخرة والأخيرة (٨٠٠–١٠٠٠ ميلادية)، وسجلا مواقعها. وباستخدام برنامج حاسوبي أجريا مسحًا ضوئيًّا لخريطة رقمية، وحسبا حجم كل مستوطنة.

استطاع براون وويتشي حساب «بعد فراكتالي» للمنطقة مستعينين بعدد المستوطنات من كل حجم وتوزيعها الجغرافي. وهذا مقياس لمدى سرعة تعاظم النمط المتشابه ذاتيًّا: فكلما كانت القفزات أصغر بين كل مستوًى جديد وآخر من النمط المتشابه ذاتيًّا، كان البعد الفراكتالي أكبر. ويبلغ البعد الفراكتالي لمثلث سيربنسكي ١٫٥٨. والبعد الفراكتالي الذي قاسه براون وويتشي من مستوطنات شعب المايا في يوكاتان يبلغ ١٫٥١. وهذا قادهما إلى فكرة عما قد حدث لشعب المايا.

سرعان ما اكتشف براون وويتشي أنه يمكن أن يكون للظواهر الأخرى — مثل الدمار الذي سببته حرائق الغابات والحرب — بُعْدٌ فراكتاليٌّ مشابه جدًّا. من المعروف أن حرائق الغابات تتبع أنماطًا سلوكية تُعرف باسم «النقطة الحرجة ذاتية التنظيم»، ويسلم العلماء أيضًا بأنها هي القوة الدافعة الأساسية وراء الانهيارات الثلجية والزلازل والانفجارات الشمسية وحتى تقلصات عضلات المرأة عند الولادة (مجلة نيو ساينتيست، ١٧ نوفمبر ٢٠٠١، صفحة ٣٠).

السمة الرئيسية للنظم الحرجة ذاتية التنظيم هي عدم الاستقرار الذي يزداد تدريجيًّا إلى أن يقوم النظام «بإعادة ضبط» نفسه على الوضع الأصلي فجأة ليصل إلى تنظيم أكثر استقرارًا. المثال الكلاسيكي على ذلك هو كومة الرمال التي تكبر كلما أضيف إليها المزيد من الرمال، حبة رمل واحدة في كل مرة. وعندما تزداد نسبة الانحدار، ربما تحدث العديد من الانهيارات الصغيرة التي تقلل نسبة الانحدار قليلًا. وفي نهاية المطاف تسبب حبة رمل واحدة مضافة انهيارًا حرجًا كبيرًا يعيد نسبة انحدار الكومة إلى نسبة أقل بكثير مرة أخرى. في النظم الحرجة ذاتية التنظيم، يمكن لأسباب تافهة ظاهريًّا إحداث تأثيرات جمَّة؛ ربما حتى تؤدي إلى سقوط حضارة.

لم يكتشف براون وويتشي إشارات للنقطة الحرجة ذاتية التنظيم في التوزيع واسع النطاق لمستوطنات المايا فحسب؛ فعندما درسا تخطيط الغرف والمنازل ضمن واحدة من المدن — مايابان — اكتشفا وجودها أيضًا. لمنازل شعب المايا مظهر متراصٌ غير تقليدي، وطالما وجد علماء الآثار صعوبةً في وصف أنماطها المعقدة وتحديدها. على سبيل المثال، تتجمع مجموعات صغيرة من المباني حول الساحات. وتنضم هذه المجموعات من المنازل في كثير من الأحيان إلى تجمعات مختلفة الأحجام تشبه الأحياء السكنية أو الحارات.

مملكة الهندسة الفراكتالية

أظهرت دراسة مسحية على ١١٠٧ مواقع استيطانية لشعب المايا في يوكاتان أنماطًا فراكتالية في توزيعها. حتى المباني الفردية داخل مدينة المايا — مايابان — تتمتع ببنية فراكتالية.

عن طريق القياس الدقيق لأحجام ومواقع الغرف والمنازل والأفنية والمعابد والقصور في مدينة مايابان، استطاع براون وويتشي إثبات أن نمط التجمع ذلك كان نمطًا فراكتاليًّا ذا بعد فراكتالي يبلغ ١٫٣٥؛ وهذا — مرة أخرى — مشابه للنظم الحرجة ذاتية التنظيم الأخرى.

ليس براون وويتشي أول مَن يشير إلى أن النقطة الحرجة ذاتية التنظيم يمكن أن تسبب انهيار مجتمع. فعلى سبيل المثال، قدم المؤرخ والاقتصادي جريجوري برانك في عام ٢٠٠٢ الطرح نفسه (دورية جورنال أوف ثيوريتيكال بوليتيكس، المجلد ١٤، صفحة ١٩٥). لكن هل توجد أي أدلة تشير إلى إمكانية ارتباط حضارة المايا بعدم الاستقرار الذي يحدث لنظام الانهيار الثلجي؟ يرى براون وويتشي احتمالية وجودها. أجرت جويس ماركوس — عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة ميشيجان في آن أربور — دراسات مستفيضة حول حضارة المايا، وترى أن الحضارة مرت بدورات متكررة من النمو الجغرافي والتقسيم: فكثيرًا ما اندمجت دول المنطقة ثم انقسمت مرة أخرى. ويشير براون وويتشي إلى أن البعد الفراكتالي لدى المايا يمكن أن يكون انعكاسًا لهذا النشاط، وأن رواية ماركوس هي وصف للنقطة الحرجة ذاتية التنظيم.

ومن المرجح أن للحرب — إضافة إلى السياسة والاقتصاد — تأثيرًا كبيرًا على أنماط الاستيطان لدى شعب المايا أيضًا. وقد أوضح ديفيد وبستر — عالم الأنثروبولوجيا في جامعة ولاية بنسلفانيا في يونيفرستي بارك — أن شعب المايا كان باستمرار تقريبًا في حالة حرب؛ ولكنها كانت حربًا من مختلف الأحجام، من الغارات الطفيفة إلى الصراعات الكبيرة بين الدول الكبرى. ويرى براون وويتشي أن هذا أيضًا سمة مميزة للنقطة الحرجة ذاتية التنظيم: فالزلازل، على سبيل المثال، تحدث على جميع مستويات الأحجام الممكنة، ويحظى كل حجم منها بدرجات متفاوتة من التكرار.

يرى عزرا زوبرو — من جامعة ولاية نيويورك في بافالو، وأحد علماء الآثار الأوائل في استخدام التحليل الفراكتالي — أنه من المعقول جدًّا أن البعد الفراكتالي للمستوطنات يعكس العدوانية التي كان عليها ذلك المجتمع. ويضيف: «بنية وتخطيط المباني وقدرتها الدفاعية أو الهجومية سوف تترجم إلى أنماط فراكتالية مختلفة.»

بالطبع، يبدو بوضوح عدم الاستقرار المرتبط بالصدوع الجغرافية أو المنحدرات الثلجية، ولكن ما الذي يمكن أن يجعل مجتمعًا من المجتمعات غير مستقر بطبيعته لهذا الحد؟ ربما تكون إحدى الإجابات ببساطة هي: التقدم. فيبدو أنه توجد علاقة طردية بين البعد الفراكتالي وشكل من أشكال «الكفاءة».

عندما تكون الأنماط الفراكتالية في أحد الوديان معقدة للغاية بحيث تملأ تقريبًا المساحة بأكملها، فإن البعد الفراكتالي يرتفع لا محالة نحو ٢، وهو الحد الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه. وبالنسبة للمجتمع، البعد الفراكتالي المنخفض يعني استخدام الأراضي والتجارة والحكومة والعمالة استخدامًا بعيدًا عن الاستخدام الأمثل؛ أي يوجد قدر كبير من الترهل في النظام.

أوضح علماء من جامعة نوتنجهام في المملكة المتحدة علاقة الارتباط تلك في دراسات حول منطقة في اليونان القديمة. وصف عالم الآثار وليام كافانه وعالم الرياضيات الراحل روبرت لاكستون استخدام الأراضي في لاكونيا التي تقع إلى الشرق من مدينة سبارتا الحديثة، وحسبا البُعد الفراكتالي الناجم، فبلغ بُعدها الفراكتالي حوالي ٠٫٧ من عام ٦٠٠ قبل الميلاد حتى حوالي ٦٠٠ ميلادية، حينها بدأ في الازدياد حتى وصل في نهاية المطاف إلى حوالي ١.

وقارنا الأرقام مع الوثائق التاريخية بشأن السياسة والزراعة والمجتمع، وأصبح واضحًا أن البعد الفراكتالي زاد استجابة للتغيرات في نظام الحكم، وكان ذلك مصاحبًا لقيام مجتمع أكثر استقرارًا وأكثر عدلًا حيث وُزعت الأراضي على نحو أفضل. وهذا بدوره أدى إلى قدر أكبر من الكفاءة في استخدام الأراضي والعمالة وغيرها من الموارد. ويقول كافانه: «يتوافق ارتفاع البعد الفراكتالي مع انتهاج سياسات أكثر استقرارًا وتطبيق بنية اقتصادية حديثة.»

ولكن في النظام الحرج ذاتي التنظيم، لا يمكن أن يستمر البعد الفراكتالي في النمو إلى ما لا نهاية؛ نظرًا لميل النظام إلى أن «يعيد ضبط نفسه». سيكون لكومة الرمال حدٌّ أقصى من الانحدار يتحدد حسب حجم حبيبات الرمل وقوى الاحتكاك بينها، التي إذا تجاوزتها فسوف تعاني انهيارًا كارثيًّا. وبما أن الرمال تضاف دائمًا؛ فإن الانهيار في نهاية المطاف أمر لا مفر منه.

وبالمثل، عندما تزداد درجة الكفاءة لدى مجتمع ما — أي الاستخدام الأمثل للموارد وإعادة استخدامها الاستخدام الأمثل مع تغير الظروف — ربما يصل المجتمع أيضًا إلى نقطة حرجة، بحيث تكون كل الأراضي المتاحة مخصصة للزراعة أو المباني، ولكن يوجد طلب أكثر من أي وقت مضى على مزيد من الغذاء والسكن. فيمكن لذلك أن يُعجِّل حدوث أزمات مثل الحروب والمجاعات.

وهكذا ربما يوجد شيء في إشارة براون وويتشي يفيد بأن حضارة المايا كانت غير مستقرة في الأساس؛ مثل العيش على صدع جيولوجي في حالة توتر متزايدة. ولأكثر من ٢٠٠٠ سنة، ربما عانى المجتمع عديدًا من الأزمات مختلفة الجسامة قبل أن تنهار الأمور في النهاية، ولا يمكنها التعافي أبدًا. ويقول براون: «ربما لا يكون من الضروري لعلماء الآثار التعرف على تغيير كبير لتفسير سبب انهيار حضارة المايا؛ فقد يكون اضطراب طفيف هو كل ما يلزم لحدوث الانهيار.»

تمامًا كما يمكن لتساقط ثلوج يبدو ضئيلًا على منحدر مثقل على نحو حرج أن يؤدي إلى انهيار كبير، فربما يكون وقوع حدث عادي نسبيًّا في حياة المايا — مثل اندلاع حرب واحدة أو تغيير للحكومة في توقيت سيئ أو حدوث ركود اقتصادي — قد أجهز على الحضارة بأكملها. بطبيعة الحال، إذا كان المجتمع يمر دائمًا باضطرابات من مختلف الأنواع والشدة، فربما يكون الانهيار ناجمًا حتى عن مصادفة سيئة جمعت بين عدد من هذه الأحداث معًا؛ ربما حرب صاحبها موسم حصاد سيئ.

إنها فرضية مثيرة للاهتمام، ولكنها في الوقت الراهن ليست أكثر من مجرد فرضية. ولدى رون إجلاش — عالم الأنثروبولوجيا من معهد رنسيلير للعلوم التطبيقية في تروي بنيويورك — تحفظات حول استِقاء الكثير جدًّا من الاستنتاجات من بيانات المايا. ويقول: «أعتقد أنهما على شفا اكتشاف مهم عندما لاحظا أن الأنماط الفراكتالية الكبيرة يمكن أن تكون نتيجة لعملية يمكن تمثيلها بواسطة النقطة الحرجة ذاتية التنظيم.» ومع ذلك، يشعر بالقلق حول تطبيق البعد الفراكتالي كأداة، فيشير قائلًا: «علاقة الارتباط لا تعني السببية دائمًا؛ لذلك نحن بحاجة إلى توخي الحذر عند تطبيق التحليل الفراكتالي عبر الثقافات.»

يوافق براون وويتشي على ذلك، فهما حريصان على التأكيد على أنهما قدما مجرد اقتراح ليخضع للدراسة ضمن مزيد من الأبحاث الأثرية. وهما بالتأكيد لا يدعيان إثبات أن مجتمع المايا كان قائمًا على نظام حرج ذاتي التنظيم. فمن ناحية، يشير براون وويتشي إلى أن بيانات الخريطة الخاصة بهما أبعد ما تكون عن المثالية. فيقول براون: «للأسف ستوجد بعض البيانات المفقودة من المناطق التي لم تُمسح على نطاق واسع. كما أنه من المتوقع ألا تكون المواقع الصغرى ممثلة تمثيلًا كافيًا؛ لأن إيجادها أصعب في مناطق الشجيرات الكثيفة.»

ومع ذلك، ربما تكون تلك وسيلة مفيدة لدراسة التاريخ السياسي والعسكري والاقتصادي للمجتمعات القديمة عندما تكون الأدلة الأثرية أكثر موثوقية. ويقول زوبرو: «أود أن أرى التحليل الفراكتالي يستخدم كأداة تشمل جوانب الثقافة بأكملها، من النقل إلى التجارة، ومن الأسرة إلى الدولة، ومن الأيديولوجيات إلى الدين.»

يقدم التحليل الفراكتالي أيضًا منظورًا رياضيًّا نحو الحياة في المجتمعات الحديثة (انظر الجزء بعنوان «مرحبا بك في المدينة الفراكتالية»)؛ وهذا — كما يشير براون — ربما يثير مجموعة أخرى من الأسئلة: هل يمكن أن تبلغ الحياة ببساطة درجة من الكفاءة تجاوز الحد، أو متحضرة أكثر مما يجب؟ هل سيصل مجتمعنا لانهيار كبير في المستقبل القريب؟

النظم الحرجة ذاتية التنظيم بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها؛ لذلك ربما لا يكون هذا سؤالًا يمكننا الإجابة عنه بثقة. ولكن ربما ينبغي لنا أن ننظر لتلك المدن القديمة — سواء أكانت مغطاة بالنباتات المتسلقة أم غارقة في مستنقعات جواتيمالا — بصفتها تحذيرًا في الوقت المناسب. من ناحية أخرى، إذا كنا سنأخذ بالأنماط الفراكتالية، فإن مسيرة التقدم التي لا تهدأ ربما تأخذنا أيضًا إلى مكان ما غير متوقع.

مرحبًا بك في المدينة الفراكتالية

العمارة الفراكتالية ليست حكرًا على شعب المايا؛ فالمدن الحديثة مثل لندن وبيتسبرج وطوكيو تتمتع أيضًا بخصائص فراكتالية. قاس مايك باتي — من كلية لندن الجامعية — البعد الفراكتالي في لندن من خلال النظر إلى شكل محيط المدينة باستخدام أسلوب يعرف باسم التمدد الانتشاري. ويشير إلى أنه في الأساس كلما كانت حدود المدينة أكثر تعرُّجًا، كان البعد الفراكتالي أعلى في المدينة.

ويقول باتي: «هذا مقياس لاستخدام المساحة»، كلما زادت المساحة المتوافرة داخل المدينة، قَلَّت المباني التي سيضيفها المطورون على الحدود. وتتمتع لندن الحديثة ببعد فراكتالي يبلغ ١٫٧. ودرس أيضًا بعض المدن الأمريكية، منها: ألباني وبافالو وكليفلاند وكولومبوس وبيتسبرج؛ واكتشف أنها تتمتع جميعها ببعد فراكتالي مشابه. ولكن هذه الأرقام آخذة في التناقص مع مرور الوقت، فيقول: «هذا يدل على أن الناس يخرجون من المدن وأن مجتمعنا يبدأ في اتباع «اللامركزية».» ومع انتقال الناس إلى خارج المدن، تزداد المساحة المتاحة داخل الحدود الحالية؛ لذلك يترك البناءون والمخططون حدود المدينة كما هي.

مع ذلك، بعض الهياكل الفراكتالية ثابتة؛ فقد اكتشف فلاديمير رودين، وهو عالم رياضيات في جامعة فورونيج الحكومية بروسيا، وإيلينا رودينا، من قسم الهندسة المعمارية في جامعة واسيدا بطوكيو في اليابان، أنماطًا فراكتالية في شوارع طوكيو المعقدة التي تشبه المتاهة (دورية فراكتالز، المجلد ٨، صفحة ٤١٣). واكتشف رون إجلاش — من معهد رنسيلير للعلوم التطبيقية في نيويورك — أنماطًا فراكتالية في تخطيط المنازل في المستوطنات الأفريقية الحديثة. فبالنسبة للكثير من الجماعات العرقية — ولا سيما في غرب ووسط أفريقيا — غالبًا ما يرتبط النظام المعماري بالثقافة والنظام الاجتماعي للأفراد.

في تنزانيا، عندما كانت تسأم امرأة زوجها، كان يمكنها ببساطة الانتقال للعيش في مكان آخر. فتعني البنية الفراكتالية التقليدية للمدن أنه من السهل بالنسبة لها بناء منزل أينما يحلو لها. وللأسف، عندما فرض المستعمرون الأوروبيون نظام تخطيط الشوارع الشبيه بالشبكة على المدن التنزانية، فقدت المرأة الكثير من استقلاليتها؛ فأزال نظام الشبكة المساحات التي كان يمكن استغلالها من قبل.

فضلًا عن أن التحليل الفراكتالي وسيلة مفيدة لقياس الديناميكيات الاجتماعية في الماضي والحاضر، يمكن أن يساعد أيضًا في تصميم وتشييد مباني ومدن المستقبل. ومؤخرًا، أعدَّ إجلاش وبرنارد تومي — من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك — تصميمًا لمتحف الفن الأفريقي الجديد في نيويورك اعتمد على النمط الفراكتالي. ويقول إجلاش: «يبدو أن الأنماط الفراكتالية تخدم المتاحف على نحو جيد؛ لأنك تحصل على الكثير من الأحجام المختلفة للغرف مع العديد من الجوبات والمحاريب، وهذا يقسم المعروضات على نحو جيد كما أنه مريح للعين.» ويشير باتي أيضًا إلى أن الأنماط الفراكتالية يمكن أن تكون مفيدة في تخطيط المدن، ويضيف: «تحقق الأنماط الفراكتالية أفضل استفادة من المساحة؛ ولهذا فإن تنظيم المرافق المشتركة — مثل المكتبات ومراكز الشرطة والمستشفيات — في شبكة فراكتالية يمكن أن يجعل الوصول إليها أسهل بالنسبة للجميع.»

16 Dec, 2015 04:16:30 PM
0

لمشاركة الخبر