Skip to main content

طعام عجيب ربما لم تسمع به من قبل

فاكهة مُتْخَمة بالبروتين يمكنها أن تنمو في التربة التي تتزايد ملوحتها على نحوٍ مستمرٍّ بفعل التغيُّر المناخي، فهل تستطيع فاكهة الخبز أن تُطْعِم العالم؟ امرأة واحدة تؤكد أن الجواب هو نعم.

في أبريل عام ١٧٨٩ انطلق الملازم ويليام بلاي من جزيرة تاهيتي الواقعة في المحيط الهادئ ليقطع نصف العالم بحرًا ليصل إلى جامايكا. وفي اليوم الثالث والعشرين من الرحلة البحرية، تمرَّدَ عليه طاقمه وتركوه في زورق السفينة بونتي تجرفه الأمواج بلا وجهة ومعه ١٨ رجلًا كانوا موالين له، وألقوا شحنة السفينة في الماء. وكان من ضمن هذه الشحنة ١٠٠٠ شتلة من فاكهة الخبز لتوريدها إلى مزارع السكر في جامايكا، التي كان أصحابها يُلِحُّون في طلب مصدر طعامٍ رخيص يُعتمَد عليه لإطعام عبيدهم.

هناك مئات الأنواع من فاكهة الخبز.

هناك مئات الأنواع من فاكهة الخبز.

لكن بلاي كان رجلًا عنيدًا، وفي عام ١٧٩٢ — وكان في ذلك الوقت قد ترقَّى إلى رتبة نقيب — انطلق مرة أخرى من تاهيتي ونجح في شحن ٢٠٠٠ شتلة من فاكهة الخبز إلى جامايكا، أثمرت منها ٦٧٨ واحدة. في البداية أنِفَ العبيد ورفضوا هذه الفاكهة الخضراء المتكتلة التي يشبه لحمُها لحمَ البطاطس، لكن خلال ٥٠ عامًا أصبحت فاكهة الخبز التي تحمل الاسم العلمي «أرتوكاربوس ألتيليس» طعامًا رئيسيًّا على الجزيرة.

لم يَعُد للعبيد وجودٌ في جزر الهند الغربية، لكن ظهرت مرة أخرى مشكلةُ نقصِ الغذاء، وتفاقَمَ منها الاحترارُ العالميُّ. فقد فَقَدت فاكهة الخبز الرواج منذ أمد بعيد؛ حيث غطَّت على أهميتها الواردات الرخيصة المعتمدة على القمح والأرز والذرة. واليوم تستورد جامايكا أكثر من نصف احتياجاتها الغذائية التي تتضمَّن — من قبيل المفارقة — السكر. والآن مع مواجهة الجزيرة لاحتمال ارتفاع منسوب البحار وارتفاع مستوى الدَّين، أَقْدَمَت الحكومة على بدْء حملةٍ لخفض فاتورة الغذاء المُسبِّبة للعجز؛ وذلك من خلال تشجيع الإنتاج المحليِّ. ومرةً أخرى برزت فاكهة الخبز باعتبارها حلًّا للمشكلة، لكن ليست النوعيات التي قدَّمها بلاي. ففي هذه المرة، تُختار الشتلات بعناية فائقة لِتناسب احتياجات جامايكا وأذواقها؛ فضلًا عن أنها لا تُشحَن بالسفن بل في طائرات فيديكس.

عودة الاهتمام بفاكهة الخبز، ليس فقط في جامايكا بل في أنحاء العالم أيضًا، يرجع الفضل فيها إلى حدٍّ كبير إلى امرأة تُدعَى ديان راجوني من الحديقة الوطنية للنباتات الاستوائية في هاواي. عندما بدأت دراسة هذا النبات في أوائل ثمانينيَّات القرن العشرين، لم تكن هناك أية معلومات عن النبات، وحتى الأمور الأساسية عنه مثل منشئه وهوية سلفه كانت غير معروفة. كانت غالبية شتلات بلاي التي أثمرت والمقدَّر عددها بنحو ٦٧٨ تنتمي إلى نوعين أو صنفين مستنبتين فقط معروفين في منطقة الكاريبي باسم فاكهة الخبز البيضاء والصفراء. وتمتاز تلك الثمرات بالكثافة والنشوية، وقد يقول البعض إنها عديمة الطعم. ورغم ذلك، توجد مئات الأنواع من هذه الثمرة في جزر المحيط الهادئ، باختلاف نكهاتها وملمسها ومواسم الإثمار. حتى إن راجوني قضَتْ ثمانينيَّات القرن العشرين كلَّها في جمْع ما يزيد عن ٢٠٠ صنف وتوثيقها، واستطاعت أن تستنبت ١٢٥ نوعًا من ٣٤ دولة.

وبحلول العقد الأول من الألفية الثالثة كانت راجوني تعمل مع نايري زيريجا الباحثة في جامعة نورث ويسترن في شيكاجو من أجل معرفة تاريخ هذا النبات. وتمثَّلت مهمتهما الأولى في تحديد سلفٍ مشتركٍ لكلِّ الأنواع الموجودة حاليًّا من فاكهة الخبز. مرَّ النبات بتغيُّرات كثيرة في مختلف جزر المحيط الهادئ وفي أوقاتٍ مختلفةٍ؛ حيث كان المزارعون يختارون سماتٍ مُعَيَّنة وَفقًا لظروفهم وأذواقهم المحليَّة، لدرجة أنَّ السُّبل المؤدية إلى صنفٍ يُدعَى «حواء» من فاكهة الخبز أصبحت مختلطة. ورغم ذلك، اتَّضحت على الفور قاعدة واسعة تمثَّلت في أنك كلَّما اتجهت شرقًا، قلَّ التنوُّع الجيني في الأنواع المستنبتة، وقلَّ احتمال وجود بذور في الثمرة.

النبات العقيم لا يمكنه التكاثر دون تدخُّل الإنسان، ولا بد أن البشر قد حوَّلوا السلف الخصيب إلى فاكهة الخبز العقيمة من خلال هذا التدخل. ومن أجل إيجاد هذا السلف احتاجَتْ زيريجا إلى أداة تحقيقية قوية. ووجدت تلك الأداة في بصمة الحمض النووي. فعند تحليل الحمض النووي لكلِّ الأصناف المستنبتة وجدت أن معظمها يحتوي على بصمات وراثية لنباتٍ بذريٍّ يُطلَق عليه جوز الخبز ينمو في غينيا الجديدة، وهكذا وجدت زيريجا السلف المراوغ.

جاء الاكتشاف الذي توصلت إليه زيريجا متفقًا مع النتائج التي ظهرت في ذلك الوقت من أعمال التنقيب الأثري والمتعلقة بنشأة الاستيطان في جزر المحيط الهادئ. فقد كان يُعتقَد أنَّ الشعوب الأسترونيزية، التي يتكون منها سكان الجزر المنتشرة في المحيط الهادئ، يعود منشؤهم إلى تايوان، وأنهم وصلوا غينيا الجديدة منذ حوالي ٤٠٠٠ سنة. ومن غينيا الجديدة تنقَّلوا من جزيرة إلى أخرى متَّجهين شرقًا، من ميلانيزيا وحتى بولينيزيا — وتوجَّهوا شمالًا نحو ميكرونيزيا — إلى أن وصلوا إلى تاهيتي. وفي الطريق ساروا شمالًا نحو هاواي وجنوبًا نحو نيوزيلندا، وقد وصلوا كليهما منذ ١٥٠٠ عام (انظر الخريطة). وفي الوقت الراهن يبدو أن هذا التوسع قد حدث على الأرجح بإيقاعٍ أسرع من هذا. واستنادًا إلى ما تمَّ التوصُّل إليه من خلال استخدام الكاربون المُشِع لتحديد عمرِ عظامٍ من مواقع دفنٍ، ومكتشفات من الأواني الخزفية ذات الطراز الأسترونيزي المعروف باسم لابيتا، استنتج الأثريُّ ماثيو بريجز من جامعة أستراليا الوطنية في كانبيرا أنَّ هؤلاء البحَّارة الخبراء لم يصلوا غينيا الجديدة إلا في وقتٍ يقرب من ٣٠٠٠ عامٍ مضت، ومن هناك وصلوا إلى تونجا — التي تبعد ٥٠٠٠ كيلو متر تقريبًا تجاه الجنوب الشرقي، وعلى مقربة ما يزيد عن نصف الطريق إلى تاهيتي — خلال جيلين.

آخر حدود الأراضي المستوطنة: تُعَدُّ جزر المحيط الهادئ من آخر الأماكن على وجه البسيطة التي استعمرها البشر. فعندما ارتحل البشر شرقًا منطلقين من جنوب شرق آسيا حملوا معهم المؤن، وكان من بينها فاكهة الخبز، وسلفها؛ فاكهة جوز الخبز.

آخر حدود الأراضي المستوطنة: تُعَدُّ جزر المحيط الهادئ من آخر الأماكن على وجه البسيطة التي استعمرها البشر. فعندما ارتحل البشر شرقًا منطلقين من جنوب شرق آسيا حملوا معهم المؤن، وكان من بينها فاكهة الخبز، وسلفها؛ فاكهة جوز الخبز.

اقتفاء أثر الجذور

كان الأسترونيزيون في كلِّ مرة يستوطنون فيها جزيرةً جديدةً يأخذون معهم المؤن التي كانت تضمُّ الكلاب والدجاج والفئران والبطاطا الحلوة. وتوجد إشارات تدل على أنهم «زرعوا مقدمًا» الجزيرة التالية بمحاصيل صالحة للأكل قبل الاستيطان فيها بشكل دائم. وهم بفعلهم هذا، ربما يكونون قد قلَّدوا أساليب الزراعة التي شهدوا ممارستها مِنْ قِبَل السكان الأصليين لغينيا الجديدة، الذين كانوا يزرعون نباتات غذائية استوائية، مثل القلقاس والموز، في المرتفعات منذ وقت مبكر يصل إلى ٧٠٠٠ عام مضت كما أظهرت أبحاث تيم دنهام زميل سبريجز.

فيما يتعلَّق بنقل فاكهة الخبز، لم يكن الأسترونيزيون ليستطيعوا أخذ البذور؛ والسبب في ذلك هو أن بذور الأصناف القليلة المحتفظة بالبذور، وكذلك بذور جوز الخبز لا تحتمل التخزين؛ ومن ثَمَّ فلم تكن تلك البذور لتصمد طوال هذه الرحلة الطويلة. وبدلًا من أخذ البذور، فعلى الأرجح أن المستوطنين الأوائل لجزر المحيط الهادئ قد أخذوا جذور النبات. فإحداث شقٍّ صغيرٍ في جذر فاكهة الخبز يجعلها تُخرِج بُرْعمًا، وهو نوع من التكاثر اللاجنسي يُطلَق عليه التكاثر الخضري. وتعلِّق زيريجا قائلةً: «عند الإكثار الخضري لأحد النباتات ستتراكم الطفرات جيلًا بعد جيل بعد جيل، وهو ما قد يؤدِّي إلى ظهور نوعٍ عديم البذور.»

وهكذا قد يبدو أن فاكهة الخبز قد ساعدت البشر خلال فترات الجوع على مدار آلاف السنوات. ربما لم تَعُدْ تلقى رواجًا في جامايكا، لكنها ظلَّت طعامًا رئيسيًّا في كلِّ أنحاء جزر المحيط الهادئ، وليس من الصعب معرفة سبب ذلك، فهي تتفوَّق على الأرز والقمح والذرة من حيث إنتاجية الهكتار. وكما يوضح بحثٌ لم يُنشَر بعدُ فإن متوسط إنتاج ٢٤ صنفًا مستنبتًا من الأصناف التي ذكرتها راجوني هو ٣٢٠ كيلوجرامًا من الفاكهة لكلِّ شجرة في السنة الواحدة. إن ثمرة واحدة زنة ٣ كيلوجرامات توفِّر بسهولة حصة الكربوهيدرات المقررة في الوجبة لأسرةٍ مكونة من خمسة أفراد. وتبدأ الأشجار في طرح الثمار ما بين عمر الثالثة والخامسة اعتمادًا على نوع الصنف المُستنبَت، ولا تتطلب سوى القليل جدًّا من العناية؛ فضلًا عن توفيرها للظل الذي يحتاج إليه الناس بشدة. وتقول زيريجا: «من عادات بولينيزيا أن يزرع المرء فاكهة الخبز عند ولادة الطفل؛ لأن هذا سيضمن توفر الطعام طوال حياة ذلك الطفل.»

في عام ١٩٩٦ رأت راجوني صورة فوتوغرافية لحراجة زراعية في ميكرونيزيا عمرها عدة قرون، وتَلْقى عناية بالغة تنمو فيها أنواع مختلفة من فاكهة الخبز، ففكرت قائلة: «لماذا لا يمكن تنفيذ مثل هذه الحراجة الزراعية في مكانٍ آخَرَ؟!» وعندها أدركت أن مجموعتها لم تكن ببساطة مجرد سجل، بل كانت مرجعًا عمليًّا قيمًا. وفي عام ٢٠٠٣ أسَّست معهد فاكهة الخبز التابع للحديقة الوطنية للنباتات الاستوائية، يتوسط هذا المعهد كرمة ضخمة مزروعة في صفوف متراصَّة على الساحل الشرقي غير المستخدم للزراعة في جزيرة ماوي في هاواي. واليوم، يبلغ طول بعض أشجار المعهد ٢٠ مترًا، ويتبنَّى المعهد مبادرةً تحمل اسم تحالف القضاء على الجوع، بهدف توزيع فاكهة الخبز لإطعام الدول التي تُعاني من نقصٍ في الغذاء على مستوى العالم.

يبدو هذا منطقيًّا. ففاكهة الخبز تنمو في المناطق الاستوائية، وهي مناطق مرتبطة بأكثر مناطق العالم نقصًا في الطعام. وهذه الفاكهة، التي يمكن استخدامها في كلٍّ من الأطباق الحلوة والمالحة ويمكن طحنها لتصير دقيقًا، متعددة الاستخدامات ومغذية على نحوٍ مدهشٍ. فهي غنيَّة بالفيتامينات والأملاح المعدنية، وتُعَدُّ مصدرًا للكربوهيدرات الخالية من الجلوتين، فضلًا عن كونها مصدرًا للبروتين. علاوةً على ذلك، فالبروتين الموجود في ثمرة الفاكهة يحتوي على قَدْرٍ أعلى من الأحماض الأمينية الضرورية، وهذا يعني أنه بروتين أفضل من حيث الجودة من بروتين الصويا. ورغم ذلك، تدرك راجوني وزملاؤها أنه إذا كان لزامًا تناول فاكهة الخبز على نطاقٍ واسعٍ في الدول التي تعاني من نقص الغذاء، فإنهم رغم ذلك لا يمكنهم أن يفرضوا على الناس تناولها مثلما فعل بلاي، بل إنهم في حاجة إلى تحديد نوعيات مناسبةٍ تمامًا للبيئة والمناخ والأذواق في الدول المختلفة.

وتكشف الأبحاث في معهد فاكهة الخبز عن أوجه التشابه والاختلاف بين الأصناف من حيث أمورٍ؛ مثل: الإنتاجية، وموسم الإثمار، ومحتوى البروتين، والأملاح المعدنية. وما زال العمل يجري على قدم وساق من أجل تحديد الصفات المرغوبة. فعلى سبيل المثال، تشير المؤشرات الأولية إلى أن بعض الأنواع المستنبتة قد تحتمل الملوحة إلى حدٍّ كبيرٍ، وهذا الأمر مهمٌّ في جزر الكاريبي التي تزداد ملوحةُ تربةِ أراضيها مع ارتفاع منسوب البحر.

ثمَّة إشارات أيضًا تقضي بأن الأصناف الأكثر انتشارًا والمأخوذة من شرق المحيط الهادئ هي الأقل قوة. وتدرس ميراندا هارت الباحثة في جامعة بريتش كولومبيا في كيلونا في كندا الفطريات المتكافلة التي تعيش في جذور شجرة فاكهة الخبز، وتساعدها على امتصاص المغذيات من التربة. ووجدت أن الأصناف التي تقل فيها هذه الفطريات تأتي من أقصى غينيا الجديدة. وتعلِّق ميراندا قائلة: «لماذا «تدفع» للفطريات كي تحميك من مُسبِّبات المرض أو لِتمدَّك بالفوسفور في حين أنك تعيش حياة آمنة نسبيًّا في حديقة أحد الأشخاص؟» قد يؤثر هذا على اختيار المستنبتات المرسلة إلى بلادٍ ظروفُ النموِّ فيها فقيرة. ثمَّة مشكلة عملية أخرى تتمثَّل في كيفية إنتاج النباتات ونقلها. فالإكثار الجذري الذي يمارسه مستوطنو جزر المحيط الهادئ يُنْتِج فقط براعم قليلة في السنة لكلِّ شجرة؛ ممَّا يعني أنه غير مناسب للإنتاج واسع النطاق. فضلًا عن أنه لن يُسمَح بدخول الجذور عَبْرَ الحدود في الوقت المعاصر؛ فهي تعج بالميكروبات الاستوائية. ولهذا السبب التقت راجوني في عام ٢٠٠٣ بالكيميائية سوزان مورتش الباحثة في جامعة بريتش كولومبيا، التي بدأت تعدِّل أساليب زراعة الأنسجة — وهي طريقة مستخدمة بالفعل في الكثير من الأطعمة التجارية وفي المحاصيل الزهرية — لتكون مناسبة لتطبيقها على فاكهة الخبز.

تُعَدُّ زراعة الأنسجة وسيلةً أسرع من الإكثار الجذري لأنها تستخدم براعم من الفروع؛ مما يعني إمكانية أخذ المزيد من البراعم من نبات واحد. وبعد ذلك لا بد من تحفيزها على النموِّ في مستنبتات مهيئة خصوصًا لهذا الغرض. تقول مورتش إن اختيار المستنبتات المناسبة لفاكهة الخبز كان صعبًا، لا سيما أن النبات يفرز عصارة بيضاء لزجة تحتوي على اللثى والفينول، وتلك العصارة تسبِّب تعفن الأنسجة إذا تُرِكَت في المستنبت.

لقد كانت عملية بطيئة ذات معدلِ نجاحٍ منخفض، ولم يحالف النجاح على الإطلاق بعض الأصناف المستنبتة. وعن هذا تقول مورتش: «إننا نقوم بهذا الأمر منذ ما يزيد عن عقد، وقد وصلنا إلى أن أصبح لدينا في هذه المرحلة ٤٨ صنفًا في مراحل الإنتاج المختلفة.» وتستطرد قائلة إن مختبرها هو عنق الزجاجة، لكن بمجرد أن تتجاوز الأشجار هذه المرحلة تتجلَّى فوائد زراعة الأنسجة. فالأشجار خالية من الأمراض وتطرح الثمار سريعًا، حتى إنها تطرح مبكرًا في سن العامين. وفي عام ٢٠٠٨ أشركت مورتش وراجوني أطرافًا خاصة باعتبارهم شركاء متخصصين للمساعدة في إكثار الشجيراتِ مزروعةِ الأنسجة على نطاقٍ تجاريٍّ. وفي الوقت الراهن أُرسِل من الأصناف التي نجحت مورتش في إكثارها ٣٥ ألف شجرة إلى ٢٦ دولة.

جاء التمويل اللازم لتوريد فاكهة الخبز إلى جامايكا وهاييتي من مؤسسة خيرية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية تحمل اسم «الأشجار المُطْعِمَة»، أسستها ماري ماكلوكلين وزوجها مايكل. وكان أول الأصناف التي قدَّمَتْها تلك الجمعية الخيرية هي «ما أفْلا»، وموطن هذا الصنف هو ساموا، ويختلف موسم إثماره عن بقية الأصناف الموجودة بالفعل في الجزر الأخرى؛ ممَّا يزيد من طول المدة التي تكون فيها فاكهة الخبز متوافرة. علاوة على ذلك، تمتاز تلك الشجرة بقصرها مقارنةً بغيرها ممَّا يزيد من قدرتها على احتمال الأعاصير. تُزرَع شجيرات «ما أفْلا» في محطات بحثية مدعومة من الحكومة إلى أن تصبح تلك الشجيرات قوية بدرجةٍ تسمح بزراعتها خارج المحطات. وفي جامايكا يعكف فريق راجوني على اختبار أصنافٍ أخرى لمعرفة كيف تتصرف تلك الأصناف في ظلِّ الظروف المحلية. ونظرًا إلى أن أول شجرة استُوردت إلى جامايكا في عام ٢٠٠٩ أصبحت تطرح الثمار الآن، طلبت بورتوريكو وكوستاريكا الانضمام إلى البرنامج. وفي نهاية المطاف، تأمُل ماكلوكلين أن ترى فاكهة الخبز مزروعة في حراجات زراعية تمتد في كلِّ أنحاء منطقة البحر الكاريبي. ورغم ذلك، لا بد أولًا أن يستعيد السكان المحليون الرغبة في تناولها.

وصفات للنجاح

تقول مورتش إنه لَأَمْرٌ طبيعيٌّ أن يكون شعب جامايكا قد استغرق ٥٠ عامًا حتى قَبِل بفاكهة الخبز ضمن نظامه الغذائي عندما قُدِّمَت له هذه الثمرة في المرة الأولى. وتشير إلى أن الطماطم ظلَّتْ غير مقبولة في إنجلترا لمدة عقود بعد تقديمها في القرن السادس عشر؛ لأن الناس كانوا يظنون أنها سامَّة. وعن هذا الأمر تقول: «يستغرق هذا الأمر جيلين، فلا بد أن تكون الثمرة قد طهتها جدتك من قبل.» وتريد ماكلوكلين أن تُعجِّل هذه العملية من خلال تعليم الناس طرقًا جديدة لطهي فاكهة الخبز وتناولها. وتُقدِّم وصفتها المُفضلَة قائلة: «ثلث فنجان من دقيق فاكهة الخبز، وثلث فنجان من عصير البرتقال، وبيضة واحدة، وقرفة، وجَوْز الطِّيب، وفانيليا، وملعقة صغيرة من الزيت؛ وستكوِّن هذه المقادير فطائر تكفي ثلاثة أشخاص.»

وهناك جهود أيضًا من أجل زيادة العمر التخزيني لهذه الثمرة. وتقول زيريجا إنه جارٍ تحضير مكرونة فاكهة الخبز ورقائق محمصة منها أيضًا. وقد ابتكر الزوجان ماكلوكلين «مجموعة أدوات للثمرة» تضم مِبْشرة ومِطْحنة، فعند بَشْر الثمرة وهي طازجة يمكن تجفيفها بعد ذلك وتخزينها إلى حين الحاجة إليها وعندها تُطحَن وتُستخدَم كدقيق.

تُعَدُّ فاكهة الخبز صناعة بشرية من عدة جوانب، مثلها مثل الموز وهو محصول رئيسي معروف أكثر منها. فكلتا الثمرتين مشتركتان في التاريخ؛ ومن ثمَّ في البيولوجيا أيضًا، وكلتاهما يتكاثر خضريًّا أو بالاستنساخ بدلًا من التكاثر بالبذور. ورغم ذلك، فإن صنف الموز التجاري الرئيسي الذي يُسمَّى كافانديش معرَّض حاليًّا للانقراض بسبب فطرٍ يُسمَّى فطر سيجاتوكا الأسود، وثبت أن إيقاف العفن أمرٌ صعب، وهذا يعود جزئيًّا إلى أن أسلافه البرية ما زالت غير معلومة. على النقيض من ذلك، ربما تُعَدُّ فاكهة الخبز أكثر تفوقًا في هذه النقطة. إن الأصناف التي يشيع تناولها على نطاقٍ واسعٍ خارج جزر المحيط الهادئ تُعَدُّ عديمة المذاق وعالية النشوية إلى حدٍّ كبيرٍ بالنسبة لكثير من الأذواق الغربية، لكن راجوني وأعوانها يمكنهم تغيير ذلك. فمن خلال الانتقاء والتهجين يمكنهم تطوير أصنافٍ ليست فقط مقاومة للأمراض والتغيُّر المناخي، لكنها لذيذة المذاق أيضًا. وإذا حدث ذلك، يمكن أن يمتد رواج فاكهة الخبز لما هو أبعد من جامايكا والمناطق الاستوائية. ومرة أخرى يقف مستقبل فاكهة الخبز في مفترق طرق، مثلما حدث معها منذ ما يزيد عن قرنين، عندما وقف ويليام بلاي في زورقه وشاهَدَ حمولته النفيسة تختفي تحت الأمواج.

21 Dec, 2015 12:29:12 PM
0

لمشاركة الخبر