Skip to main content

جراحة الجينوم

طرق محددة وسهلة لإعادة كتابة الجينات البشرية يمكن أن توفِّر أخيرًا الأدوات التي يحتاجها الباحثون لفهم وعلاج بعضٍ من أخطر الأمراض الوراثية المميتة التي تصيب الإنسان.

على مدار العَقد الأخير، وفي الوقت الذي تطوَّرتْ فيه تكنولوجيا تحديد تسلسل الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين «الدنا» تطورًا سريعًا وأصبحت أرخص، زاد فهمُنا للجينوم البشري أيضًا. ورغم ذلك فقد افتقد العلماء حتى وقت قريب المهارةَ إلى حدٍّ بعيد في محاولتهم التعديل المباشر للجينات في خلية حيَّة. فعلى سبيل المثال، يُعدُّ مرض فقر الدم المِنْجلي مرضًا مُوهنًا ومميتًا في الغالب، وينشأ عن طفرة في زوج واحد من ثلاثة مليارات زوج من قواعد الدنا لدى المريض. ورغم بساطة هذا الخطأ الجيني والاستفاضة في دراسته، لا يزال الباحثون الطبِّيون عاجزين عن إصلاحه وإيقاف آثاره المدمرة.

والآن هناك أمل جديد يتمثَّل في أدوات جديدة لهندسة الجينوم، لا سيما أداة «كريسبر». وهذه التكنولوجيا يمكن أن تُتيح للباحثين إجراء عمليات جراحية مجهرية على الجينات لتغيير تسلسل الدنا بدقة وبسهولة في مواقع محددة على الصبغي. وإضافة لتقنية أخرى تُسمى «تالينز»، تقنية أقدم قليلًا ابتُكرتْ منذ عدة سنوات وتعتمد على جزيئات تسمَّى نيوكليز إصبع الزنك، ستجعل تقنية كريسبر أساليب العلاج الجيني قابلة للتطبيق على نطاق أوسع، وتقدم علاجات لاضطرابات جينية بسيطة مثل فقر الدم المِنْجلي، بل ستؤدي في النهاية إلى توفير علاجات لأمراض أكثر تعقيدًا تتضمن جينات متعددة. ومعظم أساليب العلاج الجيني التقليدية تضع بلا إتقان مادة جينية في مكان عشوائي في الخلية ويمكنها إضافة جين واحد فحسب. على النقيض من ذلك، فإن تقنية كريسبر وغيرها من الأدوات الجديدة تمنح العلماء طريقة محددة لإلغاء وتعديل أجزاء محددة من الدنا، حتى من خلال تغيير أحد أزواج القواعد. وهذا يعني أنهم قادرون على إعادة كتابة الجينوم البشري كما يشاءون.

من المحتمل أن تستغرق هذه الجهود عدة سنوات على الأقل قبل أن تطبَّق في العلاج البشري، لكن ثمَّة عددًا متزايدًا من الباحثين الأكاديميين الذين شهدوا نجاحًا أوليًّا في التجارب المتعلقة بفقر الدم المنجلي وفيروس العَوَز المناعي البشري والتليُّف الكيسي (انظر الجدول بعنوان «الطريق إلى العلاج»). وأحد هؤلاء الباحثين هو جانج باو، وهو باحث في الهندسة الحيوية في معهد جورجيا للتكنولوجيا، والذي استخدم بالفعل تقنية كريسبر في تصحيح طفرة الخلية المنجلية في الخلايا البشرية المزروعة في طبق. بدأ باو وفريقه العمل في ٢٠٠٨ باستخدام نيوكليز إصبع الزنك. ويقول باو إنه عندما ظهرت تقنية تالينز تحوَّلت المجموعة سريعًا إليها، ثم بدأتْ تستخدم أداة كريسبر فور توافرها. ورغم أن باو يطمح إلى العمل في النهاية على مجموعة متنوعة من الأمراض، فإنه يرى أن من المنطقي أن يبدأ بمرض فقر الدم المنجلي، فيقول: «إذا اخترنا مرضًا لعلاجه باستخدام تعديل الجينوم يجب أن نبدأ بشيء بسيط نسبيًّا، كمرضٍ ينشأ بسبب طفرة واحدة في جين واحد ويتضمَّن نوعًا واحدًا فقط من الخلايا.»

ولدى باو فكرة عن كيفية عمل هذا العلاج؛ ففي الوقت الحالي، يستطيع الأطباء علاج نسبة قليلة من مرضى فقر الدم المنجلي من خلال العثور على متبرِّع بشري يتطابق نخاع العظام لديه مناعيًّا مع المريض؛ ومِن ثَمَّ يستبدل الجرَّاحون بعضًا من الخلايا الجذعية لنخاع عظام المتبرِّع بتلك الخاصة بالمريض. ولكن لا بد أن يكون المتبرع متطابقًا بدقة مع المريض، وإلَّا فقد يمثِّل الرفض المناعي — وهو مشكلة قد تفضي إلى الموت — خطرًا كبيرًا. أما علاج باو فسوف يجنِّبنا كل ذلك. فبعد زرع خلايا طليعية لخلايا الدم تسمَّى الخلايا الجذعية المكونة للدم من نخاع عظام المريض المصاب بفقر الدم المنجلي، سيستخدم العلماء تقنية كريسبر لتصحيح الجين المعيب. وبعد ذلك سيتم إعادة الخلايا الجذعية المصحَّحةِ الجينِ إلى المريض لتنتج خلايا دم حمراء سليمة لتحل محل الخلايا المصابة بفقر الدم المنجلي. وعن هذا يقول باو: «حتى لو تمكنَّا من استبدال ٥٠ في المائة من الخلايا سيشعر المريض بتحسُّن كبير، وإذا استبدلنا ٧٠ في المائة من الخلايا، فسوف يُشفى المريض.»

ورغم أن عُمر تعديل الجينوم باستخدام تقنية كريسبر يجاوز العام بقليل، فإنها تعيد ابتكار ملامح البحث الجيني بالفعل. وبصفة خاصة تُمكِّن هذه التقنية العلماء من إجراء تغييرات جينية متعددة في الخلية الواحدة بسرعة وفي وقت واحد. وكثير من الأمراض التي تصيب البشر، مثل أمراض القلب وداء السكري ومختلف الأمراض العصبية، تنجم عن أشكال متنوعة عدة في كلٍّ من جينات المرض والجينات الطبيعية. إن فكَّ طلاسم هذا الأمر المعقَّد باستخدام عينات من الحيوانات لطالما كان عملية بطيئة ورتيبة. وعن هذا يقول رودولف يانش عالم الأحياء في معهد وايتهيد في كامبريدج، ماساتشوستس: «من أجل الإجابة عن أسئلة كثيرة في الأحياء نحتاج لمعرفة كيف تتفاعل الجينات المختلفة، ولمعرفة ذلك نحتاج لوضع الطفرات في جينات متعددة.» ويستطرد يانش فيقول إن استخدام الأدوات التقليدية لإنتاج فأر به طفرة واحدة يمكن أن يستغرق عامًا. وإذا أراد أحد العلماء إنتاج حيوان متعدد الطفرات، فلا بد أن يتم إجراء التغييرات الجينية تباعًا، ويمكن أن يمتد الإطار الزمني للتجربة الواحدة لسنوات. وفي المقابل، في الربيع الماضي قال يانش وزملاؤه، بمن فيهم فينج جان الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (الذي كان ضمن قائمتنا التي ضمَّت ٣٥ مبتكرًا تحت سن الخامسة والثلاثين لعام ٢٠١٣): إن تقنية كريسبر مكَّنتْهم من خلق سلالة من الفئران بها طفرات متعددة خلال ثلاثة أسابيع.

ونظرًا لأن نظام كريسبر يسهُل تعديله لاستهداف أي جين بعينه، فإن هذه التكنولوجيا تمكِّن الباحثين من إجراء تجارب تدرس عددًا كبيرًا من هذه الجينات. وفي ديسمبر صنعتْ فِرَقٌ بقيادة جان وإيريك لاندر الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مكتبات كريسبر، وتستهدف كلٌّ منها جينًا بشريًّا مختلفًا. وهذه المجموعات الشاسعة التي تمثِّل تقريبًا كل الجينات البشرية أصبحتْ متاحةً للباحثين الآخرين. وتَعِد هذه المكتبات بإسراع إيقاع دراسات الجينوم الكلي في مجال العوامل الوراثية المسبِّبة للسرطان وكثير غيره من الأمراض التي تصيب البشر.

خيارات التعديل

  ١ ٢ ٣
  تقنية نيوكليز إصبع الزنك تقنية تالينز تقنية كريسبر
ما هي؟ عبارة عن بروتين يتكون من إنزيم قاطع للدنا ومنطقة ممسكة بالدنا يمكن تصميمه للتعرف على الجينات المختلفة. هي أيضًا بروتين يتكون من إنزيم قاطع للدنا ومنطقة جاذبة ممسكة بالدنا يمكن برمجته للتعرف على مختلف الجينات، لكنها أسهل في التصميم من نيوكليز إصبع الزنك. بروتين قاطع للدنا يوجهه جزيء من الحمض النووي الريبي «الرنا» قادر على العثور على الجين المحدد محل الاهتمام.
المزايا والعيوب كانت أول أداة قابلة للبرمجة لتعديل الجينوم، لكنها تعتمد على البروتينات التي يصعب تعديلها من أجل أهداف جينية جديدة. من الممكن حدوث قطوع قد تكون خطيرة ناشئة عن الاستهداف الخاطئ. على الرغم من كونها أبسط وأرخص في التصميم من تقنية نيوكليز إصبع الزنك فلا تزال هناك صعوبة في إنتاج وتقديم بروتينات التالين. ثمة مشكلة تتمثل في احتمال حدوث قطوع ناشئة عن الاستهداف الخاطئ. هذه التقنية متاحة وسهلة الاستخدام ومناسبة للاستخدام مع التجارب عالية الإنتاج والتي تتم على جينات متعددة. وكما هو الحال مع الأداتين الأخريين فمن الممكن حدوث قطوع ناشئة عن الاستهداف الخاطئ.

نظام تحديد المواقع بالجينوم

وُلِدت صناعة التكنولوجيا الحيوية في عام ١٩٧٣ بإدخال دنا دخيل في بكتيريا على يد هيربرت بوير وستانلي كوهين اللذين كانا قد طوَّرا ذلك الدنا في المختبر من قبل. وفي غضون بضعة سنوات، كان بوير قد شارك في تأسيس شركة جينينتيك، وبدأتِ الشركة استخدام الإشريكية القولونية المعدَّلة بجين بشري لتصنيع الإنسولين من أجل علاج داء السكري. وفي عام ١٩٧٤ كان يانش في معهد سالك للدراسات البيولوجية في سان دييجو وأنتج أول فأر معدل وراثيًّا باستخدام فيروسات لخلط جينوم الحيوان بقطعة من الدنا من أحد الأنواع الأخرى. في هذه الأمثلة وغيرها من الأمثلة المبكرة في مجال الهندسة الوراثية، كان الباحثون مقتصرين على الأساليب القائمة على إدخال دنا دخيل إلى الخلية عشوائيًّا. ولم يكن بوسعهم سوى تمني الحصول على أفضل النتائج.

لقد استغرق الأمر ما يزيد على العقدين قبل أن يُصبح علماء الأحياء الجزيئية ماهرين في تغيير جينات محددة في جينوم الحيوانات بكفاءة. وتوصَّلت دانا كارول من جامعة يوتا أن نيوكليز إصبع الزنك — وهي بروتينات معدَّلة وراثيًّا تحدَّث عنها زملاؤها في جامعة جونز هوبكنز في عام ١٩٩٦ — يمكن استخدامها كأداة قابلة للبرمجة لاستهداف الجينات. فيمكن تصميم أحد طرفَي البروتين بحيث يتعرَّف على تسلسل دنا معين، أما الطرف الآخر فيقطع الدنا. وعندما تُصلِح الخلية بطريقة طبيعية هذه القطوع، يمكنها رتق الجينوم عن طريق النسخ من الحمض النووي الدخيل الذي وُضع بها. ورغم أن هذه التقنية مكَّنتِ العلماء في نهاية الأمر من إجراء تعديلات بكل ثقة على الجزء المراد على الصبغي، فإنها صعبة الاستخدام. فكلُّ تعديل يتطلَّب من الباحث أن يصمِّم بروتينًا جديدًا مخصَّصًا للتسلسل المستهدف، وهذه مهمة صعبة ومستهلِكة للوقت، فضلًا عن أنها لا تنجح دائمًا؛ لأن البروتينات تتطلَّب التدقيق البالغ في التفاصيل.

تُعتبر تقنية التالينز تقدُّمًا آخر مميزًا في تعديل الجينات ظهر في عام ٢٠١٠. والتالينز هي الأخرى بروتينات تجد تسلسل الدنا المرغوب وتقطعه، لكن تصميمها لاستهداف جينات جديدة يعد أسهل بكثير. ورغم أنها مثَّلت تطورًا كبيرًا مقارنةً بتقنية إصبع الزنك، فإن التالينز بروتينات كبيرة يصعب العمل بها وإدخالها في الخلايا.

أما تقنية كريسبر فغيَّرت كل شيء؛ إذ أبدلت البروتينات المستهدفة للدنا بقطعة قصيرة من الحمض النووي الريبي «الرنا» تستهدف الجينات المرغوبة مباشرةً. وعلى النقيض من البروتينات المعقدة، فإن الرنا — الذي يتميَّز بتركيب الدنا البسيط ذاته — يمكن تحضيره بصورة روتينية في المختبر؛ إذ يمكن للفني بسرعة تخليق التسلسلات التي يبلغ طولها ٢٠ حرفًا تقريبًا والمستخدمة في التقنية. ويسهِّل هذا النظام على الباحثين الطبِّيين تعديل الجينوم من خلال استبدال أو حذف أو إضافة الدنا.

وكلمة كريسبر بالإنجليزية ترمز اختصارًا لعبارة: «التكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد»؛ وهي عناقيد من تسلسلات الدنا القصيرة التي تُقرأ من الأمام كما تُقرأ من الخلف، وتوجد في أنواع كثيرة من البكتيريا. وقد لاحظ العلماء لأول مرة قطاعات الدنا المحيِّرة في ثمانينيات القرن العشرين، لكنهم لم يفهموا على مدى عقدين أنها جزءٌ من النظام الدفاعي للبكتيريا. فعند هجوم أحد الفيروسات تستطيع الخليَّة ضم تسلسلات الدنا الفيروسي إلى مادتها الوراثية وتحصرها بين قطاعاتها المتكررة. وفي المرة التالية التي تواجه فيها البكتيريا ذلك الفيروس تستخدم الدنا الموجود في هذه العنقوديات لتصنع أحماض الرنا التي تتعرَّف على التسلسلات الفيروسية المتطابقة معها؛ ويقوم أحد البروتينات المتصلة بأحد أحماض الرنا بقطع الدنا الفيروسي.

في عام ٢٠١٢ أوضحتْ إيمانويل شاربنتيه اختصاصية علم الأحياء الدقيقة الطبي التي تدرس مسبِّبات الأمراض في مركز هيلمهولتس لأبحاث العدوى، وشريكتها جينيفر دودنا من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، أنه بإمكانهما استخدام حمض رنا واحد بالإضافة إلى البروتين القاطع؛ وهو إنزيم يسمى كاس ٩، لتقطيع تسلسل الدنا المرغوب في أنابيب الاختبار. وكانت احتمالية نجاح هذه الطريقة في الخلايا الحيوانية محل شكٍّ إلا أنه في يناير ٢٠١٣ حدثتْ طفرة مذهلة؛ فقد أعلن جان وجورج تشيرتش عالِم الجينات في كلية طب هارفرد، كلٌّ بمفرده، أن نظام كريسبر/كاس ٩ يمكن استخدامه في تعديل الخلايا الحيوانية، بما فيها خلايا البشر.

والآن كلُّ ما يحتاجه الباحث الذي يريد دراسة جين جديد هو فقط تخليق بروتين كاس ٩ وبعضٍ من الرنا المتوافق مع تسلسلات المنطقة المستهدفة. وبعد ذلك سيرشد الرنا الإنزيم نحو الدنا الذي يريد الباحث قطعه. ونظرًا لاستخدام البروتين القاطع نفسه بغض النظر عن الهدف، فبإمكان الباحثين تصميم تجارب يغيِّرون فيها جينات متعددة في الكائن في الوقت نفسه باستخدام كاس ٩ والعديد من أحماض الرنا المرشدة. وتعلِّق دودنا فتقول: «يعدنا هذا بإجراء تجارب كانت في الماضي صعبة للغاية أو غير ممكنة من الأساس.»

ألغاز معقدة

يهتم جان، الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعضو معهد برود ومعهد ماكجفرن لأبحاث المخ، بالعوامل الوراثية المسبِّبة للأمراض العقلية. ومحاولةً لفهم تلك الحالات المعقدة، ساعد جان في تطوير أدوات تعديل جينات وخليات عصبية متعددة من بينها التالينز وعلم البصريات الوراثي، وهو تقنية للتحكم في نشاط الخلية العصبية باستخدام ضوء الليزر. وعندما سمع جان لأول مرة عن تقنية كريسبر في عام ٢٠١١ بدأ يعدِّل منها كي يستخدمها في الخلايا البشرية. والآن يستخدم تقنية كريسبر لكشف الأسرار الوراثية وراء تلك الأمراض المدمرة عصيَّة الفهم؛ مثل الفصام والتوحُّد.

وهذه الأداة تمكِّن جان من البدء في الاختبار المنهجي لبعض الأشكال المختلفة من الدنا المرتبطة بهذه الأمراض. وعلى الرغم من إحراز تقدُّم كبير في العقد الماضي فيما يتعلق بتحديد الجينات الشائعة في الأشخاص المصابين بهذه الأمراض، فإن فهم علاقة تلك الجينات بالأعراض يمثل تحديًا صعبًا. وعن هذا يقول جان: «ما نعرفه من تحديد تسلسل الحمض النووي هو ملاحظة وحسب.» من أجل فهم إن كان الجين المشتبه فيه هو السبب فعلًا في المرض يجب إدخال طفرة محددة إلى الخلايا أو الكائنات السليمة ومراقبة الخلل الذي سيحدث. فإذا أظهرت الخلية الطافرة أو الكائن الطافر صفات تحاكي المرض البشري فهذا دليلٌ يحمل المسئولية إلى الجين.

يستطيع جان، في كلٍّ من فئران المختبر وفي الخلايا البشرية المزروعة، إعادة إنتاج الطفرات الجينية الموجودة لدى الأشخاص المصابين بالتوحد والفصام، وعن هذا يقول: «يمكنك وضع الطفرة البشرية في الجين المشابه في حيوان المختبر؛ ومِن ثَمَّ تلاحظ هل سيقل التواصل الاجتماعي لدى هذا الحيوان أو هل سيُصاب بإعاقة من إعاقات التعلُّم؟» ويضيف أنه بعد ذلك يمكنك دراسة الاختلافات في سلوك وفسيولوجية الخلايا العصبية المزروعة في المختبر والمأخوذة من الخلايا الجذعية التي تمَّ تعديلها بالطفرة نفسها. ويقول: «من خلال طفرات الجين الواحد، سنبدأ في ملاحظة مظاهر الوظائف الحيوية المرتبطة بالتوحد.»

الطريق إلى العلاج

  مرض فقر الدم المنجلي فيروس العوز المناعي البشري التليُّف الكيسي
الاستراتيجية تصحيح طفرة فقر الدم المنجلي الموجودة في الخلايا الجذعية المأخوذة من المريض، ثم حقن المريض بالخلايا مرة أخرى؛ أو إعادة تنشيط جين الهيموجلوبين الجنيني الخامل في نفس نوع الخلية. منع فيروس العوز المناعي البشري من الانتشار في خلايا مناعية جديدة لدى المريض المصاب من خلال تغيير الجينات التي يستخدمها الفيروس لدخول الخلايا في الخلايا الطليعية للخلايا المناعية؛ أو تدمير فيروس العوز المناعي البشري غير النشط الموجود في الجينوم البشري من خلال تغيير الجينات الفيروسية اللازمة لذلك. تصليح طفرات التليُّف الكيسي في جينوم خلايا الممرات الهوائية وغيرها من أنواع الخلايا المصابة.
الوضع نجحت استراتيجية التصحيح في الخلايا البشرية الموجودة في طبق بتري، وتم استخدام كلٍّ من نيوكليز إصبع الزنك والتالينز والكريسبر بنجاح. وتحققت استراتيجية إعادة التنشيط باستخدام نيوكليز إصبع الزنك في الخلايا البشرية والفئران. لا تزال استراتيجية المنع المعتمدة على نيوكليز إصبع الزنك في طور الاختبار على البشر؛ واستُخدمت صور من التالينز والكريسبر في الخلايا المختبرية. ونجحت أيضًا استراتيجية التخلص من الفيروس غير النشط باستخدام نيوكليز إصبع الزنك والكريسبر. اتضح أن كلًّا من نيوكليز إصبع الزنك والتالينز يصحِّح جين التليف الكيسي في خلايا الممرات الهوائية المزروعة؛ ويمكن لتقنية كريسبر تصحيح الجين في الكتل المزروعة الشبيهة بالعضو والمصنوعة من الخلايا الجذعية المعوية البشرية.

يستخدم جان أداة كريسبر أيضًا لإجراء تغييرات جينية متعددة في وقت واحد، وأصبح هذا الأمر مهمًّا على نحو خاص في حالة الأمراض المعقدة، مثل التوحد والفصام، التي لا تنشأ في الغالب بسبب نوع تغيُّر الدنا الوحيد المسئول عن مرض فقر الدم المنجلي. يتأثر مختلف المرضى بمجموعات مختلفة من الطفرات؛ ويتطلب حل لغز هذا التعقيد الهائل دراسات كبيرة ومنهجية حول آثار مختلف الجينات وطريقة تفاعلها. ويقول جان إن تقنية كريسبر تجعل تلك الدراسات ممكنة، وإنها ستكون مهمة في التوصل لعلاجات لمجموعة مختلفة من الأمراض المعقدة. ويعلق قائلًا: «سنفهم المزيد عن الممرات وآليات المرض، وهذه المعرفة ستلهمنا كل سبل تطوير الدواء.»

أطفال مُعَدَّلون وراثيًّا

في أواخر العام الماضي أسستْ دودنا وجان وتشيرتش واثنان آخران من رواد تعديل الجينوم، شركةً جديدة ستطور علاجات مبتكرة للأمراض الوراثية البشرية. وفي نوفمبر، أعلنت الشركة التي حملت اسم إيديتاس مديسين أنها جمعت رأس مال مخاطر يبلغ ٤٣ مليون دولار أمريكي، وقالت إنها تخطط لاستخدام تقنيات تعديل الجينوم في علاج قطاع عريض من الأمراض.

لا بد أن يستفيد انطلاق شركة إيديتاس من عودة الاهتمام بالعلاج الجيني بفضل سنوات من التحسينات التكنولوجية التي شملتْ آليات أكثر أمانًا لتقديم العلاج. وعن هذا يقول تشيرتش: «لقد تغيَّر المشهد بالنسبة إلى العلاج الجيني.» (حتى الآن ليس هناك أي علاج جيني مصرَّح به في الولايات المتحدة رغم وجود عدد من العلاجات قيد الاختبار على البشر.) ورغم ذلك فإنه يقول إن العلاجات التي ستطورها شركة إيديتاس ستكون مختلفة جذريًّا عن الأساليب القديمة التي تستخدم الفيروس لإدخال الجين إلى الخلايا.

يقول تشيرتش: «إن إجراء تعديل أو حذف لهو أمرٌ خارج نطاق معظم الأساليب الفيروسية البسيطة.» ويضيف أنه ربما يكون حذفُ جزءٍ قليل من الدنا، بدلًا من إضافة أحد الجينات، هو أساس معالجة الكثير من الأمراض. ولنضرب مثالًا بمرض هنتنجتون؛ فمرض المخ المميت هذا ينشأ من تراكم بروتين سام في الخلايا العصبية؛ وإضافة نسخة سليمة من الجين إلى الخلية لن تؤثر على نشاط البروتين السام؛ ومِن ثَمَّ لا بد من إعادة كتابة النسخة المعيبة الأصلية. ويقول تشيرتش إنه باستخدام أدوات تعديل الجينوم الجديدة قد يكون ممكنًا إعادة كتابة الدنا المعيب. ثم يضيف: «لستَ مقتصرًا على إعادة شيء مفقود، فعندما تبدأ في إدراك أن نسخ الجينات الأكثر شيوعًا ليست بالضرورة هي النسخ المثالية، ستدرك أن هذا المجال أكبر من هذا بكثير.» وربما يتمكن العلماء من إعادة كتابة الجينات العادية كي تتحسَّن قدرة البشر على مقاومة الأمراض المعدية، بل ربما يتمكنون من تغيير الممرات الجزيئية المرتبطة بتقدُّم السن.

ويتوقع تشيرتش كذلك أنه لو تم استخدام تعديل الجينوم في علاج أمراض الطفولة فقد يرغب بعض العلماء في استخدام هذه الطريقة لتعديل الأجنة خلال الإخصاب في المختبر. لقد أظهر الباحثون بالفعل أن تعديل الجينوم بإمكانه إعادة كتابة تسلسلات الدنا في أجنَّة الجرذان والفئران، وفي أواخر يناير، أعلن باحثون في الصين أنهم قد خلَّقوا حميرًا معدَّلة وراثيًّا باستخدام تقنية كريسبر. وباستخدام هذه التقنيات قد يكون من الممكن تعديل جينوم الشخص قبل ميلاده، بل وقبل الحمل إذا أجريت التغييرات في البويضات أو في الخلايا المنتجة للحيوانات المنوية للوالد المحتمل.

وتثير هذه الاحتمالات تساؤلات أخلاقية، لكن إذا تمكَّن الباحثون من إثبات قدرتهم على تصحيح الأمراض بأمان عن طريق تعديل الجينوم، فمما لا شك فيه أن بعض الآباء سيرغبون في تغيير جينوم الأجنة الأصحاء. ويعلق تشيرتش قائلًا: «إذا كان بإمكانك منع التأخر العقلي باستخدام العلاج الجيني، بفرض أن هذا مسموح، فستكون هناك مجموعة ضخمة من التحديات الفكرية اللازم مناقشتها.»

ومن المحتمل أن تحتدم هذه المناقشات مع استخدام تقنية كريسبر على نطاق أوسع. أما الآن وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا لا تزال قيد التطوير، إذ يأمل في نهاية المطاف الباحثون أمثال باو وتشيرتش وجان في علاج بعض الأمراض عصية العلاج، فإنهم يقضون جزءًا كبيرًا من وقتهم في مجرد إدخال التحسينات الدقيقة على الأدوات واستكشاف إمكانياتها. ورغم ذلك، فحتى في هذه الأيام المبكرة فقد غيرت تقنية كريسبر بالفعل طريقة تفكير هؤلاء الباحثين في التحكم في الجينوم، ولم يعودوا مكتوفي الأيدي.

21 Dec, 2015 03:58:22 PM
0

لمشاركة الخبر